(الجزء الاول): كيف وصل مشروع القانون/القرار الى هذه المرحلة -توضيحات حول المسودة الحالية وما خلف الكواليس -الاعمال التحضيرية-
يعقد البرلمان الالماني يوم الخميس القادم (الساعة 11:40 صباحا) جلسة برلمانية ضمن الدورة العشرين حول طلب الاحزاب الحاكمة اصدار قرار او قانون للاعتراف بالابادة الايزيدية التي حصلت على أيدي تنظيم داعش الارهابي سنة 2014. ويتضمن مشروع القانون فقرات مهمة جدا هي الاقوى من نوعها ضمن اكثر من عشرة دول اعترفت بالابادة الايزيدية على مستوى العالم. كانت اقوى تلك القرارات لحد الان القرار البلجيكي. لكن النص الالماني لو تم اعتماده كما هو الان فسوف يكون الاكثر نضجا ومنفعة للايزيديين والمسيحيين والاقليات العراقية التي تضررت من داعش.
وكنت قبل ايام قد قمت بنشر النقاط العشرين التي تضمنتها المسودة. لم يتنسى لي الوقت لترجمة كل المشروع وهو موجود في موقع البرلمان الالماني لمن يهتم بالامور القانونية. وكان هدفي في الحقيقة هو ان يستفاد منه من لا يتقن الالمانية. -وكتبت ملاحظة صغيرة في المقدمة ان هذا النص فقط مقترح وقابل للتعديل يوم الخميس القادم، وكنت اقصد ان البرلمان الالماني يوم الخميس ربما يضيفوا عليه صياغة جملة هنا او جملة هناك للتعديل لا اكثر ولم اقصد ان السياسيين في العراق او الناشطين المدنيين او الجمعيات او تفاعلات الفيسبوك يستطيعون ان يغيروا النص. لكن انتشر هذا النص المترجم المقتبس صفحتي بسرعة البرق في كروبات الانترنيت والواتساب وظهرت تساؤلات متنوعة بعضها واقعية ومشروعة وأخرى فيها الكثير من التوجس من نقاط معينة في المسودة. وكالعادة مثل اي مجتمع تعرض للإبادة هناك هواجس وتخويف وتشكيك وأحيانا تخوين. وسألني بعض شبابنا الاحباء اذا كانت لدينا مخاوف من ان تستغل اطراف سياسية او مجموعات هذا الحدث المهم او ان احدهم يستطيع ان يتلاعب بالنص او ان يكون تدخلات لصالح طرف معين او ان يدعي البعض المشروع لنفسه وغيرها من مخاوف احيانا غير واقعية.
كما استفسر بعض الاحبة المسيحيين لماذا لم يكن هناك ذكر للمسيحيين في هذا النص. ولأجل كل هذا أحببت ان اكتب هذه الايضاحات البسيطة عن البدايات ولحد اليوم. بينما سأتناول الموضوع بتفصيل تفسيري للنص في الجزء الثاني من هذا المقال بعد يوم الخميس -أي في حال صدر القانون-:
1) البدايات: يجب ان لا نضيع حقوق المبادرة الاولى لكي لا نكسر حماس شبابنا:
تتبع الدول الديمقراطية نظام حملات جمع التواقيع لعامة الشعب اذا كانوا يريدون اصدار قانون معين. وقد بدأت القصة بمبادرة من مواطن ايزيدي الماني (كوهدار قايدي) الذي اطلق حملة جمع التواقيع سرعان ما تفاعل معه المتطوعين والشباب الايزيدي في كل مكان ومعهم ايضا الفعاليات الايزيدية هنا وهناك. وكان مضمون الحملة بضعة جمل تتضمن طلب من البرلمان الاعتراف بالابادة الايزيدية. وفي غضون اسابيع قليلة تجاوز عدد الموقعين خمسين الف توقيع. أي تجاوز العتبة القانونية الالزامية. وهذا ما يلزم البرلمان الالماني على وضع الموضوع في -أجندة النقاش-. فقامت الدائرة المختصة في البرلمان بتدقيق التواقيع والعناوين وصحتها وتم التأكد من تجاوز العدد المطلوب. فاستضاف البرلمان صاحب المبادرة وعدد من الشخصيات الاخرى ليتم مناقشة الموضوع ووافقوا على المبادرة من حيث المبدأ. وكإجراء قانوني تم احالة الموضوع اللي لجنة حقوق الانسان والشؤون الخارجية في البرلمان.
هنا حقق المجتمع المدني واصحاب المبادرة الهدف المنشود بعد قبول المقترح لكي يصبح الان شأن برلماني وسياسي صرف عائد للقرار السياسي الالماني (حكومة ومعارضة).
2) المطبخ البرلماني:
مثل اي برلمان في العالم مع احالة المشروع الى اللجنة المختصة تبدأ الدراسات والجلسات واستقبال الوفود والخبراء. وهكذا كان، وضمن هذه الجلسات كانت هناك جلسات خاصة وايضا استماع علنية تم الاستماع الى شهادات شخصيات وخبراء من ضمنهم البروفيسور يان الهان كزلهان، نادية مراد، كوهدار قايدي، د عرفان وارتاج، يلماز كابا، ممثلين عن حكومة بادن فورتمبيرغ واخرين لا اتذكر جميع الاسماء. وعقدت لجنة حقوق الانسان في 20 يونيو 2022 جلسة استماع علنية بهذا الخصوص واصدرت توصية بالاعتراف بالابادة الايزيدية. في نفس الوقت زارت واستقبلت وفود برلمانية وحكومية ولجنة خبراء في عدة مناسبات مناطق الايزيدية والمخيمات بما فيها .زيارة رسمية الى سنجار، من ضمنهم ممثلين دبلوماسيين كبار واعضاء برلمان من مختلف الكتل. الجدير بالذكر هنا - اننا نستشف من صياغة النص ان كافة التوجهات الايزيدية السياسية والثقافية والفكرية وحتى من اصدقاءنا غير الايزيديين قد نجحوا في ايصال صوتهم الى المعنيين في البرلمان. بدليل ان هناك مواضيع دقيقة مكتوبة في الصياغة عن الهوية الايزيدية لا يعرفها الا من يعرف الجدل القائم في داخل المجتمع الايزيدي مثلا على (الهوية).
3) تجدر الاشارة ان كتلة الحزب البديل المعارضة (وهو حزب يميني معادي للاجانب. AfD ) قد تبنت مشروع الاعتراف بالابادة الايزيدية في خطوة تسبق تحقيقات اللجنة البرلمانية. تضمن المشروع ثلاثة نقاط بسيطة للمجاملة فقط وهي الاعتراف بالابادة الايزيدية في اغسطس 2014؛ السعي لمتابعة مقررات الامم المتحدة الخاصة بالابادة الجماعية؛ و اعتبار ما قام به داعش ومن وقام بمساندته جرائم ضد الانسانية.
طرح حزب البديل هذا المشروع في الشهر الخامس 2022 للتصويت - رغم اننا حاولنا ان نطلب منهم التريث وعدم طرح هذا المشروع الهزيل للتصويت لكونه فارغ من المعنى وليس فيه الزام للحكومة وهو مجرد فرقعة اعلامية لا اكثر. لكن حزب البديل عرض المشروع فرفض البرلمان الالماني الموافقة على هذا النص. بينما استمرت اللجان المختصة وخاصة الاحزاب الحاكمة بمتابعة الملف بطريقتها.
4) قامت الاحزاب الحاكمة وهي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الحزب الديمقراطي /الاجتماعي المسيحي ، وحزب الخضر والحزب الليبرالي بنضج مسودة جديدة - اي المسودة النهائية باسم الاحزاب الحاكمة جميعها (وقع على هذه المسودة نيابة عن كتلهم النيابية كل من: د رولف موتزينش -اشتراكي ديمقراطي ( SPD )؛ فريدريك ميرتز و الكسندر دوبرينيت ديمقراطي/اجتماعي مسيحي (.CDU/CSU )؛ كاثرينا دروك وبريتا هازلمان /حزب الخضر (Grüne/Bündnis90. ) ؛ كرستيان دور /الحزب الليبرالي (.FDP ). وهذه المسودة هي الموجودة بين ايدينا الان.
5) يوم الخميس المصادف 19 يناير:
ما سيحصل في البرلمان في الجلسة القادمة (رقم 79): هو نقاش سوف يستمر حوالي 40 دقيقة / مداخلات بعض اعضاء البرلمان حسب الاصول. وبعدها من المزمع التصويت على النص والصياغة الاخيرة. فسواء حضر في هذه الجلسة ناس من المجتمع الايزيدي او شخصيات او فعاليات او غيرهم فالموضوع هو حضور رمزي لا يغير من النص المطروح. الا اذا كانت هناك ملاحظات او اضافات معينة من اعضاء البرلمان انفسهم.
6) استفسر بعض الاخوة لماذا كان النص الذي نشرته يركز فقط على الايزيدية دون المسيحيين والاقليات الاخرى. الحقيقة هناك ذكر للمسيحيين وسهل نينوى وبقية الاقليات في نص المشروع من حيث المبدأ وفي السياق ايضا.
هنا يتوجب علي توضيح تفصيلة دقيقة تتعلق بالفهم الالماني حول القانون الدولي بشكل عام. لان الالمان بسبب تجربتهم المريرة السابقة يتعاملون بحساسية فائقة، بما فيها تفسيرهم للقانون والعلاقات الدولية و ومدى تقارب السياسة -او الجهات التشريعية- من قضايا هي في صلب اختصاص الفقه القانوني او الدستوري -محليا ودوليا على حد سواء-.
والوتيرة التي تسببت في تسريع تقبل الجهات السياسية الحاكمة طرح مشروع الاعتراف بالابادة (الايزيدية) هو ان اكثر من محكمة المانية اصدرت قرارات صريحة (أو ضمنية) عن جريمة الابادة الايزيدية على أيدي إرهابيي داعش(مثلا القضيتان الشهيرتان في محكمتي فرانكفورت وميونخ). وهناك قضايا اخرى على طاولة المدعي العام سوف تفصل المحكمة فيها قريبا لتخرج بنفس النتيجة. كل هذه القضايا هي لضحايا ايزيديين وايزيديات ولا توجد مع الاسف أية دعوى قضائية خاصة بضحايا من الاقليات الاخرى، علما ان هناك ضحايا من هذه المكونات لكن لا توجد ملفات في المحاكم الالمانية وفي المستقبل سوف يعتمدون على مخرجات تحقيقات لجنة (يونيتاد) . في حين وحسب قناعتي الشخصية ان المسيحيين، والكاكائية، والشيعة التركمان والشبك تعرضوا ايضا للإبادة وجرائم ضد الانسانية وجريمة الحرب كلها معا اسوة بالايزيدية، حتى لو كان بعدد اقل من الأيزيدية. بل ان الابادة المسيحية مثلا سبقت 2014 ايضا. فقد كانت ابادة حينما تم تفريغ البلاد من هذا المكون الاصيل وارتكبت ابشع جرائم القتل الجماعي منها ماحصل في كنيسة النجاة. اما الكاكائية ومأساتهم المسكوت عنها فحدث ولا حرج.
الخلاصة ان مشروع البرلمان الالماني لا يتجاوز الفقه السياسي المعمول به وهو ان الجهات الحكومية والتشريعية الالمانية تقول كلمتها بعد المحاكم وليس قبلها. ولهذا سوف يأتي التركيز على الايزيدية في القرار متناغما مع القضايا المطروحة في محاكم المانيا. لكن المنفعة من هذا القرار سوف تشمل كل الضحايا سواء في سهل نينوى او سنجار او العراق واقليم كوردستان بشكل عام. لان مشروع القانون يفرض التزامات مهمة على الحكومة الالمانية مالية ومعنوية في مجال دعم الضحايا، اعادة الاعمار والمساعدة في تحقيق الاستقرار وتمكين المجتمع المحلي.
في الجزء الثاني من هذا المقال سوف اتطرق الى تفاصيل القانون والنقاط المذكورة فيه، ولان هناك بعض النقاط التي تثير تساؤلات هنا وهناك بسبب عدم فهمها بشكل جيد، من غير الجدوى الحديث عنها. بل سوف نتناولها بعد ان يتم المصادقة على المشروع بشكل كلي وسوف نحاول تسليط الضوء على التبعات المتوقعة من القانون.
واخيرا من حيث المبدأ ومن خبرتي المتواضعة أرى ان هذا الاعتراف هو اهم اعتراف يصدر من دولة والذي سيكون له تأثير ايجابي كبير سواء على ايزيدية العراق واقليم كوردستان وحتى الجالية الايزيدية في المانيا واوروبا بما فيها ملفات اللاجئيين وقضايا جمع الشمل. على امل ان يتم التصويت للقانون لصالح كل الضحايا ومجتمعنا المغلوب على أمره ولكي تكون بادرة خير مستقبلية.
Mirza Dinnayi
ميرزا دنايي
فاتلينكن 15 يناير 2023.[1]