ٲ.د. فَرسَت مرعي
لم تكن الإمبراطورية العثمانية من بين القوى الاستعماريةلمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وبالتالي فإنهالم تشارك في مؤتمر برلين (1884- 1885م) الذي عقدتهالقوى الاستعمارية الأوروبية من أجل تقسيم القارةالإفريقية إلى مناطق نفوذ خاضعة لها، لكن ذلك لا يعنيانعدام الصلة بين العثمانيين وإفريقيا، فمثلما كانللعثمانيين وجود في معظم أقاليم شمال إفريقيا، كان لهموجود أيضًا في بعض مناطق جنوب الصحراء.
وترتكز العلاقات بين العثمانيين وإفريقيا الجنوبية على عدةعوامل ثقافية، وعلى رأسها الإسلام، فمن المعروف أن جنوبإفريقيا وقعت تحت الاستعمار الهولندي، بإشراف من شركةالهند الشرقية الهولندية منذ عام 1652م، واستمر الحكمالهولندي للمنطقة حتى احتلال بريطانيا لها عام 1795مبعد معركة مويزنبيرغ، واستمر تعاقب الاستعمار الهولنديوالبريطاني على هذه المنطقة، حتى تأكدت حيازة بريطانيالها بعد الاتفاقية البريطانية الهولندية عام 1814م.
لم يختلف وضع المستعمرة كثيرًا في الفصل العنصري فيأثناء حكم البريطانيين عن الهولنديين، كانت هذه المنطقةتُعرف خلال الاستعمار الهولندي الطويل ب“مستعمرةالكيب“، وبحسب الفصل العنصري لسكان المستعمرة، كانالمجتمع يتشكل من أقلية بيضاء مهاجرة من أصول أوروبيةوأطلقوا على أنفسهم “أفريكان“، وغير البيض وأغلبهم منقبائل البانتو الإفريقية التي تتكون من مجموعات عرقيةمختلفة، وما يُعرف بالجنس الخِلاسي الناتج عن زيجاتالبيض مع نساء من قبائل الهوتنتوت الإفريقية، بالإضافةإلى مسلمي الملايو، وهم الذين قاموا بثورة إسلامية ضدالاستعمار الهولندي لشبه جزيرة الملايو وتم نفيهم مععائلاتهم إلى جنوب إفريقيا.
لم يختلف وضع المستعمرة كثيرًا في الفصل العنصري فيأثناء حكم البريطانيين عن الهولنديين، ورغم صدور “قانونرقم خمسين” عام 1828م الذي ينص على مساواة جميعالناس أمام القانون بغض النظر عن اللون والجنس، فإنسياسات الفصل العنصري استمرت في المستعمرة حتىصدور قرار البرلمان البريطاني عام 1833م بإلغاء الرق فيبريطانيا وجميع مستعمراتها.
انعكس هذا القرار بشكل إيجابي على أوضاع المسلمينفي جنوب إفريقيا، وانتعش الوجود الإسلامي هناك، حيثوصل عددهم بحلول عام 1840م إلى نحو 7 آلاف، ولكنينبغي الإشارة هنا إلى أن الخلافات بين المسلمين هناك بلغت أشدها، وبالأخص بشأن مسألة “مولد الخليفة“،فريق منهم كان يحتفل بمولد الشيخ عبد الله بن عبد السلام،شيخ الطريقة الصوفية لمسلمي الملايو، وكانوا يطوفونبشوارع المدينة يدقون الطبول ويرددون الأناشيد، وفريقآخر أطلق على نفسه “أتباع النبي” رفض هذه الاحتفالاتواعتبرها بدعة، وربما يكون هذا الفريق قد تأثر بالدعوةالوهابية في أثناء رحلات الحج.
يطلق المؤرخون على فترة ما بعد معاهدة باريس بفترةالانفتاح العثماني على العالم، وهي الفترة التي شهدتأقصى امتداد عثماني إلى أقاليم جنوب الصحراء
من هنا وُلدت فكرة استدعاء مرشد روحي من الخارجلمسلمي جنوب إفريقيا، لتعليمهم مبادئ الإسلام وحلالخلافات الفقهية بينهم، وقد كانت الأجواء السياسية آنذاكتسمح بتواصل بريطانيا بالدولة العثمانية لحل هذه المسألة،فقد كانت العلاقة ودية بينهما آنذاك، بعد توقيع معاهدةباريس 1856م بعيد حرب القرم (1854 – 1856م) التي ساندت كل من بريطانيا وفرنسا العثمانيين في حربهم ضدالروس، ومن خلال نصوص المعاهدة التزم بموجبهاالسلطان عبد المجيد الأول بتحسين أوضاع المسيحيين فيالإمبراطورية، مقابل التزام بريطانيا بتحسين أوضاعالمسلمين في جميع مستعمراتها.
ويطلق المؤرخون على فترة ما بعد معاهدة باريس بفترةالانفتاح العثماني على العالم، وهي الفترة التي شهدتأقصى امتداد عثماني إلى أقاليم جنوب الصحراء، وكانأول اتصال عثماني مباشر بمسلمي مستعمرة الكيب عام1859م، عندما أرسل السلطان عبد المجيد إليهم باخرةمحملة بالهدايا، ولم يتوقف الباب العالي عن إرسالالمساعدات لمسلمي الكيب، خلال الأزمة الناتجة عن الجفاففي مطلع ستينيات القرن التاسع عشر.
وفي عام 1863م أصدر السلطان عبد العزيز الأول مرسومًابإرسال الفقيه العثماني أبو بكر أفندي إلى رأس الرجاءالصالح، وذهب مع تلميذه عمر لطفي أفندي من أجل تعليم المسلمينهناك أمور دينهم، وحل المسائل الخلافية بين فقهائهم،واستقبلهم المسلمون هناك استقبالاً حافلاً، وفي فترةقصيرة صار لأبي بكر أفندي أكثر من 300 طالب علم.
افتتح أبو بكر أفندي أول مدرسة للمسلمين في جنوبإفريقيا، وكانت تربطه علاقة وطيدة بتلاميذه هناك، الذينعلمهم قراءة القرآن والشعائر الإسلامية، وخلال فترة وجيزةتعلم لغتهم، ووضع كتابًا بلغتهم بعنوان: (بيان الدين– Bayan al-din ) وهو كتاب فقهي في أصول المذهب الحنفي، نُشر عام 1869م و كان من أوائل الكتب المترجمةإلى اللغة الافريكانية في جنوب أفريقيا، نشرته مطبعة الحكومة العثمانية في استنبول عام1877م بدعم مالي شخصي من قبل السلطان عبدالحميد الثاني(1876 –1909م)، فضلاً عن ذلك أسس الملا أبوبكر أفندي أولمدرسة لتعليم الإسلام للبنات في جنوب إفريقيا، أشرفت عليها إحدى زوجاته.
وكان لأبو بكر أفندي دورًا كبيرًا في تشكيل الهوية العثمانيةبين مسلمي إفريقيا الجنوبية، وساهم في تطوير العلاقاتبينهم وبين العثمانيين، ورغم أن جنوب إفريقيا لم تكن تابعةرسميًا لنفوذ الدولة العثمانية، فإن المسلمين هناك كانواتابعين روحيًا إلى العثمانيين، وقد ظل أبو بكر أفندي بقيةحياته في جنوب إفريقيا حتى تُوفي عام 1880م ودُفنهناك.
وشهدت عقود الخمسينيات والستينيات من القرن التاسععشر، دعمًا ماليًا كبيرًا من السلاطين العثمانيين لبناءالمساجد في إفريقيا الجنوبية، فتم بناء ثلاثة مساجد فيرأس الرجاء الصالح، وثلاثة مساجد في مدينة بورتإليزابيث، ومنذ بداية الستينيات من القرن التاسع عشرظهرت فكرة تعيين قنصل عثماني عام في جنوب إفريقيا،وتمت الاتصالات بين وزير الخارجية العثماني مع نظيرهالبريطاني للحصول على الموافقات الرسمية وتمت الموافقةعام 1863م.
هناك مسألة مهمة أخرى، كانت سببًا في توطيد العلاقاتبين العثمانيين ومسلمي جنوب إفريقيا، عندما نوقشمشروع قانون التعليم في بريطانيا، وكان يتضمن اشتراطتعليم العقيدة المسيحية في المدارس التي تتلقى معونةحكومية، سواء داخل بريطانيا أم في مستعمراتها، فحلالسلطان عبدالعزيز وقنصله العام في جنوب إفريقيا الأزمة،لاسيما عندما ناشد المسلمون بريطانيا عام 1855م لدعم نشاطهم التعليميِّ بتوفير دعاة ومعلِّمين أسوةً بغيرهم، وبوصفهم من دافعي الضَّرائب؛ فكان إرسال العالم الكردي أبي بكر أفندي إلى رأس الرَّجاء. والذي قدم جهوداً ملموسة في المجال التّربويِّ والتَّعليمي، فقام ببناء بضع مدارس من بينها مدرسة في مدينة كيبْ تاوْن، مخصَّصة للبنات في عام1870م، وكانت تحت إشراف إحدى زوجاته، وتلك كانت البداية الحقيقيَّة للمدارس الإسلاميَّة بمفهومها الحديث.
وعند الحديث عن التجربة الديمقراطية في دولة جنوب أفريقيا يثورفي الذهن تساؤلات عديدة حول مدى نجاح هذه التجربة وكيفية التحول الكبير من الاستعمار الى الاستقلال، فعقب عقود عديدة من التفرقة العنصرية وما سبقها من الحقبة الاستعمارية، نجحت جوهانسبرغ في قطع مشوار طويل، لتجد لنفسها أخيراً مكاناً مناسباً على متن قاطرة التقدم البشري ولتقف على رأس دول القارة السمراء اقتصادياً. ولا أدل على احساس العالم ومؤسساته المالية بالطفرة الاقتصادية التي حققتها دولة جنوب أفريقيا من مطالبة صندوق النقد الدولي لها ولغيرها من الاقطار ذات الاقتصاديات الواعدة بزيادة حجم اسهاماتهم المالية في الصندوق لمواجهة التحديات الاقتصادية وتفادي تكرار الازمة العالمية العالمية، وهو ما يدل على نجاحها في اعادة ترسيم دورها وتحديد موقعها على خريطة العالم الاقتصادية. وقد انعكس هذا التقدم الاقتصادي في شكل تحول وتطور ونهضة في جميع المجالات، وارتفاع في احتياط النقد الاجنبي، وانخفاض في معدلات البطالة، وزيادة كبيرة في ميزان التبادل التجاري، وتقدم في مجال العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية، التي يعكر صفوها هذه الايام بعض المشاكل الانية لعمال المناجم. وبعد ثلاثين سنة من الصراع المسلح1960 – 1990م الذي قاده حزب المؤتمر الوطني الافريقي ضد نظام التمييز العنصري (الابارتهيد) دخلت البلاد مرحلة انتقال ديمقراطي سنة 1990م.
وقد أثارت هذه التطورات قلق أحد نواب برلمان مدينة الرأسالسيد دو روپ De Roubair” الذي كان متعاطفا معمسلميها فرأى أن الحل الوحيد لهذه المعضلة يكمن فياستدعاء مرشد روحي مسلم الى المدينة من خارج جنوبإفريقيا. وقد تطابقت هذه الفكرة مع فحوى الرسالة التيقدمها أئمة المدينة في 15 أبريل/ نيسان عام 1867م إلىالنائب “دو روب ” يطلبون فيها بعث رجل دين مسلم إلىالمدينة من بلد مسلم في يعلمهم مبادئ الإسلام وتطبيقه فيالحياة، وكان تبريرهم لهذا الطلب أن كل مراجعهمالإسلامية مدونة بالجاوية وهي لغة حملها آبائهم منأرخبيل الملايو منذ أوساط القرن السابع عشر ولم تعدمتداولة في منطقة رأس الرجاء الصالح بسبب نسيانها معالزمن.
وهكذا ولدت فكرة “استقدام مرشد ديني من الخارج” وأضحت مطلباً لكل من الأئمة والنائب على السواء، وفيهذا السياق اتصل النائب بالحكومة البريطانية عام 1882مالي اتصلت بدورها بالعثمانيين لتحقيق تلك الفكرة.
هناك عدة أسباب جعلت البريطانيين يلجأون إلى الدولةالعثمانية لمعالجة هذه القضية منها:
1- وجود علاقات ودية بين الطرفين نتيجة تحالفهما عام1854م في حرب القرم وتوقيته بعد انتهائها عام 1856م على معاهدة باريس. ولد التزم السلطان العثماني فيالمادة الرابعة من هذه المعاهدة بتحسين أوضاعالمسيحيين في جميع أنحاء امبراطوريته مقابل هذاالالتزام العثماني أخذت الحكومة البريطانية على عاتقها بشكل غير رسمي الاهتمام برعاياﮪا المسلمينبما فيهم القاطنين في مستعمراتها.
2- كانت الدولة العثمانية في ذلك الوقت مركز الخلافةالإسلامية.
3- سيطرة الدولة العثمانية آنذاك على الأماكن المقدسة فيمكة والمدينة
4- كون الدولة العثمانية أقوى دولة إسلامية في تلك الفترة.
5- انقطاع الصلات بين مسلمي مدينة الرأس وأصولهمفي أرخبيل الملايو.
وتعطي هذه الأسباب تفسيراً لعدم استعانة حكومة لندنبمرشد ديني من دول أو مناطق إسلامية أخرى مثلأرخبيل الملايو الموطن الأصلي لغالبية مسلمي مدينةالرأس والغني بعلماته والخاضع انذاك للحكم الهولندي. أو من الهند التي كانت في طور الخضوع للنفوذ البريطاني الكامل بعد أن شهدت حضارة اسلامية عريقة.
و تجاوبا مع الحيثيات البريطانية المذكورة بالاعلى صدر مرسوم عثماني في 3 اكتوبر/ تشرين الاول عام 1862م بإرسال العلامة ” أبوبكر أفندي” الى رأ س الرجاء الصالح تلبية لطلب مسلميها على نفقة الحكومة العثمانية.
وأبو بكر أفندي رجل دين وعلامة كردي ضليع بالمذاهبالسنية الأربعة ولد عام 1823م في منطقة (شهرزور) الواقعة شرق السليمانية بكردستان العراق، تلقى تعليمهالابتدائي في منطقته ثم تابع دراسته الدينية في اسطنبولو بغداد. ويذكر أحد المراجع أن نسل أبو بكر أفندي يعودإلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بينما ينفي مرجعآخر أي صلة لنسله بقبيلة قريش، وهناك مرجع ثالث يجمعبين الرأيين فيفيد أن أبو بكر أفندي ﮪو من أسرةأرستقراطية من قريش استقرت في كردستان ولا يعطيﮪذا المرجع أي إشارة إلى الأصل الكردي لهذه الأسرة،وبخصوص كلمة “أفندي” فهي لقب تركي وتعني السيد ولاصلة لﮪا باسم العائلة أوالكنية.
دور العلماء الكرد
لعب العاماء الكرد دور الوسيط الثقافي بين المتحدثينباللغات العربية والفارسية والتركية، كما لعب العلماء والمتصوفة الكرد من أمثال: إبراهيم الكوراني، ومولانا خالدالنقشبندي، ومحمد أمين الكردي، وسعيد النورسي دوراًريادياً في نشر أفكار الصوفية التي تجاوزوا بها الحدوداللغوية بين الهند وإيران وتركيا والعالم العربي، و ربماكانت العلامة الفارقة الأوضح، عن اولئك المتصوفة المعروفينجيدا، هي الوساطة الثقافية الفذة التي أداها العلامةالكردي ابو بكر افندي. انحدر هذا العالم الجليل منكردستان الجنوبية واستقر به المطاف في جنوب افريقياعام 1863م وألف كتابا قيما في الارشاد الديني فيالاسلام كتبه باللهجة الهولندية المحلية لشعب الملايو، وقداستهدف الكتاب المجتمع المسلم في جنوب افريقيا.
وصل هذا العالم، البعيد المنال الى حد ما مدينة كيب تاونفي سنة 1863م مبعوثا من السلطان العثماني عبد العزيز،بهدف تعليم الفقه و الشريعة الاسلاميتين وفض بعضالنزاعات الدينية التي قسمت المجتمع. وقد دأب علىتدريس اللغة العربية مثلما تعلم اللغة المحلية المعروفةبالأفريقانية (الأفريكانز)، وهي لهجة محلية هولندية، فيماكان ابرز أعماله تأليفه لكتاب : (بيان الدي( Bayan al-din الذي كتبه باللغة الأفريقانية، ولأيصال رسالته كتبهبالأبجدية الفارسية العربية، ويعد هذا الكتاب من أندرالكتب التي كتبت باللغة الأفريقانية – العربية، كمااصطلحت من قبل فان سيلمس، انه واحد من أقدمالنصوص المكتوبة على مستوى كل اشكال اللهجاتالأفريقانية على الأطلاق، وبناء عليه يكتسي أهمية عظيمةبالنسبة للمؤرخين اللغويين. ينحدر مجتمع الملايو منالعناصر الثائرة وغير المرغوبة، من قبل المستعمر الهولندي،في جزر شرق الهند والذين جرى ابعادهم من قبلالسلطات الهولندية في القرن السابع عشر، وكذلك منالمستوطنين الذين جلبوا الى هناك كعبيد “. وكان المجتمعقد فقد لغته الوطنية الملاوية تدريجيا، مثلما فقدت كل لغاتجنوب شرق آسيا هناك، واعتمدت بدلها لغة المستعمر. لقدكانت أكثر الشخصيات المنفية المعروفة آنذاك الشيخيوسف، من ماكاسار، وهو استاذ علیم و باحث فيالصوفية ناضل مع رفاقه المناهضين للوجود الهولندي فيسلطنة بانتين في جاوة الغربية عام 1682م مما حدابالهولنديين إلى نفيه إلى جزيرة سيلان ومن ثم الى رأسالرجاء الصالح “. وعلى الرغم من أن رفاته اعيدت لاحقاالى موطنه الأصلي في جنوب سيليفس، بناء على طلبالعائلة المالكة في جاوه، فان ضريحه مازال معلما مهماللمجتمع الملاوي المحلي.
وجاء التعريف به في احد المصادر التركية كما يلي:” البحرالمحقق والحبر المدقق شيخ العلم ومفتي الاربعة الائمةمؤمور الدولة العثمانية الى جنوب أفريقيا لنشر العلومالدينية والمعارف الربانية في سنة1318 مولانا أبوبكرالخشناوي ابن ملا عمر بيك ابن مولانا صلاح الدين ابنمصطفى بيك ابن مولانا بابا بيرسليمان ابن ملا مصطفىابن ملا ابراهيم ابن مولانا أمير سليمان ابن مولانا أميرمحمد ابن مولانا عضدالدين عبدالله أبي زيد ابن مولاناالحبر الكامل مقتدى الأماجد والأوائل ذي الجاه عزالدينمحمد الفضل قدس سره ابن أمير عبدالله ابن زين الدينملا أحمد ابن عبدالحق سليمان الخشناوي ابن مولانا أبوالمحسن ملا عثمان حامد ابن أبو نصر الامير سليمانالغازي القرشي الامجدي“.
درس ابو بكر أفندي في أحد مدارس مدينة أرضرومErzurum بعد أن هاجر إليها مع عشيرته إثر تعرض(شهرزور) والمناطق المجاورة لها لغزو من قبل البدو، حيث قتل من جراء ذلك والده الملا عمر البغدادي الوالي عثمانيعلى أيدي رجال القبائل المحليين ضد السلطة.
وفي أواخر أيام حكم السلطان عبد المجيد الأول(1839 –1861م) قدم أبو بكر أفندي إلى اسطنبول لطلب العونمنه للمساعدة في التغلب على المجاعة التي تفشت فيمنطقة أرضروم، وبينما كان هناك علمت الحكومة العثمانيةبموضوع طلب المرشد الديني لمسلمي رأس الرجاء الصالحفوقع الاختيار عليه بسبب معرفته العميقة بالعلومالإسلامية بالإضافة إلى حكمته اللافتة وذكائه المميز،فطلب منه الذهاب وقبل الطلب فشد الرحال إلى رأسالرجاء الصالح.
وقد توجه أبو بكر أفندي ومساعده عمر لطفي أفنديمن اسطنبول إلى جنوب إفريقيا عبر فرنسا و بريطانيا،فأبحرا من ميناء ليفربول Liverpool البريطاني فيالثالث من ديسمبر/ كانون الاول عام 1862م وبعد 44 يوما وصلا إلى مدينة الرأس ( = مدينة كيب تاون الحالية).
اختلف المؤرخون في موضوع علم مسلمي مدينة الرأسالمسبق بوصول أبو بكر أفندي ومساعده إلى مدينتهم،فيذكر كل من Mahida و Davids أن أحد الروايات تفيدأنه بعد مرور يومين من وصولهما حتى علم مسلمو مدينةالرأس بذلك وعندئذ أرسلوا وفداً لاستقبالهما مؤلفا منوجهائهم بالإضافة إلى أئمة وحجاج المدينة، وقد أخذتحينها صورة تذكارية لهذه المناسبة وهي محفوظة فيمتحف التاريخ الثقافي لجنوب إفريقيا (South African Cultural History Museith ) في مدينة الرأس. أما عمرلطفي أفندي فقد ذكر في محاضراته عن ﮪذه الرحلةالتي نشرت باللغة الانجليزية عام 1991م أن مجموعة منالأئمة والحجاج في مدينة الرأس كانوا على علم بتاريخالوصول وكانوا في استقبالهما حين وصلا إلى مرفأ المدينة. وقد اتهم بعض مسلمي مدينة الرأس أبو بكر أفندي بنشرالمذهب الحنفي بدعم من الدولة العثمانية مكان المذهبالشافعي السائد بينهم.
فحل نزاعات المساجد كان يتم بنظر البعض حسب المذهبالحنفي، كما سرت أقاويل أن المدرسة العثمانية التيأسسها أبو بكر أفندي كانت تنشر المذهب الحنفي تحتغطاء المذهب الشافعي، واعتبر عدد من سكان مدينة الرأسالذين يتبعون المذهب الشافعي أن كتاب (بيان الدين) الذيوضعة أبو بكر أفندي وسيلة لبث تعاليم المذهب الحنفي،وحتى تحريمه لأكل الجراد البحري، والسرطان كان منوجهة نظر البعض مظهراً من مظاهر الفتاوى الحنفية.
وقد وصلت درجة الاستياء من أفكار أبو بكر أفندي إلىحد تقدیم شكوی ضده عبر إرسال وفد إلى مكة واسطنبول،كما قام بعض مسلمي مدينة الرأس بتقديم عريضة إلىالحاكم البريطاني يطالبون فيها بترحيل أبو بكر عنمدينتهم، وغال البعض في تعصبهم للمذهب الشافعيفرفضوا تزويج بناتهم من رجال أحناف.
وفي عام 1881م تم إنشاء أول مسجد حنفي في مدينةالرأس، كما تم حل قضية الخلاف الشافعي الحنفي كلياعام 1945م حين أسس مجلس القضاء الإسلامي عام1945م.
وبعد أن ألغت حكومة لندن الرق في جميع مستعمراتها عام1833م أدركت سلطاتها في جنوب إفريقيا حاجتها إلى يدعاملة بديلة وخصوصاً في مزارع قصب السكر في منطقةناتال التي ضمتها إلى ممتلكاتﮪا عام 1843م، وكانتالزراعة في هذه المزارع مزدهرة في الجزر القريبة منشواطئ جنوب إفريقيا مثل جزر موريسوش بسبب مهارةالعمال الهنود الذين جلبوا خصيصاً لهذا العمل، فما كانمن حكومة ناتال إلا أن تقدمت بطلب لحكومة الهند تلتمسفيه الموافقة على استقدام عمالاً من الهند مقابل أجريدفع لﮪم وعرفوا بالانجليزية باسم: ( Indentured workers)، وبعد محادثات بين الطرفين وافقت حكومة الهندعلى طلب حكومة ناتال.
وفي عام 1860م وصلت أول دفعة من هؤلاء العمال إلىبورت ناتال (مدينة دوربان حاليا) كان بينها 24 مسلمابقي منهم تسعة بعد انتهاء العمل، وبين عامي 1860 و1861م وصل 1360 هندياً 12% منهم من المسلمين،واستمر تدفق ﮪؤلاء العمال الهنود حتى عام 1911م حينبلغ عددهم 152642 شخصاً كان حوالي 966 منهم منالمسلمين الذين تميزوا لدى وصولهم بتنوع عرقي ومذهبيومهني وحتى مناطقي في وطنهم الأم.
وابتداء من سبعينات القرن التاسع عشر وصل إلى ناتالمجموعة ثانية من الهنود أتت من منطقة “كوجارات” بغربالهند بقصد التجارة وخاصة مع الهنود، لكن بفضل مهارة أفرادها ورأس مالهم تمكنت من التجارة فيما بعد ايضاً مع المستعمرين البيض والسيطرة على التجارة من وإلى الهند، عرفت هذه المجموعة من التجار باسم الهنود المسافرين Indian Passengers لأنهم دفعوا من مالهم أجرة الطريق، وشكل المسلمون 80% من أفرادها حيث أطلق عليهم بطريق الخطأ اسم (العرب) لأنهم اتخذوا اللباس السائد في الشرق الاوسط زياً لهم.
وكان الملا أبو بكر الافندي قد درس في المدرسة التيأسسها في الأصل سلفه أبو نصر الأمير سليمان القرشيالأمجدي (حوالي 1060 – 1134م) لمن يرغب في التعلم، وفي الحقيقة لا يُعرف الكثير عن الامير أبو نصر سليمانمن خلال وثائق أبو بكر الشخصية، ومع ذلك، فهو معاصرلسليمان غازي، مؤسس الإمبراطورية العثمانية وسليمانقتلمش(1077 – 1086م). مؤسس سلطنة سلاجقة الرومالذي عاش في أوقات مماثلة.
وفي أواخر أيام حكم السلطان عبد المجيد الأول (1839 – 1861م) قدم أبو بكر أفندي إلى اسطنبول لطلب العونمنه للمساعدة في التغلب على المجاعة التي تفشت فيمنطقة أرضروم، وبينما كان هناك علمت الحكومة العثمانيةبموضوع طلب المرشد الديني لمسلمي رأس الرجاء الصالحبناءُ على طلب فيكتوريا (1837 – 1901م) ملكة بريطانياوالهند.
فوقع الاختيار عليه بسبب معرفته العميقة بالعلومالإسلامية للمذاهب السنية الاربع: الحنفي والمالكيوالشافعي والحنبلي، بالإضافة إلى حكمته اللافتة وذكائهالمميز، فطلب منه السلطان عبدالعزيز الذهاب وقبل الطلبفشد الرحال إلى رأس الرجاء الصالح.
وتجاوبا مع طلب ملكة بريطانيا والهند الملكة فكتوريا حول طلب مرشد ديني لمسلمي مدينة الرأس (= كيب تاون الحالية) في جنوب أفريقيا، صدر مرسوم عثماني في 3 اكتوبر/ تشرين الاول عام 1862م بإرسال العلامة ( أبوبكرأفندي) الى رأس الرجاء الصالح تلبية لطلب مسلميها علىنفقة الحكومة العثمانية.
وقد توجه أبو بكر أفندي ومساعده عمر لطفي أفنديمن استنبول إلى جنوب إفريقيا عبر فرنسا وبريطانيا،فأبحرا من ميناء ليفربول Liverpool البريطاني فيالثالث من ديسمبر/ كانون الاول عام 1862م، وبعد 44 يوما وصلا إلى مدينة الرأس(= كيب تاون) بعد أن مروا فيطريقهم بميناء طنجة المغربي.
واختلف المؤرخون في موضوع علم مسلمي مدينة الرأسالمسبق بوصول أبو بكر أفندي ومساعده إلى مدينتهم،فيذكر كل من Mahida و Davids أن أحد الروايات تفيدأنه بعد مرور يومين من وصولهما حتى علم مسلمو مدينةالرأس بذلك وعندئذ أرسلوا وفداً لاستقبالهما مؤلفا منوجهائهم بالإضافة إلى أئمة وحجاج المدينة. وقد أخذتحينها صورة تذكارية لهذه المناسبة وهي محفوظة فيمتحف التاريخ الثقافي لجنوب إفريقيا( South African Cultural History Museith ) في مدينة الرأس.
أما مرافق العالم الكردي أبوبكر أفندي عمر لطفي أفنديفقد ذكر في محاضراته عن ﮪذه الرحلة التي نشرت باللغةالانكليزية عام 1991م أن مجموعة من الأئمة والحجاج فيمدينة الرأس كانوا على علم بتاريخ الوصول وكانوا فياستقبالهما حين وصلا إلى مرفأ المدينة.
وافتتح أبو بكر أفندي أول مدرسة للمسلمين في جنوبإفريقيا، وكانت تربطه علاقة وطيدة بتلاميذه هناك، الذينعلمهم قراءة القرآن الكريم والشعائر الإسلامية، وخلال فترةوجيزة تعلم لغتهم، ووضع لهم كتابًا بلغتهم ( الافريكانية) وهي لغة خليطة من اللغة الهولندية واللهجات الافريقية،بعنوان “بيان الدين“، بالإضافة إلى تأسيسه أول مدرسةلتعليم الإسلام للبنات في جنوب إفريقيا.
وشهدت عقود الخمسينيات والستينيات من القرن التاسععشر، دعمًا ماليًا كبيرًا من السلاطين العثمانيين لبناءالمساجد في إفريقيا الجنوبية.
وتجدر الإشارة أنّ الوثائق العثمانية تؤكد ابتعاث عالم الدينأبو بكر أفندي إلى رأس الرجاء الصالح (جنوب غرب دولةجنوب إفريقيا)، من أجل حلّ القضايا الفقهية للمسلمينالقاطنين فيها عام 1863م، وذلك في زمن السلطانالعثماني عبد العزيز الأول.
وبقي أبو بكر أفندي في مهمته 17 عاما من أجل توضيحالتعاليم الإسلامية الصحيحة، وحلّ الخلافات الفقهيةللمسلمين فيها. وتوفي بمرض الملاريا في 29 أغسطس/آب1880 في مدينة كيب تاون( ثالث أكبر مدن أفريقياالجنوبية) وكان على وشك زيارة موزمبيق، ليترك وراء ظهرهإرثا كبيرا من المساجد والمدارس التي بناها، إلى جانبتعاليمه الدينية التي حفظها عنه طلابه، كما أنه قدم العديدمن المساهمات الرئيسية للإسلام في جنوب إفريقيا، قدم لهم لباس الرأس الطربوش للرجال وكذلك إعادة الحجابللمرأة، والأهم من ذلك بالإضافة إلى دوره كمدرس، قامأيضًا بنشر اللغة العربية الأفريكانية
وما زال بالإمكان استشعار تراث وأثر “أبو بكر أفندي” بعدأكثر من 150 عامًا من خلال كتاباته، وكذلك رواياتوأنشطة أحفاده الذين عاشوا في هذا البلد 5 أجيال،حسبما أكد العالم التركي في جامعة كيب تاون. و ترجمكتاب سفره إلى الإنكليزية من التركية العثمانية الباحثالإسلامي التركي الأمريكي (يوسف كافاكجي).
تزوج الافندي من ثلاثة نساء، وهن: رقية ميكر، طهورةسابان كوك، فهيمة، وخلف عدداً من الاولاد هم كل من: أحمد عطاء الله، هشام نعمة الله، محمد علاء الدين، عمرجلال الدين، حسين فوزي، أما أبنته فهيمة فكانت أكبرأبنائهمنذ زواجه من رقية.
تستمر الأسرة في الإقامة في جنوب إفريقيا، مع عودةالبعض إلى تركيا وهجرت البعض إلى أستراليا. واصلبعض أبناء أبو بكر خطاه في الخدمة في كل مكان، مع ابنواحد، أحمد عطاء الله ، الذي انخرط في سياسة كيب. أصبح عضوًا في لجنة المقبرة لأن المقبرة التي يقع فيها قبروالده كانت مهددة بالإغلاق من قبل إدارة امدينة كيب تاون، كما أنه لقد ترشح لعضوية البرلمان عن مدينة كيب تاون، لكنه لم يحالفه الحظ في الحصول على الأصوات المطلوبةلمقعد بسبب تغيير في نظام الأصوات التراكمية، الذي تمتعديله خصيصًا لإبقائه خارج المجلس التشريعي. كما خدمالبعض من أأبنائه وأحفاده في الجيش العثماني وقاتلوافي الحجاز ضد الانتفاضة التي قادها شريف مكة (الحسين بن علي) سنة 1916م بدعم من الانكليز لاخراج العثمانيين من الديار المقدسة ، التي سماها المؤرخون العرب بالثورة العربية الكبرى؟.
واستقر نجل أبوبكر أفندي( أحمد عطاء الله) فيسنغافورة، وأصبح نائباً للقنصل العثماني فيها الى أن توفاه الله، ودفن هناك، وقبره معروف.
ومن جانب آخر فإن صعاباً كبيرة كانت تنتاب حياة عالمنا الكردي الجليل في تلك الحقبة، فكان هناك صراع بين شعبملايو في مدينة كيب تاون وأطرافها والمستعمرين الاوروبيون من الهولنديين والانكليز، أي البيض، ومن الواضح أن مسلمي كيب مالاي قد عانوا وفقدوا بعضهويتهم الدينية نتيجة ترحيلهم من قبل الهولنديين منبلدانهم الأصلية في جنوب الهند وجنوب شرق آسيا (= أندونيسيا)، وتتحدث الوثائق التاريخية عن دور الملا أبوبكر أفندي وتوطيده الإسلام من خلال التدريس، وبناء المساجد والمدارس الاسلامية، وإدخال الحجاب الإسلامي والطربوشعلى مسلمي الرأس، بالرغم من قدوم العديد من علماءالإسلام الآخرين إلى جنوب إفريقيا.
كما حاول كسر “النظام الديني” الذي كان موجودًا فيكيب مسلم، فقط أولئك المرتبطين بالإمام السابق سُمح لهمبأن يصبحوا التاليين في الصف، يمتلكون المعرفة لأنفسهمويمارسون السلطة على عامة الناس. ويرتبط هذا كذلك فينزاعات 1866م ؛ على مر السنين ، تطور نظام “رجالالدين” في كيب مسلم مع الأئمة الذين يتمتعون بسلطةملموسة.
إن مكانة الأئمة، إلى جانب الأمن الاقتصادي والازدهارفي كثير من الحالات، كان بسبب التبرعات المالية السخيةوالهبات من قبل المصلين بين عامي 1866 و 1900م، وتمالاستماع إلى أكثر من عشرين قضية تتعلق بمسجد فيشبه جزيرة كيب في المحكمة العليا فيما يتعلق بمناصبالأئمة وخلافتهم. عمليا كل مسجد في كيب في القرنالتاسع عشر واجه هذه المشكلة. كان هذا من شأنه أن يلقيبه في مزيد من الخلاف مع سكان كيب مالاوي. ويرتبطأيضًا في سفر عمر لطفي، تضمنت ممارساتهم أيضًاممارسات الملايو التقليدية والقبلية الشعبية غير الإسلاميةالتي نشأت من منازل أجدادهم في الجزر الإندونيسيةوالماليزية، ولا تزال بعض هذه الممارسات موجودة فيإندونيسيا حيث يمارس بعض السكان الإسلام بشكل عامبصورة شعبية استناداً الى ميراثهم قبل الاسلام، منهاممارسة عبادة الروح، وقد استطاع الملا الافندي جاهداً الحد من هذه الممارسات الشعبية التي تقترب من الوثنية، وادخال الاسلام الصحيح (اسلام التوحيد الخالص) بين أفراد شعب المالاوي. كما أن شعب الملايو على الرغم منتمسكهم بتراثهم الإسلامي لم يتمكنوا من نطق الكلماتوالنصوص العربية بشكل صحيح.
أحد الأسباب الرئيسية لعدم شعبية أبو بكر هو إعلانه أنسرطان البحر(= الاستاكوزا أو أم الربيان)، وهو عنصرأساسي في غذاء مسلمي الرأس، حرام وفق وفق المذهب الحنفي السائد تبعاً لمجلة الاحكام العدلية، بينما هو حلالُ حسب المذهب الشافعي، مما أدى الى ردة فعل من قبل مسلمي الملايو الذين يمارسون شعائرهم الإسلامية وفق المذهب الشافعي، لذا تم رفع القضية إلى المحكمة من قبلcrayfish – جماعة جراد البحر في عام 1863م، حيث حكمالقاضي البريطاني (هيل) لصالح جماعة جراد البحر وضدأبو بكر، بعد ذلك والأدلة التي قدمها في محاكمة خلافةالافندي أبو بكر عام 1869م، قدم بعض المسلمين التماسًالإبعاده عن الرأس( كيب تاون). وقد وصلت درجة الاستياءمن أفكار أبو بكر أفندي إلى حد تقدیم شكوی ضدهعبر إرسال وفد إلى مكة واسطنبول. كما قام بعضمسلمي مدينة الرأس بتقديم عريضة إلى الحاكمالبريطاني يطالبون فيها بترحيل أبو بكر عن مدينتهم، وغالالبعض في تعصبهم للمذهب الشافعي فرفضوا تزويجبناتهم لرجال أحناف.
لذلك غادر الملا الافندي مقر إقامته في كيب تاون وانتقلعلى بعد 12 كم إلى نيولاندز إلى منزل واسع في منطقة(ستوني بليس)، وما يبدو أن أبو بكر كان شافعياً، ولكنه كان يتبع المذهب الحنفي في اصدار الفتاوى، وأقسم فيالمحكمة العليا عام 1869م، عندما كان الشاهد الرئيسيفي القضية المذكورة أعلاه المتعلقة بخلافة إمام مسجدشارع بويتنغراخت ، أنه كان دائمًا شافعيًا، لكن لأنهاستخدم نصوص الفقه الحنفي، شكك الكثيرون من المسلمين الذين يتبعون المذهب الشافعي في كلمته، فضلاً أن تدريسه للطلاب وكتابة كتابه “بيان الدين“ وفق المذهب الحنفي، المذهب الرسمي للدولة العثمانية. كل ذلك وتصريحاته التي أدلى بها في المحكمة إلى صعوبة ربطهبمدرسة أو بأخرى. كان لقبه في الاصل “مفتي المدارسالأربع” ، لذا يمكن للمرء أن يجادل بأنه كان ملماً بفقه كل من المذهب الحنفي و الشافعي و الملكي و الحنبلي على حدٍ سواء.
وفي عام 1881م تم إنشاء أول مسجد حنفي في مدينةالرأس(= كيب تاون الحالية)، كما تم حل قضية الخلافالشافعي الحنفي كليا عام 1945م حين أسس مجلسالقضاء الإسلامي عام 1945م.
حاول ابوبكر أفندي استخدام اللغة المحلية (الافريقانية –الافريكانية)، ثم شرع في تجميع كتاب “بيان الدين“. التي تم طبعها من قبل وزارة التعليم التركية في استنبول، وهيجزء مثير للاهتمام وهام من تاريخ جنوب إفريقيا، وهيبمثابة مرجع قيم لاستخدام اللغة الأفريكانية خلال تلكالحقبة في الأحياء الإسلامية في كيب تاون. إنه يعطينظرة ثاقبة حول استخدام اللغة الأفريكانية في ما يسمىبأحياء “سلام” (عامية للإسلام) في كيب تاون في تلكالفترة. إنه مهم أيضًا ، نظرًا لأن هذا المجتمع لم يكن له المامباللغة الهولندية كلغة أم وبالتالي لم يتأثر في الغالببقواعد الإملاء. على هذا النحو ، كان هذا أول كتاب كبيريُكتب وينشر باللغة الأفريكانية ، على الرغم من كتابته بخطعربي معدل حيث تُستخدم علامات التشكيل للإشارة إلىنطق اللغة الأفريكانية. إنه يشهد على أصول اللغة العبوديةالتي لم يتم اعتمادها من قبل الأفريكانيين البيض ، خاصةخلال عصر الفصل العنصري. الكتاب ، الذي يبلغ مجموعصفحاته 254 صفحة ، يبدو أنه يتبع مدرسة الفقه الحنفي. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء ، كل منها يتناول جزء معينمن الشريعة الإسلامية: كتاب الطهارة (ص 2 – 66)، كتاب الصلاة (ص 66 – 219)، كتاب الصيام (ص 258 – 284)، كتاب الزكاة (ص 219-258) كتاب الذبح والتذكية (ص284-302)، كتاب المنهيات (ص 302 – 344)، كتاب المشروبات (ص 344-349)، كتاب الصيد (ص 349-354).
وتجدر الاشارة إليه أن المستشرق والباحث الهولنديأدريانوس فان سيلماس Adrianus van Selms نشر لأول مرة ترجمة صوتية في النص اللاتيني لعمل أبو بكر أفندي ( بيان الدين) في عام 1979م، منذ أن قدم العمل الأصلياللغة الأفريكانية المحكية دون استخدام أحرف العلة عام 1869م، وكانت مهمة (أدريانوس فان سيلمز) الشاقة، هيفك رموز الكلمات الأفريكانية التي المارة الذكر، حيث تمكنأبوبكرأفندي من ابتكار أحرفً عربية جديدة للعديد منالأحرف الأفريكانية غير الموجودة في الأبجدية العربية،والمثير للاهتمام هو أن هذه الحروف المبتكرة يجب أن تكونفريدة من نوعها، ومع ذلك لا يزال من الممكن التعرف عليهامن قبل السكان الذين تعلموا بالفعل اللغة العربية التقليدية. نظرًا لأن هذا كان تعديلًا محليًا للغة، تم استخدامه فقط بينمجتمع كيب تاون المسلم ، فقد ثبت أنه غير مقروء لمن همعلى دراية باللغة العربية التقليدية.
وقد عاد بعض من أفراد ذريته إلى تركيا، وﮪاجرآخرونإلى كندا وأسترالیا و نیوزیلاندا. وما زالت كنية “أفندي” تشير حتى الآن إلى إسم عائلة معروفة في جنوب إفريقيا.
ومن جهتها يعترف المستشرق الهولندي (مارتن فان بروينسن) بخصوص تأثير العلماء الكرد في جنوب شرق أسيا بالرغم من البعد الجغرافي عن كردستان:” لقد وجدتُنفسي أهتم كثيراً بالطرق الصوفية في كردستان وأدوارهاالسياسية، ووجدت الطرق الصوفية ذاتها في اندونيسيا،إضافة إلى ذلك وجدتُ تأثيراً كردياً غير مباشر علىالإسلام في اندونسيا وخاصة بما يخص التصوف رغم أنه لم يذهب أي كردي إلى هناك. كان الاندونيسيون والكرديلتقون في مكة والمدينة. في الماضي كان الكثير منالاندونيسيين يدرسون على يد مدّرسين أكراد،والاندونيسيون يربطون الكرد بالاسلام. ويطلقون الآن اسم“كردي” على الرجال في العائلات التقية“.
وكان أحفاد العالم الكردي العثماني أبو بكر أفندي، الذيأرسل إلى جنوب أفريقيا في عام 1863 لتعليم الدينالإسلامي، إلى إستنبول، مفتخرين بتعرفهم على أنهمأحفاد العالم أبو بكر أفندي و بهويتهم التركية (= نسوا هويتهم الكردية) التي اجتمعوا بها أخيرا.
ساهم أبو بكر أفندي، بنشر تعاليم الدين الإسلامي بينشعب أفريقيا الجنوبية طوال 18 عاما التي أمضاها هناكمنذ 16 كانون الثاني/ يناير 1863، لكن إرثه وإسهامهللمسلمين الأفارقة طواه النسيان بعد مرور هذا الوقتالطويل كما نسيت آثار الدولة العثمانية. وعُثِرَ على الأحفادبمساعدة أحد المؤرخين، وهم يقيمون الآن في ‘اسطنبولبعد تعرفهم على جذورهم.
عبر أحد الأحفاد، ويدعى أحمد كمال عطا الله، عن فخرهبأنه حفيد من الجيل الثالث لأبو بكر أفندي قائلا: “تمإرسال جدي أبو بكر أفندي، إلى جنوب أفريقيا بناءً علىطلب الملكة فيكتوريا المساعدة من السلطان، الذي قام بدورهبتنظيم المسلمين في منطقة رأس الرجاء الصالح، كما قامبتعليمهم تعاليم الدين الإسلامي، ويشرفني أن أكون مننسله ومن أحفاده”.
افتتح أبو بكر أفندي، مدرسته الأولى بعد 15 يوما منوصوله إلى جنوب أفريقيا، وبدأ بتعلم اللغة المحلية، بهدفإعداد كتاب فقهي باللغة الإفريقية، ولتسهيل عمله في خدمةالمسلمين الأفارقة، وسار أبناؤه على نهجه في خدمة الدينوالدولة العثمانية.
وقال روشتو غوفان عطاء الله، الحفيد من الجيل الرابع لأبوبكر أفندي: “انتقل جدي إلى سنغافورة كسفير للدولةالعثمانية، وتوفي بعد فترة وجيزة في عام 1880م كان جديشوكرو، من أحد أبنائه الأربعة، كان يتقن سبع لغات، كماكان الطيار الأول في جنوب أفريقيا، وقد شارك في الحربالعالمية الأولى باسم الدولة العثمانية، ثم شارك في معركةكوت العمارة”.
واصل أبناء أبو بكر أفندي، أحمد عطاء الله وحسام نعمةالله أفندي، بعد وفاة والدهم خدماتهم التعليمية بالمدرسةالعثمانية التي افتتحها أحمد عطاء الله أفندي في مدينةكيمبرلي، والتي أدت دورا مهما لشباب المجتمع الإسلامي،إلى جانب أنشطته في مدرسة علم الكلام الإسلامي التيافتتحها في مدينة بورت إليزابيث، كما قام شقيقه هشامنعمة الله أفندي بالتبرع وبجمع تبرعات لمشروع سكة حديدالحجاز، وشارك أيضا بعقد عدة اجتماعات مع الزعيمالهندوسي الأسطوري مهاتما غاندي في مدينتي دوربانوناتال، ضد السياسات العنصرية في جنوب أفريقيا، مماأثر علي حياته.
يعد الدكتور محمد شوكرو، من أحد أحفاد أبو بكر أفندي،وقد ولد في منطقة بوكاب (منطقة تجمع المسلمين) في مدينةكيب تاون عام 1915م، تخرج من كلية الطب في جامعةكيب تاون عام 1942م، وتم تسجيله في التاريخ كأولطبيب مسلم في جنوب أفريقيا، وتوفى في سن مبكرةبسبب مرض السل.
وعلى الرغم من اندثار آثار العثمانيين في جنوب أفريقيا معنظام التمييز العنصري القائم على التمييز العرقي، انتهىشوق أحفاد أبو بكر أفندي لحظة اجتماعهم بأصولهموهويتهم التركية.
يفخر كمال عطاء الله، بأنه حفيد العالم العثماني أبو بكرأفندي بقوله: “لقد ولدت في بداية نظام التمييز العنصريعام 1941، وكنت مواطنا من الدرجة الثانية لأنني مسلم،كما لم يتم ذكر تاريخ جنوب أفريقيا الإسلامي في تلكالفترة فقد كان الإسلام دينا من الدرجة الثانية، أما الآنفقد تغير كل شيء بإتمامنا حلقات المغامرة التي بدأها جدنا قبل 160 عاماً”.
يتابع كمال عطاء الله: “نحن آخر العثمانيين الذين عاشوافي جنوب أفريقيا، ولم نكن نعرف من نحن؟ أما اليوم فقدتعرفنا على أصولنا وهويتنا التي فقدناها لفترة من الزمن،نريد أن نمتلك هويتنا التركية من جديد، والحمد لله صرناأتراك من جديد ، أما أبناؤه وأحفاده فهم يمارسونشعائرهم وفق المذهب الحنفي.[1]