$كوردستان الحمراء$
جمهورية أرارات
سكن الكورد في منطقة القوقاز منذ زمن بعيد، فقد هيمن الكورد الميديون على منطقة أذربيجان جنوب نهر آراس وشكلوا إمبراطوريتهم 700-900 قبل الميلاد، وفي حوالي 934- 938م أقام “ديسم بن ابراهيم” امارته في آذربيجان وطرد الحمدانيين منها ثم لم يلبث أن ضعفت امارته، واستلم الحكم الأسرة الشدادية وهي من أوائل الأسر الكوردية الذين شيدوا امارة في تلك المنطقة ومؤسسها “محمد بن شداد”، واتخذ (دوين) ثم (كنجة) عاصمة له وبدأت الدولة الشدادية في بناء القلاع والجسور والمدن القصور وصك النقود وتحولت عاصمته الى مركز قوي وكبير يسيطرون من خلالها على المناطق المحيطة بأذربيجان وأرمينيا، وتجدر الاشارة الى أن “صلاح الدين الايوبي” ينتسب الى الاسرة الروادية التي تمتد أصولها الى مدينة (دوين) حيث هناك صلة قرابة بين الاسرة الشدادية والأيوبيَة، ثم أتت الأسرة الهذبانية وأقاموا امارتهم خلال الفترة العباسية لكن ذكرهم اختفى بعد سيطرة المغول على كامل المنطقة وقضوا على الامارات الموجودة حينها.
وقد أخذ وجود الكورد يتبلور في القرن السابع عشر، عندما جلب الشاه الصفوي عباس الأول (24) قبيلة كوردية من كوردستان ايران واقليم خرسان من أجل تحصين وحراسة الحدود الامبراطورية الصفوية الشمالية ضد العثمانيين. وفي فترات لاحقة استقرت ما يقارب (600) عائلة كوردية في كرباغ.
وبعد قيام الثورة البلشفية بقيادة فلاديمير لينين ويده اليمنى جوزيف ستالين ونتيجة لآراء الماركسية قام الاتحاد السوفياتي بتغيرات على صعيد إدارة الدولة، فتم منح كلاً من بولندا وفنلندا الاستقلال التام، وكذلك تم منح بعض الأقاليم والقوميات الأخرى حكما ذاتيا ومن بينها جمهورية كوردستان الحمراء. ﺑﻌﺪ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺳﺎﻳﻜﺲ ﺑﻴﻜﻮ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﺎﺭﻛﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻭ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻭﺭﻭﺳﻴﺎ ﺍﻟﻘﻴﺼﺮﻳﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻗﺘﺴﺎﻡ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺕ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﻭﻗﺴﻤﺖ ﻛوﺮﺩﺳﺘﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﺟﺰﺍﺀ، ﻭﺗﻢ ﺇﻟﺤﺎﻕ ﻛﻞ ﺟﺰﺀ ﺑﺪﻭﻟﺔ ﻣﺠﺎﻭﺭﺓ (ﺳﻮﺭﻳﺔ، ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﺗﺮﻛﻴﺎ، ﺇﻳﺮﺍﻥ، ﺃﺭﻣﻴﻨﻴﺎ)، ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺸﺮﻗﻲ ﻣﻦ ﻛوﺮﺩﺳﺘﺎﻥ ﻛﺎﻥ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻡ 1514ﻡ. كما ان لينين ﻛﺸﻒ ﺳﺮ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺳﺎﻳﻜﺲ ﺑﻴﻜﻮ، ﻭﺑﺬﺍﻟﻚ ﺧﺴﺮﺕ ﺭﻭﺳﻴﺎ ﻣﻌﻈﻢ ﺣﺼﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻤﺎﻝ ﻛوﺮﺩﺳﺘﺎﻥ، ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﺤﻘﺖ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ، ﻭﺑﻘﻲ ﺟﺰﺀ ﺻﻐﻴﺮ ﺗﺎﺑﻌﺎً ﻟﻼﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ. ﻭﺑﻌﺪ أﻥ ﺗﻠﻘﻰ ﻟﻴﻨﻴﻦ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻛوﺮﺩﺳﺘﺎﻥ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺑﺮﺯﻧﺠﻲ ﺇﻟﻰ ﻟﻴﻨﻴﻦ ﻳﻄﻠﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻴﺔ ﻟﻠﻨﻀﺎﻝ ﺿﺪ ﺍﻻﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﻠﻔﺖ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴأﻟﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻜوﺮﺩﻳﺔ. ﻳﻘﺎﻝ ﺇﻥ ﻟﻴﻨﻴﻦ ﻗﺪ ﻋﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴأﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺪﻭﺭ (ﺍﻟﻜوﺮﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺖ) ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻛوﺮﺩﺳﺘﺎﻥ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺗﺨﺼﻴﺺ 40 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺭﻭﺑﻞ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻐﺮﺽ. ﻭﺭﺩّﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻟﻮﺯﺍﻥ ﺃﻋﻄﺖ ﺣﻜﻤﺎ ﺫﺍﺗﻴﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ، ﻭﺳﻤّﻲ ﺑ (ﻜوﺮﺩﺳﺘﺎﻥ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ)، وأصدر الزعيم السوفيتي (لينين) أمره الشخصي في يوم 7 تموز من عام 1923م بإنشاء جمهورية ذاتية الحكم لكورد أذربيجان وكان القرار من لجنة خاصة وعرفت هذه الحكومة باسم (كوردستان الحمراء)، وبتاريخ 17 يوليو أكد على ذلك من قبل المجلس التنفيذي للجنة برئاسة الموظف الرفيع في البلشفية (س. كيروف)، وجاء هذا القرار كاعتراف رسمي منهم بالقومية الكوردية، وأثبتت الأيام أن إقليم (كوردستان الحمراء) كان وحدة إدارية نموذجية، وكان الهدف من إنشائه من قبل السوفييت هو لجذب تعاطف الشعب الكوردي في البلدان المجاورة في إيران وتركيا، والاستفادة من الحركات الكوردية في تلك البلدان عند الضرورة.
أصبح الاسم الرسمي لكوردستان الحمراء بالروسية (كراسنايا كردستان = Krasnyy Kurdistan)، وبالكردية:(كوردستان سور =Kurdistana Sor)، وبالأذرية:(قيزيل كردستان = Qüzül Kyrdistan).
شملت جمهورية (كوردستان الحمراء) المنطقة ذات الأغلبية الكوردية الواقعة قرب إقليم ناغورني كراباخ التابع لأذربيجان، وأصبح يحدها أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، وبلغت مساحتها (6210) كم2، وعدد سكانها عام 1926 نحو (51426) شخصاً، منهم (37182) من الكرود، بنسبة 72،3%، والبقية من الأذريين 27,2%. وفي شهر آب من نفس العام عين (حسين حاجييف) رئيساً لمجلس الإدارة، وشكلت لجنة لتطوير الإقليم.
تم اختيار مدينة (لاتشين =Laçîn) عاصمة (لكورستان الحمراء)، وقسمت إلى أربع وحدات إدارية، وإلى ست دوائر : كولباجار، لاشين، غوبادلي Qubadli، زينجيلان Zangilan، وجزء من جبرايل، وأقسام فرعية من قرقشلاق Karakushlak ، وقوتورلي Koturli، ومراد خانلي Khanli، وكورد- كنجي، وحاجي. وكان غالبية السكان من الكورد.
وعلى الرغم من أن درجة الحكم الذاتي الممنوح له كانت باهتة بالقياس إلى الأرمن المجاورين في مقاطعة ناغورني كارباخ المتمتعة بالحكم الذاتي، إلا أنها تجربة الحكم الذاتي شكلت على الصعيد السياسي أول تجربة كوردية في العصر الحديث، وحصل تقدماً ملموساً على صعيد نشر الدراسات حول اللهجة والفولكلور والثقافة الكوردية، ومنحوا امتياز إصدار جريدة (كوردستان السوفيتية)، وفتح معهد تربوي، وقاموا بتعليم الأطفال اللغة الكوردية، والبث الإذاعي، وكادت أن تكتمل المؤسسات الإدارية له في نهاية العشرينيات من القرن الماضي.
$دور العلاقات الدولية ومصالحها حول انهاء التجربة الكوردية:$
بعد المؤتمر السادس لأذربيجان السوفييتية، تم إلغاء إقليم (كوردستان الحمراء)، بعد أن استمر قائماً لمدة ست سنوات من عام 1923م حتى تم حله بشكل تراجيدي في 8 نيسان عام 1929م.
من الأسباب التي ساهمت في حل (كوردستان الحمراء) بشكل مباشر هو ما يعود إلى القوميين الأذريين الذين وقفوا بشدة ضد تأسيس هذا الإقليم منذ البداية، ولم يكن ينظرون بعين الرضا والقبول إلى تحسن أحوال الكورد، ولا يرتاحون الى تطورهم نحو الأفضل، فقد كان رئيس أذربيجان آنذاك (مير جعفر باقيروف) من أشد المناهضين للكورد وإقليمهم في البلاد، كما أن الضغوط التي مارسها الرئيس التركي (مصطفى كمال) على السلطات الروسية والأذربيجانية، والاتفاقيات السرية التي عقدها مع ستالين وباغيروف لإنهاء الإقليم الذي بات يشكل خطراً على جمهوريته الفتية ويحرض كورد تركيا على المطالبة بالمثل أدت الضغوطات التركية في النهاية إلى إزالة هذا الإقليم من الوجود، حيث وجد في الأرشيف التركي وثائق تشير إلى تأثير تشكيل (مقاطعة كوردستان الحمراء) للكورد السوفييت على اشعال فتيل انتفاضة آرارات عام 1930م التي نتج عنها تشكيل (جمهورية آرارات) في شمال شرقي تركيا في منطقة آغري (التسمية التركية لآرارات). وقاد الثورة “إحسان نوري باشا”، وتم جذب قوة قائد قبيلة الجلالين “إبراهيم حسكي” من تيلو، وتم تعيينه قائداً، وبهذا وضعوا أساساً للدولة الكوردية المقبلة، وفي هذه المنطقة كانت تطبق قوانين صارمة ضد السلب والنهب، وتم إقامة اتصالات مع قائد كوردستان الشرقية “سمكو شكاك” في إيران، وتم إعلان جمهورية آرارات المستقلة عام 1927م، واختيار قرية حول آرارات بأنها العاصمة المؤقتة لكوردستان.
وسبب آخر يعود الى كورد أذربيجان أنفسهم، فقد انقطعوا عن ديارهم وأوطانهم لعدة قرون، وعاشوا في شبه عزلة، وكان معظمهم في تلك المنطقة يعتنقون الدين الإسلامي وبالتالي يعدون مسألة (الدين) أهم من مسألة العباد والبلاد (الشعب والوطن).
بعد ذلك جرى إعادة تصنيف كورد كوردستان الحمراء تدريجياً مع السكان الأذربيجانيين، وجرى خلط هيكلي للمنطقة في عدة وحدات إدارية جديدة تحت سيطرتهم، وغير اسمه الى إقليم (نقشوان)، وبمجرد حله يعني عملياً طرد العرق الكوردي من لوحة الإثنية من دولة أذربيجان، حيث مورست ضدهم سياسات عنصرية بشعة من قبل السلطات في باكو، فمنعوا من التحدث باللغة الكوردية، من أجل صهرهم ضمن الأكثرية الأذرية، بل تم هجير أكثريتهم على يد (ستالين) إلى جمهوريات آسيا الوسطى وسيبيريا، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم.
قامت السلطات الأذرية باتخاذ قرارات ظالمة ضد الكورد لأن لديها مصلحة وطنية في استيعابهم مع الأذربيجانيين في بوتقة واحدة، وعلى الرغم من إلغاء إقليم (كوردستان الحمراء) استمرت المنطقة لفترة وجيزة بأخذ الدروس في اللغة الكوردية في صيف 1931م، وفي العام نفسه تأسست صحيفة (كوردستان السوفيتية) في مدينة لاشين؛ وبقيت هذه جريدة تصدر من باكو منذ 1926 باعتبارها لسان حال (كوردستان الحمراء) حتى سنة 1961م. كما أنشئت إدارة كوردية في شوشا لكلية التربية في عام 1932م، ووجه المدرس الضليع في التربية والتعليم (جعفر أحمدوف) للإشراف والتدريس في المجتمعات الجبلية في مدن كلباجار ولاشين لسنوات عديدة. وكان لقيادته والتزامه في نشر التعليم بين سكان القرى الكوردية قد أكسبه شهرة واسعة، وتقديراً له من الرئيس السوفيتي (لينين)، فقد منح واحدة من أرفع الجوائز في الاتحاد السوفيتي. استمر الوضع الكوردي بالاضمحلال مع اتساع سياسة التهميش والتتريك الاذريين. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك جمهورياته، سيطر الأرمن على منطقة ناكورنو قرباغ ومناطق الكورد فيها, وحاول الأرمن استمالة الكورد وتم تأسيس جمهورية لاجين الكوردية عام 1992 برئاسة وكيل مصطفاييف ولكنها لم تدم طويلا نظرا لعدم وجود الدعم الجماهيري الكوردي حيث كانت وليدة سياسة ارمنية معادية لآذربيجان، رفضها الكورد الذين يشتركون مع الآذريين في الدين والثقافة والأرض ولجأ رئيسها (مصطفاييف) إلى إيطاليا لاجئا سياسيا من نفس العام.[1]