لقاء مع الكاتب الكوردي (#دلاور زنكي#)
مشاكل وهموم الأديب الكوردي في سوريا
--نشر هذا الحوار في جريدة (خه بات) الصادرة في كردستان العراق، العدد/798/ يوم الأثنين7 /10/1996م.
أجرى الحوار: هونه ر توفيق .
في البدء كنت أرنو الى خارطة العالم بمفاهيمي الطفولية، كنت اجوب حدودها الممنوعة، وكانت تتجمع في مخيلتي مجموعة من التساؤلات المهمة.. وكنت عندما ارى مدن مهاباد وسنه وماردين ودياربكر وقامشلي وعاموده... في قلبي كنت أسأل: ترى هل ان اطفال القامشلي مثلي يبحثون عني وعن مدينتي...؟
كنت أقف لحظات مندهشاً أمام الحدود المغلقة أو المبثوثة بالألغام... تضاعفت الموانع وكبرت... وكبرت معي تساؤلاتي، تدرجت في العمر وكبر معي اطفال الجانب الآخر من حدود تساؤلاتي، وكلهم أترابي واعزائي.
الآن... لا أرى عفرين وسه رجاوه ودرباسية غرباء عني...
استطيع ان أقول انني هذه المرة ولجت بنفسي في جغرافية المكان وأجوبها بكل ذرة في كياني...
لكنني لا اكثر السؤال مثل أيامي الأولى... أنوي أجراء لقاء صحفي مع أحد الأتراب الذين كنت أبحث عنهم وكان هو من عاموده يبحث عني... الآن دلاور زنكي هو طفل جيل تساؤلاتي، والذي ترعرع أيام مأساة حريق سينما عاموده وعلى رائحة تفحم اجساد الكثيرين من أطفال المدينة الذين احترقوا هناك..
*الأخ دلاور: حبذا مبدئياً أن تتحدث لنا عن مسيرة #الثقافة الكوردية# وأي مرحلة وصلت؟
من البديهي ان كل مرحلة تاريخية لها ثقافتها الخاصة، وتطور تلك الثقافة يرتبط بتلك المرحلة، لذلك من المؤكد ان الثقافة في #كوردستان# بشكل عام وهنا بشكل خاص وليدة مرحلة من المراحل التاريخية.
ولكن مع قناعتي بحتمية العلاقات الجدلية بين الثقافة والمرحلة التاريخية، الا انني اجزم بان للظروف الموضوعية ايضاً تأثيراً ايجابياً على هذه الثقافة، ومثال ذلك: أن حدثاً سياسياً معيناً يمكن ان يحرك الوضع الثقافي بوتائر متسارعة دون ان يعتبر ذلك الحدث بمثابة مرحلة تاريخية محتملة.
ومن أجل ان نقدم شيئاً عن بدايات الحركة الثقافية الكوردية في سوريا، لابد من العودة الى نشاط العائلة البدرخانية كنقطة انطلاق عامة في هذا المضمار، لكونها قدمت خدمات جلى بل بناءة الى الثقافة الكوردية، والبداية تعود الى بدايات عام 1930 والنهاية تعود الى اعوام 1950، وكان مطلع هذا النشاط بفضل العالم الجليل المرحوم جلادت عالي بدرخان الذي أصدر في دمشق المجلة الكوردية الأدبية (هاوار) بعد ان تكللت جهوده الجبارة الى بدبج ألف باء كوردية بالأحرف اللاتينية، وقد عمرت هذه المجلة الفتية من عام 1932-1943 استطاع المرحوم بفضل اسهامه الكريم ورعايته النبيلة خلق مدرسة أدبية تدرج على صفحاتها أقلام نخبة من الشعراء والأدباء الكورد ولا نبالغ اذا قلنا انها مدرسة قائمة بذاتها حتى الآن رغم مرور الزمن بالاضافة الى اصداره مجلة (روناهي) الأدبية والسياسية، علاوه على مؤلفات عدة قيمة وعلى أكثر من مستوى وذلك بالتعاون مع أخيه الدكتور كاميران عالي بدرخان الذي ساهم بدوره ومن بيروت في اصدار مجلتي (روزا نو) و (استير) وادارة بث اذاعي من اذاعة لبنان ب#اللغة الكوردية#.
ولكن مع نهاية الحرب الكونية الثانية تلاشت تلك الظروف واعقب ذلك فترة من السكون امتد لعام 1956م لعدة عوامل ذاتية وموضوعية.
وفي عام 1956م، تم تأسيس (جمعية الثقافة والتعاون الكوردي) بتضافر جهود مجموعة من المثقفين الكورد الذين تتلمذوا في مدرسة المرحوم جلادت بدرخان، امتد نشاط هذه الجمعية الى عام 1958م، وقد ساهمت في نشاطات أدبية واجتماعية.
ومنذ عام 1985م، اصابت الثقافة الكوردية في سوريا حالة من الاحباط سوى شذرات من النشاطات الأدبية المحلية والمتقطعة قبل هذه المرحلة، ومن أهم عوامل هذا الاحباط الاضطهاد القومي، واشكالية ربط الثقافة بالايديولوجيات السياسية.
ورغم ان الشعب الكوردي يعيش الآن مرحلة التحرر القومي، فإننا لا نملك مؤسسات النشر، واذا اردنا ان نوصل شيئاً الى القارىء فلا يتم ذلك إلا عن طريق احزابنا السياسية، اذا ارتبطت الثقافة بالحركة السياسية، واصبحت هذه الحركة البوابة الوحيدة لبروز ثقافتنا ونتاج فكرنا. لذلك تعلقت الثقافة بالايديولوجيا... وهذا التعلق يعني التعثر والضعف وعدم الاستقلالية... وما زلنا نعيش تلك المشكلة، وان كانت تجري حالياً محاولات محمودة لاضفاء سمة الاستقلالية على النشاطات الأدبية ولكن في أطر محدودة.
مما لا شك فيه ان المثقف الكوردي هو مرآة واقع شعبه، ولكن المناخ السياسي هنا لا يدع ذلك المجال الحيوي لتطور الثقافة الكوردية وانمائها بشكل تغدو في مسار الثقافة العالمية.
وعلى ضوء ما تقدم يتضح جلياً مدى ثقل اعباء ومهام الفئة المثقفة الكوردية- بشكل عام- ونوجز هذه المعاناة بالآتي:
-عدم وجود الفباء موحدة.
-عدم وجود قواعد موحدة.
-عدم وجود لغة أدبية موحدة.
ولعدم وجود مؤسسات ثقافية مستقلة ونشرية خاصة باللغة الكوردية في سوريا، كمدارس، أو جمعية أدبية، أواتحاد أدبي ينهض باحياء التراث الكوردي، يزداد ويتضاعف معاناتنا.
وبطبيعة الحال لا نستطيع باي شكل من الاشكال ان ننفصل عن مجمل التاريخ والأدب والفن والواقع الكوردي، ويجمعنا بشعبنا الكوردي في أجزاء كوردستان الاحداث والموضوعات التاريخية والثقافية رغم التجزئة القسرية التي تفرض بالضرورة نشاطات ثقافية وأدبية متباينة على نسب متفاوتة وازمنة متفرقة، تطغى أو تتضاءل حسب مجريات الاحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة. ومثالاً على ذلك المرحلة التاريخية التي ارتبطت بثورة الشيخ محمود الحفيد، أو بثورة البارزاني الخالد... وهنالك مراحل أخرى.
*اذاً يتضح من حديثكم هذا انه لو توفر لكم مؤسسة ثقافية يمكن ان تقلل من مشاكلكم وهمومكم ، وهل سعيتم على هذا الدرب لحل هذه المعضلة؟
- فعلاً لو توفر لنا وجود مؤسسة ثقافية ستحل كافة مشاكلنا بل ستغدوا النتاجات الأدبية والثقافية مبرمجة مما سيولد دفعاً وزخماً للعمل المشترك على عكس وضعنا الحالي اذ ان معظم النشاطات الثقافية هي الآن فردية تتخبط في كثير من المصاعب مما يعكس بالضرورة على كثافة وعمق البحث الأدبي والثقافي الذي نتطرق اليه.
ولقد جرت محاولات عدة بهذا الشأن وعلى اكثر من صعيد، ولكننا كنا نصطدم بانتماءات اكثر الأدباء والمثقفين الى تباين سياسي، ومن هذه المحاولات سعيت شخصياً مع الشاعر الكوردي الكبير (تيريز) الى هذا الهدف، وعرضنا الموضوع على اكثر ادباء ومثقفي الكورد في سوريا- العمل على احياء مشروع ثقافي بشكل مستقل ولكن جهودنا ذهبت ادراج الرياح... وعدنا بخفي حنين، لكون كل حزب كان يريد المشروع لذاته ولفكره. ومن اجل ان لا يتحول النشاط الأدبي والثقافي الى جهاز اعلامي لأي حزب من الاحزاب، تراجعنا وسكتنا ونحن نشد على النواجذ أسفاً وحسرة. رغم ان الأدب الكوردي هنا باشد الحاجة الى العمل المؤسساتي الى التطور والتجديد، اذ مازال الأدب الكوردي هنا في بداياته، والشعر بوجه خاص مازال يتراوح في مدرسته الكلاسيكية كما كان منذ أيام الشاعر الكوردي الكبير (ملاي جزيري- جكرخوين) لم يتجاوز تلك المرحلة وظل أسير تلك المدرسة، وان بدت هنا وهناك بوادر انفلات من تلك الأطر مثلاً هنا استطاع الشاعر الكوردي (قدري جان)-أول من كتب شعر الحديث- بلورة القصيدة الحرة منذ أواسط هذا القرن.
*ماذا يمكن أن نعمل من أجل خدمة وارتقاء ادبنا الكوردي المعاصر هنا؟
-يتطلب الكلام حول مشاكل الأدب هنا وايجاد الحلول الناجعة الكثير من الحديث، واشك ان نستطيع اعطاءه حقه من خلال
ريبورتاج صحفي لكن لا بأس أن نتصدى للمشكلة بكل اختصار.
قبل كل شيء نحن نحتاج الى الحرية...لأن الحرية هي أوكسجين الحياة وتعطينا الحق في التنفس، صحيح ان ثمة شعراء استطاعوا رغم ظروفهم الصعبة والاضطهاد ان يبدعوا ولكن الآن ثمة وجود لتيار شوفيني لا يتناسب مع المرحلة التاريخية التي نعيشها برئة شبه مشلولة، كما ان ازدياد وطأة المعاناة الاجتماعية-والاقتصادية وتخلخلها لايداع المجال الى تطور الابداع بلغة الأم.. هذه هي اللغة الوحيدة التي نستطيع أن نعبر بها عن خلجات واشجان ما نعانيه. واحب ان اقدم مثلاً على ذلك الأديب والشاعر الكوردي سليم بركات الذي دبج ببراعة أكثر مجموعة نيرة من الكتب باللغة العربية، ولكن بشكل رمزي.. ولو توفر له ولغيره حرية الكتابة بلغة الأم لكان ادبه-ادب كوردي- اليوم يعطي خير صورة حية كاشفة ونابضة لهموم شعبنا وآلامه.
وفي سبيل ارتقاء ادبنا المعاصر الى المستوى المطلوب اعتقد ان اهم مشاكلنا الآنية تنحصر في نقطتين:
الاولى: قد تكون المشكلة كامنة في الادب أو الاديب نفسه، أقول الأدب وأقصد بذلك تلك المدرسة أو المذهب الادبي الذي يقنعه الأديب، والاديب اقصد به شعوره بوظيفته التاريخية واهمية التزامه بالصدق.. لان الأديب هو المسؤول امام نصه الأدبي.
الثانية: القارىء... ان القارىء الكوردي بسبب معاناته الاجتماعية والاقتصادية والقومية يفضل النص الذي يتحدث عن
همومه تلك... أي ان أدب الاكثر رواجاً لديه هو (أدب المقاومة).
في رأيي أن النقطة الثانية لم تحتل بعد مكانها بجدارة وهي بالضرورة مرتبطة بالنقطة الأولى في حال المعالجة الجذرية.. لكون أدب المقاومة الذي نملكه الآن هو عبارة عن مجموعة من الشعارات والنداءات، لذلك فان مشاركة المثقف في انجاز أدب كوردي حقيقي مبدع أمر جد ملح من خلال تفاعله مع نتاجات الأدب المعاصر حتى يغدو نتاجه الأدبي في مستوى الاحداث والمعانات الحالية.
ان الذي تبقى لي قوله هنا هو نداء وشيء من التمني من اجل العمل على توثيق الروابط الثقافية بين ابناء بمنأى عن تأثير الايديولوجيات ومسائل الكسب المادي والانتماء الحزبي... ولنفسح المجال أمام القارىء بان يكون هو الداخل الى اعماق نصوصنا لا أن نقحم أنفسنا عليه عنوة.[1]