إعداد. د. #محمد علي الصويركي#
نزل الكورد على جبل لبنان منذ أمد طويل، ويشكلون اليوم شريحة كبيرة داخل المجتمع اللبناني الحديث، وقدر لبعضهم أن يلعب دوراً بارزاً في صناعة تاريخ لبنان السياسي والاجتماعي والاقتصادي خاصة في العهد العثماني وفي العصر الحديث.
ومن هذه الأسر الكردية العريقة في لبنان: المعنيون، آل العماد، آل جنبلاط ، آل المرعب، آل عبود، آل سيفا في عكار وطرابلس في الشمال، آل الفضل والصعبيون في الجنوب، وقد تمتعت هذه الأسر بصفة الإقطاعية والنفوذ الكبير.
هاجرت هذه الأسر الكردية إلى جبل لبنان في فترات زمنية مختلفة، ولأسباب مختلفة أيضاً، فمثلاً الأيوبيون نزلوها في فترة الحروب الصليبية لحماية الثغور الإسلامية، وبعضهم من قدم في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي ونزل في منطقة طرابلس وعكار والضنية بهدف توطيد حكم المماليك على بلاد الشام.
أما الجنبلاطيون فقدموا إلى جبل الشوف في القرن السابع عشر الميلادي هرباً من ملاحقة الصدر الأعظم مراد باشا العثماني ومن والي الشام سليمان باشا بعد ثورة جدهم (علي باشا جانبولارد) في منطقتي حلب – سيواس سنة 1606م.
وقد عرفت مدينة زحلة في البقاع اللبناني الأكراد ردحاً طويلاً، وتعاملت معهم عندما كانت نقطة تلاقي الطرق التجارية التي يقصدها البدو وأكراد كردستان ليبادلوا منتجاتهم الحيوانية ومواشيهم بالبضائع اللبنانية والأوروبية.
يذكر أن الدولة العثمانية اعتمدت بالدرجة الأولى على الأمراء الأكراد في المناصب الإدارية، فكان منهم الولاة والمتصرفين وقادة الجيش والشرطة في الولايات العربية المختلفة، وهذا يفسر بروز شخصيات كردية مؤثرة على مسرح الإحداث السياسية في البلدان العربية، ولكن هذه الشخصيات لم تلبث أن قويت واستقرت في أماكن وجودها، وكثر عددها، ولم تلبث أن تكيفت مع البيئة الجديدة، واعتنقت المذاهب والأديان السائدة فيها.
لقد لعب كورد لبنان دورا حيوياً وبارزاً على مسرح الحياة السياسية، بل تجاوز نفوذهم إلى خارج حدودها، فعندما تزعم المعنيون الكرد جبل لبنان بسطوا نفوذهم على شمالي فلسطين وجبل عجلون في شمالي الأردن ومدينة حلب خلال القرن السابع عشر الميلادي، كما برزت عائلة جنبلاط كقوة حقيقية في لبنان خلال القرن الثامن عشر واستمر نفوذها السياسي منذ ذلك الحين حتى الوقت الحاضر، وهناك أمراء رأس نحاش الأكراد الذين برزوا في منطقة الكورة في شمالي لبنان، وآل مرعب الذين حكموا منطقة عكار في شمالي لبنان.
كما هاجرت جاليات كردية كثيرة إلى لبنان في مطلع العصر الحديث من مناطق الجزيرة وعفرين من كردستان الغربية، ومن مناطق ماردين وبوطان في كردستان الشمالية بعد فشل الثورات الكردية ضد الدولة التركية الحديثة منذ فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي،
يتمركز غالبيتهم اليوم في مدينة بيروت وضواحيها، ويبلغ تعدادهم نحو 150 ألف نسمة، منهم (15) ألف يسكنون في بيروت الغربية بمنطقة زقاق البلاط بالذات.
كما اعتنقت العائلات والأسر الكردية التي هاجرت إلى لبنان واستوطنته مختلف المذاهب الإسلامية والأديان السائدة فيه، فكان الأيوبيون ومن بعدهم آل سيفا وآل مرعب على المذهب السنَّي، وبنو حمية متشيعين مع المتاولة في الجنوب، وآل جنبلاط والمعنيون وآل العماد يعتنقون المذهب الدرزي، وقليل منهم من اعتنق الدين المسيحي.
جرت لكرد لبنان صولات وجولات كالأمراء المراعبة وآل جنبلاط، ولا تزال قرية (طاريا) تتحدث عن التاريخ النضالي والعلاقة المشتركة بين العرب والأكراد، فهناك المناضل أحمد المير الأيوبي المنحدر من مدينة طرابلس، وقائد الحركة الوطنية اللبنانية الشهيد كمال بك جنبلاط. الذي حرص على زيارة الملا مصطفى البارزاني في منطقة (قلالة) بكردستان العراق عام 1971م، وقاسم شوك قائد ثورة سير الضنية سنة 1927م ضد الاستعمار الفرنسي.
يتبع…………
[1]