إعداد : الدكتور #محمد علي الصويركي# (استاذ دكتور مؤرخ وكاتب كردي من الأردن)
photo_2022-12-27_11-14-13
المعنيون (1516-1697م).
المعنيون هم سلالة كردية كان أجدادهم يعيشون في بلاد فارس، ثم انتقلوا إلى الجزيرة الفراتية، ومنها انتقل جدهم (معن بن ربيعة الأيوبي الكردي) إلى جبل لبنان في القرن السادس عشر الميلادي، وقد أكد هذا النسب المؤرخ (محمد أمين المحبي) في كتابه (خلاصة الأثر في أعيان القرن الثاني عشر، الجزء 3، ص266)، حيث قال: (كان بعض أحفاد فخر الدين المعني يروي عنه أنه كان يقول: أصل آبائنا من الأكراد سكنوا هذه البلاد).
أصبح أحفاد الأمير معن الأيوبي من أشهر حكام جبل لبنان والشوف خلال سنوات 1516-1697م، وعرفوا بأمراء الدروز، وامتد نفوذهم على سائر البلاد اللبنانية، وأجزاء من سوريا وفلسطين وشمالي الأردن، ودان لهم الدروز، وتمذهب المعنيون بمذهبهم، ومن أشهر رجالهم: الأمير قرقماز، وفخر الدين المعني الأول، وفخر الدين المعني الثاني، وكان آخرهم الأمير أحمد بن ملحم الذي مات بلا عقب، فانقرضت سلالتهم، وانتقل الحكم إلى الشهابيين بعد (مؤتمر السمقانية) عام 1697م.
ذهب معن الأيوبي مع عشيرته إلى جبل لبنان، ونزل بلاد الشوف ليشن منها الغارات على الإفرنج في الساحل، وقويت صلته بالأمير بحتر التنوخي فتحالفا معاً على محاربة الإفرنج، وأقام معن الأيوبي في بلدة (بعقلين)، واستمر في إمارته إلى أن توفي سنة544ﮪ/1149م.
ثم حكم أبناؤه جبل لبنان والشوف من سنة 1516الى سنة 1697م، وعرفوا (بأمراء الدروز)، وامتد نفوذهم على ساحل البلاد اللبنانية، وأجزاء من سورية وفلسطين وشمالي الأردن، ونال أحد أمرائهم وهو (فخر الدين المعني الأول) الحظوة لدى السلطان العثماني سليم الأول عندما ساعده في معركة مرج دابق التي أنهت حكم المماليك على بلاد الشام ومصر، وتقديراً له خلع عليه لقب (أمير البر)، فحكم الشوف، واتخذ (بعقلين) عاصمة له، لكنه اغتيل بأمر من والي دمشق سنة 1544م.
خلفه في الحكم ابنه الأمير قرقماز (باللغة الكردية يعني صاحب العنق الماسي) سنة 1544م، وقد اتهم بسلب أموال الخزينة العثمانية عن طريق جون عكار، فأرسل الباب العالي إبراهيم باشا حاكم مصر للاقتصاص منه، فهرب إلى مغارة الشقيف بالقرب من نيحا الشوف وتوفي بها سنة 1585م.
ثم خلفه في الحكم ابنه الأمير الشهير فخر الدين المعني الثاني، فذاع صيته ونظم الجيش، والضرائب، وحمى التجارة، وسعى إلى توحيد البلاد، وتحالف مع حكام (توسكانيا) في إيطاليا ليقدموا له الخبرة في صب المدافع، وتطوير الزراعة، وبعدها حاول الاستقلال عن الدولة العثمانية، فاستولى على البلاد، وبلغ أتباعه نحو(المئة ألف) من الدروز والسكبان، وامتد حكمه من بلاد صفد جنوباً إلى إنطاكية شمالاً.
ارسل السلطان العثماني مراد خان لوزير أحمد باشا المعروف بالكوجك لمحاربته، وانتصر عليه عام 1633م، وقتل أولاً أبنه الأمير علي حاكم صفد، ثم قبض عليه وارسل إلى الآستانة ومعه ولديه الأميران مسعود وحسين، وهناك تم حبس الأمير فخر الدين، وفي عام 1635م أمر السلطان مراد بقتله، ورميت رقبته في مكان مليء بالوحوش يدعى (أرسلان خانه)، وألقيت باقي جثته في المكان المعروف (آت ميدان)، وصادروا أملاكه وعقاراته، وخنقوا ولده (مسعود) والقيت جثته بالبحر، أما ابنه (حسين) فأبقوه وترقى في الرتب حتى صار حاجباً في البلاط الثاني، فرئيساً للحجاب، ثم سفيراً لهم في الهند.
يقال أن طموح فخر الدين، وتوسعه، وتمرده، وعدم تقديره لقوة الدولة العثمانية شجعه على ذلك، لكنها أدت في النهاية إلى فشل ثورته، وانتهت به إلى تلك المأساة الشنيعة.
تولى الإمارة بعده ابنه الأمير علي توفى عام 1635م، وآلت الإمارة إلى الأمير ملحم الذي أعاد الأمن إلى المنطقة، لكنه توفي سنة 1657م، وتولى الإمارة ابنه أحمد بن ملحم عام 1657م، وكان بذلك آخر أمراء المعنيين، إذ توفي سنة 1697 بدون عقب، وبذلك انقرضت سلالاتهم من الذكور، وانتقل الحكم إلى الشهابيين أقرباء المعنيون وأصهارهم وأصبحوا أمراء على جبل لبنان عام 1697م.
الأيوبيون.
قدم الأيوبيون إلى بعلبك في لبنان عام 1139م، عندما تم تعيين أيوب بن شاذي الدويني والد صلاح الدين الأيوبي والياً على مدينة بعلبك، وقد عاش صلاح الدين ردحاً من الزمن في مدينة بعلبك اللبنانية.
كما كان هناك أمراء أيوبيين سكنوا مقاطعة الكورة في الشمال، ومن الذين أشاروا إلى موقع الأيوبيين في تلك المناطق كمال الصليبي:” وفي أيام الأيوبيين كان لأحد أمرائهم قلعة في المسيلحة، في إحدى أودية لبنان الشمالي صعوداً من بلدة البترون.. ما زالت الأسوار الرائعة لهذه القلعة قائمة حتى اليوم.
وفي عهد الفاطميين الذين حكموا جنوبي لبنان ادخلوا إلى بعض مناطقها مستوطنين من العسكر الكورد، وكان من بينهم الأيوبيين، ولا يزال لهم ذرية وأحفادهم في قرية من قضاء البترون في شمالي لبنان يقال لها (رأس نحاش)، ويحرصون على حفظ لقب الإمارة رغم انحسار نفوذهم الاجتماعي والاقتصادي، وربما يكونوا هم الذين عناهم الكاتب طنوس الشدياق في كتابه (أخبار الأعيان في جبل لبنان) تحت اسم (أمراء رأس نحاش).
أمراء رأس نحاش.
هؤلاء الأمراء ينتسبون إلى الكرد الذين وضعهم السلطان العثماني سليم الأول في مقاطعة الكورة شمالي لبنان في القرن السادس عشر من أجل المحافظة عليها من الإفرنج سنة 1556م، وقد اشتهر منهم عدة أمراء، مثل الأمير موسى والد الأمير إسماعيل سنة 1637م الذي استخدمه شاهين باشا والشيخ علي حمادة وأرسلهما بقوة عسكرية لمحاربة آل سيفا في طرابلس وعكار وحصن الأكراد.
وهناك الأمير إسماعيل الذي عصى بالمال الأميري، ولجأ إلى الأمير أحمد بن ملحم المعني، فسلمه مدينة صور، ثم قتله قبلان باشا، وهناك الأمير حسين الذي ولي بلاد جبيل في سنة 1693م، وفي سنة 1771م أمر الأمير يوسف الشهابي بحرق قرية إسماعيل أحمد(عفصدين)، وبذلك انتهى أمرهم في القرن الثامن عشر الميلادي.[1]
يتبع…..