محمد أوزون : بداية الأدب الكردي (بحث)
ترجمة: #دلاور زنكي# -الحلقة الثالثة
الأدب الكردي الحديث
من المشقة بمكان أن يستطيع أحد تشكيل لوحة متراصة كاملة و دقيقة عن هذا البحث بسبب انقسام البلاد والضغوط الواقعة على اللغة وتوزع الكُتاب في أجزاء متفرقة من الأرض وتبعثرهم وتعذر التواصل فيما بينهم و وجود المعوقات التي تمنع اللغة من السعي نحو الأفضل. لذلك فلم تتوحد الآداب الكردية في يوم من الأيام ولم يُجمع كُتاب الكردية على كلمة واحدة أو فكرة واضحة. لأن الحدود التي مزقت وحدة الأرض هي نفسها التي مزقت أوصال الأدب الكردي ومزّقت ما بين كُتّابه، لهذا فإنني أرغب في الحديث عن الأدب الكردي تحت ثلاثة عناوين مختلفة… الأدب الذي يقيم أهله في الجزء الذي يرزخ تحت الهيمنة العراقية والإيرانية والجزء الذي يقع ضمن الحدود التركية.. والأدب الذي يمارسه أهله في سوريا والاتحاد السوفياتي.
وقد ترعرع الأدب الكردي في هذه المناطق الثلاث دون أن تتم أية رابطة أوْ وشائج بين أدباء هذه المناطق ودون أن يخرجوا من عزلتهم وكان الأدب الذي نشأ هنا وهناك ذا خصوصية لا تعُنى إلا بشؤون هؤلاء الأدباء في هذه الرقعة من الأرض أو تلك.
إلا أنه –أي الأدب- في هذه الأعوام الأخيرة ولاسيما بعد عام 1970م استطاع إزالة الحواجز وخرج من عزلته، وتحرر من طوق الأسر اذ استطاع الرواد من الكُتّاب والأدباء في كل هذه الأجزاء المختلفة أن يقيموا بينهم جسوراً للتواصل وتبادل الأفكار والآراء وجلب ما لدى الآخرين من الأعمال الأدبية ونشرها والانتفاع بقراءتها. وحتى أوقات قريبة كانت مناطق العراق وإيران تمتلك من طاقات الطباعة ووسائل النشر أكثر مما تمتلكه الجهات الأخرى. والأدباء في العراق و إيران يستطيعون الاطلاع على الأعمال الأدبية التي تنشر في البلاد وفي كل أرض من العالم.. إنهم يجلبون تلك الأعمال ويقدمونها إلى قرائهم… وأكراد الاتحاد السوفياتي لهم دور كبير في تنشيط الحركة الأدبية ولهم اهتمام بطباعة الكتب ونشرها ولا يتذمرون من متاعب. أما الأدباء الذين يعانون حرماناً فهم الذين يقيمون ضمن الدولة التركية وفي سورية لأن طبع الكتب باللغة الكردية غير مباح، لذلك –في أحيان كثيرة يصدر الكتاب في هاتين الدولتين أعمالهم الأدبية في دول خارجية.
ونعتقد أن هذا التقارب والتواصل بين الكتاب في عهد غير بعيد سارا خطوات جادة لتوحيد اللهجات ودمج الآداب وهذا التطور الحديث يكسر صمت السنوات المنصرمة، وينعش الحياة الثقافية والأدبية ويضيف إليها ثراء ونشاطاً وحركة.
ولا بد لنا هنا أيضاً من أن نتحدث عن أحوال بلاد الاغتراب أو بكلمة أكثر وضوحاً وصراحة عن للاد المنفى التي غدت موئلاً وملاذاً للأدب الكردي. وينبغي لنا أن نتذكر صحيفة “كردستان” وهي صحيفة كردية صدرت في القاهرة عام 1898م. وبعد هذه الصحيفة صدرت صحف أخرى في أعوام 1910-1920م في استانبول. ونشرت الأعمال الكردية “الكلاسيكية” أول مرة في المنفى. وقد كانت المراكز والعواصم الكبيرة مثل دمشق وبيروت والقاهرة وبغداد والمدن الكبيرة في أوروبا- مقراً وملجأً دائمين لنشاط الكتاب والمثقفين الأكراد مع أنهم كانوا راغبين عن هذه الحياة الكئيبة المترعة بالتفجع والتحسر والآلام… هل كان في وسع الأدب أن يتنفس ويطمئن إلا في خارج البلاد. لأن الأدب وأهل الأدب يعيشان في كردستان في حالة من القمع والإرهاب. وحسب البحث الذي أجريته قبل بضعة من الوقت، فقد تجلى لي أن قرابة /32/ اثنتين وثلاثين صحيفة ومجلة كردية تصدر” في أنحاء متفرقة” ترى كم من هذه الصحف والمجلات تصدر في بلاد كردستان؟ وهذا برهان آخر على أن بلاد الغربة قد صارت مقاماً ومستقراً للنشاط الأدبي والثقافي والتنويري ولاسيما لللهجة “الكرمانجية” الكردية الشمالية.
منذ عام 1970م وحتى الآن نجد نشاطاً هائلاً من الهجرة إلى خارج كردستان بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية. ولهذه الهجرة حسنات وجوانب إيجابية… حيث يلتقي الأدباء وتتقارب اللهجات وتتجه نحو التفرد والتوحد. كما أنشئت في خارج كردستان مراكز للقاء الكُتّاب ومؤسسات ومعاهد علمية كردية. وعلى الرغم من أن هذه الجمعيات والمراكز والمؤسسات والمعاهد لا تستطيع ان تمثل آداب ولهجات عموم كردستان إلا أنها تمضي بخطوات حثيثة نحو الرقي والسمو.
وهنا أرغب في الإشارة إلى نقطة أخرى وأن ألج عوالم الأدب في كردستان… وأريد أن انظر ملياً إلى الأدب في سوريا وتركيا وإيران والعراق دفعة واحدة لأن الأعمال الأدبية في هذه الأمكنة تكتب بأبجدية واحدة (تستخدم الحروف العربية في كردستان إيران والعراق –اللهجة الصورانية- وفي تركيا وسوريا الأحرف اللاتينية).
وهكذا فإن الروابط الأدبية بين الأدباء والكتاب في إيران والعراق أكثر متانة مما بين الأدباء والكتاب في تركيا وسوريا. والتحول الذي طرأ على الكتابة الكردية في سوريا كان بتأثير أولئك الأكراد الذين هاجروا من تركيا ولاذوا بسوريا فكان أن بدأت الكتابة بالحروف اللاتينية.
الأدب الكردي في كردستان العراق وإيران
من الملاحظ أن الأدب الكردي في هذين القسمين نال حظه الأوفر من التقدم.. لأن محاربة ومنع اللغة والأدب كانت أقل من الأجزاء الأخرى. ولا سيما أن الأكراد كانوا دائماً أصحاب حق في القراءة والكتابة في القسم الكردي من العراق في فترة الاحتلال البريطاني وبعد جلاء الاحتلال.. وكانت لهم مجلات وإذاعة ومطابع وصحف. ولئن لم يكن الأكراد في القسم الإيراني يحصلون على هذه الحقوق والامتيازات على قدم المساواة مع القسم العراقي، إلا أنهم لم يكونوا محرومين –في أي وقت من الأوقات- من الصحف والمجلات والمطابع. وعلى سبيل المثال كانت هذه الأجزاء والأجزاء التي تقع في وسط كردستان تعتبر أسرة واحدة. لذلك وجد الأدب في هذه المناطق طريقة نحو الترقي.
عند البحث في شأن كردستان العراق علينا أول وهلة أن نتذكر قرار هيئة الأمم عام 1925م الذي يعلن عن كردستان واللغة الكردية بشكل رسمي…
منذ عام 1932م وحتى عام 1960م كانت إدارتان مستقلتان تديران شؤون العراق تحت الانتداب البريطاني(53) وفي هذه الظروف اختار الأكراد لأنفسهم حكماً ذاتياً داخل العراق فأصبح العراق في هذا الوضع مركزاً هاماً و وسطاً صالحاً أساسياً للنشاط الأدبي الكردي. وحتى ذلك التاريخ لم يكن للعراق أي شأن ذي بال. وكانت استانبول عاصمة الدولة العثمانية مركزاً لطباعة الأعمال الكردية ونشرها. إلا أنه بعد قيام الجمهورية التركية الحديثة 1923م هاجر بعض المثقفين والمتنورين من الأكراد من استانبول إلى العراق مثل: توفيق سليماني،(بيرميرد) ورفيق حلمي ومصطفى باشا ياملكي، وتوفيق وهبي، ومحمد أمين زكي وغيرهم من المثقفين والأدباء واستقروا هناك واستتب بهم المقام، وأصحاب هذه الأسماء كانوا موظفين كباراً في الحكومة العثمانية وفي سلكها العسكري، على جانب كبير من الوعي والعلم والتجربة. وعلى هذا المنوال وصل قدر كبير من المعرفة الأدبية الكردية إلى داخل العراق. وبعون من الوجود الإنكليزي تقدم الأدب الكردي وتطورت اللغة إلى الأفضل وبإشراف الانكليز صدرت بعض المجلات الكردية مثل: مجلة “بيشكوتين Pêşkewtin” عام (1920-1922)م، ومجلة “زيانوى Jiyanewe ” عام (1923-1936)م وجذبت إليها كثيراً من الأدباء والكتاب والمثقفين. وكان لهذه المجلات تأثير واضح في اللغة والأدب. وبعد صدور هذه المجلات بدأت مجلات ثقافية وأدبية وعلمية بالصدور مثل: “دياري كردستان Diyarî Kurdistan” عام (1925)م ومجلة “زاري كردستان Zarî Kurdistan” عام (1926-1932)م ومجلة ” روناك Ronak” عام (1925-1935)م ومجلة “زين Jîn” عام ( 1964-1936)م ومجلات وصحف أخرى.
وهذه المجلات والصحف الصادرة في العراق وصلت إلى الذروة من مراتبها بعد صدور مجلة “كلاويز Gelawêj” عام (1939-1946)م.
وبفضل الحرية السائدة في كردستان العراق، افتتحت مدارس وجامعات كردية هناك وصدرت مجلات مثل “كلاويز” استمرت في الصدور أعواماً. وتأسست جامعات وظهرت جمعيات ثقافية وأدبية ومعاهد علمية. ففي عام 1926م تأسست في مدينة السليمانية جمعية “جمعية علماء الأكراد” و وضعت هذه المسألة ضمن برنامجها:
1-إصدار المجلات والصحف لنشر الثقافة والمعرفة لدى الأفراد في البلاد.
2-تأليف وترجمة الكتب التي تعنى بالتعليم والتدريس.
3-افتتاح المعاهد والمدارس حتى يتسنى للناس التعلّم ليلاً نهاراً.
4-التحضير للأمسيات والاجتماعات والمؤتمرات.
5-إنشاء المكتبات العامة وافتتاح مكتبات وحوانيت لبيع الكتب وتوزيعها.
6-إيفاد البعثات العلمية إلى خارج البلاد للتخصص في أصول التدريس ومعرفة “الانثولوجيا- علم الأجناس” والجغرافيا.(54)
وقد تحققت هذه الأهداف إبان الحكم الذاتي، عام (1970-1974)م لاتحاد الكتاب الأكراد وتمت الموافقة بالإجماع على القرار التالي:
“العمل على تطوير وتحسين الأدب الكردي الموحد، وصيانة خزانة اللغة الكردية والأدب الكردي، وحيازة الوسائل والأسباب لتنشيط البحوث والحركة الأدبية”.(55)
ولدى هذا الانتعاش الأدبي والعلمي في هذا الجزء من كردستان تحسن الأسلوب النثري أكثر مما في الأجزاء الأخرى.
وتوجد في العراق وإيران نماذج من النصوص الدينية المكتوبة نثراً أول مرة.
وأولئك الذين اشتغلوا بفن الكتابة النثرية في العلوم العقائدية والشريعة الإسلامية والتصوف، هم:
الشيخ حسيني غازي (1790-1870)م مستهل القرن الثامن عشر، ومولانا خالد النقشبندي عام 1826م كتب “العقيدة” الكردية، وكانت كتاباتهم باللهجة الكرمانجية الشمالية وبعد هذه الأعمال ترسخ فن الكتابة النثرية واتخذ لنفسه مكانة مرموقة. وظل هذا العمل الكتابي الأدبي1 يتطور حتى عام 1920م ويسير على الطريقة التقليدية كالأعمال الأدبية الأخرى وعلى نهجها وإن لاحظنا بعض الفوارق الضعيفة بين اللونين.
إلا أن صدور المجلات والصحف التي أومأت إليها وهبت للأدب الكردي زخماً آخر وانبعاثاً جديداً.. وظهرت الأعمال والكتابات الحديثة على صفحات هذه المنشورات.
وفي مستهل عام 1920م شرع الأكراد يكتبون القصة القصيرة ضمن الأساليب الحديثة… وقد أغنت محاولة كتابة النثر القصصي بالطريقة المبتكرة الجديدة- الأدب الكردي. (56)
نشرت القصة الكردية القصيرة عام 1913م أول مرة. (سأتحدث عن ذلك حين العودة إلى الأدب الكردي في تركيا وسوريا). وأول قصة تمثل اللون الحديث للقصة القصيرة نشرت في مدينة “السليمانية” عام 1925م تحت عنوان “le xewma” كتبها جميل صائب. في هذه القصة القصيرة الطويلة التي نشرت متفرقة على صفحات “Jiyanewe” ابتداء من العدد /28/ الثامن والعشرين في 26/6/1925م. والكاتب في هذه القصة يلجأ إلى أحلامه متحدثاً بلغة سهلة ومبسطة ليرسم لنا لوحة معبرة عن الأحوال الاجتماعية والأوضاع السياسية في أيام انتفاضة الشيخ محمود برزنجي عام 1922م ثم يعرضها للقراء. وفي عام 1926م صدر للكاتب: أحمد مختار جاف كتاب تحت عنوان “قضية الضمير” وكان هذا العمل أكثر أهمية من العمل الذي قدمه جميل صائب. فهو ينظر إلى الأمور بتأمل أدق وتمعن أعمق وأوسع وأشمل.. وقد اقتبس موضوع قصته “قضية الضمير” من واقع المدينة وساكنيها ويضع تلك الأحوال بدقة وتأنٍ بين أيدي القراء، كما تبرز وتطفو على سطح العبارات والكلمات الأوضاع السياسية والدعوات القومية الكردية(57)- يتحدث “هوسمند أوصمان” في أطروحته الأكاديمية عن ذوي الخبرة والمراس من الأكراد واتجاهاتهم وآرائهم ونظرياتهم من أمثال: حسين عارف و مصطفى خزندار وسواهما، ويلقى عليها نظرة فاحصة ومدققة قائلاً:”إن القصص التي صدرت في أعوام 1920-1940م واهية وضعيفة من حيث البنية الأدبية”. ثم يستأنف حديثه:”إن القصص التي صدرت في البداية كانت –كما يمكن للمرء أن يقول- بعيدة عن الأدب الشفهي، تنطوي على مضامين نقدية للأوضاع الاجتماعية والسياسية. فهي من هذه الناحية قوية ومتينة. وإزاء هذا الأمر صدرت قصص أعوام /30/ الثلاثين القصيرة على أسس وقواعد الأدب الشفهي وينبوعه ثم استطاعت الوصول إلى كافة الينابيع الأخرى.(58)
في كردستان العراق وإيران كانت مجلة “كلاويز” أعظم وأجل محرّضٍ لللغة والأدب للسير إلى الأمام.(59) وكان القائمون على تحرير مجلة “كلاويز” التي صدرت وواظبت على الصدور في أعوام 1939-1949م هم: إبراهيم أحمد وعلاء الدين سجادي، وشاكر فتاح. وعند صدور العدد الأول كان إبراهيم أحمد وهو المسؤول والمدير في المجلة قد كتب مقالاً باسمه المستعار “بله” شرح فيه غاية المجلة وأهدافها وَرَدَ فيها:
“تقويم اللغة الكردية وجعلها ضمن المعايير والمقاييس، حماية الأدب القديم، وبناء أدب كردي حديث، وترجمة كتب قيمة من الآداب الأجنبية إلى اللغة الكردية ونشرها. فإذا لم يكن لدينا حتى الآن أسلوب واضح في المنحى الأدبي فهذا يقع على عاتق المجلة دعوة الكتاب والأدباء لإبداء آرائهم في ماهية هذا التخلف عن الركب”.(60)
إضافة إلى البحوث التاريخية والاجتماعية والأدبية والثقافية ساهمت المجلة في الإرتقاء بفن القصة القصيرة مساهمة لا حدود لها… ساعدت المجلة الكتّاب، وخرّجت كتاباً في إنشاء القصة القصيرة الحديثة.. وترجمت أعمال كتاب أوروبيين.. وعلى صفحاتها ظهرت أفانين جديدة من الأدب، وأثيرت المحاورات.. وهكذا انتصب صرح جديد للكتابة النثرية. وبرزت أساليب متطورة. لقد أهدت مجلة “كلاويز” أدباء كباراً وأعمالاً أدبية باهرة ومدرسة أدبية غنية إلى الثقافة والآداب الكردية.
وبعض الكتاب العظام المرموقين الذين يكتبون لغتهم الكردية باللهجة “الصورانية” ينتمون إلى مدرسة مجلة “كلاويز”.
كان جمع الكتاب في مجلة “كلاويز” غفيراً. من هؤلاء محررون ومسؤولون في المجلة مثل: إبراهيم أحمد وعلاء الدين سجادي. وتوفي علاء الدين سجادي في تاريخ 13/12/1984م في بغداد (1905)م، وكان معروفاً بأنه أعظم ناقد وأكبر خبير في اللغة وفن القصة في أرجاء الوطن كله. له من الآثار المنشورة التي تركها علاء الدين سجادي كتابه (تاريخ الأدب الكردي) الذي صدر عام 1952م في مجلدين وما يزال معيناً غزيراً للأدب الكردي حتى الآن. ومختاراته الفولكلورية في كتاب “Riseyî Mirwarî” من الكتب القيمة في هذا المضمار.
وله بحوث في القصة والروايات والملاحم الكردية جمعها في كتابه “Hemîşe Bihar”2 المكتوب نثراً وعلينا ان لا ننسى كتابه النثري “Geşt li Kurdistanê”. في هذا الكتاب يتناول الكاتب مواضيعه بأسلوب أدبي متحدثاً عن البنية التاريخية الاجتماعية والسياسية والثقافية في مدن كردستان. وكتابه “الثورة الكردية-الكرد- الكرد والجمهورية العراقية” من أهم وأنفس الكتب التي تبحث في تاريخ كردستان، باللغة الكردية.
“كان علاء الدين سجادي محاضراً استاذاً في اللغة والأدب- في جامعة بغداد- قسم اللغة الكردية منذ عام 1960م إلى حين وفاته”.
وإبراهيم أحمد أيضاً لم يكن مهتماً باللغة والأدب وحسب مثل زميله بل مارس السياسة وناضل وكافح في ميدانها وصار شخصية سياسية ذات شأن. تسلم وظائف ومهمات جسيمة في حركة الدعوة إلى التحرر الكردي ولاسيما بعد أعوام 1940م. ساهم في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، وبعد فترة وجيزة ترقى إلى وظيفة الأمين العام للحزب.
وفي تلك الأعوام الساخنة 1960م-1970م التي وصل فيها قمع الحريات في كردستان العراق إلى الذروة شارك زعيم الحركة والحزب مصطفى البارزاني-الخالد وأوقد نار الحرب وقاد المعارك. إنه يقيم الآن في “لندن” موظفاً مسؤولاً عن المجلة الأدبية الثقافية الفصلية (تصدر في كل فصل).. (Çirîka Kurdistanê).
إننا كما نرى في بلاد أخرى من العالم الثالث أن الأمر الذي يريد إبراهيم أحمد أن يبلغه- على غرار زعماء البلدان الأخرى- هو الكفاح في سبيل عمل أدبي وثقافي وسياسي موحد ودمجه في شخصية قوية من كل أطرافها.. ويمكن لنا ان نقول إن هذه الرغبة وهذا الهدف موجودان لدى جميع المتنورين الأكراد، منذ القديم.
في كردستان-في أحيان كثيرة- قد يكون أصحاب الحركات الثقافية والمتنورون والأدباء رؤساء وزعماء منظمات سياسية وقادة أحزاب… وهكذا تجتمع شخصيات متعددة في شخصية واحدة تحمل صفة الأدب والثقافة والقيادة والسياسة والوطنية. ربما اختار المتنورين هذا النهج لأنهم أرغموا وساروا عليه وعاشوا هكذا.
في أكثر جلساتنا كان إبراهيم أحمد يلقى على مسامعي هذا الحديث:
“في الحقيقة أنا لم أنخرط في العمل السياسي من تلقاء نفسي أو برغبة فيه… فإن التجربة والحقيقة وأحداث البلاد، بلادنا تؤكد أن الأمور لا تسير ولا يمكن أن تعمل ولن نفلح ما لم نخلط السياسة بالأدب”.(62)
كتب إبراهيم أحمد روايته الأولى عام 1956م، إلا أنها لم تنشر إلا بعد أمد طويل عام 1972م تحت عنوان “زانا كل Jana Gel”، ويسعنا القول إن “زانا كل Jana Gel” هي أول رواية تصدر باللهجة الصورانية. لذلك فهي تُقرأ حتى الآن ويجرى الحديث عنها في كردستان كلها. ومما لا ريب فيه أن رواية “زانا كل Jana Gel” مثل أية رواية تصدر أول مرة لا تخلو من هناتٍ ونواقص فنية أدبية. وهي متوفرة في كثير من اللغات بعد أن ترجمت.
تتحدث الرواية عن بلد ممزق مسحوق بائس محتل لا حيلة له وعن أسرة صغيرة في ذلك البلد “يطلق الكاتب على هذا البلد اسم “الجزائر” وأحياناً اسم “كردستان”… الأسرة مشتتة… عائل الأسرة (الأب) يقع في الأسر فهو رهين السجن لسبب ما منذ عشرة أعوام ونيف مات أولاده وزوجته في مدة غيابه عنهم.. لم يعد الوطن إلا أطلالاً وخرائب… لم يبق فيه حجر على حجر… القرى جميعها مهجورة خاوية… تستمر حرب ضروس ومعارك طاحنة بين المقاتلين المسلحين وبين الغزاة الغرباء.. ما أكثر ويلات هذه الحرب ومصائبها… أثخنت الحرب جروح الأبرياء.. البؤساء المظلومون يحاولون الدفاع عن حياتهم، ويقاومون… الأسر مقطعة الأوصال.. الناس متفرقون مبددون.. ومشردون.. الوطن الذي احتله الطغاة يتقيأ دماً… النضال قائم على قدم وساق لطرد الغزاة وبناء مجتمع آمن سعيد رخي، رضي البال وخلاصة القول فإن الرواية منسوجة لتؤدي هذه المعاني باللغة الدارجة اليومية وأسلوب أدبي سهل.. إن الوطن الذي يصوره إبراهيم أحمد هو نسخة عن وطنه بالذات في أيسر الحالات.(63) ومع أن الرواية ليست كاملة من حيث الفن الأدبي ولم تستوف الشروط لبناء رواية جيدة إلا أنها تلفت انتباهنا إلى معلومات جمة لها وزنها.. والرواية رغم كل الملاحظات جنس من أجناس الكتابة، وقد الممنا آنفاً بأن الكاتب إبراهيم أحمد رجل كتابة وسياسي محترف.
ولكي لا يسيطر الجانب السياسي ويطغى على الجانب الروائي يمضي إبراهيم أحمد بروايته مع كل ما تحمل من تبعات وأحداث إلى رقعة أخرى من الأرض… وبهذه الخطة يضع مسافة بينه بصفته كاتباً وبين ما يجري في الرواية. وأحياناً يمكن للمرء وصف أحداث بعيدة عنه بسهولة أكبر مما لو كانت قريبة منه.
يعتقد إبراهيم أحمد أنه إذا أراد أن تنجح روايته وتنال قسطها من فن الرواية فعليه أن يبقيها في عزلة وفي منأى عنه.
وللحديث عن الشعر الذي قيل باللهجة الصورانية لا بد لنا من العودة إلى عصر حديث يبدأ بنوري شيخ صالح عام (1906-1958)م إننا نجد شخصيات متنورة ومثقفة تعنى بالسياسة أيضاً… وكذلك نوري شيخ صالح اهتم بالسياسة منذ عهد قريب وهو مواظب على نظم شعر حديث أنيق وعلى كتابة النقد الأدبي. وتجربته الأدبية تستحق الذكر. فقد استطاع بفضل ما يكتب من الشعر الحديث الجيد أن يكون رائداً لأدب جديد قائم بذاته ويصنع لوناً من الكتابة الشعرية لم يتطرق إليها أحد قبله. وهذا اللون الجديد سار بالشعر الكردي إلى مراحل متقدمة. من زعماء هذه النهضة وروادها “بيره ميرد” (1867-1950)م ودلدار (1918-1948)، و “زَوَر أحمد هردي” و “فائق بيكس” و “كوران”.. ولا بد هنا من التحدث عن كوران (1904-1962)م اسمه الحقيقي هو: عبدالله سليمان.. وهو ولا شك المعلم الأكبر في الشعر الكردي المعاصر… إنه يطعم شعره الحديث بشيء من الأساليب التقليدية فيتولد لديه لون ثالث من صناعته… لقد مارس جميع ضروب الشعر وأنتج جنساً فريداً ليس له مثيل… وساعدت أعماله الشعرية القصيدة الكردية على أن تتبوأ مكانة قريبة من الشعر العالمي وأن تكون على صلة به وترفع الشعر الكردي إلى درجة عالية من الجودة فانساب هيناً ليناً حراً طليقاً.(64) كان لكوران نشاط في السياسة فُسجن مراراً ولبث في السجون.. وبالتغيير اللطيف الجذري الذي أحدثه في صياغة شعره حرر الشعر الكردي من تأثير الشعر العربي والفارسي “الكلاسيكي”. كان يسعى إلى إنشاء لغة كردية نقية خالية من مفردات أجنبية وأدب مطلق النقاء. إن كوران الذي كان ملماً بالأدب الأوروبي الحديث كتب شعراً كردياً راقياً ونظم قصائد رائعة.. وبكل وضوح وجلاء نستشف من شعره البليغ الحالة الروحية للإنسان الكردي، لطافة وعذوبة الطبيعة في بلاد الأكراد.. في كلمات رقيقة معبرة وعبارات منمقة.. كان لكوران أثر عميق في رعيله وفي الرعيل الذي جاء من بعده.
ويتجلى أثر كوران جلياً في قصائد شعراء مثل: “هاوار” و”دلزار” وكاكاي فلاح” و”ديلان” وكان ” كاميران مُكري” سواهم.(65)
لقد انتشر الشعراء الذين ينظمون الشعر على منوال “كوران” ويسيرون على نهجه في كل أطراف الدنيا ويمضون بالشعر الكردي إلى آفاق مشرقة وعوالم مضيئة.. ولاسيما بعد الثورة (الانقلاب العسكري- برئاسة عبدالكريم قاسم) عام 1958م الذي تحسنت فيه أحوال الكرد في العراق.. فتحقق تقدم اقتصادي واجتماعي… وبفضل هذه الكتابات والأعمال الأدبية الحديثة تحسنت أحوال الفنون والابتكارات.
في عام 1961م بدأت الثورة والحركة المسلحة اللتان ما تزالان مستمرتين حتى الآن.. إن الجيل الذي نشأ بعد “كوران” في أيام الثورة وترعرع يعرفون باسم “جيل الثورة” أو “Post Goran”. سار هذا الجيل على خطوات “كوران” في خطوة جديدة.
وصبّ في شرايين الشعر الكردي دماً جديداً فازداد تألقاً وانتعاشاً، وبهذا الرعيل أو الجيل بلغ الشعر الكردي “الصوراني” مرحلة جديدة فقويت بنيته وتعمقت معانيه وأصبح أكثر ثراءً وظهرت فيه المقاصد القومية وتجدد أسلوبه وأهتم بأمور شتى ودخلته مواضيع من الدراما والتراجيديا “المأساة” والسيرة الذاتية. وتغيّر فيه مفهوم ال”Kurdayetî” “أي كون المرء كردياً” واكتسب معنى آخر… وتحرر الشعر الكردي من عزلته القديمة وحدد العلاقات القومية… وقد ترجمت أعمال ممثلي هذه المرحلة إلى لغات أجنبية. نذكر منهم :”شيركو بيكس” و “لطيف هلمت” و”عبدالله بيشو” و”أنور قادر محمد” و”فرهاد شاكلي” و”رفيق صبري”… ونشرت. واستطاع هؤلاء جميعاً بجهودهم أن يسيروا بالشعر الكردي إلى العالمية وتعريفه إلى كتاب العالم وكل منهم حسب مقدرته يحاول تدوين تاريخ الأدب الكردي.
وعند البحث عن الأدب الكردي (في اللهجة الصورانية) يقفز إلى الذهن ولا شك في ذلك- الأدب الكردي في كردستان إيران ولاسيما مدرسة جمهورية مهاباد الكردية (جمهورية كردستان). ففي عهد الجمهورية نشأ أدب كامل النضوج أي في حضور هذه المدرسة جعل الأدب الكردي بكل لهجاته شامخ الرأس. ليس منا من يجهل مأساة جمهورية مهاباد (جمهورية كردستان). أسست الجمهورية تكتنفها آمال جسام في عام 1946م. ولكن مصير الجمهورية بدأ واضحاً عندما اتفقت واجتمعت الدول المنتصرة في الحرب الكونية الثانية على كلمة واحدة وأشاحت بوجهها عن الجمهورية الفتية وآزرت النظام الإيراني وقدمت له العون. وهكذا انهارت الجمهورية وتبخرت الأحلام والآمال. واعتقل مؤسسو الجمهورية وزعماؤها وأعدم الجميع مع رئيسها الشهيد قاضي محمد… وفي أيام الجمهورية القصيرة قامت نهضة ثقافية لا حد لها. وصدرت مجلات وصحف مثل: “كردستان” و “نشتمان” و “هالالا” و “هاوار”(66) وكتبت المسرحيات وألفت التمثيليات وعرضت وأقيمت المسارح والأمسيات الثقافية ومؤتمرات المتنورين والمثقفين وهيمن على الناس جوٌ حيوي واسع من الثقافة، وكان رواد هذه الحركة فئة من المتنورين المتمكنين مثل: عبدالرحمن زبيحي” و”هيمين” و”هزار” و”رحيمي قاضي” وكانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة. وبعد إخفاق الجمهورية ساءت أحوالهم فتفرقوا في بلادٍ غريبة وأقاموا فيها في أحوال بائسة وعيش ضنك واستأنفوا نشاطهم الأدبي وثابروا على العمل السياسي. من هؤلاء المكافحين نتذكر: “هزار” (1921-1991) و”هيمين” (1921-1987) و”حسن قزلجي (1914-1985)م ورحيمي قاضي (1922-1991م.
رحيمي قاضي كاتب الرواية الراقية. من أمهات الكتب الروائية التي صدرت في إيران والعراق رواية “بيشمركه” .. كتب هذه الرواية في المنفى عام 1961م.
إن الكاتب “رحيمي قاضي” هو أحد أقرباء رئيس جمهورية مهاباد (جمهورية كردستان) قاضي محمد(67) كما مرّ بنا آنفاً وقد أخفقت المساعي التي كان “رحيمي قاضي” شريكاً فيها في الحفاظ على الجمهورية ومنعها من التداعي والانهيار… بعد عام تلاشت الآمال المعقودة على قيام هذه الجمهورية التي لم تستمر في البقاء سوى عام واحد فوقعت البلاد تحت نير الظلم والاضطهاد. والقادة والزعماء والمسؤولون الذين استطاعوا الهجرة غادروا البلاد بحثاً عن حريتهم في بلاد غريبة.. وبشتى ألوان المشقة وصل بعض منهم إلى أراضي الاتحاد السوفياتي وسلموا أمرهم للشيوعيين. وكان بين هذه الكوكبة من المهاجرين رحيمي قاضي… ابتعد عن أهله وأقربائه متشوقاً إليهم يهدُّهُ الحنين إلى خلانه مفعماً بأحاسيس الغربة… وهناك كتب متأثراً باللغة الروسية وغزارتها روايته عن أيام الجمهورية الكردية (جمهورية كردستان) فلما أنجز الكتابة وانتهى من سردها أطلق عليها اسم “بيشمركه” الذي يقدسه الأكراد. الاسم الذي يعني الشخص الفدائي المضحي المحامي عن وطنه منذ مئات السنين الذي كرّس كل حياته لأجل قضية بلاده…
من أساتذة الكتابة النثرية الذين ظهروا في كردستان هو حسن قزلجي.. حسن قزلجي محترف صناع في فن القصة القصيرة الكردية… ولمجموعته القصصية “Pêkenînên Geda” “بيكنينين كدا” شهرة واسعة، وقد ترجمت إلى لغات أخرى وهو أيضاً أي الكاتب من طبقة رحيمي قاضي.. كان مثله بكل معنى الكلمة عاش فترة قصيرة من الرخاء والسعادة وأمضى سائر حياته الطويلة في نكد وبؤس وشقاء. بعد إخفاق جمهورية مهاباد اختار بلغاريا مقراً لإقامته وهناك ألقى عصا الترحال واستقر. وعندما تبدلت الأوضاع في إيران عاد أدراجه فتجسمت آماله، وكبرت أحلامه وسَمَتْ أمنياته ودعواته وبسبب هذا كله اعتقلته السلطات الإيرانية بعد فترة وجيزة وظل معتقلاً رهين السجن حتى عام 1984م في سجن إيران الشهير “أفين” وفي العام نفسه قضى نحبه تحت التعذيب في السجن. وعلم الرغم من إقامة الكاتب أمداً بعيداً.. بعيداً عن وطنه فإن جميع شخصيات مجموعته القصصية من الأكراد. الأكراد الذين يحيون حياة قسوة وتشرد في عمق الوديان أو على التلال أو في أكواخ صغيرة أو الكهوف والمغاور حياة شديدة البؤس لا يملكون إزاءها حيلة. فهم معزولون عن العالم يعيشون على هامش الإنسان والإنسانية.(68) والكاتب يرسم بقلمه وفنه صورة واضحة عن حياة أولئك البؤساء ويضعها نصب أعين القراء.
أما “هزار” و “هيمين” فهما فارسان من فرسان الشعر لا يشق لهما غبار… وبدل أن يهاجرا إلى دول نائية أسوة بزملائهما ورفاقهما توجها إلى العراق وإلى كردستان العراق، ومكث الاثنان هناك حتى أواخر عام 1970م… استلم “هزار” مراكز ووظائف كبيرة في حركة تحرير كردستان العراق، وظل صديقاً حميماً للزعيم الخالد ملا مصطفى البارزاني… وما زلت أذكر ذلك اللقاء الذي جرى بيني وبينه في باريس عام 1985م وكأنه كان يوم أمس (كان قد حضر إلى باريس للاستشفاء). قال في أثناء الجلسة:
“إنني أنظم كل سنة قصيدة بمناسبة رحيل الملا مصطفى البارزاني أكتب شعراً كل عام لصديق راحل… تأثرت بكلامه وهذا الشعر- بعيداً عن السياسة والاستعراض السياسي- مليء بالدفء والحرارة، زاخر بالعواطف الجياشة تجاه صديق مات، كتب إحياء لذكراه… فيه تتجلى شخصية “هزار” ودفق إنسانيته وعذوبة معانيه وطلاوة ألفاظه وعباراته.
لقد ألف الشاعر “هزار” علاوة على ديوانه الرائع معجماً كبيراً في اللغة “الكردية- الفارسية” وطبعه وأخرجه في مجلدين كبيرين. كما أنه أعاد النظر-على غرار الشرفنامه- إلى “مم وزين” وديوان “ملا أحمد الجزيري” وقدم لهما تعريفاً، وكتب لهما شرحاً وافياً موسعاً ونقلهما إلى كردستان وقبل رحيله ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الكردية… لقد كان “هزار” في عطائه يضاهي عطاء مؤسسة وأكاديمية للثقافة رغم قسوة الحياة ورغم أحواله البائسة.
والشاعر “هيمين” أصبح صانع شعر رقيق مبتكراً فنوناً في نظم القصيدة الإنسانية ورائداً لها.
وفي وسعنا أن نقول: إن “هيمين” رائد القصيدة الرومانسية الكردية. في عام 1979م عندما حرر الأكراد كردستان إيران التقيت بهذا الشاعر في مهاباد فكان يتحدث دائماً عن مسؤوليته تجاه اللغة الكردية وأنه يكتب انطلاقاً من هذا الإحساس بالمسؤولية وقد أصدر ديوانين ضمنّهما شعره الخالد المبتكر، ولا نعتقد أن شاعراً من الشعراء أجاد وصف التشرد والحرمان في ديار الاغتراب كما أجاده “هيمين” وأبدع في تصوير الحياة فيها. وفيما يلي رباعيته التي أودع فيها تجاربه:
Derdî dûrî, derdî dûrî kuştimî
Derdî wişyarî sebûrî kuştimî
Yadî yaran û wilatim roj û şew
Lê heram kirim qerar û xurd û xew.
قتلني هم الغربة
أماه- لقد حرّم عليّ الأحبة والوطن
الراحة والمطعم والرقاد.
وأريد هنا أن أختتم الحديث عن الأدب والثقافة في هذين القسمين من كردستان- وقد سبق لي أن تحدثت عنهما بإيجاز- بأحداث عام 1970م. ففي عام 1970م حصلت كردستان العراق على حكم ذاتي رصين، متوازن، يحمل كل الشروط والمواصفات، في السياسة والإدارة. فاستغل الكتاب ورواد الأدب وكبار المثقفين الفرصة في هذا الوضع الجديد القائم فانكبوا على التأليف والنشر وترجموا آداب الدول المجاورة: العربية والفارسية والتركية إلى اللغة الكردية ونشروها في كردستان العراق… فعرف الناس لوناً جديداً من الآداب لم يكونوا يلمون بها من ذي قبل وجرى الجدل والنقد وإبداء الآراء في موضوعها بين الكتاب والقرار… فنشأ في كل مدينة جمعيات ومجالس أدبية وثقافية ونهض الكتاب والمؤلفون بأعمال جليلة في هذا الميدان. ونشأ جيل جديد من الأدباء والشعراء والمثقفين والمتنورين وتفتحت آفاق رحيبة بين جميع المفكرين والسياسيين والوطنيين وكان لذلك أثر كبير جداً في مجال التعليم والتاريخ الكردي وأضاف هذا الأثر رونقاً وصفاء وجلاء على الحياة العلمية الجديدة. سبق لي أن نوهت بأسماء الشعراء البارزين الرواد من هذا الجيل، أما ممثلو الكتابة النثرية (في الرواية والقصة القصيرة) من هذا الجيل وروّاد الحركة النثرية الجديدة ورموزها فهم:
حسين عارف و رؤوف بيكرد وأحمد محمد إسماعيل ومحمد صالح سعيد ولطيف حميد وأحلام منسير، ومعروف خزنه دار. ولكي لا نسهب كثيراً ونطيل هذا البحث المقتضب فقد اكتفيت بذكر أسمائهم ولن أتطرق إلى أعمالهم وكتاباتهم. وهؤلاء على الرغم من كل شيء وعلى الرغم من ضعف النثر الكردي و وهنه و وجود كثير من الهنات فيه فقد ساروا على نهج قويم وقطعوا أشواطاً يُحمدون عليها. وجدير بنا أن نخوض في البحث عن أعمال وآثار حسين عارف من بين هؤلاء الكتاب جميعاً. لأنه لم يجتزئ بكتابة القصة والرواية فكتب في النقد الأدبي وكتابه “فن القصة الكردية” 1925-1960م. كتاب جوهري وأساسي في موضوعه. وروايته الأخيرة “Şaar” يعتبر من الروايات التي تتبوأ القمة في الأدب الكردي الروائي، وهي التي تصور مدينة “السليمانية” تصويراً فنياً معبراً بأسلوب الحداثة الأدبية، هذه المدينة التي كانت دائماً وسطاً رحيباً للثقافة الكردية.[1]
(يتبع)