#سلمان بارودو#
إن قضية الشعب الكردي تعتبر من أهم القضايا سخونة في الشرق الأوسط يجب أن تجد لها حلولاً منصفة وذلك وفق العهود والمواثيق الدولية، والتي نالت للأسف تجاهلاً دولياً واهتماماً قليلاً جداً من قبل الباحثين والمفكرين والمثقفين وخاصة من إخوتنا العرب، الذين شغلتهم قضايا اخرى أقل أهمية من القضية الكردية، مما أدى الى نشوء حالة من الجهل أو بالأحرى تجاهل كبير لقضية الشعب الكردي عندهم، وأعتقد أن القسم الأعظم من هؤلاء كان جهلهم متعمداً، وكانوا يحلمون بأن يستفيقوا يوماً فلم يجدوا الكرد على وجه البسيطة.
حقيقة، إنني صدمت بكثير من الألم عندما قرأت ما كتبه الدكتور عبدالرزاق عيد بحق الشعب الكردي ليعبر عما يكتنف بداخله من حقد دفين تجاه الكرد، حيث كتب ما يلي: أما الكردية السياسية البككية فهي بتهديدها بتفكيك سوريا إنما تبتز الشعور الوطني للشعب السوري، وانفصالها لا يخسر الشعب السوري إلا جيش من العاطلين عن العمل في قطاع الخدمات والسياحة ...أي في المطاعم والمقاهي والملاهي وصالونات تنظيف الأحذية، لم أكن أتوقع أن يبدر هذا التوصيف العجيب من الدكتور عبدالرزاق عيد على أساس أنه المدافع عن حقوق الإنسان وخياراته في العيش الكريم، ليس كمثل ما نسمعه من بعض المطبلين والمزمرين والغوغائيين، الذين لا يفقهون شيئاً سوى ارضاء لأسيادهم المستبدين، كما أحسست أيضاً بالمرارة كيف أرتضى الدكتور عبدالرزاق عيد لنفسه أن يصل إلى هذا المستوى من الحقد والكراهية تجاه شريك اساسي وهام في هذه الظروف البالغة الخطورة، فكان الأولى به أن يكون عامل وحدة وتآلف، لا عامل تمزق وتباعد.
يبدو أن هناك البون وانقلاباً شاسعين بين أقواله وأفكاره، الراهنة والسابقة، لذلك لا بد لي أن أبين له وللقراء بعض الحقائق التي قد تكون أغفلت عنوة! حيث كتب اثناء أحداث قامشلي 12 آذار بتاريخ 26 نيسان 2004، في جريدة النهار اللبنانية، تحت عنوان: مشكلة الأكراد...الخاسر الوحيد سوريا: إذ يقول: إن ما حدث في الجزيرة السورية يؤشر إلى بداية التشقق في بنية العمارة السلطوية الشمولية التي بنت جمهورية الخوف والصمت في سوريا..... كان الأكراد يلجأون إلى أشقائهم المثقفين العرب (كتابا ومفكرين وفنانين ) ليضموا صوتهم معهم في سبيل مطالبهم العادلة، لكن المثقف العربي المبهظ بإفلاس مشروعه القومي والمثخن الوجدان بجراحات الهزيمة، كان في طور مراجعة منظومته الفكرية القومية التي قادته إلى كل هذا الحطام، هذا المثقف العربي المطعون بشرفه القومي لم يكن في وضع ثقافي وعقلي- بعد أن يئس من طغاته قادة احلامه القومية- ليصغي ويتفاعل مع الهموم القومية للآخر حتى ولو كان الشقيق الكردي في الوطن الواحد ...، ماذا جرى لك أيها المفكر لتتغيير مائة وثمانين درجة، سبحان مغير الاحوال؟ هل المصلحة والمنصب والمادة جعلك تتغيير وتتراجع بهذا الشكل المرعب عن كتاباتك ومواقفك السابقة! وهل كل ما كنت تكتبه في الماضي عن حقوق المظلومين والدفاع عن آرائهم أصبح في خبر كان؟!
كانت الحركة السياسية الكردية تدعو في نضالها إلى دعم جهود إخوتنا من المثقفين العرب لحقوق شعبنا الكردي، لكن كما يبدو لنا للأسف أن أغلبهم يشترط أن كل شيء ستفقد شرعيتها وتبدو في نظرهم لقيطة ما لم تنتسب للعروبة، ويختلفون في كل شيء إلا في جفائهم للكرد ولقضيتهم العادلة! ولم يعترفوا حتى الآن بشكل صريح وواضح بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، وبوجود مسألة قومية في سورية، إنها وصاية وغطرسة قومية بدون مبرر، ليس هذا فحسب بل إن الدكتور عيد يؤسس نظير غيره من منظري تغريدة: الأرض تتكلم عربي؟! أي أنه هنالك رهاب (فوبيا) عام يشترك فيه جميع منظري العروبة تحقيق الكرد لحقوقهم القومية؟!. لكن يبدو هذا الخوف يتعلق ببنيتهم الثقافية والفكرية والسياسية وبسلوكهم المتوارث والمتحجر منذ مئات السنين، هذا أصبح أوضح من الشمس في رابعة النهار؟.
لذلك، أدهشني كثيراً، واستوقفني أكثر بما سطر قلمه بحق الكرد، بحيث جعلنا نترحم على نظام البعثي العروبي العفلقي لأنه لم يبلغ إلى هذا الحد من الشوفينية والضغينة، فوضع نفسه في مستوِ يشرب من منهل الغلاة الشوفينيين.
لم أكن أتصور هذه الكراهية المقيتة الدفينة بداخله التي خدشت شعور الآخرين (الكرد)، ولكن أظهر عقله الباطني الجامع لفكره وقناعاته في فلتات قلمه! ألم يبين التاريخ أن المبررات اذا لم توجد فإنها تخلق!.
لذلك، إن ما كتبه الدكتور كان أشبه بسيناريوهات الشوفينيين البعثيين في توليف وتركيب التلفيقات والادعاءات الباطلة بحق الكرد، كنا نتأمل من مفكر ما ركسي بقامة عبدالرزاق عيد غير هذا؟!
كان عليه أن يواجه بجرأة وحزم استحقاقات المرحلة بكل ما تطرحه من تحديات وصعوبات، وأن يضطلع بمهامه الأساسية في الدفاع عن الكرد وتمتعهم بحقهم في الحرية وتقرير مصيرهم أسوة بجميع شعوب المعمورة، كون الكرد كانوا من أشد المتضررين من نظام البعث الشوفيني، ويسعى لبناء دولة الحق والقانون وإصلاح ما أفسده المفسدون، وأهمس في أذنه: هل هذا هو منطق الإصلاح والتغيير الذي كنت تنادي به وتنتمي إليه يا دكتور؟ أهذا يخدم وحدة الصف الوطني؟ وهل من حرية الرأي في شيء أن تقرر مصير الآخرين وترغمهم في نمط معين من العيش؟
فنحن الشعب الكردي لسنا بحاجة بأن نقدم كشف حساباتنا لأي كان، وعن محبتنا ودفاعنا عن وطننا سوريا العزيزة، لأنه هذا مثبت في أفكارنا وتاريخنا وأقلامنا التي لم تهدأ يوماً من الأيام لأجل مستقبل مشرق ومزدهر لبلدنا سوريا، نحن الكرد استخدمنا ومازلنا نستخدم لغة الحوار والتواصل مع جميع الاتجاهات والتيارات الوطنية طالما تصب في خدمة الوطن والمواطن، ونتمسك بشعار الأخوة العربية الكردية.
إننا من منطلق مسؤوليتنا التاريخية الملقاة على عاتقنا نؤكد للقاصي والداني عن مواصلتنا بلا هوادة لنضالنا المشروع والعادل في سبيل حقوقنا القومية والوطنية والديمقراطية، وأيضاً تمسكنا بنهجنا الديمقراطي السلمي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية والعيش الكريم، والتحرر من الظلم والغبن والإقصاء، وإقامة نظام برلماني تعددي حر دون إلغاء أو تمييز.
وختاماً، آمل أن يعيد النظر فيما قاله وكتبه عن الكرد، وأعلم أن له أصدقاء عديدين من بين شعبنا الكردي، على هذه الزلة والذي لا يليق به كمفكر وباحث عن الحقيقة، كما يقال: الحق لا يخاف لومة لائم.[1]