مير عقراوي
يبدو إن مصطلح ال[ #جاش# / الجاشایَتِية ] الكردي كمصطلح الإرهاب من حيث التعريف ، هو من أكثر المصطلحات جدلية ، ومن حيث الإستخدام والتوظيف أيضاً من قبل مختلف الأحزاب الكردية والأشخاص الكرد ، وذلك لآختلاف اللون الحزبي والفكري فيما بينهم . على أساسه ترى هذا الحزب أو الفرد يطلق مصطلح الجاش ، أوالجاشایتية على ذاك الحزب والفرد لموقف وعمل سلبي إرتكبه يتناقض مع القضية الكردية بحسب رأيه وفكره وتقويمه .
لقد قرأنا وشاهدنا وسمعنا كثيراً من مختلف الأحزاب والأشخاص في الماضي والحاضر ، في إقليم كردستان / العراق إطلاق لفظ الجاش والجاشايتية على جهات وأشخاص من خصومهم الكُرد بسبب مواقف سياسية لهم ، أو بسبب خلافات وصراعات سياسية معهم . علماً إن لفظ الجاش هو أحد الألفاظ الكريهة والمستقبحة والمستهجنة والمعيبة كثيراً في المجتمع الكردي .
المعنى والتعريف لمصطلحي الجاش والجاشایتية : إن لفظ الجاش باللغة الكردية حرفياً ولغوياً يعني [ الجحش ] باللغة العربية ، والجحش هوصغير الحمار الذي تناسل منه . أعتقد إن لفظ الجاش الكردي أصله من لفظ الجحش العربي وتكريد له بعد حذف حرف الحاء منه وإضافة ألفٍ عليه ليتوائم مع اللغة الكردية . عليه فإن المعنى والمغزى من لفظ الجاش هو الخائن ، وتعريف الجاشایەتی تعني الخيانة بالكردية للكرد وكردستان والثورة الكردية تحديداً .
أما لفظ الجاش الكردي في المصطلح فهو يُطلق عادة ، وبحسب التعريف المتداول كردياً على الكردي الذي يعمل بخلاف المصالح الوطنية الكردية ، أو يتخذ مواقف سياسية تتناقض مع مصالح الكرد وكردستان ، في مقدمتها الإرتزاق من الحكومات التي تتقاسم أجزاء كردستان وآستلام الأسلحة والأموال منها لمحاربة الثورة الكردية والأحزاب الكردية التي تناضل لإستعادة الحقوق الوطنية والإنسانية المهضومة للشعب الكردي .
ظاهرة الجاشایەتی في الإقليم : يتضح من تأريخ الحركة والثورة الكردية في إقليم كردستان / العراق إن ظاهرة الجاشایەتی كانت موجودة منذ عقود طويلة خلت بين العديد من العشائر الكردية التي تم آستخدامها وتوظيفها وتمويلها وتسليحها من قبل مختلف الحكومات العراقية المتعاقبة على دفة الحكم والسلطة في بغداد ، فتلكم العشائر الكردية كانت تحارب الحركة الكردية وقواتها جنباً الى جنب قوات الجيش العراقي . هنا اللافت للنظر والمتابعة إن ظاهرة الجاشایەتی قد تزايدت كثيراً في عهد نظام صدام حسين المخلوع خلال الثمانينيات الماضية من القرن المذكور وأطلقت عليهم الحكومات العراقية تسمية [ فرسان صلاح الدين ] ، وبذلك أصبحت الجاشایەتی مهنة مهينة للعديد من رؤساء العشائر الكردية في كردستان / العراق للأسف ! .
هناك آعتقاد بأن أحد العوامل التي أدت الى الإنخراط الواسع والمتزايد للكرد من أبناء العشائر في صفوف قوات العشائر الكردية المسلحة الموالية للحكومة العراقية في حكومة البعث العراقية السابقة ، هو سلبية الأحزاب الكردية وطريقة تعاملها مع الكرد في الأرياف والقرى والقصبات الكردية التي تعتبر الإمتداد الجغرافي – الطبيعي للعشائر الكردية .
وفقاً للتعريف والتوصيف الذي ذكرناه أعلاه لمصطلح الجاش والجاشایەتی قد لاتَسْلم منه الأكثرية الساحقة على الأقل من الأحزاب والحركات السياسية الكردية في إقليم كردستان / العراق إن لم نقل كلها ، بخاصة حزبي البارزاني والطالباني ، وبشكل أخص حزب البارزاني الذي له تاريخ حافل بالمواقف التي تتناقض مباشرة مع المصالح العامة والعليا للكرد وكردستان ، بل تتصادم معها ، كل التصادم وبالعمق .
قبل فترة شاهدت منشوراً على صفحة التواصل الإجتماعي عليه عدداً من صور لمسؤولين كرد لأحزاب كردية نشرها دَسكو شيرواني / ممثل حزب البارزاني في الولايات المتحدة الأمريكية وخَطَّ على الصور خطين متعاكسين باللون الأحمر كما حرف [ إيكس ] باللغة الإنجليزية في دائرة حمراء أيضاً ، وكتب بأن هؤلاء هم جحوش كُرد ، والسبب إن هؤلاء ينتقدون حزب البارزاني ويُعارضونه في سياساته ، وفي طريقة إدارته للسلطة في إقليم كردستان / العراق ! .
في هذا الشأن نرى بأن الأحزاب الكردية في الإقليم يقفزون على الحقائق والوقائع ، وعلى المعنى والتعريف الصحيح لمصطلح الجاش / الجحش ، فهم يُطلقونه بإنفعال ومزاجية وبحسب مآربهم الشخصية والسياسية والحزبية على بعضهم البعض .
إذن ، ماذا يمكن توصيف وتعريف الإقتتال الداخلي الدموي الكردي – الكردي بين الأحزاب الكردية فيما بينها ، وماذا عسانا القول في إغتيال وتصفية الكتاب والأطباء والعلماء والمثقفين والصحفيين الكرد في إقليم كردستان / العراق من قبل هذا الحزب أو ذاك ، وماذا يمكن وصف الإستعانة بهذه الدولة بالأموال والأسلحة ، أوغيرها التي تقتسم جزءً من كردستان لمحاربة حزب كردي آخر حرباً دموية ، فهل ذلك يدخل ضمن التعريف والتوصيف للمصطلح الكردي الجاش والجاشایەتی ، عليه فإن كان ينطبق على الحزب الكردي الذي آرتكب ماورد ؛ لماذا المتعلمون والمثقفون في ذلك الحزب وغيره لم ينتقدوا تلكم الأفعال المشينة التي تتناقض مباشرة مع الكردوكردستان ، ولم يخرجوا على ذلك الحزب …؟
هنا أود الإشارة الى جملة من المواقف والسياسات لحزب البارزاني كردياً لنرى ما مدى قربها ، أو بعدها من مصطلح الجاشایەتی من حيث التعريف والتوصيف :
1-/ بدء الخلافات السياسية الحادة في قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1964 وبالتالي أدى لآنشطاره الى قسمين عام 1966 : الأول بعنوان جناح المكتب السياسي للحزب الذي قاده إبراهيم أحمد وجلال طالباني ، وقد أيد الشاه الإيراني هذا الجناح وأقام لهم معسكراً في مدينة همدان الإيرانية ، وبعدها أقام علاقات مع الحكومة العراقية السابقة ، والثاني جناح رئيس الحزب مصطفى بارزاني الذي كان له في نفس الوقت علاقات وطيدة مع الشاه الإيراني ، ومن ثم دخل الجناحان في آقتتال دموي بينهم حتى عام 1970 من القرن الماضي .
2-/ يُذكرإن نظام الشاه الإيراني المخلوع عبر مخابراته طلب من قيادة الثورة الكردية عام 1968 بقتل قياديين من كردستان / ايران كانوا قد لجأوا الى ثورة كردستان / العراق ، وتسليم جثثهم للمخابرات الإيرانية ، في مقدمتهم سليمان معيني نجل وزير الداخلية للجمهورية الكردية الفتية في مهاباد عام 1946 محمد أمين معيني ، وبعد قتلهم بالفعل تم تسليم جثثهم الى المخابرات الإيرانية للشاه .
3-/ في عام 1972 أقدم القائد العسكري لحزب البارزاني عيسى سواري بآغتيال قياديين كرديين معروفين من كردستان / تركيا ، وهما : الدكتور شوان وسعيد إيلجي ، في هذا الصدد يُذكر أيضاً بأنه تم قتلهما بأمر من الحكومة والمخابرات التركية .
4-/ في عام 1980 شن حزب البارزاني بتمويل ودعم عسكري وتسليحي مباشر من ايران الحرب على الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان يتزعمه يومذاك الدكتور عبدالرحمن قاسملو مع الجيش الإيراني والحرس الثوري ، وبمساندة الطيران الإيراني والدبابات وغيرها من الأسلحة الإيرانية الثقيلة . وذلك بذريعة إن الحزب الأخير – أي حزب قاسملو – نبش قبر مصطفى البارزاني والإساءة اليه في بلدة شنو ، في كردستان ايران . أما الحزب الديمقراطي لكردستان / ايران فإنه نفى رسمياً علمه بتلك الإساءة . في هذا الصدد تُذكر روايتان : أحدها تقول بأن المخابرات العراقية عبر شخصية كردية من كردستان / ايران أقدم بذلك العمل المشين . والرواية الثانية تقول إن للمخابرات الإيرانية يد بالأمر بهدف إشعال فتيل الإقتتال بين الحزبين الكرديين لبارزاني وقاسملو .
الغريب في الأمر والمفارقة الكبرى ، هي إن حزب البارزاني وقيادته ومكتبه السياسي كان في كردستان / ايران ويقيمون فيها وضيوفاً عليها في تلكم الأيام الماضية من أعوام الثمانينيات . من ناحية أخرى نتساءل : لماذا أقدم حزب البارزاني على شن الحرب على الحزب الديمقراطي لقاسملو بالتمويل والأسلحة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجنباً الى جنب الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني …!؟
5-/ في عام 1996 إستعان حزب البارزاني بحكومة حزب البعث العراقية السابقة عسكرياً وتسليحياً بعدما تمكنت قوات حزب الطالباني من السيطرة على مدينة أربيل وإخراج قوات حزب البارزاني منها ، على إثره تدخل الجيش العراقي والطائرات السمتية المقاتلة والدبابات وتمكن من إحتلال مدينة أربيل وإخراج قوات حزب الطالباني منها وتسليمها لقوات حزب البارزاني ، فقتل وأصيب خلالها الآلاف من الكرد من الطرفين والكثير من المعارضين العرب الذين أعدمهم الجيش العراقي .[1]