''أكراد.. أسياد بلا جياد'' (منشورات ضفاف والاختلاف، 2018)، للكاتب الكردي #مصطفى سعيد#، رواية تتناول قصة شبان أكراد جمعهم الأمل وضمتهم الحياة في بوتقة واحدة من أجل إسماع كلمتهم للآخر، وإثبات تواجدهم كقومية تستحق الالتفات إليها، ولإثبات أنفسهم كمواطنين يجمعهم الوطن الواحد والتاريخ نفسه.
''أكراد أسياد بلا جياد'' رواية مليئة بالألم والإحساس العالي، كما أنها مليئة بالخيبات والمآسي
هذه الرواية مليئة بالألم والإحساس. مليئة بالخيبات والمآسي. أحسست أثناء قراءتها أنني أمام إنسان مثخن بالجراح، ما إن أفتح الكتاب كل مرة حتى يبدأ في الأنين من خلال الصفحات، راجيًا مني أن أسمع قصته التي يجب أن يسمعها كل من يملك ضميرًا بداخله. إنه جرح غائر يقصي معه كل إحساس بالمتعة في الرواية. لأنها ببساطة قضية إنسانية لا تحتمل الميلودراما ولا تحتاج إلى توابل لتكون مؤثرة، إنها تكتفي بقيم العدل والمسامحة والإخاء. إنها أحداث جميلة بدون حشو تكاد لغتها تخلو من الأعشاب الضارة، تركيز القارئ ضروري خلال فترة القراءة لأنه سيصادف منحنيات عنيفة، وأحيانًا مفاجئة تنقله من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان.
اقرأ/ي أيضًا: الترجمة في اللغة الكرديَّة.. محاولة ردم الهوّة المعرفيَّة في زمننا الرّاهن
تبدأ قضيتنا في سوريا، حيث يقيم الأكراد مقرهم من أجل النهوض بقضيتهم الوطنية. فيأخذنا البطل معه في رحلة صوفية بحثًا عن هروب من الواقع الذي أصبح لا يبشر بالخير. تنتقل الأحداث بتباطؤ يذكرنا بالأفلام الوثائقية التي تبحث في عمق قضايا المجتمعات المضطهدة. نجد أنفسنا مجبرين على التنقل من موقع إلى آخر نتتبع خطوات البطل وهو في أثر صديق كفاحه شروان. إن للرواية بعدًا جماليًا ليس ككل الروايات، فربما تكون صعبة القراءة على بعض القراء ولكن المتمعن بين السطور سيعثر بدون شك على شيء يربطه بقوة ويقوده إلى آخر سطر من القصة. إن جمال هذه الرواية يكمن في بساطتها وصراحتها وعدم تصنعها في استمالة القارئ بأي أسلوب من الأساليب. إنها بسيطة بساطة الحياة نفسها. تعبر عن مصير شعب بأكمله اضطهده العالم ونسيه التاريخ.
أكراد.. أسياد بلا جياد
يخبرنا الراوي أن الشعب الكردي من أقدم شعوب الأرض ومن أعرقها، فهم لا يملكون حريتهم ولا مصيرهم في أرض هي منبت لهم منذ آلاف السنين، وعلى الرغم من ذلك لا يحق لهم إبراز هويتهم الحقيقية التي من المفروض أن يفتخر بها كل إنسان على وجه الأرض. إنهم لا يملكون غير قلوبهم الكبيرة كما يتكلم الروائي مصطفى سعيد خلال أحداث القصة.
قضية الكرد هي قضية إنسانية نبيلة تحتاج إلى دعم ووقوف طويل على أحداثها. فها هو سعيد يقوم بين شخوص رواياته ليفجر رغبة هذا الشعب المناضل الذي يشبه كثيرًا شعب الأمازيغ في شمال أفريقيا، ليخبر العالم أن الكرد يناضلون وسيستمرون في النضال حتى ينالوا حلمهم بالحرية والحياة.
''أكراد.. أسياد بلا جياد'' رواية نفس طويل وقلب كبير، تحتاج من القارئ صبرًا جميلًا ومحبة للبعد الإنساني في العمل. حقيقة أنني تعثرت في بداية قراءتي للرواية، لكن مع التوغل أكثر داخل أحداث القصة سنجد أن مصطفى سعيد يسعى دائمًا إلى جرنا معه إلى تقصي أثر العدالة عن طريق خواطره وهواجسه التي تدفعه دفعا للسفر والبحث عن حل لمشكلة هويته ككردي تائه في أوروبا حينًا، وفي مصر حينًا آخر، ليعود في الأخير إلى سوريا مهد الحضارات والديانات.
تعلّمنا رواية ''أكراد أسياد بلا جياد'' أن نسامح الآخرين ونتقبلهم كما هم، مهما كان عرقهم أو مهما كانت ديانتهم
إن سعيه الدؤوب وغربته الحارقة لم تكن سوى رغبة في حرية الإنسان بداخله وصون كرامته التي داسها الظلم في موطنه. يصل البطل في النهاية إلى طريق مسدود فيجد أن صديق كفاحه وزميل طفولته شيروان قد قتل من طرف المخابرات السورية، وكذلك كان مصير كل أصدقائه في المنظمة التي جمعتهم يومًا ما كفرد واحد. إنه حلم مشروع هذا الذي حاول مصطفى سعيد أن ينبه به القارئ من خلال روايته الرائعة. حلم أجهض بالقوة وداس عليه الظلاميون أعداء السلام والحرية، فالنهاية كانت مؤلمة ومؤثرة ولكنها جميلة بمأساتها الإنسانية.
لم يعطنا حلًا مزيفًا لنرضي به رغباتنا بعد أن نطوي الكتاب وننتهي منه، ولكنه أعطانا درسًا في الحياة، الإنسانية والمسامحة. علّمنا أن نسامح الآخرين ونتقبلهم كما هم، مهما كان عرقهم أو مهما كانت ديانتهم. لا يهم من تكون أو من أين جئت ما دامت تجمعنا سماء واحدة على هذه الأرض. إن أملًا يبث في القارئ وهو يصل إلى الصفحة الأخيرة، هو أمل مواصلة الكفاح ضد العنصرية وضد أعداء الإنسانية من أجل السلام ومن أجل العيش بحرية.[1]