$«حركة #الشيخ سعيد بيران#» 1925 م - دور الشريعة والفكر القومي$
إن الحركة التي قادها الشيخ سعيد بالو المعروف أيضا بابيران» في الفترة من شباط إلى نيسان عام 1925، هزت النظام الكمالي في تركيا، وتركت آثارها العميقة في الحياة السياسية التركية، بشكل عام والحركة الكوردية بشكل خاص . شهدت الثمانينيات والتسعينيات، من القرن العشرين، ظهور العديد من سعيد؛ ويعود هذا الاهتمام المتجدد بالشيخ الدراسات حول حركة الشيخ سعيد، حسب رأي الكاتب إلى عاملين؛ أولهما: النمو المتصاعد خلال هذه الفترة للمقاومة القومية الكوردية، المسلحة في كوردستان تركيا، وثانيهما: هو اشتداد ساعد الحركة الإسلامية في تركيا. علما أن حركة الشيخ سعيد تحتوي على جذور كل من الحركة القومية الكوردية والحركة الإسلامية المعاصرة في تركيا. هناك مدرستان مختلفتان – وإلى حد ما متناقضتان في تحليل العوامل المؤثرة في حركة الشيخ سعيد. فيما ذهبت الأولى إلى القول: بأنها كا حركة قومية استخدمت الدين للوصول إلى أهدافها، تذهب الأخرى إلى القول: بكونها حركة دينية استخدمت الظلم الواقع على الكورد لتحفيزهم لمعارضة حكومة مصطفى كمال اللادينية. هذه الدراسة محاولة لشرح هذه الإشكالية التي تحيط بالأسباب المباشرة وغير المباشرة لحركة الشيخ سعيد؛ وسيتطرق الكاتب أيضا إلى بعض الجوانب الغامضةالأخرى للموضوع، منها: الادعاء القائل بوجود ارتباط بين حركة الشيخ سعيد، والإدارة الإنجليزية في العراق.
$أحداث الثورة$
يروي لنا زنار سلوبي (قدري جميل باشا) أحد معاصري الشيخ سعيد ومن دعاة الفكر القومي الكوردي، القصة الآتية حول كيفية انطلاق الثورة: ابعد سفر الشيخ سعيد إلى قرية بيران، أراد رئيس قسم الجندرمة (الشرطة العثمانية الكاتب) اعتقال عدد من الأشخاص المرافقين له، ودون أي اعتبار الجندرمة للتراجع عن عزمه. لمكانة ومقام الشيخ سعيد الذي تدخل وترجى رئي حاول الأخير تنفيذ الاعتقال بالقوة، وإثر ذلك حصل اصطدام مسلح في 5 شباط 1925 بين الجندرمة وشقيق الشيخ سعيد، الشيخ عبد الرحمن ورفاقه، الذين قتلوا أحد الجندرمة وأصابوا اثنين اخرين منهم بجراح، ولعدم اقتناع الشيخ سعيد بإشعال الانتفاضة آنئذ، لعدم التحضير المسبق لها، ترك بيران مباشرة لتأخذ تلك الأحداث طابعا محليا، ولا تنتشر في المناطق الأخرى، لكنه اصطدم بالحالة النفسية الهائجة لدى الكورد… وكانت شرارة الانتفاضة قد انتشرت بسرعة فائقة في ليجة، جبق جور، وحينما شاهد الشيخ سعيد الوضع وتطوراته السريعة، قال: (يبدو أن هذا هو قدرنا)، وشرع بتبني الانتفاضة ونولي قيادتها.
وفي 24 شباط احتل الثائرون مركز ولاية غينج (بنجول – الكاتب)”. وبعد أن سيطر المجاهدون الكرد (هكذا سماهم الشيخ سعيد الكاتب) على غينج جرى أسر موظفي الإدارة التركية وهرب الجندرمة، وجرى تعيين أصبح فقي حسان (وهو عالم دين) محافظا لغنج دارة كوردية في غنج، حيث وأصدر مجموعة من القوانين الاستثنائية، ألغى بها الكثير من الضرائب المجحفة
التي سبق أن أثقلت كاهل الناس ومن ولاية غينج انتقلت الثورة إلى الولايات الكردية الأخرى، حيث استطاع المجاهدون السيطرة على قضاء خربوط (مدينة العزيز) في ولاية أرضروم، لفترة قصيرة وامتد لهيب الثورة جنوبا إلى ماردين ودياربكر وقضاء جميتك كزك في ملاطية غربا. ووصلت الثورة ذروتها حين حاول 5 آلاف مجاهد الهجوم على مدينة دياربكر، واتخاذها عاصمة للإدارة الكوردية بقيادة الشيخ سعيد. ولكن هذا الهجوم فشل لأسباب عدة منها: الاستعدادات التي اتخذتها الحكومة داخل المدينة لردع الثوار، وعدم وجود تنسيق مسبق بين الثوار والأهالي، وكذلك عدم استناد خطة الهجوم إلى أسس عسكرية حديثة .
إن سرعة انتشار الثورة في الولايات الكردية تعود إلى عوامل عذة، منها: حالة التذمر وعدم الرضا بين الكورد عن سياسة الحكومة المركزية، خاصة سياسة التتريك والمركزية المفرطة التي بدأ مصطفى كمال يفرضها على المنطقة الكوردية. كما أن الحكومة الكمالية حاولت ضرب مصالح القيادة الكوردية التقليدية (الشيوخ والإقطاع) وتجاهلتهم في إدارة المنطقة. أضف إلى كل ذلك كانت الجماهير الكردية مستاءة جدا من قيام مصطفى كمال بإلغاء الخلافة والشريعة، وبدأت الحكومة المركزية تفقد شرعيتها في نظر المسلمين الكرد، المرتبطين بالخلافة والشريعه”: وأخيرا إن سرعة الأحداث العفوية، وجماهيرية الحركة الصوفية النقشبندية داخل المنطقة، ووجود فكرة الجهاد والقائد المجاهد (المنقذ) والتكايا العديدة التي كانت تتحرك على نطاق كوردستان، وفرت آلية التحرك السريع التي لم تستطع الإدارة التركية الضعيفة الوقوف ضدها(ه: اتخذت حكومة أنقرة إجراءات عديدة، عاجلة وجدية لمجابهة حركة الشيخ سعيد. ففي 23 شباط وضعت المنطقة الكوردية كاملة تحت الأحكام العرفية. كما قام مصطفى كمال بعزل فتحي أقيار (رئيس الوزراء) الذي اتهمه بالضعف، وطلب إلى عصمت أينونو أن يقود الحكومة الجديدة، ويعلن مجموعة من الإجراءات المعروفة ب(تقرير السكون) وأصبحت مدينة آدنة في الشرق مركزا لتجمع القوات التركية التي أرسلت من جنوب ووسط تركيا لقمعةالانتفاضة في كردستان.
كما سمحت السلطات الفرنسية في سورية للحكومة التركية بنقل عذة آلاف من الجنود، عبر خط سكك الحديد الذي كان يمر منةداخل الأراضي السورية، وذلك لمحاصرة الثوار، ثم مهاجمتهم من الخلف. وفي 27 آذار وبعد أن جمعت قوات الفيلقين الخامس والثامن في آدنة القوات الحكومية هجوما وأرزنجان، وبعد أن تحسنت الظروف المناخية، شنت واسع النطاق من الجنوب والشمال والشرق، واستطاعت أن تحاصر قطعات المجاهدين التي كانت في المناطق السهلية، وسرعان ما تبين للشيخ سعيد أن
ليس هناك تكافؤ بين قواته وقوات الحكومة، من حيث العدة والعتاد. وهذا ما أجبره على سحب قواته إلى المناطق الجبلية، في ولاية غنج والاحتماء بها. لذلك أصبحت الثورة محصورة بوادي فرات صو وهذا ما سهل للحكومة
تركيز معظم قواتها على المنطقة، ومحاصرة الثوار فيها، ولكن استمرت المعارك الكبيرة بين المجاهدين والحكومة إلى 14 نيسان حيث وقع الشيخ سعيد أسيرا بيد القوات الحكومية على جسر جهاربور وذلك نتيجة خيانة قاسم بك جبرانلي الذي كان عديل الشيخ سعيد، ومقدما في الجيش سابقا، ومن القوميين الكورد الذي حاز ثقة الشيخ سعيد، وكان مع الثورة منذ البدايه. إن وقوع الشيخ سعيد أسيرا أثر بشكل جدي في معنويات المجاهدين تأثيرا كبيرا، حيث بدأت القوات الحكومية تحتل مركز غنج وليجة وبالو وبيران، ولكن ذلك لم يعن نهاية الثورة، إذ استمر المجاهدون في التصدي للقوات الكمالية في الريف حتى 1928.
إن أسر الشيخ سعيد نقل المقاومة من حرب الجبهات التقليدية إلى حرب العصابات. وبعد أن استطاع المجاهدون احتواء الهجوم الحكومي المكتف بدأوا بتنظيم أنفسهم على شكل كتائب سميت ب (الوحدات القتالية جتا). واستطاعت هذه الوحدات القتالية شن عمليات عسكرية، تميزت بالكر والفر، انتشرت في البداية في منطقة مودكي ساسون، خنيس، فارتو، موش، سوليهان، جبق جور، غنج، وليجه وكما استطاع السيد عبدالله النهري (ابن الشهيد سيد عبدالقادر ابن الشيخ عبيد الله) الذي أعدم والده، نقل المقاومة إلى منطقة هيكاري، وبدأ المجاهدون بفرض وجودهم على الحدود العراقية التركية الإيرانيه وبرز هاجو بيك زعيم عشيرة هافرنكي قائدا للمجاهدين العاملين في منطقة الحدود التركية السورية. وكان هاجو بيك ناجحا في قيادة العشائر الكردية في منطقة نصيبين، وكانت الحكومة التركية قلقة جدا من نشاطاته، وطلبت إلىةالسلطات الإنكليزية والفرنسية، في العراق وسوريه، دعم جهودها لقمعه، ويبدو أن هاجو بيك كان يفكر في توسيع نطاق المقاومة، وأخذ زمام القيادة. ففي رسالة منه إلى أمين بيك الراوندوزي والمؤرخة بتاريخ 26 حزيران 1926 طلب هاجو إلى قادة الكورد في راوندوز تأييده وكما طلب إليهم الاتصال بسمكو في كوردستان إيران لدعم مشروعه، لتوسيع رقعة الجهاد لتشمل كوردستان تركيا كلها، كما طلب هاجو إلى الشيخ أحمد بارزان دعم جهوده ففي الرسالة المذكورة يقدر هاجو عدد المجاهدين العاملين تحت إمرته „500 مجاهد؛ ويشير إلى الاستعدادات الجارية لإعداد 1O آلاف مجاهد، ويضيف هاجو أن محمود إبراهيم الملي (ابن القائد الكوردي الشهيد إبراهيم باشا الملي) الساكن في رأس العين في قضاء مدياد، قد وعده بدعم الجهاد وتزويده .1500 مقاتل. أضف إلى ذلك أنه في عام 1926 كان هناك 550 مجاهدا من الكورد زازا يقودهم الشيخان عبدالرحيم وطاهر (أخوا الشيخ سعيد). ويبدي المجاهدون في هذه الوثيقة التاريخية (رسالة هاجو) استعدادهم لإدامة الجهاد، ولكنهم أيضا يشكون من قلة السلاح وكان هاجو بيك يعلق الآمال الكبيرة على جهود الشيخ مهدي أخو الشيخ سعيد) الذي تسلل إلى داخل الحدود العراقية، وسلم نفسه للسلطات البريطانية. حاول الشيخ مهدي كسب تأييد الإنجليز، ودعمهم للثورة الكردية، ضد مصطفى كمال. ولكن الإنجليز طلبوا إليه تجميد كافة نشاطاته السياسية وعدم استعمال الحدود العراقية منطلقا للتحرك ضد الحكومة التركية.
ولكن استطاع الشيخ مهدي التسلل سرا عبر سنجار إلى داخل كردستان – تركيا، وبدأ التحرك مع المجاهدين العاملين على الحدود التركية – السورية، وفي رسالته المؤرخة في 31 حزيران 1926، والموجهة إلى أمين بيك الراواندوزي يعطي الشيخ مهدي تفاصيل كثيرة عن العمليات الجهادية، المكثفة في المنطقة، حيث يقول: «إن الوحدات الكوردية المقاتلة مهيمنة على الريف الكوردي الذي يصفه ب(كردستان المستقلة): واستمرت العمليات الجهادية إلى بداية عام 1928. ولكن مع عام 1928 أصبح تحرك المجاهدين أمرا عسيرا للغاية، وذلك لأسباب عديدة، منها: بطش القوات الحكومية الكمالية بالقرى التي كانت تدعم المجاهدين بطشا كبيرا، واستعمال سياسة الأرض المحروقة، بحيث كانت المصادرات تمتد إلى ممتلكات الفلاحين المنقولة وغير المنقولة، وحرق المحاصيل الزراعية، ومصادرة المواشي، وسياسة إفراغ المنطقة. وكما حرم المجاهدون من أي دعم خارجي فلم يصلهم أي دعم من سمكو والكورد في راوندوز. ومما زاد الأمر صعوبة توقيع العراق وإيران وتركيا في عام 1926 اتفاقيات التعاون وحسن الجوار. وكانت هذه الاتفاقيات نتيجة المبادرات الإنجليزية، ووجهت معظم بنودها ضد الثوار الكورد.
ونتيجة لهذه الظروف القاسية من الحصار الداخلي والخارجي واضطرار العديد من قادة الكورد إلى الاستجابة لقرار العفو الذي أصدرته الحكومة في عام 1927 م ، انتهت صفحة من المقاومة الكوردية لتبدأ صفحة أخرى بعد ستة أشهر فقط، على جبهات أخرى، بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا.[1]