حسين أحمد
الحركة الكوردية في سوريا بدأت ب#جمعية خويبون# القومية التي تأسست على مرحلتين في قامشلي – وصوفر – لبنان 1927 بمبادرة من شخصيات اجتماعية متشربة بفكر قومي كوردي، يتسم بالشجاعة والإقدام في مواجهات وحروب خلال مقاومة السلطة التركية الكمالية، والتي لم يدون المؤرخون إلا جزءا قليلا منها، انتهى المطاف ببعض هؤلاء إلى سوريا، هربا من ظلم الأتراك.
قامت شخصيات في جمعية خويبون بأدوار مشهودة لهم، إذ تصدت لموجة التعريب في كوردستان سوريا، وقاموا ببث الروح والوعي القومي الكوردي في الشعب ضمن مناطقهم الأصلية التي ظلت ضمن حدود الدولة التركية، للمطالبة بحقوقهم القومية منذ عام 1926 (عهد الانتداب، وما بعد الاستقلال) حيث برز من هذه الشخصيات الراحل حاجو آغا في منطقة الجزيرة السورية، كزعيم قبلي متنور جمع حوله عدداً من مستشارين وخبراء في شؤون السياسة، وكسب تأييد أبناء منطقة الجزيرة لخوض نضال قومي الكوردي، ولعب دورا لافتا في الحوار مع سلطات الانتداب الفرنسي في الجزيرة ودمشق، ولم تخل المحاولات من التصادم خلال مسيرة المطالبة بالاستقلال.
في الملف الكوردي في سوريا عناصر قد تخفى على غير المحترفين، فقد قامت سلطات الانتداب الفرنسي بنفي شخصيات كوردية ذات تأثير سياسي واجتماعي إلى مدن الداخل السوري أو خارج سوريا، مثل واصمان صبري (آبو)، حاجو اغا، والأخوين مصطفى وبوظان شاهين أغا – قدور بك – رسول آغا وأخاه عكيد. تم نفي عثمان صبري إلى مدينة الرقة السورية، ومرة أخرى إلى جزيرة مدغشقر، نزولا عند رغبة تركية في سياق صفقات متبادلة بين تركيا وسلطات الانتداب على طرفي الحدود المصطنعة بموجب سايكس بيكو.
إثر استقلال سوريا عام 1946 سادت الديمقراطية في الحياة السياسية نسبياً فلم يكن هناك تمييز قومي واسع تجاه الكورد، فانخرط الكورد في العملية السياسية وساهموا في صناعة الأحداث السياسية، كان لهم دور ودافع سياسي لتشكيل تنظيمات سياسية كوردية في سوريا.
إن الأجواء النضالية التي سادت في سوريا نهايات أربعينيات، وبداية خمسينيات القرن الماضي، حدث تنافس بين الأحزاب لاستقطاب الشباب الكورد، كالحزب الشيوعي والحزب العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الإخوان المسلمين.
وكان للحزب الشيوعي الحصة الأكبر بين الجماهير الكوردية، لتوافق الشعارات الطبقية ومواقفها الأممية رغبة الشعوب في نيل حقوقها القومية، ففي شهر آب من عام 1952 تم تشكيل تنظيم جديد باسم (جمعية وحدة الشباب الديمقراطيين الكورد) أسسها ( محمد ملا أحمد – عبد العزيز علي العبدي) واستمر نشاطها حتى عام 1958 وفي بداية شهر شباط اندمجت في الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا (البارتي).
بعد انهيار جمهورية مهاباد الديمقراطية في إيران في كانون الاول عام 1946 وإعدام قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد ولجوء الملا مصطفى البارزاني إلى الإتحاد السوفييتي في عام 1947 شعر الكورد بألم بالغ ودافع للنهوض من جديد اتجه المجتمع الكوردي نحو نهج الرأسمالية وبرزت فيه مسألة الأرض والصراع الطبقي، ونادى الحزب الشيوعي بمبادئ الأممية والطبقية والحقوق القومية للشعوب المغلوبة على أمرها، ودعم الاتحاد السوفييتي لها.
فبدأ الحزب الشيوعي كأنه يمثل أمل الكورد في مستقبل قومي، لذا انضمت إليه أعداد كبيرة، ومن لم ينضم إليه، كان مؤيداً ومؤازراً، لكنهم سرعان ما انفضوا عنه فقد تبددت أحلام الجماهير الكوردية التي ربطتها بنشاط هذا الحزب وشعاراته، ونشأ خلاف بين الشاعر جكرخوين والسيد محمد فخري والحزب عام 1955 حين طبع الحزب جرائده باللغتين العربية والأرمينية، فطالب محمد فخري المسؤولين بأن تطبع الجريدة باللغة الكوردية أيضاً أسوة باللغتين العربية والارمنية إلا أنهم تحججوا بعدم معرفة الكتابة بالحروف اللاتينية، وعدم وجود آلات كاتبة بها، فتبرع لهم محمد فخري بالنقود لشراء الآلات، إلا أن قيادة الحزب الشيوعي في الجزيرة لم تلب مطالبهم.
اشتد الخلاف، وقدم محمد فخري استقالته، وكذلك الشاعر جكرخوين، وتبعهم آخرون بالعشرات، لكنهم ظلوا في لقاء وتشاور خلال عام 1957 وفي عام 1958 شكلوا حزبا باسم (آزادي) أي الحرية، ووضعوا له برنامجاً سياسياً ونظاماً داخلياً ثم دخلوا في حوار مع (البارتي) لينضموا اليه بشكل إفرادي، لا ككتلة، وهذا جعلهم يختلفون وينقسمون إلى قسمين: قسم مكون من جكرخوين ومحمد فخري قبلوا شرط البارتي للانضمام بشكل فردي، فعينت قيادة البارتي جكرخوين في أواسط عام 1958 عضوا في اللجنة المركزية ومحمد فخري عضواً في اللجنة المنطقية.
قسم تخلوا عن العمل مع البارتي بسبب زيادة الضغوط عليه وتعرضه للاضطهاد، ولا زالت الأحزاب الكوردية تعتبر 14 حزيران 1957 هو تاريخ ميلاد أول تأسيس حزبي كوردي منظم، وتحتفل الأحزاب المناسبة بانطلاق أول حزب كوردي في سوريا.
تأسيس أول حزب كوردي
تأسس الحزب الأول باسم الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا البارتي وكان المؤسسون هم: عثمان صبري، عبد الحميد حاج درويش، حمزة نويران، الشيخ محمد ملا عيسى ملا أحمد، رشيد حمو، محمد علي خوجة، خليل محمد وشوكت حنان واعتبر الجميع أعضاء في اللجنة المركزية، وكان اجتماعهم الأول في 14/6/1957 (وهو التاريخ الحقيقي لتأسيس البارتي في سوريا) وساهم جلال الطالباني بشكل كبير في تأسيسه، ولعب دور الوسيط بين البارتي وتنظيمات كوردية موجودة حينها على الساحة السياسية السورية واتصل مع الشخصيات أعضاء قيادة خويبون أو البارتي القدامى، كما اتصل مع قيادة (جمعية الشباب الديمقراطي) وسعى لخلق أرضية لفتح حوار من أجل الوحدة بينها، وذلك بداية عام 1958 .
وفي هذه الفترة عرضت قيادة البارتي على الدكتور نور الدين زازا الانضمام إليها، ولكنه طلب مهلة واشترط الوحدة مع البكوات، ثم انضم بعد قرابة سنة من العرض - أي في صيف عام 1958 وأصبح رئيسا للحزب، وعثمان صبري سكرتيراً .
وكان برنامجهم يقوم على:
النضال من أجل تحرير وتوحيد كوردستان.
النضال من أجل التخلص من سيطرة الاستعمار والرجعية.
النضال من أجل الديمقراطية طريقاً إلى الحقوق القومية.
المطالبة بالدراسة باللغة الكوردية في مدارس كوردية.
السماح بفتح جمعيات ونواد ثقافية واجتماعية كوردية.
دعم حقوق المرأة في المجتمع.
ولقد تعرض الحزب لحملة اعتقالات واسعة عام 1960 فقد نجحت السلطات في زرع شخصيات داخل تنظيم البارتي ساعدت في تنفيذ حملة الاعتقالات على البارتي يوم الجمعة 12 آب 1960 بحسب ما جاء في كتاب محمد ملا أحمد (صفحات من تاريخ الحركة الكوردية). وبسبب أساليب التعذيب المختلفة التي مارستها المباحث أدت الى انهيار مقاومة معتقلين والاعتراف بكل شيء، نذكر منهم (عثمان صبري ورشيد حمو، نور الدين زازا، محمد ملا أحمد) وعضوين من اللجنة المنطقية (أحمد حنان، حسن عثمان).
نشبت خلافات عديدة داخل السجن وأثناء المحاكمات، ويُعتقد بأن الخلاف نشب بين عثمان صبري ونور الدين زازا، وذلك جراء طلب نور الدين من رفاقه عدم الإفصاح عن هدف الحزب كما جاء في البرنامج السياسي ويقال بأن عثمان صبري رفض هذا بشدة، فانقسم المعتقلون الى قسمين: قسم تزعمه عثمان صبري والقسم الأخر ضم البقية من 32 معتقلا، بقيادة نور الدين زازا.
اشتدت الخلافات إضافة لعوامل أخرى أيديولوجية وكوردستانية (انقسام البارتي في العراق)، أدت إلى أول انقسام في تاريخ الحركة الكوردية عام 1965، حين انقسم الحزب إلى يسار بقيادة عثمان صبري (عثمان صبري ابو اوصمان) ويمين بقيادة عبد الحميد حاج درويش. وجرت محاولات عديدة لإعادتهما الى حالة الوحدة، أبرزها محاولة رعاها ملا مصطفى البارزاني عام 1970 – المؤتمر الوطني في ناوبردان) تمخض عن حزب جديد، ومنذ ذلك الحين والانقسامات هي الصفة الأبرز لمسيرة الحركة الكوردية حتى وصلت عشية انطلاق الثورة السورية 2011، إلى ما يربو عن سبعين حزباً، كلها تفرعت من الحزب الذي تأسس 1957 وجميعها غير مرخصة بطبيعة الحال.
وبالتأكيد ليست كل هذه الأحزاب كبيرة، ولا تخلو الساحة من انشقاقات لغايات شخصية، كما حفز الانسداد السياسي القائم في سوريا حالة الانشقاقات، ولا يخفى تدخل النظام السوري لتحفيز بعضها.
فقررت الجماعة اليسارية أن تسبق الأحداث وتقف بوجه المد (اليميني) لذلك عقد الحزب اليساري كونفراسه الأول في 5 آب عام 1965 في قرية جمعاية شرقي قامشلو حضره رفاق وأعضاء حزبيين منظمين وآخرين كانوا قد خضعوا لإجراءات حزبية عقابية مثل (ملا داود، ملا هادي، ومحمد علي حسو...)، شكل هذا الكونفراس اللبنة الأولى في تأسيس الحزب اليساري، وخرج الكونفراس بقرارات، منها:
تجميد القيادة القديمة.
عقد المؤتمر بعد عام.
تشكيل قيادة جديدة لقيادة المرحلة مؤلفة من (ملا محمد نيو، صلاح بدر الدين، هلال خلف) تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر القادم مؤلفة من أعضاء القيادة وآخرين (محمد قادو، نوري حاجي، يوسف إسماعيل ) تحضير مشروع برنامج سياسي ونظام داخلي جديد.
بتدخل من خالد مشايخ، واتفاق مع القيادة، تم الاتفاق على عدم نشر القرارات التي صدرت عن كونفرانس اليسار، والبدء بإجراء انتخابات عامة وتشكيل لجنة إشراف على الانتخابات وعدم اتخاذ إجراءات حزبية بحق رفاق اليسار، إلا أن خالد مشايخ وجماعته أخلوا بالاتفاق، ومن جانبهم اتصل اليساريون بعثمان صبري الذي خرج من السجن في بداية عام 1965 والذي كان قد وعدهم بالعمل معهم شرط ألا يضم طاقمهم عناصر القيادة القديمة، وهي الأحزاب الكوردية المتفرعة عن الحزب الكوردي الأول.
من هذا المنطلق تعتبر الأحزاب الكوردية أن تاريخ 14 حزيران 1957 هو ميلاد الحركة الكوردية، ويحتفل العديد من الأحزاب بذلك، كما أن قضية من هو أول حزب كوردي يثير الخلاف الدائم بين الأحزاب.
إن البحث في خفايا وسراديب الحركة الكوردية في سورية تاريخياً يحتاج إلى دراسات موسعة وشاملة كونها كما ذكرنا سابقاً بأنها من أعقد القضايا لتعدد أوجهها، وتزايد أعدادها أفقياً وعمودياً بسبب الواقع الكوردي الاستثنائي وهيمنة أنظمة ذات سياسات إستخباراتية وما تمارسه هذه الأنظمة من سياسات التفكيك والتشتيت والسعي لعدم توحيد الخطاب الكوردي.[1]