رووداو ديجيتال
هوار إسماعیل
تعرض #الشعب الكوردي# منذ تأسيس الجمهورية التركية إلى الصهر، وفرض الحظر على لغته، إلى جانب السعي لمحو واستئصال كل ما يمت للكورد بصلة. من جهة أخرى تعرض الشعب الكوردي لحملات إبادة جماعية على أثر انتفاضات كوجكري والشيخ سعيد وسيد رضا. فكانت النتائج كارثية لدرجة أن شباباً كورد انضموا إلى أحزاب #قومية تركية#.
استضاف برنامج بصمة الذي يقدم على شاشة تلفزيون رووداو، محمود آكيوراكلي، الكوردي الذي انضم منذ صباه إلى حزب الحركة القومية التركي، وألف العديد من كتب التاريخ عن انتفاضات الشيخ سعيد وديرسيم وغيرهما، ولديه أرشيف كبير، حصل عليه بصورة خاصة من الأرشيف العثماني، ليشهد على عدد من الأحداث.
ولد محمود آكيوراكلي سنة 1956، وأصبح معلماً سنة 1976، وواصل مهنة التعليم عشر سنوات، وفي 1979 التحق بدراسة التاريخ في جامعة فرات، وأكمل الدراسة سنة 1985.
خلال الفترة (1987 -1988) أصدر مجلة أسبوعية اسمها (غايا غزتسي)، وأصدر أول كتبه بعنوان تأديب كورد ديرسيم (1937 – 1938) سنة 2010.
أدناه حوار شبكة رووداو الإعلامية مع محمود آكيوراكلي:
رووداو: ألفتم العديد من الكتب وبصورة خاصة عن تاريخ العلاقة بين الكورد والأتراك، أود أن يكون سؤالي الأول هو كيف كانت العلاقة بين الكورد والأتراك؟ وبصورة خاصة في العهد العثماني..
محمود آكيوراكلي: بدأت العلاقة بين الكورد والأتراك قبل ألف سنة من الآن. عندما كان أرصلان يابو، شقيق الغازي أرطغل، سجيناً في قَلَنجَر، كان غزنَلي محمود قد حبسه، وجاءت 2000 عائلة من أتباعه وسلمت نفسها للرواديين. هذه هي أولى العلاقات.
رووداو: هل كان الرواديون إمارة كوردية أم دولة؟
محمود آكيوراكلي: كانوا دولة، ونشأ صلاح الدين الكوردي وعائلته في تلك الدولة. كانت دولة رئيسة وكانت كبيرة في حينها.
وقتها كانت هناك ثلاث #دول كوردية# بين مناطق البيزنطيين وبين بغداد. في الجزء الأعلى، كانت هناك جبهة الجورجيين، الجورجيين والأرمن، وكانت الدولة الشدادية هناك، وإلى أدنى منها كانت الدولة الروادية التي نطلق عليها اليوم سيليفان/ فارقين والجزيرة والموصل، وبينهما كانت هناك الدولة المروانية. كانت ثلاث دول كوردية.
لم يكن الأتراك حينها قد أسسوا دولة في وسط الأناضول وإيران بعد. كانوا حينها من الرحّل. بداية العلاقة بين الكورد والأتراك كانت من هناك. ثم استمرت بعدها في عهد السلاجقة، وتطورت في العهد العثماني. في عهد السلطان العثماني ياووز، كان المؤرخ الكوردي إدريس البدليسي، وهو أصلاً مؤرخ صفوي كان يعيش في القصر الصفوي ويدون تاريخ الصفويين، فبعث إليه يلدرم خان، والد ياووز، وكتب إليه: أنت سني فلم لا تدون تاريخ القزلباش، ودعاه ووعده بأموال وأملاك كثيرة. فما كان منه إلا أن جاء إلى إسطنبول حيث ألف ثمانية كتب عن التاريخ العثماني، وهي المجموعة التي تعرف باسم الجنات الثمان، واتخذ من ثمانية سلاطين عثمانيين أساساً لكتبه، بدأهم بالغازي أرطغل فالغازي عثمان فمراد الأول ومراد الثاني وصولاً إلى الفاتح ويلدرم والد ياووز.
عندما كان إدريس البدليسي في إسطنبول، انقلب ياووز على والده وعزله وحل محله، فنشأت علاقة بين إدريس البدليسي وياووز. بعدها دخل أمراء كورد، تقول وثائق إن عددهم كان 27 وتقول أخرى إن عددهم كان 32، في تحالف مع العثمانيين ضد الصفويين، وهناك نشأت العلاقة الأقوى. فترة العلاقات والتحالفات والتحركات المشتركة الكوردية – العثمانية كانت بين العامين (1510 -1517) ومن خلال إدريس البدليسي.
رووداو: هل كانت تلك العلاقة علاقة تبعية أم علاقة تكافؤ؟
محمود آكيوراكلي: كانت العلاقة حينها علاقة تكافؤ، وكان كل أمير يقيم علاقات مع العثمانيين وفقاً لمطالبه وخصوصيات دولته الإدارية. أقام كلٌ علاقاته مع العثمانيين لوحده، ولم يفعلوا ذلك مجتمعين. كان كل أمير يعرض على العثمانيين مطالبه وفقاً لرؤاه ووافق العثمانيون عليها كلها، واستمرت العلاقات تلك وبتلك الصورة حتى 1800.
رووداو: هل يمكن أن نقول إن إدريس البدليسي خرب البيت الكوردي؟
محمود آكيوراكلي: لا.
رووداو: لماذا؟ مثلاً، لماذا لم تستطع كل تلك القبائل اختيار رئيس لها؟
محمود آكيوراكلي: هذا العيب ليس خاصاً بالكورد، بل هو عيب ملتصق بكل الشعوب المتخلفة. الأتراك أيضاً، استغرق الأمر ألف سنة حتى أقاموا دولتهم، كان الأخ يقتل أخاه. في عهد السلطان محمد خان الفاتح، أصدر السلطان قانوناً أحل قتل الأخ لأخيه، والمبرر هو الحؤول دون تشتت حكمه. لكن صلاح الدين، مثلاً، لم يفعل ذلك، وأدى ذلك بعد وفاته إلى تفتيت الإمبراطورية الأيوبية على يد الإخوة. الكورد أيضاً، كان كل أمير كوردي في تلك الفترة يطالب بشخصيته وحكمه، وهو ما منع الاتفاق بينهم.
رووداو: هذا يعني أن بإمكاننا القول إن إدريس البدليسي، دوّن التاريخ العثماني؟
محمود آكيوراكلي: دوّن التاريخ العثماني من البداية، وألف ثمانية مجلدات، لكن يوجد شيء خاص هنا وهو أن الأتراك لم يترجموا مؤلفاته إلى التركية حتى الآن، وهي بالفارسية.
رووداو: لماذا؟
محمود آكيوراكلي: لماذا؟ كلمة مثيرة. لماذا؟ نحن نتوقع. نحن المؤرخون والبيروقراطيون نعلم أن العثمانيين قبل أن يصبحوا دولة وعندما تأسست دولتهم أول الأمر كإمارة، تلقوا الكثير من الدعم من الكورد. لم نكن نعرف هذا في السابق، لكن بعد دراستنا التاريخ، وعندما زاد عدد المؤرخين والباحثين الكورد في تركيا، انكشف هذا. كيف انكشف؟
نعلم أنه في عهد الغازي أرطغل عندما كانت الدولة العثمانية إمارة في إيزنيك (بلدة تابعة لمحافظة بورصا حالياً) وكانت في طور التحول إلى دولة، كانت للدولة العثمانية ثلاثة أسس، أحدها العدالة والدراسة، والأخرى الجندية والثالثة الإدارية. في مجالي الإدارة والتدريس كان القضاة والمدرسون الأولون من الكورد.
كانوا يخفون هذا. فكانوا يحرفون اسم ملا غوراني إلى ملا كوراني، ويسمونه باسم آخر لكي يغطوا على كونه كوردياً. في العهد العثماني، عندما تأسست الإمارة العثمانية، كان أكبر علمائهم في إيزنيك كوردياً وهو تاج الدين الكوردي. ورد اسمه هكذا في التاريخ العثماني مع لاحقة الكوردي، لكن الأتراك الآن يقولون تاج الدين خوجا.
رووداو: أليس تاج الدين هذا هو نفسه الذي يتحدث عنه أحمدي خاني؟
محمود آكيوراكلي: لا، هو تاج الدين الكوردي، وإلى جانبه هناك ثلاث شخصيات كوردية مهمة، أحدهم هو الشيخ أدبانلي وهو معلم الغازي عثمان وحموه. الثاني هو داود القيصري والذي نعرف أنه كوردي، وتاج الدين الكوردي لقبه كوردي، والشيخ أدبانلي تزوج واحدة من بنات تاج الدين الكوردي.
في عهد الجمهورية عندما أسسوا دولة قومية. كان يجب أن تكون هناك قومية واحدة في هذه الدولة، فغيّبوا الأمم الأخرى وصهروها. ليس الكورد وحدهم، بل صهروا الكورد والشركس والشيشان والأرمن والجورجيين وكل أمم تركيا التي تعيش في الأناضول.
رووداو: يقال إن سلاطين آل عثمان لم يكونوا أتراكاً بل جاؤوا من أفغانستان أو غيرها، لكنهم ليسوا من الأتراك في الأصل، هل هذا صحيح؟
محمود آكيوراكلي: هذا خطأ فآباؤهم وأجداهم أتراك من الناحية الإثنية، لكنهم جاؤوا من أفغانستان. الأتراك جميعهم جاؤوا من أفغانستان. في الماضي لم يكن يتواجد أتراك في الأناضول وميزوبوتاميا وإيران وأذربيجان. من أين جاء الأتراك؟ من سمرقند ومن بلخي. الأتراك جاؤوا من المناطق الواقعة بين مافرا ونهري.
رووداو: هذا يعني أن السلاطين أتراك؟
محمود آكيوراكلي: أجل، أصولهم تركية، لكن أمهاتهم لسن جميعاً تركيات. فمن بعد عثمان، لم تكن والدة أي منهم تركية، أمهاتهم بيزنطيات أو روميات.
رووداو: أي نصفهم تركي والنصف الثاني من قوميات أخرى؟
محمود آكيوراكلي: أجل، هو كذلك تماماً.
رووداو: كيف تعرض الكورد للخديعة من جانب الأتراك إبان الحرب العالمية الأولى؟ فكثيراً ما يجري الحديث عن مشاركة الكورد في الميثاق الوطني التركي، وكان لهم دور كبير في بناء الدولة التركية. لماذا فشل الكورد في أن يصبحوا شركاء للأتراك؟
محمود آكيوراكلي: في الواقع، كان الكورد شركاء أول الأمر، كانوا شركاء حتى العام 1924. كيف كانوا شركاء؟ في الكفاح الأول من أجل التحرر، عندما كانوا يقاتلون سبع دول، لم يتخل الكورد عن تركيا. شعبان عاشا معاً ألف سنة واختلطا. خاضا حرباً مشتركة في مواجهة العالم. لم تكن تلك حرب الأتراك وحدهم، كانت حرب الكورد أيضاً. في العهد العثماني، وحتى العام 1908، لم يكن هناك تمييز بين الكورد والأتراك. كان الكل عثمانيين، سواء أكانوا كورداً أم أتراكاً. بدأ التمييز فيما بعد. متى ظهر التمييز الأكبر؟ عندما تأسست الجمهورية، أطلقوا عليها اسم الجمهورية التركية، بدأ ذلك بالاسم، ولم يكن القانون الأساس (الدستور) الأول، يضم هذه الأمور، لكن في القانون الأساس الثاني سنة 1924، وبعد أن حققوا أهدافهم، خرج مصطفى كمال بما كان يبطن من أفكار ورؤى وطبقها. كان يعتقد أن هناك أمة واحدة ولغة واحدة ووطناً واحداً. لهذا لم يكن يقبل بوجود الكورد، ليس الكورد وحدهم، بل أن هناك أتراكاً آخرين، على سبيل المثال التاتار، الذين هم من المغول وليسوا أتراكاً، أغفلهم، وأغفل الجورجيين، فكانوا يرون أن هؤلاء جميعاً أتراك.
أما عن أصل مصطفى كمال، كان مصطفى كمال يجلس في قصر جانكايا، القصر الأول في أيام التأسيس بأنقرة ويحتسي الخمر كل ليلة، كان له مجلس هناك، وعندما نزل من القصر ذات ليلة مرّ من أمام المطبخ، فقال الطباخ لمرافقه أنتم أهالي سلانيك، أصولكم يهودية ولستم أتراكاً.
كما هو معلوم، كان أتاتورك من أهالي سلانيك، وقد سمع هذا الحوار، لكنه لم يلتفت ومضى في سبيله. عاد وجلس إلى طاولته، وبينما هو جالس، جاء مرافقه والطباخ بالطعام ووضعاه أمام الحاضرين. حينها التفت أتاتورك إلى صديقه وقال له: لم يكن نابوليون فرنسياً، ونابوليون من أصول إيطالية، لكنه خدم فرنسا. هذا يعني أني مقدوني لكني أخدم الأتراك. أي أن عيون الأتراك جميعاً لوزية الشكل، وأشكالهم واضحة المعالم. أتاتورك أشقر، شعره أصفر وعيناه زرقاوان، وهذه الملامح لا توجد بين الأتراك.
لا يستطيع المرء الجزم بأن أصول أتاتورك تركية، لكنه أقام في عالمه وفلسفته دولة، هي دولة قومية حسب الفلسفة الفرنسية، والنقطة الرئيسة في الدولة القومية هي أن تتكون من أمة واحدة لها لغة واحدة، ولا يقبل فيها شريك ولا مشارك.
رووداو: تتوفر عندك أدلة ووثائق كثيرة، وتستطيع قراءة اللغة العثمانية. كيف كانت علاقة الشيخ محمود البرزنجي مع أتاتورك ومع الأتراك. هل كانت بينهم علاقة أم لا؟
محمود آكيوراكلي: أجل، أجل كانت هناك علاقة. بل علاقة كبيرة. في العام 1919، عندما عقد مؤتمر أرضروم، جرى الحديث عن حركة الشيخ محمود كمثال. كانوا يتحدثون عنها لأنها تدخل في الجغرافيا العثمانية، وهناك رفع السلاح لأول مرة في وجه الإمبريالية، وكانوا كورداً. كان هو الشيخ محمود البرزنجي. حتى الآن، عندما يدور حديث بين المؤرخين الأتراك، فرادى وليس في جماعات أو بحضور الإعلام، لأنهم لا يستطيعون ولا يجرأون، يخبروننا بأنه لولا الكورد لما كان هناك نضال قومي. هم يقولون هذا.
رووداو: وما هو الدليل؟
محمود آكيوراكلي: الدليل هو أنهم أوفدوا أوزدمير. ظهرت مذكرات أوزدمير حديثاً، نحن كشفنا عنها. يوجد في مذكرات أوزدمير أنه ذهب إلى رواندز، وبعث إليه الشيخ محمود، عندما كان الشيخ محمود في مأزق، كان أول من ناضل ضد الانكليز على نطاق واسع، أسروه، ونفوه إلى الهند، مكث هناك فترة، ثم عندما عاد الشيخ محمود، كلفه الانكليز بإقامة مملكة كوردية ويكون هو ملك الكورد، لكن الشيخ محمود رفض. رفض لأنه لم يكن يثق بالانكليز، ويعرف أن الانكليز لا يؤمن جانبهم. ثم يقارن الشيخ محمود، وربما قارن بين امتزاج الكورد والأتراك ألف سنة، وتاريخهم مع العثمانيين الذي امتد 600 سنة، ولا يستطيع المرء إغفال 600 سنة من التاريخ. فأقام علاقات مع العثمانيين، مع قسم من العثمانيين، وهذه الوثائق موجودة في الأرشيف العثماني، والأرشيف العسكري لتركيا، أرشيف القائد الأعلى للجيش، ورسائل الشيخ محمود محفوظة في هذا الأرشيف.
رووداو: هل اطلعتم عليها؟
محمود آكيوراكلي: أجل، اطلعت عليها. يبعث الشيخ محمود خبراً ويقول ابعثوا إلي برجل، ضابط عثماني، أعني ضابطاً عثمانياً، وكذلك سنجقاً عثمانياً. ويقول أيضاً، زودونا بالسلاح والعتاد. لم يكن أتاتورك حينها يعرف باسم أتاتورك، بل كان مصطفى كمال ويعرف بالغازي. فبعث مصطفى كمال بأوزدمير لوحده، وكان أوزدمير يتولى قيادة الميليشيات عند تحرير عنتاب من العدو. ما يعني أنه كان خبيراً بحرب العصابات، فبعثوه، وجاء إلى رواندز وإلى كويسنجق. لم يمكث فترة طويلة، وكانت معه مفرزة، شكل مفرزة من نحو 60 أو 70 رجلاً، وعقد لقاءات مع كل العشائر الكوردية في المنطقة، وساند الشيخ محمود. كان يجتمع مع الشيخ محمود مرات كثيرة. ثم عقد اتفاق بينه وبين الشيخ محمود.
رووداو: أي أن أوزدمير والشيخ محمود التقيا..
محمود آكيوراكلي: ليس مرة واحدة، بل التقيا مائة مرة، ثم اتفقا على 10 مواد، سبق وأن نشرتها في كتاب ألف سنة من تاريخ الكورد والأتراك. كانت المواد العشر تتناول كيفية تأسيس كوردستان من الناحية الإدارية...
رووداو: أي أن الأتراك وافقوا على وجود كوردستان؟
محمود آكيوراكلي: أجل، وافقوا على أن تكون هناك كوردستان، وأوفد أوزدمير أحد ضباطه لهذا الغرض، مع رفيق حلمي في السليمانية، وفتاح بك، وآخر لا أذكر اسمه الآن. أرسلوا هؤلاء، فحملوا ذلك الاتفاق وتلك الأوراق معهم إلى أنقرة. جاؤوا إلى أنقرة، وأرسل أوزدمير رسالة إلى رئيس الوزراء ونائب الرئيس التركي حينها، رؤوف بك، ورسالة إلى الغازي مصطفى كمال. يقول اسمعوا لهؤلاء، هذا مهم لنا. هذه الجغرافيا لا ينبغي أن تخرج من تحت يدنا، فهي أرض مقدسة عندنا. جاؤوا، وجاء مرافق مصطفى أتاتورك، الذي لم يكن قد أصبح حينها أتاتورك، واستضافهم في فندق في أولوس، وهو حي بوسط أنقرة، ومكث رفيق حلمي مع فتاح أفندي في تركيا نحو شهرين أو ثلاثة.
رووداو: لكنهم لم يلتقوا أتاتورك، أو لنقل مصطفى كمال؟
محمود آكيوراكلي: أتاتورك ضرب لهم مواعيد متعددة، وحينها كان عصمت أونونو يساوم الانكليز في لوزان. نعم. كانت تلك أكبر مساومة، وكانوا يستخدمون السلاح الكوردي كاحتياطي بصورة مستمرة، أي كانوا يضعونه جانباً.
رووداو: أي أنهم احتالوا على الكورد؟ أم ماذا؟
محمود آكيوراكلي: سياسات الدول.
رووداو: كان يبعث أوزدمير من جهة ويفعلون ذلك من جهة أخرى.
محمود آكيوراكلي: قصة إرسال أوزدمير كانت هكذا. عندما أرسله، كان يجب أن يكون هنالك سوق للمساومة مع الانكليز، وكا يجب أن يكونوا أقوياء، الأتراك استقووا بقدرات الكورد في مواجهة الانكليز.
عندما اتفقوا في لوزان، أغلق الملف، ولم يلتق مصطفى كمال برفيق حلمي، بل أخبروه أن الغازي مريض ولا يستطيع أن يلتقيكم، وبإمكانكم أن تعودوا أدراجكم. فحملوا أوراقهم وعادوا، وقد كتب رفيق حلمي في مذكراته أنهم عادوا إلى السليمانية. بترت المسألة الكوردية هناك.
أما مسألة الموصل فلم تحل في لوزان وظلت مشكلة عالقة بين الأتراك والانكليز. هذه القضية، قضية الموصل، سيبحثونها بعد سنة، تركوا قضية الموصل لمدة سنة. كان أتاتورك ذكياً جداً، لماذا؟ فلو أن قضية الموصل نوقشت في لوزان، وكان مع الانكليز دول أخرى، كانوا عشر دول، ولو ناقش الأتراك القضية معهم، كانوا سيبقون لوحدهم. اتفقوا في لوزان ووقعوا على اتفاقية، وقالوا سنبحث قضية الموصل بعد سنة، وسنحلها. بعد تلك السنة، كانت دولة واحدة ستفاوضهم، وهم الانكليز. فأبعد تسع دول أوروبية بهذه الطريقة.
عندما أجلوا قضية الموصل، كان أحد ممثلي فرنسا قد كتب قبل لوزان ب18 شهراً موضوعاً يقول فيه: توصل الأتراك والانكليز إلى اتفاق بشأن الموصل، وكيف اتفقا؟ ويذكر مواد الاتفاق أيضاً، أي أنه كتب التوقعات أيضاً. فيقول، أولاً، يتخلى الأتراك عن الخلافة، ويقر الانكليز بالدولة التركية. التي لم يكن قد أقر بها رسمياً حتى ذلك الحين، حيث كانت تعامل على أنها الدولة العثمانية، أي لم تكن جمهورية تركية.
رووداو: لم يكن هناك شيء يعرف بالجمهورية التركية؟
محمود آكيوراكلي: لم تكن الدولة قد أقر بها على أنها جمهورية. كان ذلك ضمن المساومة. الإنكليز قالوا لهم: تخلوا عن الخلافة فنقبل بكم ونحل لكم مسألة الموصل. كيف ستُحل؟ مسألة الموصل، قالوا نعطيكموها. لكن فيما بعد لم يريدوا هم أخذها. لماذا لم يريدوا أخذها؟ أرض الكورد... أنا أرى أنهم لم يكونوا قادرين على الحد من ازدياد الكورد عددياً. لهذا تعمدوا التخلي عن الموصل. هذه ليست صدفة. تركيا أرادت...
رووداو: لكنهم يقولون حتى الآن إنها لهم.
محمود آكيوراكلي: الزمن الآن مختلف. إنه زمن مختلف، لماذا؟ الكورد في تركيا يطالبون اليوم بحقوقهم. عندما يطالب هؤلاء بحقوقهم، يعمدون إلى تخويفهم ويقولون إن الموصل لنا. بخصوص الموصل وقبل سنتين من الآن، كان هناك كثير من الجدل في تركيا حول الموصل وكركوك، وهناك قمنا بعرض السجلات، عرضنا تقويم الموصل من الأرشيف العثماني، ففيه دوّن كاتب ولاية الموصل حينها كل شيء بالتفصيل. كم هو عدد السكان الكورد؟ كم هو عدد السكان الأتراك؟ كم من الكورد يقطن كركوك؟ وكم من الأتراك؟ وكم من الأرمن؟ وكم من اليهود؟ عرضنا كل ذلك.
رووداو: حسب ما اطلعتم عليه، كيف كان التوزيع السكاني باختصار؟
محمود آكيوراكلي: في القاموس التركي، يقول شمس الدين سامي إنهم يشكلون ثلاثة أرباع. ثلاثة أجزاء من أربعة من الكورد، والآخرون يؤلفون الجزء الرابع. كتب هذا سنة 1890.
ما ذكرته يخص كركوك. هناك كثير من الكورد في الموصل أيضاً. ولاية الموصل بصورة عامة، حيث كانت كركوك وكويسنجق وغيرها أقضية تتبع الموصل.
رووداو: أود أيضاً أن أطرح هذا السؤال: ماذا يقول العثمانيون عن الموصل من الناحية الجغرافية؟ هل يقولون إنها كوردستانية؟ أي أرض كوردية؟
محمود آكيوراكلي: أجل، في قاموس العالم، يقول شمس الدين سامي إنها جزء من كوردستان. نشرت هذه الوثائق قبل ثلاث سنوات من الآن، وكان هناك مؤرخ قومي تركي، تحدث كثيراً عن هذا الموضوع عبر شاشات التلفزة، وكان يؤجج تركمان العراق ويحرضهم على خلق قلاقل هناك. حول ذلك، أصدرنا توضيحاً، وعرضنا تلك الأوراق، وقدمنا بيانات في قنوات التلفزة التركية، فسكت الجميع. لأننا لم نقل شيئاً من عندنا، بل اعتمدنا الوثائق العثمانية. قمنا بإبراز هذه الأمور الموجودة في قاموس العالم والقاموس التركي، وعرضنا الموسوعتين العثمانيتين اللتين كتبهما شمس الدين سامي. هذه الوثائق كانت مكتوبة بالألفباء العثمانية.
رووداو: بدأت الانتفاضات الكوردية سنة 1920، خاصة انتفاضة كوجكري، وقد ألفتم كتاباً عن إبادة كوجكري. كيف حدث ذلك؟ من كان يقودها؟ ومن هم المشاركون فيها؟ ولماذا لم تحقق النجاح؟
محمود آكيوراكلي: مسألة كوجكري كانت المواجهة الأولى بين الكورد والأتراك في كوجكري في بدايات الجمهورية. أي أن المواجهة بدأت من هناك.
تقع كوجكري بين سيواز وديرسيم، وهناك عشيرة اسمها عشيرة كوجكري، سميت المنطقة باسمها، ويطلق عليها الأتراك قوجكري، لكن الاسم الصحيح هو كوجكري.
هؤلاء مهاجرون هاجروا إلى هذه المنطقة. كان للعشيرة زعيم في المنطقة، وكان زعيمهم في عهد السلطان عبدالحميد، هو مصطفى باشا، وخلال الصدامات بين العثمانيين والروس في العام 1867، تقطعت السبل بالجنود العثمانيين في المنطقة الواقعة بين أرزنجان وسيواز، حيث تعرضوا لعاصفة قضت على الكثير منهم.
فأقدم مصطفى باشا على جمع من تفرق من الجنود العثمانيين وآواهم وأطعمهم ثلاثة أشهر، فكافأه عبدالحميد بأن منحه لقب باشا وأرسل إليه الهدايا والمكافآت، ثم أكمل ابنه عليشان بك الدراسة وأصبح قائممقام كوجكري فيما بعد. ثم في العام 1919 صدر أمر تعيين عليشان بك كقائممقام لقضاء ديفريي التابع لسيواز.
بعد أن عقد مؤتمر أرضروم، في أرضروم، عاد أتاتورك أدراجه وجاء في الخريف إلى سيواز بقصد عقد المؤتمر الثاني. عندما جاء إلى سيواز، لم يلق الترحيب المرجو لأنهم في سيواز كانوا يميلون إلى العثمانيين. فالعثمانيون منحوهم الباشوية، وكما نعلم، تأسست جمعية تعالي كوردستان سنة 1918 في إسطنبول، وكانت جمعية كوردية برئاسة سيد عبدالقادر النهري.
كانت العائلة من مؤيدي جمعية تعالي كوردستان، ثم ظهر فيما بعد محوران ضمن المثقفين في الجمعية، البدرخانيون وجماعة جميل باشازادة والبابانيون. لم يتفقوا فيما بينهم، وقالوا نريد الحرية، أي دولة مستقلة.
كان البدرخانيون وجماعة جميل باشازادة والبابانيون يشكلون فريقاً، أما الفريق الآخر المؤلف من سيد عبدالقادر والكثير من الضباط الكورد ضمن القوات التركية، كمال فوزي وجبران خالد بك الجبري، فكانوا يقولون لا نريد الاستقلال بل الحكم الذاتي، أي أن يكونوا تابعين للدولة العثمانية مثلما كان يرى الشيخ محمود البرزنجي. هؤلاء كانوا يقولون سنتبع الخلافة العثمانية ونكون مستقلين بشؤوننا لكننا نرتبط إلى حد ما بإسطنبول، وبالخلافة العثمانية. لهذا ظهر شقاق بين المثقفين الكورد.
كان الكوجكري مؤيدين لسيد عبدالقادر. كانت جمعية تعالي كوردستان تصدر حينها مجلة (ژین) التي كانت أعدادها تحمل سيراً من إسطنبول إلى سيواز فيقرأونها ويثقفون بها الأهالي. أي أنهم كانوا مطلعين ويهتمون بأنفسهم وبأمتهم وقوميتهم. كما كان أغلب الكوجكري حينها متعلماً، ويعرفون القراءة والكتابة وكان منهم كتّاب من أمثال علي شير الذي كان شارعاً كبيراً. كان كاتب مصطفى باشا من الكوجكري.
وعندما رفضوا أتاتورك، لم يرحبوا به ولم يعيروه اهتماماً، وعندما أعلن أتاتورك مؤتمر سيواز في سيواز وسحب البساط من تحت العثمانيين، وقال سآتي أمراً جديداً وسأنشئ دولة جديدة، ثارت ثائرة الكوجكري. لم يكن الكوجكري يحبون هذا.
في تلك الأيام، كان يوجد في سيواز مؤيدون للخلافة العثمانية ومجموعة أو اثنتان أخريان إحداهما تنظيم في أنقرة أصبح فيما بعد الحاكم في أنقرة، فوقع سجال بين هذه الجماعات ومشاكل وحدثت انتفاضات، عدد من الانتفاضات في زيلي وأوزكات، أربع أو خمس انتفاضات في تلك الفترة. الكورد أيدوا تلك الانتفاضات لأنهم كانوا يريدون الحكم العثماني ويرفضون أتاتورك ورفاقه.
رووداو: ألم يكن للدين أيضاً دخل في ما جرى؟
محمود آكيوراكلي: في الواقع، هكذا يُعتقد، لكن ليس هناك دخل للدين في ما حدث بكوجكري، بل كانت المسألة قومية. كانوا يطالبون بحكم ذاتي لكوردستان وليس كوردستان مستقلة.
كان هذا مطلبهم وكانت قيادتهم ترى هذا الرأي. لهذا لم يكونوا يقبلون بالجمهورية، ثم ظهرت مسائل أخرى، وساندوا مؤيدي الخلافة، وعندما تمرد مصطفى كمال في أنقرة، قدم الكوجكري الكثير من الدعم للجماعات الأخرى. بسبب ذلك الدعم، لم تكن أنقرة تحب الكوجكري. بعد حدوث كل ذلك، وجهت الجيش لضرب كوجكري وأبادوا المنطقة، أبادوا العشيرة. في كوجكري حصلت أمور غريبة، هناك وثائق للسنوات ال85 أو السنوات ال100 الأخيرة، لم تكن متوفرة، لكني حصلت عليها سنة 2015، حصلت على 6300 وثيقة.
حصلت عليها بطريق الصدفة، وهي كلها عن كوجكري، لم تكن عندنا قبلها أي وثيقة عن كوجكري. كنا نعرف شفاهاً أن حدثاً وقع في كوجكري، لكننا لم نكن نعرف حقيقة ما جرى، ولا الوثائق الخاصة بما حدث. عندما حصلت على تلك الوثائق، عملت عليها، وذات ليلة قرأت واحدة منها، قضّت عليّ مضجعي، ارتفع ضغطي ومرضت وراجعت الطبيب.
في تلك الوثيقة، يأتون بأحد زعماء كوجكري، ها قد أدمعت عيناي الآن أيضاً، يأتون به وباثنين من أبنائه، يضعون في عنق الأب حبلاً ويعقدونه بعقدة البحرية، وهي عقدة تشتد كلما سحب الحبل ولا تنفك عند تركه، ويشدان كل رأس للحبل بيد واحد من ابنيه، ثم يضرب الجندرمة أحد الابنين بالحراب، فيفلت أولاً ثم يصيبونه ويجرحونه بحراب بندقياتهم، وتتسبب هذه الحركات في شد الحبل على رقبة الأب بحيث لا يقوى على التنفس، فيلتفتون إلى ابنه الثاني، ويضربه ثلاثة أو خمسة من الجندرمة. لا شك أنهم كلما ضربوا أحد الابنين أدت الحركات التي تحصل أثناء الضرب إلى تحريك الحبل وشده أكثر، فيختنق الأب. جعلوا الابنين يخنقان أباهما. مورس مثل هذا الظلم. الفاعل يعرف باسم (طوبال عثمان) وهو شخص معروف عنه أنه كان ظالماً. هو من ارتكب القتل الجماعي الأكبر في كوجكري. فوقعت قتول جماعية كثيرة، وكتبت كل ذلك.
كان طوبال عثمان من فدائيي مصطفى كمال أتاتورك. فيما بعد قتل برلمانياً عن طرابزون، داخل البرلمان، وعندما قتله قام البرلمان ولم يقعد، فاضطر أتاتورك أن يرسل الجنود إليه وقتلوه. كان أساساً من فدائيي أتاتورك.
شهدنا الكثير من الظلم الذي حاق بالكوجكري. عندما قرأت تلك الأوراق، قرأتها ثلاثة أشهر، لم أعد بعدها أقوى على مواصلة قراءتها. هذه هي ذكريات قضية كوجكري عندي، المرض الذي ألمّ بي ولا يزال ضغط دمي يرتفع.
رووداو: كم هو عدد من قتل هناك؟ ماذا تقول الوثائق؟
محمود آكيوراكلي: تتحدث الوثائق عن قتل 2500 شخص. كم هو عدد أفراد عشيرة ما؟ ألفان أو ألفان وخمسمائة. نساء ورجال وأطفال كلهم. استولوا على 100 ألف رأس من الأغنام والماشية والدواب. سبوا الكثير من النساء. هناك نساء كثيرات، مثلما حصل في ديرسيم. أحرقوا 97 قرية، كانوا يداهمون القرى ويحرقونها.
رووداو: ألم يقاوموا؟ ألم يكن الكوجكري مسلحين؟
محمود آكيوراكلي: كانوا مسلحين وكانت معهم أسلحة. كانوا عشيرة. ردت على الحكومة، لكنها كانت تفتقر إلى القوة، فماذا قد تفعل قوة عشيرة في مواجهة حكومة. قدم الكوجكري تضحيات كثيرة، وعندما بدأت الإبادة الجماعية ضدهم فروا إلى ديرسيم. علي شير مع عليشان بك.
رووداو: هل كان علي شير من زعماء كوجكري؟
محمود آكيوراكلي: هو واحد من زعماء كوجكري، ذهب إلى ديرسيم في أيار 1921 وعاش فيها هارباً حتى العام 1937 مع زوجته ظريفة خان، عندما قتلهما ابن أخ لسيد رضا، وكان من ميليشيات الدولة.
ذهبوا وخدعوهما بينما كانا مختبئين في كهف. أنا ذهبت إلى ذلك الكهف، وسأزودك بصور للكهف، الكهف يقع في مكان عصي للغاية، بحيث لا يستطيع جيش بكامله أن ينتصر على من فيه. لكنهم خدعوهما وقالوا جئناكم بالزاد والمؤن، ولنتحاور معكم، ولم يكونوا يعرفون أن القادمين يعادون الكورد فقد كانوا كورداً ومن أقارب سيد رضا، ولم يخطر ببالهم أنهم خونة. عندما دخلوا الكهف، سحبوا عليهما الأسلحة وقتلوا علي شير لكن ظريفة خان قتلت اثنين منهم قبل أن تقتل هي أيضاً. ثم عمدوا إلى جز رأس علي شير وحملوه وسلموه للقائد التركي.
رووداو: هذا يعني أن بإمكاننا القول إن أولى عمليات الإبادة في التاريخ التركي الحديث جرت في كوجكري.
محمود آكيوراكلي: أجل، كوجكري كانت الأولى التي استهدفت الكورد والأولى بصورة عامة.
رووداو: هناك أمر آخر يمثل تقدماً للكورد، مسألة آزادي. حزب آزادي، جماعة آزادي، تنظيم آزادي، هل لك أن تحدثنا عن ذلك؟ وهل هناك وثائق تخصه أم لا توجد؟
محمود آكيوراكلي: نعم، في السابق لم تكن هناك وثائق كثيرة، لم نكن نعرف ما هو آزادي. كنا نظن أنه هذا هو اسمه. كان حزباً سرياً، أو بالأحرى تنظيماً سرياً، اسمه الحقيقي هو لجنة استقلال كوردستان، وبالتركية كودرستان إستقلال واستخلاص كوميتَسي.
كان رئيس اللجنة هو خالد بك الجبري، الذي كان ضابطاً عثمانياً، ذهب في عهد عبدالحميد إلى عشيرة الحميدية ودرس في مدرسة العشيرة، وكان خالد بك الجبري متعلماً غاية في التعلم، وهو من رأس اللجنة.
لم يكن مكان تشكيل اللجنة معروفاً، لكنها كانت تتخذ من أرضروم مركزاً لها. حيث كان خالد بك في أرضروم حينها.
لم تكن اللجنة محلية، بل كانت شعبية وقومية. كانت تنظيماً قومياً، وكان من أعضائها سيد عبدالقادر، ويوسف ضياء، وإسماعيل حقي السليماني، وتوفيق السليماني، وهؤلاء من الضباط العثمانيين. كان بينهم أيضاً كمال فوزي وجميل باشازادة، وكانت تضم جميع المثقفين والضباط الكورد، ومنهم أيضاً إحسان نوري والعقيد قاسم.
رئيس اللجنة هو خالد بك الجبري، وهو رجل عالم يوقره الجميع ويحبونه، كان قومياً ويحب أمته. هكذا كان. هناك رسائل لخالد بك تشير إلى وجود اللجنة. هذه الرسائل كان وجهها إلى قاسم. فلم تكن تصرفات قاسم تروق له وكتب له إن التصرفات التي تأتيها ليست جيدة لنا. في السابق كنت أشد منّي غيرة على القضية الكوردية وعلى استقلال الكورد، فلماذا لا تتمتع بهذه الغيرة الآن وتقف ضدنا؟ هذه الرسائل.
ثم هناك الوثائق الروسية، وثائق القنصلية الروسية في أرضروم، تتحدث عن لقاءات لهم مع آزادي. كمال فوزي، زارهم ممثلاً عن آزادي، والتقى بالروس وطلب المساندة منهم. قال لهم نحن نناضل ونكافح ونريد مساندتكم. بعد رسالة خالد بك، علمنا أنهم وممثلي البحر الأسود، أي ممثلي تركيا عن إقليم البحر الأسود، الذي يسمونه لازيستان. كانت لهم لقاءات معهم، وكل هذه الوثائق موجودة.
تأسست آزادي في خريف العام 1923، وبعد سنة، أي في 1924، انكشفت آزادي في مسألة بيت الشباب، وعندما انكشفت، ألقي القبض في 13 أيلول على يوسف ضياء في أرضروم وسيق إلى بدليس، وفي 24 تشرين الأول ألقوا القبض على خالد بك الجبري.
رووداو: يقال إن قاسماً كان ضابطاً أم ماذا؟ وأن ضابطاً أبلغ الأتراك بوجود هكذا حركة، هل هذا صحيح؟
محمود آكيوراكلي: هو عقيد، أي قائد لألف جندي. عندنا مثل كوردي يقول إن بالإمكان بسهولة أن تجعل من أحدهم بطلاً أو أن تجعل منه خائناً. المسألة هي مسألة جهل.
رووداو: لكنها مسألة تأريخ، هي تاريخ..
محمود آكيوراكلي: التاريخ أيضاً بحاجة إلى أدلة. مثلاً، يقولون الآن إن قاسماً خائن، نعم ربما يكون قاسم خائناً، ولا أقول إنه ليس بخائن، لكن يجب أن يكون هناك دليل على الخيانة، الخيانة يجب إثباتها بالأدلة.
رووداو: لكنه عمل مع الجنود الأتراك، أليس كذلك؟
محمود آكيوراكلي: ألم يعمل رضا توفيق وإسماعيل حقي السليماني أيضاً مع الجنود الأتراك؟ كانوا جميعهم جنوداً أتراك، كانوا جنوداً عثمانيين. قاسم أيضاً كان جندياً عثمانياً. جرت تربية عثمان نوري على التعامل مع مسألة الشيخ سعيد، وأرسلوه للمنطقة لهذا الغرض، فأباد كل الكورد. من هو عثمان نوري باشا؟ قاتل عثمان نوري جنباً إلى جنب مع كل من قاسم، خالد بك الجبري، إسماعيل حقي، وإحسان نوري، ضد الروس. أي أنهم كانوا جميعهم رفاقاً.
رووداو: كيف إذن كشف أمر خالد بك والآخرين، أعني كيف علمت الدولة بوجود أمر كهذا؟
محمود آكيوراكلي: جميل باشازادة، يقول أكرم في مذكراته إنه يوسف ضياء. كان يوسف ضياء شديد الحماسة ولم يكن يقر له قرار، كان حروكاً، يقول إن اللوم يقع عليه.
بعد ذلك، عندما وقعت يدي على أوراق محكمة الاستقلال، وعملت عليها، وكانت أوراقاً سرية مخبأة منذ 86 سنة، وحصلت عليها عن طريق الواسطة...
في محكمة الاستقلال، بحثت مسألة آزادي، وقاسم أيضاً تحدث عن مسألة آزادي، خلال أقواله. يسألون الشيخ سعيد، وهو أيضاً يقول بعض الأشياء، يقول أنا أيضاً كنت منهم، لم أكن منهم، فلان. أي أن مسألة آزادي موجودة في وثائق محكمة الاستقلال.
لنعد الآن إلى قاسم، دعنا لا ننسى، فقد سألتني عنه. قاسم هو عديل الشيخ سعيد، وهو أيضاً من الجبرية وابن عم خالد بك الجبري، وصهره. هو والشيخ سعيد عديلان. كانت هناك قطيعة بين قاسم ويوسف ضياء، ولم يكن أي منهما يثق بالآخر.
لهذا السبب ساد شيء من الفتور العلاقة بينه وبين خالد بك. في بدايات انتفاضة الشيخ سعيد، في العاشر أو الحادي عشر من أيلول 1924، وجه يوسف ضياء تلغرافاً مشفراً إلى أخيه علي رضا. كان علي رضا ضمن فوج الأتراك في جولة ميرك، أي في جبهة هكاري في بيت الشباب، ولا زال هذا القضاء يعرف باسم بيت الشباب. الفوج الثامن عشر.
هو سكرتير آمر الفوج، وإحسان نوري موجود هناك وكذلك توفيق وإسماعيل حقي، كلهم ضباط عثمانيون. صدرت في أنقرة أوامر القضاء على النسطوريين، وأرسلوا ذلك الفوج ليلقن النسطوريين درساً. أغلب جنود الفوج كانوا من الكورد، والضباط كذلك، وعلي رضا الذي هو أخو يوسف ضياء كان في ذلك الفوج.
التلغراف الذي بعثه يوسف ضياء لعلي رضا، كان يقول اصبروا فستكون هناك انتفاضة في تلك المنطقة في شهر أيار. في شهر أيار 1925، أي بعد نحو ثمانية أشهر.
عندما أرسل التلغراف المشفر، تلقوا ما جاء في التلغراف بصورة مغلوطة، وظنوا أنه يقول سنباشر بالانتفاضة من فورنا. فحملوا أسلحتهم وانتفضوا. حدث ما حدث في بيت الشباب بسبب خطأ في التلقي. عندها تنبهت الحكومة التركية إلى أن هناك خطباً ما، وحصلت على التلغراف المذكور الذي يشير إلى أن انتفاضة ربما تحدث هنا أيضاً.
لم يكن أحد يعرف آزادي حتى ذلك الحين. كما لم يكن أحد يعرف عن انتفاضة كوردية يجري الإعداد لها بين الكورد. أنقرة لم تكن تعرف ذلك. في حين كان جميع الجنود في المنطقة من الكورد، أخذوا الشباب الكورد من دياربكر وجندوهم في بينكول (جوليك هو اسمها الكوردي)، وأخذوا البينكوليين إلى دياربكر، والموشيين إلى بدليس. كان كل جنود المنطقة من الكورد.
أتدري ماذا كانوا يفعلون بعد 1925، هذه المرة كانوا يرسلون المجندين الكورد إلى الغرب إلى أدرنة وكشان على الحدود مع أوروبا، وما زالوا يفعلون ذلك، لكنهم لم يكونوا يفعلون ذلك قبل هذا التاريخ لافتقارهم إلى الإمكانيات بسبب انحلال الدولة العثمانية وحداثة تأسيس الجمهورية التركية.
كانت تنظيمات آزادي واسعة الانتشار في صفوف الجنود والضباط الكورد.
رووداو: ماذا كانت أهداف آزادي؟
محمود آكيوراكلي: يتبين لنا من رسائل خالد بك، أنهم سبق وأن تحدثوا مع كاظم قرة بكر. كان معارضو أتاتورك يريدون سياسة مختلفة في تركيا. أي أن كفاح آزادي في البداية، أي تنظيم آزادي وتأسيسه لم يكن من أجل تحقيق استقلال كوردستان، كانوا يطالبون بالحكم الذاتي.
كانوا يقولون إنهم يريدون حكومة أخرى بالضد من حكومة مصطفى كمال أتاتورك. أسس كاظم قرة بكر، في تلك الفترة حزباً، حزب التقدم الجمهوري، ولو أن هذا الحزب تولى السلطة ربما لم تظهر حركة الشيخ سعيد ولا غيرها.[1]