#داود مراد ختاري#
بعد أن ألقي القبض علينا أخذونا من المجمع مع مجموعة من العوائل إلى الكراج القديم في مجمع سيباشيخدر، هناك بعد جمعنا تم عزل النساء والأطفال عنا، وكانت معي والدتي، حينها أدركت انها نهايتنا وكنا (52) شابًا في مقتبل العمر.
هكذا تحدث لنا الناجي الوحيد من مجزرة (سيبا شيخدر) السيد (عباس خدر سلو نعمو القيراني/ تولد 1994) مضيفًا:
كانت تلك اللحظات الأخيرة مع الوالدة التي مازالت مفقودة إلى الآن، حاولتْ أن تأتي وتسحبني معها لكن الدواعش منعوها، صرختْ وذرفتْ الدموع وهكذا كان حال جميع الأمهات.
- أمير المجموعة: من منكنّ لن ترجع الى مكانها سنطلق عليها النار فوراً.
- مجموعة من الأمهات: اقتلونا قبل قتلهم.
- أمير المجموعة: من قال لكم سنقتلهم ؟
- مجموعة من الأمهات: الشر والفتك بهم واضح على وجوهكم.
- أمير المجموعة: نحن الدولة الاسلامية، ننشر عدالة السماء في الأرض.
- مجموعة من الأمهات: نحن فقراء الله، تعاملوا معنا بالإحسان.
- أمير المجموعة: أنتم الإيزيدية كفار، فمن لا يدخل الإسلام نعتبره كافراً.
بعد ذلك أخذونا جانباً وطلب منا إعتناق الإسلام، لكننا رفضنا وقال لهم شباب القيرانية: امنحونا فرصة.
- أمير المجموعة: نرفض ذلك بتاتاً، الآن تدخلون دين الإسلام وتصبحون ضمن مقاتلي الدولة الاسلامية ونتوجه لقتل الكفار ويقصدون الإيزيدية.
- شباب القيرانية: نحن لا نتخلى عن ديننا قط.
- أمير المجموعة: اذن شعارنا إما الإسلام أو القتل، وعليه تمددوا بوضع الانبطاح.
- شباب القيرانية: ارحمونا نحن مثلكم بشر ونعبد الله.
- من ابتغى لغير الاسلام ديناً فهو كافر، يقتل الكفار دون رحمة وتسبى نساءهم وتغنم اموالهم وممتلكاتهم.
وأضاف الناجي: أمر أميرهم (طلال حامد علي قاسم الخاتوني) أن تتعالى صيحات التكبير، الله أكبر ... الله أكبر... ثم أمرهم بالرمي علينا. العشرات منهم كانوا متهيئين للرمي، ومن ثم رموا بشكل جماعي في لحظة واحدة انطلق الرصاص القاتل من البنادق.
تعالت صرخات المظلومين وتمازجت مع أصوات الرمي وأزيز الرصاص ونداء: الله أكبر.... الله أكبر .... لا اله الا الله، وهكذا باسم الله تقتل مخلوقاته دون رحمة.
في الجانب الآخر على بعد أمتار من المجزرة، تعالت صرخات الأمهات حتى السماء السابعة، وهن ينتفن رؤوسهن على فلذات أكبادهن أمام أنظارهن، لكن أصحاب القلوب القاسية (بدو الصحراء)، لم يرحموا أحداً منا ولم يهتموا بصرخات الأمهات، ولم يكترثوا لغضب السماء ونداءات التوسل.
ومن ثم توقفوا عن الرمي، وبدأوا بتبادل التهاني فيما بينهم بالدخول إلى الجنة لأنهم قتلوا الكفار على حد زعم عقولهم المتسخة. ثم جاءوا إلى المصابين وقتلوهم جميعاً فكل من كان يصدر منه صوتاً أو يتحرك ويتنفس أجهزوا عليه وقتلوه، حاولتُ أن أسيطر على نفسي بالرغم من إصابتي بطلقتين، وبعد أن تأكدوا أن الجميع قد قتل رحلوا بعد أن خلفوا هذه المجزرة الرهيبة.
بعد ربع ساعة لم أعد أسمع أصواتهم، رأيت الجميع مقتولين والدم يجري كالنهر من الجميع، وعددهم كان (52) شاب من عشيرة القيرانية. حاولت النهوض والركض نحو الدور، لكن لم أستطع لكوني مصاب بطلقتين وإحداها قد كسرت فقرات ظهري، زحفت على البطن إلى دار (حسن حما) والد زوجتي التي تبعد 15 متراً عن موضع المجزرة.
بقيتُ مختبئاً لا أستطيع الحركة ومداواة جروحي، وأحبس الآهات من آلامي خوفاً من مرور الدواعش من هناك ويعلمون بوجودي، كانت ليلة مأساوية لا تطاق. بعد قضاء تلك الليلة، خرجتُ إلى قرية حيالى عند الفجر ثم إلى قرية السكينية ورزكا، وبقيت في وادي (مرانى) في جبل السكينية.
في الوادي ذهبتُ إلى دار (خلف وتمر كلي) وبقيت يومين، تم الاتصال بالأهل وجاءوا إلى (كيرا قيرانيا) في دار( صالح خرو) وبقيتُ يومين أيضاً، بعدها تحولنا إلى منطقة البئر الإرتوازي للحليقية بتنا ليلة ثم الى قرية كرسي وتوجهنا إلى سوريا مروراً بين دوكري ودهولا وسط عيارات نارية عشوائية كثيفة، استغرقت المسافة من سوريا إلى مخيم باجد كندالة (15) ساعة تقريباً.
أجريت عملية جراحية لي في مستشفى الطوارئ في دهوك (بروشكي) وتم اخراج الطلقتين وتبين أن الفقرة القطنية العاشرة للظهر قد تمزقت تماماً، حاولت معالجتها في كوردستان لكن الأطباء لم يتمكنوا من ذلك، راجعتُ المستشفيات الأهلية في تركيا على نفقتي، بالرغم من إجراء العملية لكنها لم تنجح، أجبرت للهجرة إلى المانيا عن طريق المهربين وأجريت عملية جراحية لي في مدينة هامبورغ الألمانية وعملية أخرى في مدينة بيليفلد، لكن نتيجة ظروف عائلتنا في المخيم اضطررت للعودة إلى دهوك بعد قضاء أربعة أشهر في ألمانيا، كما لم تقدم لي أية مساعدة تذكر من أية جهة لحد الآن.[1]