$مقدمة تعريفية و تاريخية$
تُصنف #اللغة الكوردية# على أنها: من الشجرة اللغوية الهندوأوربية، من الغصن اللغوي الإيرانيكي الشمالي الغربي. شخصياً، أُفضل إستعمال تعبير “إيرانيكي” عن لفظ “إيراني” لأن هذا الأخير قد يسبب سوء فهم ، و يسبب التشويش على التمييز ما بين إيران كدولة حديثة و بين الهندوإيرانيكية أو هندوآرية التي هي ظاهرة لغوية تتميز بها المنطقة الممتدة من شمالي الهند (حيث اللغة السنسكريتية) و لغاية شمالي بلاد الرافدين و لشرقي أناضوليا (حيث اللغة الكوردية و الزازاكية).
إن هذا التنصيف للكتلة اللغوية الكوردية لهو صحيح بكل تأكيد لكنه، برأيي الشخصي، ناقص. فاللغة الكوردية تشمل عناصر لغوية و قواعدية ليست فقط مختلفة، بل هي عناصرٌ غير موجودة في اللغات الإيرانيكية (كالفارسية و البشتونية و البلوشية و المازندارنية و التَّاتِيَّة، إلخ). بعض هذه العناصر نجدها في #اللغة الخورية# (و بعضها الآخر في اللغة الحثية).
في هذه الورقة، أحاول جذب الإنتباه لتواجد كلمات مشتركة بين اللغة الكوردية و اللغة الخورية (أو الحورية) بينما تغيب عن اللغات الأخرى الإيرانيكية، و بأن بعض المفردات في اللغات الإيرانيكية قد تكون ذات أصول رافدية شمالية خورية.
لكن في البداية يتوجب ذكر بعض التواريخ المهمة التي تساعد على فهم السياق التاريخي، من سبق الآخر في الظهور و أين و كيف.
اللغة الخورية هي لغة إلصاقية (حيث نُلصق بجذر الكلمة لواحق مختلفة لأجل تشكيل تعابير مختلفة، مثل السومرية)، و هي لغة رافدية شمالية لكن لا علاقة لها بالساميات و لا بالسومرية و لا باللغة العيلامية. لغاية الآن لم يتفق الباحثون على تصنيفها ضمن العائلة الهندوأوربية. و بالتالي لا يُعرف لها مصدر، و لكن نعرف بأن اللغة الأورارتية التي ظهرت في منطقة بحيرة وان و في أرمينيا، و اللغة الكاشية التي ظهرت خلال القرن 17 ق.م في جنوبي بلاد الرافدين والتي أصبحت تُسمى بلاد كاردونياش على يد قبائل متحدرة من زاگروس، هي على علاقة بالخورية، فاللغات الثلاثة تُعتبر أفرع متحدرة من أصل واحد غير معروف بعد. يعتقد بعض اللغويين بأن أصول هذه اللغات هي قوقازية، و البعض الآخر يعتبرها هندوأوربية (سبايزر 19401941، ص. 110، جيلب 1940، ص. 90، بورني 1979، فورنيه، 2015، ص. 6).
تؤرخ أولى النصوص المسمارية المدونة باللغة الخورية، على النصف الثاني من الألف الثالثة ق.م (حوالي 2300 ق.م)، أي معاصرة للفترة الآكادية في الجنوب الرافدي. فأولى الكتابات بلغة خورية تعود لفترة حكم نارام سين الآكادي (تمثال أسد أوركيش من تل موزان/اوركيش القديمة في الخابور، على سبيل المثال، إنظر الصورة رقم1 ).
لكن قبل الفترة الآكادية، كانت اللغة الخورية محكية و مستعملة بكل تأكيد في المناطق التي تواجد فيها خوريين، في الشمال الرافدي و في شمالي غربي الهضبة الإيرانية و في مناطق من شرقي أناضوليا. و بذلك نعود باللغة الخورية لفترة عصر السلالات السومرية الباكرة المُؤرخة على النصف الأول من الألف الثالث ق.م (28002350 ق.م). أي خلال فترات ثقافة فخار نينوى 5 في شمالي بلاد الرافدين و مثلث الخابور، و ثقافة كوراآركس في شرقي أناضوليا و شمالي غربي الهضبة الإيرانية، و الفخار ذو الربائط في مناطق كوع الفرات و أورفا و ملاطية.
أما فيما يخص اللغات الآرية، فهي قد وصلت إلى الهضبة الإيرانية مع موجات الهجرات الآرية التي حصلت في نهاية الألف الثاني ق.م (حوالي 1100900 ق.م) متمثلة بوصول الميديين و الفرس. أي بعد أكثر من ألف عام من تاريخ أولى النصوص الخورية في الجزيرة و مثلث الخابور و في شمالي بلاد الرافدين (العراق الحالي). أي بعد بداية الممالك الخورية بأكثر من ألف و مائتي عام. إضافة لذلك، فإن أولى النصوص بلغة آرية لم تظهر على الهضبة الإيرانية مباشرة مع وصول الميديين و الفرس. فبرغم نسبنا الزرداشيتة و لغة الآفستا إلى الفترة الميدية في شمالي الهضبة الإيرانية، إلا أنه لم تظهر نصوص بلغة آرية إلا خلال الفترة الإخمينية في الجنوب الغربي من الهضبة (محافظة فارس)، و ذلك خلال القرن السادس ق.م. و بذلك نجد بأنه أكثر من ألف و خمسمائة عام تفصل ما بين أولى النصوص الخورية في الشمال الرافدي و أولى النصوص الإخمينية في فارس. بينما لم يتم للآن العثور على أي نص ميدي.
لا بد لنا هنا من ذكر نقطة مهمة فيما يخص العنصر الآري. فالعنصر الآري، كمجموعات بشرية و كلغة هندوآرية، كان قد ظهر في البداية في الجزيرة و مثلث الخابور و مجمل شمالي بلاد الرافدين خلال الفترة الخورية، متمثلاً بالمجموعات الميتانية المحاربة النبيلة و المتحدثة بلغة هندوآرية و التي ظهرت كعنصردخيل ضمن المجتمع الخوري المحلي الرافدي. ظهورهذه المجموعات الميتانية ضمن الدولة الخورية، يؤرخ على 1600 ق.م. هذه المجموعات الآرية المحاربة كانت قد تحالفات مع الممالك الخورية (ربما تم توظيفها في البداية كقوة محاربة ضمن الجيوش الخورية، ثم إستولت على الحكم). فظهرت لدينا ممالك خورو ميتانية في شمالي بلاد الرافدين و شرقي أناضوليا تحكمها طبقة محاربة تحمل أسماء هندوآرية ذات خصائص لغوية آرية ضمن العنصر اللغوي الخوري المحلي. فتبدأ النصوص الخورية بذكر مفردات آرية ميتانية، و أسماء آلهة هندوآرية كالآلهة مثرا و فارونا و إندرا و نيساتيا (لاروش 1980، فورنيه و بومهارد 2010)، إضافة لرب النار آگني/آگري. كما أن أسماء أغلب الحكام الميتايين هي هندوآرية الأصل. و بالتالي فإن أول ظهور آري كان قد حصل (بشكل مؤكد و موثق آثرياً و لغوياً) في مناطق الخوريين، و ليس على الهضبة الإيرانية.
و كذلك لا بد من ذكر ظهور الحثيين الهندوأوربيين في وسط أناضوليا إعتباراً من 1900 ق.م. كما أن سقوط الممالك الخورو ميتانية و إنهيار الدولة الحثيية كانا قد حصلا قُبيل ظهور الميديين و الفرس الإخمينيين على الهضبة الإيرانية بعدة قرون.
بالنسبة للسنسكريتية، فتاريخ أقدم النصوص السنسكريتية الفيدية القديمة (فيدا تعني كتب التراتيل و الترانيم لدى الآريين الهنود) تعود للنصف الثاني من الألف الأول ق.م، أي بعد حوالي ألف عام من أولى النصوص الخورية. لكن اللغويين المختصيين يعتقدون بأن التراث الشفوي السنسكريتي هو أقدم من تدوين التراتيل، و بذلك فهم يفترضون أن بداية التراتيل و الترانيم الشفوية تعود ل 1500 ق.م. لكن هذا مجرد إعتقاد و إفتراض و لا دليل مباشر على ذلك.
أما الآفستا (أبيستاگ بالبهلوية الساسانية)، و التي هي مجموعة نصوص دينية زاردشتية، فإن القسم الأقدم المسمى “گاتاس” و التي لغته قريبة جداً من السنسكريتية الفيدية القديمة، تؤرخ إفتراضياً على بداية الألف الأول ق.م، و هو تاريخ يعتمد على التراث الشفوي للآفستا قبل تدوين النصوص في الفترة الإخمينية (حيث أنه لم يصلنا أي نص ميدي). و هذا يعني بأن التاريخ المُفترض، بداية الألف الأول ق.م، ما هو إلا مجرد تخمين لا دلائل مباشرة عليه. فبالإعتماد على ورود ذكر الزرداشتية في النصوص الإخمينية، يمكننا فقط تأريخ البداية الفعلية للنصوص الزرادشتية على الفترة الميدية في حوالي القرن السادس ق.م. و هذا التاريخ هو أحدث من أولى النصوص الخورية (نص أسد أوركيش/تل موزان على سبيل المثال) بأكثر من 1500 عام. و حتى لو أخذنا فقط النصوص الميتانية، ذات الطابع الهندوآري، بعين الإعتبار دون النصوص الخورية، فإنه تبقى هنالك فترة 1000 أو 900 عام تفصل بين أولى النصوص الميتانية و تلك الزرداشتية و السنسكريتية الفيدية (بشكل فعلي معتمدين على أولى النصوص (أو أول ذكر/دليل) التي وصلتنا دون الأخذ بعين الإعتبار الفترة الشفوية قبل تدوين/ذكر التراتيل السنسكريتية و تلك الآفستائية).
كلمة خُدا/خودا في الكتلة اللغوية الكوردية و في اللغات الإيرانيكية، و كلمة “خود” في اللغة الخورية. مقارنة من حيث الجذر و المعنى و القدم
كلمة “خُدا/خودا” في اللغات الإيرانيكية الحالية مؤلفة من جذر حرفين ساكنين (خ +د) بالإضافة لحرف صوتي متغير بحسب المنطقة الجغرافية و اللهجة/اللغة. هذه الكلمة تعني الرب/الإله في اللغات الإيرانيكية. و هي منتشرة، بذات المعنى، في المنطقة الممتدة ما بين شمالي الهند (لغة الأردية في شمالي الهند و باكستان) و لغاية شرقي أناضوليا حيث يتواجد ناطقون بإحدى اللغات الإيرانيكية (الكورد و الزازاكيين). و تعني أيضاً “المالك” (إنظر الجدول رقم 1).
لم تصلنا من الفترة الميدية، المؤرخة على القرون 97 ق.م، أية نص لغاية الآن. و بالتالي لا يمكننا الحديث بل الإفتراض فقط حول تواجد كلمة “خُدا/خودا” لدى الميديين. لكن إذ نظرنا للفترة التي جاءت بعد الميدية، الدولة الإخمينية التي ظهرت خلالها أقدم النصوص التي وصلتنا لغاية الآن، فالإله أهورامزدا يتم وصفه ب “با گا”، و تعني الإله/الرب (إنظر معجم الفارسية القديمة، 1908، و قواعد الفارسية القديمة ، 1915، ص. 136، الفارسية القديمة، قواعد و نصوص و معجم، 1950، ص. 18). بينما لا تظهر كلمة “خُدا/خودا” في الفترة الفارسية القديمة/الإخمينية على الإطلاق، و لم أجد أثراً لهذه الكلمة في المعاجم السابقة الذكر التي تتناول اللغة الفارسية القديمة. بيد أن غيابها عن الكتابات الإخمينية لا يعني إطلاقاً غيابها في المناطق الشمالية الغربية من الهضبة الإيرانية، كما سنرى لاحقاً.
إعتباراً من الفترة البارثية (247 ق.م) و ثم الساسانية (224 م)، تظهر مفردات مثل “خواداوان” و “خواداي” و “خوداي” لتعني سيد نبيل/مالك/إقطاعي، و “خواداييفت” لتعني الحكم (معجم المانائية و البارثية 2004، ص. 337336) لكنها لم تشر للإله/الرب، حيث استمر خلال الفترة البارثية ظهورتعبير “با گا” بمعنى الإله/الرب. إلى جانب كلمة “با گا”، كانت تتواجد كلمتي “دايفا/ديو” و “ياد/يازاد” للإشارة للرب. و بالتالي نفهم بأن توظيف كلمة “خُدا/خودا” للإشارة للإله/الرب لم يحدث إلا خلال الفترة الفارسية الحديثة عُقب دخول الإسلام على الهضبة الإيرانية. قبل الفارسية الحديثة و قبل دخول الإسلام، كانت كلمة “خُدا/خودا” كانت تشير فقط للطبقة الإقطاعية في المجتمعات الإيرانيكية.
في الكتلة اللغوية الكوردية أيضاً، مثلما في اللغات الإيرانيكية، هذه الكلمة تعني الرب. كلمة “خوەدي” و التي في بعض اللهجات الكوردية تُقال “خودان”، تشيرإلى معنى المالك (للملك) و صاحب/سيد. و تأتي مركبة مع إسم مضاف، مثل “خودانبەخت” بمعنى أهلٌ للثقة، موثوق أو صاحب حظ/محظوظ، و مثل “خودانخێر” بمعنى صاحب خير، أي فاعل خير، و مثل “خوەديپەز” أي مالك خراف. و كلمة “خوەدیتي” تعني المُلكية.
لا يفوتنا هنا أن نذكر بأن أسماء الإله في بعض اللغات الأوربية هي أيضاً متحدرة من ذات الجذر الهندوأوربي.
$الكلمة الخورية، “خود“$
يظهر في الكتابات الخورية تعبير “خود” إما منفرداً أو مضافاً لإسم. هذا التعبير لا يعني الرب و لا الإله في اللغة الخورية. في الحقيقة، كلمة “خود/خوتو” في الخورية تعني فعل المدح، التسبيح، التمجيد، التعظيم، الإثناء. لكن الأمر الذي يجذب الإنتباه هو أن هذا الفعل يظهر مع أسماء الألهة الخورية مثل “خوديب تيشوب” بمعنى يمجد تيشوب، كما و يظهر مع إسم ربة الولادة و آلهة المصير الخوريتين “خوديلورا” و “خودينا” (سبايزر 1940/41، لاروش 1980، ص. 110111، فورنيه 2020، ص. 97). يذكر اللغوي الفرنسي إيمانويل لاروش إسم علم مركب، “خوتي خامانا”، كما و يذكر إسم لشهر في السنة في مملكة آلالاخ، و بنفس الوقت هو إسم لعيد مخصص للربة خبات، “خوديزي”. و يذكر أيضاَ إسماً لشهر، “خودالشه”، في مدينة نوزي/يورگان تبه، و إسماً غير معروف المعنى بعد، “خوداني”، لكنه يرد مترافقاً مع كلمة “شيخورني”. كما و توجد كلمات أخرى مثل “خوتانا”، و “خودانكيب”، و “خوداشي”، و “خودخي”، و “خودميناني”، و خودوپشوش” و التي قد تعني “القدر” (لاروش 1980، ص. 110112، 224، فورنيه و آل، 2010، ص. 21). كل هذا يجعل من كلمة “خود” الخورية مخصصة للأرباب و اللاهوت، دون أن يعني الرب /الإله. فكلمة رب أو إله في الخورية هي “ايني” و هي كلمة ربما تكون على علاقة بكلمة “ان”، سماء” الموجودة في اللغة السومرية و “آنو” في الآكادية (إنظر فورنيه 2012).
هذا يعني بأنه في الفترة الميدية و الإخمينية و الساسانية، تغيب كلمة “خودا” عن الهضبة الإيرانية، على الأقل في النصوص. ربما تواجد فقط في الشمال لدى الكورد المحليين الذين تمت آرينتهم لغوياً. أعتقد بأنه خلال الفترة الإسلامية، و عقب تبني الإيرانيين للإسلام، قام الفرس المسلمين بتبني الإسلام ، فوظفوا اللفظ الخوري و الكوردي لإسم الرب، “خودا”. لا ننسى بأن الفتح الإسلامي لكوردستان سبق فتح فارس. فالكورد هم الذين اطلقوا إسم “خودا” على الله في الدين الإسلامي. و السبب في ذلك هو أن كلمة “خودا” تعني في الكوردية الملكية و المالك/السيد، و هو إحدى صفات و إحدى أسماء لله في الدين الإسلام (الملك، مالك الملك، مالك يوم الدين) و هو المعنى الأقرب لكلمة “خودا” و “خودان” لدى الكورد قبل أن يوظفوها لله. كما أن بعض أسماء الله الحسنى تدور في فلك معنى “خودا/خودان”، مثل الوهاب، الرزاق، الغني، المغني، الوارث و الولي. كما أن المعنى الخوري لكلمة “خود” تجد لها مرادفات في أسماء الله الحسنى، مثل المهيمن، الجبار، القهار، العظيم، الجليل، المجيد، الباعث، القوي، المتين، الحميد، إلخ.
بذلك إنتشرت كلمة خودا من كوردستان/بلاد الكورد إلى مناطق سيطرة الفرس عقب الفتح الإسلامي لها. و بالتالي، نعود لنقطة البداية: اسم “خودا” مصدره للمرة الثانية هو رافدي شمالي، خوري في البداية، ثم كوردي.
الجدير بالذكر بأنه تعبير أو كلمة “خاودا” تظهر في بين الإسماء لدى القوم السكيتي المعاصر للميديين و للفرس و الذي انتشر في القوقاز و وصل لشمالي غربي إيران و لشرق أناضوليا و ثم انتشر باتجاه أوربا. حيث يظهر على صخرة بيهستون إسم لشخص سيكتي يدعى “تيگرخاود” و تعني صاحب القلنسوة/القبعة المدببة، و يظهر تعبير “خودا” لدى قوم الأوستي في القوقاز و تعني قبعة/قلنسوة و لدى الأرمن في أرمينيا نجد كلمة “خود” تعني قلنسوة (إنظر معجم الفارسية القديمة، 1908، ص. 93، و قواعد الفارسية القديمة 1915، ص. 54، 135، و الفارسية القديمة، قواعد و نصوص و معجم، كانت، 1950، ص. 180).
نعلم أيضاً و بشكل مؤكد أن الخوريين قد لعبوا دوراً كبيراً في إدخال عناصر من ديانتهم و طقوسهم إلى الدولة الحثية و إلى غربي سوريا (أوغاريت الواقعة تحت الحكم الخور الميتاني) على الساحل السوري. فليس غريباً أن تكون كلمة “خودا”، ذات المعنى اللاهوتي الخوري، قد إنتشرت منطلقة من شمالي بلاد الرافدين الخورية. فغياب هذه الكلمة في النصوص الإخمينية الفارسية القديمة و كذلك غيابها في السنسكريتية، يدعم فكرة أن تكون كلمة “خُدا/خودا”هي ذات أصول خورية و ليس هندوآرية و ليست إيرانيكية الأصل، و قد إستعارها البارثييون و الساسانيون من الكورد، و وظفها الفرس تبعاً لتوظيف الكورد للكلمة عقب الإسلام. لا ننسى هنا أمرين: الأول هو أن الخوريون كانوا متواجدين أيضاَ في زاغروس الأوسط و الأعلى في شمالي غربي الهضبة الإيرانية (إنظر جيلب 1944، أحمد 2011)، و الأمر الثاني هو أن الديانة الزرداشتية كانت قد نشأت في الشمال (الميدي) و ليس في الجنوب (الفارسي). نقطة مهمة أخيرة، حيث نعلم، و بحسب النصوص، بأنه و خلال وصول موجات الهجرات الآرية للهضبة، كانت القبائل الفارسية الإخمينية (مع القبائل الميدية) قد وصلت أولاً إلى الشمالي الغربي من الهضبة الإيرانية قبل أن تتوجه جنوباً باتجاه العاصمة العيلامية و الإستيطان في محافظة فارس (إنظر يونگ، 1967). فكيف كان الفرس الإخمينيون في الشمال الغربي و كيف لم يجلبوا معهم كلمة “خدا”؟ بينما تظهر بعد إنتهاء حكم الإخمينيين؟ و لا نستطيع أن نقول بأن الميديين في الشمال كانوا يعرفون هذه الكلمة و يوظفونها، لأننا نعلم بأن الديانة الزرداشتية قد لعبت دوراً مهماً في حياة الفرس الإخمينيين في الجنوب. إن ذكر كلمة “خودا” في الآفستا قد يكون متأخراً جداً، أي قد يكون قد تم إدخال هذه الكلمة للنصوص الآفستائية خلال العهد الساساني و بشكل متأخر، و إلا لكانت ظهرت هذه الكلمة لدى الفرس الإخمينيين.
ملاحظة أخيرة: يمكننا التقريب بين كلمات “باگا” و بين كلمات “بيك/باي/بيه” و “آتابك”، و بين كلمة “خودا” و بين كلمة “خواجه/خوجه”.
$خلاصة$:
إن العلاقة بين الكتلة اللغوية الكوردية و اللغتين الخورية و الأوراتية، و حتى اللغة الحثية، لهو موضوع مازال غير مدروس بشكل منفصل عن اللغات الإيرانيكية. فبعض اللغويين يهملون هذه النقطة فيما يخص اللغة الكوردية و علاقتها بالخورية (أنظر فورنيه 2015، ص. 23). فما يزال موضوع اللغة الكوردية “يتيم” و لم يعثر على من يعمل عليه بشكل متعمق و محايد. علماً أن اللغة الكوردية تمتلك صفات قواعدية مشابهة تماماً للخورية، و تمتلك مفردات معجمية خورية غير متواجدة في الفارسية القديمة أو الوسطى أو الحديثة. في الواقع، لقد قمت بإعداد جدول مقارنة يشتمل على بعض هذه الصفات اللغوية و القواعدية المشتركة بين الكوردية و الخورية (و حتى الحثية)، سوف أنشره قريباً. أستطيع هنا أن أعرض فقط بعض الأمثلة التي تثير الإنتباه (انظر الجداول رقم 35). لكني بذات الوقت مُدركاً تماماً لحقيقة عدم تواجد نصوص بلغة كوردية خلال الألف الأول ق.م و الألف الأول الميلادي تسمح لي بالجزم حول الموضوع الكوردي/الخوري. و بما أن اللغة الكوردية هي مُصنفة على أنها إيرانيكية، فبالتالي يتوجب على الباحث في حقل هذا الموضوع المعقد أن يكون مختصاً لغوياً أولاً، ثم متمكناً ليس فقط من الفارسية الحديثة و الوسطى و القديمة، بل أيضاً مطلعاً على لغات و لهجات إيرانيكية منتشرة على الهضبة الإيرانية غير مكتوبة (كالتاتية و المازاندرانية و اللورية، إلىخ)، إضافة لإطلاعه العميق على الآفستائية و السنسكريتية لأن هاتين اللغتين تحتويان على الشكل الأقدم للمفردات الهندوآرية و الإيرانيكية و لأن اللغويين يعتمدون عليهما أثناء المقارنة فيما بين الإيرانيكيات و الهندوأوربيات. في هكذا حال، سوف يكون الباحث متأكداً من أن كلمة ما كوردية/خورية هي بالفعل غير متواجدة في اللغات الإيرانيكية أو في اللغات الآرية أو وصلتها لكن بمرحلة متأخرة، و يستطيع بالتالي الربط مباشرة بين المفردة الكوردية و أخرى خورية دون أن يكون للمفردة مثيل في اللغات الأخرى بمراحلها القديمة (أي أن تغيب الكلمة في الإخمينية و الساسانية على سبيل المثل بينما تتواجد في الكوردية). و هذه المهمة لهي صعبة خاصة في ظل غياب معاجم للغات و اللهجات الإيرانيكية كلها و بشكل مفصل. لذلك، فهذا الجدول المستقبلي هو دعوة لطلاب كورد لديهم رغبة في التخصص في اللغات، للبحث في هذا الموضوع الخوري/الكوردي بشكل معمق.
لكن أن نقول بان الكتلة اللغوية الكوردية هي إيرانيكية بمجملها، فهذا ظلم و نكران لكل شيئ محلي في شمالي بلاد الرفدين و إهمال مصير السكان المحليين في شمالي بلاد الرافدين و تأثيراتهم و آثارهم. من الأسباب المهمة التي تدفعني لقول هذا هو، عدا عما يرد في جدول المقارنة الجزئي المرفق لهذه المقالة، أن أم الإله أهرومزدا تسمى “مادار/ماتار” منذ الفترة الإخمينية. هذه الكلمة تتواجد في اللغات الإيرانيكية حالياً لتعني “أم” و كذلك في اللغات الجرمانية و الإنكليزية، “موتار” و “ماذار” (إنظر الجدول رقم 2). لكن تغيب هذه المفردة عن الكتلة الكوردية (عدا عن الزازاكية). بينما في الپارثية و الكوردية نجد كلمة “دايك” لتعني الأم. من هنا تبدأ الأسئلة بطرح نفسها: إذا كان جميع الكورد هم آرييو الأصل، و إذا أخذنا بفرضية السلف الميدي الزرداشتي للكورد، أجد نفسي منصدماً أمام عملية تخلي الكورد عن كلمة “مادار/ماتار”. خاصة كون الكورد، أو مناطق زاگروس الأوسط و الشمالي و مناطق طوروس الغربي في شرقي أناضوليا و منطقة شمالي بلاد الرافدين كانت تحت التأثير السياسي و/أو الثقافي الفارسي القوي لغاية القرن الثامن عشر، لا بل لغاية الآن في باشور/كوردستان العراق و روجهلات/كوردستان الهضبة الإيرانية. فالكورد هم الجيران الغربيون الواقعون على طول الحدود الغربية لبلاد فارس. فكيف يحصل أن تغيب كلمة “مادار” لدى الكورد بينما تتواجد في جميع اللغات الإيرانيكية؟
تواجد كلمات أناضولية قديمة في اللغة الكوردية و غيابها عن الإيرانيكيات، لهو أمر مدهش، و الغريب هوأنه كيف لم يتم الاهتمام بهذه النقاط لغاية الآن؟
$مصادر و مراجع معتمدة في النص و الجداول$
يونگ 1967:
Young, C. 1967, The Iranian Migration into the Zagros, iran, Vol. 5, p. 11-34.
سبايزر 1940/41:
Speiser, E. A. 1940-41, Introduction to Hurrian, ASOR, Vol. 20, P. 1-230.
جيلب 1944:
Gelb, I. 1944, Hurrians and Subarians, SAOC, N°. 22.
چايت 2003:
Cheyt, M. 2003, Kurdish-English Dictionary (Ferhenga Kurmanvî-inglîzî), Yale Language Series.
قاموس النصوص المانوية، 2004:
Durkin-Meisterernst, D. 2004, Dictionary of the Manichaean Middle Persian and Parthian, in Dictionary of Manichaean Texts, Vol. III. Part I. Brepols.
بورني 1997:
Burney, Ch. 1997, Hurrians and Indo-Europeans in their historical and archaeological context, AL-RAFIDAN Vol. XVIII.
فورنيه 2015:
Fournet, A. 2015, Eléments de morphologie et de syntaxe de la langue hourrite, Babelao 2, P. 3-52.
فورنيه و بومهارد 2010:
Fournet, A. et Bomard, A. The Indo-European Elements in the Hurrian,
لاروش 1980:
Laroche, E. 1980, Glossaire de la langue hourrite, Paris.
معجم الفارسية القديمة، 1908:
Toman, H. C.,1908, Ancient Persian Lexicon, Venderbilt University Studies, New York-Chicago.
قواعد الفارسية القديمة، 1915:
Meillet, A. 1915, Grammaire du Vieux Perse, Paris.
الفارسية القديمة، قواعد و نصوص و معجم، 1950:
Kent, R. 1950, Old Persian, grammar, Texts, Lexicon, New Haven.
فورنيه 2012:
Fournet, A. 2012, About eni, the Hurrian Word for God, JNES, Vol. 71/1, p. 91-94.
أحمد، 2012:
Ahmed, K. M., 2012, The Begnning of Ancien Kurdistan (c. 2500-1500 BC), Leiden.
موقع للغة السنسكريتية: قواعد و مفردات و معاجم. https://www.learnsanskrit.cc/
موقع معجم الهندوأوربية.https://lrc.la.utexas.edu/lex/master
موقع النصوص الأفستائية. http://www.avesta.org/avesta.html
[1]