علاء الدين السجادي 1907-1984 ودوره في خدمة الادب والثقافة الكرديين
ابراهيم خليل العلاف
مع أنه كان عالما دينيا ، الا أنه اشتهر مؤرخا وباحثا وموثقا للتراث الشعبي الكردي ، وعندما توفي ، رحمه الله يوم 13 كانون الاول سنة 1984 ، حزنت الاوساط الثقافية والفكرية والتاريخية والتراثية والدينية عليه كثيرا وكتب عنه زملاءه واصدقائه وتلاميذه ، وقد كنت أراه اواخر الخمسينات وحتى السبعينات من القرن العشرين قد ملأ الدنيا ، وشغل ألناس، فهو استاذ لتأريخ الادب الكردي في كلية الاداب بجامعة بغداد ، وهو عضو عامل في المجمع العلمي العراقي الكردي .فضلا عن أن كتبه ودراساته وبحوثه قد ذاع صيتها . كما ان علاقاته مع قادة الفكر والثقافة والتأريخ والادب في العراق كانت ممتازة وحية ، خاصة، وانه كان يحرص على ذلك لهذا تمتع بتقدير واحترام مجايليه وزملائه وتلاميذه ومحبيه .
لم يكن علاء السجادي مقتصرا في توجهاته الثقافية والفكرية على جانب واحد من المعرفة الانسانية ، وانما كان متعدد الاهتمامات ، فهو كاتب ،وباحث ، وقاص ، وصحفي ، ومؤرخ ، واديب ، ونذهب ابعد من ذلك لنردد ، مع الاستاذ ابراهيم باجلان الذي كتب عنه في صفحة (ثقافة كردية) والتي كانت تنشرها جريدة العراق (3 آذار 1986) في بغداد مقالة طويلة .. ان علاء الدين السجادي كان بحق ((شخصية اجتماعية بارزة ارتقى بجهوده المخلصة، وكفاحه الدؤوب الى ذرى المجد والفخر ، ذلك انه سعى وناضل، وبكل السبل، لتكون لشعبه مكانته اللائقة تحت الشمس فاكتسب نظير اخلاصه وتفانيه حب واعجاب وتقدير ابناء شعبه وكل الذين عرفوه واطلعوا على نتاجاته )) .
ولد علاء الدين السجادي في مدينة سنندج بكردستان ايران سنة 1907 وبدأ دراسته الدينية وبعدها جاء سنة 1927 الى مدينة السليمانية، ودرس في مدرسة الشيخ جلال ثم في جامع الملا رسول ونال الاجازة العلمية سنة 1938، ثم سافر الى بغداد وعين اماما وخطيبا في ( جامع نعيمة خاتون) في محلة الميدان ، ولم يقف عند هذا الحد، بل درس العلوم الشرعية بمرحلتها المتقدمة على يد العالمين الكبيرين الشيخ امجد الزهاوي ، والشيخ محمد القزلجي، وبعد تخرجه اصبح عالما متمكنا من علوم القرآن والتفسير والفقه .
كتب عنه الكثير من الباحثين والمؤرخين منهم الدكتور عز الدين مصطفى رسول في كتابه: ((الواقعية في الادب الكردي)) والدكتور كمال مظهر احمد في كتابه الموسوم ((فيزوو)) أي التأريخ، وعندما كان يصدر له كتاب فان الصحف والمجلات العراقية وغير العراقية سرعان ما تمتلأ بتقاريظ ومراجعات لابرز ما تضمنته تلك الكتب .. وفي اربعينية وفاته اقيم له حفل تأبيني مهيب في ( جمعية الثقافة الكردية) ببغداد .. ولم يكن الاستاذ علاء الدين السجادي يحظى باهتمام الباحثين والمؤرخين والادباء العراقيين وحسب ، بل كان مثار اعجاب نظرائهم من العرب والاجانب خاصة من اولئك المهتمين بالدراسات الكردية وبالتراث الكردي ،ولعل في مقدمة اولئك محمد مهري من ( تركيا) وادموندس من (بريطانيا) . ولم يقتصر الاعجاب على الكتب والمؤلفات التي يقدمها ، بل كان يتسع ليشمل آرائه وافكاره التي كثيرا ما كانت تستند، فضلا عن المصادر الموثوقة ، على ابرز الكتب والمخطوطات ذات الشأن في مجال التراث والفكر والثقافة الكردية .
لقد ترك الاستاذ علاء الدين السجادي ،الكثير من الكتب والمؤلفات والدراسات المنشورة وغير المنشورة ، وليس من الهين رصدها ولعل ابرزها كتابه الموسوم: (ميزوى ئه ده بي كوردي) أي (تاريخ الادب الكردي) وقد طبع سنة 1952 ، واعيد طبعه سنة 1971 . كما ان له رحلة في كردستان (كه شتييك له كوردستانا) صدرت سنة 1956 . وموسوعته ((رشته ى مرواري)) أي عقد اللؤلؤ وصدرت بثمانية أجزاء خلال السنوات الواقعة بين 1957 و1983 . ويعد المتتبعون لتراثه ان كتابه : (تاريخ الادب الكردي) ليس الا موسوعة وثق فيها للادب الكردي عبر مراحله ، وازمنته المختلفة ، ويقع في اكثر من (700) صفحة وتتناول معلومات قيمة عن أصل الاكراد ،وتاريخهم ،وتراثهم ، وتقاليدهم . وقد أولى الناقد العراقي المعروف الاستاذ الدكتور عز الدين مصطفى رسول هذا الكتاب اهتمامه ووضعه في مكانة بارزة عندما اكد بانه ليس تاريخا للادب بل دائرة معارف شاملة في مجال التراث الكردي ، تاريخا وأدبا ، واجتماعا وثقافة ، وبدون شك فان الكتاب يعد اليوم ، مصدرا ثرا من مصادر الثقافة الكردية المعاصرة لاسيما وانه جمع فيه سير حياة مئات من الشعراء والادباء فضلا عن تحليته بنصوص من أعمالهم . ومما زاد في قيمته انه احتوى على ملاحق مهمة حول الصحافة الكردية، والقصة الكردية .
وفيما يتعلق بكتابه الاخر: ( عقد اللؤلؤ )، فيعد من أبرز المصادر في مجال التراث الشعبي ( الفولكلور) الكردي ان على مستوى تدوين الحكايات والقصص والمأثورات الشعبية الكردية ، أو على مستوى التوثيق لسير بعض الشخصيات التراثية التي برزت خلال المائة سنة الماضية .
وتزداد قيمة ( رحلته في كردستان) في الوقت الراهن ،لانها دونت ووثقت لاماكن ومواقع ومواضع لايعرف عنها الان الكثير من الناس . وقد كان الاستاذ السجادي على حق عند اصداره لهذه الرحلة وتأكيده بانه لم يكتبها ليومه انذاك بل ان قيمتها ستظهر في المستقبل .
لم يكن الاستاذ السجادي من المثقفين الذين يستقرون في أبراج عاجية ، وانما كان منغمسا في حياة ابناء شعبه ، يحلم احلامهم ، ويتألم لاوجاعهم ، وكان كتابه المشهور: ( الثورات الكردية) واحدا من أهم الكتب التي تناولت هذا الموضوع ، ففيه أرخ لحركة التحرر الوطني في كردستان العراق ، مهما وفر مادة طيبة للباحثين ،والكتاب ، وطلبة الدراسات العليا ، وقد قيم الاستاذ الدكتور كمال مظهر احمد ، المؤرخ العراقي المعروف هذا الكتاب عندما قال في كتابه الموسوم : ((فيزوو)) أي التاريخ والمطبوع في دار آفاق عربية ببغداد سنة 1983 ، ان كتاب الثورات الكردية (شورشه كاني كورد) والذي صدر سنة 1959 ، وتناول فيه الحركات المسلحة الكردية حتى ثورة 14 تموز1958 العراقية التي اسقطت النظام الملكي ، ليشكل مصدرا مفيدا احتل مكانته اللائقة في المكتبة التاريخية الكردية ، خاصة وان معظم استنتاجات المؤلف التاريخية واجتهاداته كانت صحيحة، وتنم عن ثقافة واسعة وقد جاء صدور هذا الكتاب كذلك وكتبه التي اشرنا اليها في وقت لم يكن هناك فيه باحثون ، ومؤرخون ، واكاديميون مهتمون بالتأريخ الكردي مثلما عليه في وقتنا هذا .
ولعلاء الدين السجادي كتب اخرى منها كتابه الموسوم : (كورده واري)) أي التقاليد الكردية وصدر سنة 1947 في بغداد ، وكتاب الاسماء الكردية (ناوي كوردي) وكتاب زهرة الاقحوان (هه ثيسه به هار) وهومجموعة قصص شعبية (1960) وفي سنة 1967 اصدر ببغداد كتابا مهما حول (الادب الكردي الحديث) باللغة الكردية ،وبعدها بسنتين اصدر كتاب (نرخ شناسي) ، أي النقد والتقييم ، واصدرت له جامعة صلاح الدين في اربيل سنة 1978 كتاب (خو شخواني) أي البلاغة . وعندما كان عضوا في المجمع العلمي الكردي سنة 1978 ، صدر له كتاب (ده قه كان ئه ده بي كوردي) أي نصوص الادب الكردي . وعن مؤسسة اراس للطباعة والنشر في اربيل صدر له سنة 2000 ، كتاب ( ميز ووي به خشاني كوردي) أي ( تاريخ النثر الكردي). وللاستاذ السجادي كتاب في الشعر يضم قصيدتي نالي وسالم صدر ببغداد سنة 1973 بعنوان (( دوو جامه كه ى نالي وسالم)) .
ولم يبخل الاستاذ السجادي على أحد، فقد كان انسانا معطاء ، ففضلا عن اشرافه على طبع كتب عديدة للشعراء والكتاب الاكراد ، كما يقول الاستاذ كريم شارزا ، في مقالته عن الاستاذ علاء السجادي والمنشورة في العدد (178) الصادر في 16 كانون الثاني 2008 من مجلة الصوت الاخر (الاربيلية)، فانه كتب مقدمات لكتب واعمال موسوعيه منها مقدمته لمجموعة الشاعر (كوران) ،وكتاب الاستاذ الملا عبد الكريم المدرس،وكتاب الاستاذ شاكر فتاح، وكتاب الاستاذ عبد الرقيب يوسف .
وكان علاء الدين السجادي ، صحفيا ، ذلك انه أصدر مجلة ( كه لاويز) ومجلة ( نزار) وتولى ادارتهما وتحريرهما . وكانت كه لاويز تصدر باللغتين الكردية والعربية سنة 1948، ولهذه المجلة دور كبير ليس في خدمة الادب والفكر والثقافة واللغة الكردية وحسب بل في توسيع دائرة الوعي الوطني العراقي والقومي الكردي.
أما مجلة نزار ، فكانت هي الاخرى من المجلات المهمة التي أفردت لتراث وتاريخ وثقافة الكرد الكثير من اهتمامها ، وكان السجادي يكتب فيها مقالات عديدة باسمه الصريح وباسماء مستعارة ، ومما كان يؤكد عليه بأستمرار فكرة الاخوة بين العرب والكورد والجوامع الكثيرة التي جعلتهما يعيشان جنبا الى جنب متآخين متحابين عبر العصور وقد جاء الاسلام ليعزز هذه الجوامع فضلا عن روابط الجيرة والعيش المشترك على أرض واحدة ، وافردت مجلتا كه لاويز ونزار صفحاتهما للحديث عن الرموز العربية والكردية المشتركة ، وفي مقدمة هذه الرموز صلاح الدين الايوبي ، وكوران ، ومحمد امين زكي ، وغيرهم ممن نذروا انفسهم من اجل ارساء قيم الخير والعدل والتسامح والمحبة .
أما عن رؤيته للتاريخ ، فقد كان الرجل ، رحمه الله ، يؤمن باهمية التأريخ في بناء الامم والاجيال ، فهو فضلا عن اسهاماته في تأسيس المجمع العلمي الكردي ، واصدار المجلات باللغة الكردية ، ووعظه وارشاده ، ومقالاته العديدة التي كان يستنهض فيها همم الشعب الكردي ، واصالته ، وجذوره الموغلة في الحضارة الانسانية ، فانه خصص في مجلتي كه لاويز و نزار الصفحات العديدة للتأريخ عموما وللتأريخ الكردي خصوصا . وكان يدعو الى اعادة النظر في التاريخ ومناهجه باستمرار في ضوء ما اكتشف حديثا من مصادر وما استجد من تحليلات وتفسيرات جديدة . وكان يرى :((بان التاريخ هو الحد الفاصل بين الماضي والحاضر ، فيساعدنا عما مضى ، على فهم ما نكون فيه ، او بالاحرى التاريخ قصة الانسانية والبشرية في حال تطورها ونشوئها منذ ان اردنا ان نعلم ونفهم وضعنا الحاضر ، ان نرجع الى سير الاحقاب التي مضت ونأخذ من جذورها دروسا لكي نصل الى شاطيء الحقائق التي لعبت بها البشرية لتكوينها في القرون التي رقت فيها او تقهقرت وبواسطته ، نستطيع ان ندرك الانظمة السياسية والاجتماعية والعلمية والدينية التي مرت علينا في الايام الغابرة )) .
كنت اعرف الاستاذ علاء الدين السجادي انسانا صادقا ، ومؤرخا فذا ، واديبا رائعا ، وقد حظي باحترام زملائه ومحبيه في العراق وحسب بل وفي اماكن كثيرة من العالم فاستحق التقدير لما بذله من جهود مخلصة وصادقة في خدمة وطنه ، وتراث الشعب الكردي ، ولغته وادبه ، ومما زاد في قيمته انه كان متسامحا ، سهلا ، لايعرف ، كما قال صديقه الاستاذ محمد جميل الروز بياني في اربعينيته ، التزمت ولا التعصب ، بل كان يدعو الى سيادة قيم الاخوة والحبة والصدق والعدل وتلك ، بحق ، من الصفات التي رفعت من شأنه وجعلته قدوة للاجيال الحاضرة واللاحقة .[1]