#سلمان بارودو#
اقامت لجنة النشاطات الثقافية الكوردية في يوم الاثنين 9-10-2007 ندوة ثقافية, دعت اليها عدد من النخب الثقافية والسياسية الكوردية والآشورية في مدينة قامشلو, للاستماع ومناقشة محاضرة السيد #زردشت محمد# (عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) حول إشكالية استخدام المصطلحات في الخطاب السياسي, هذا وقد لبى الدعوة عدد من سكرتيري الأحزاب الكوردية وبعض القياديين من التنظيمات الكوردية والآشورية, و عدد من نشطاء لجان حقوق الإنسان, وبعض الكتاب الكورد.
بعد تقديم المحاضر من قبل السيد عبد الصمد محمود (ابو هلبست) , ألقى الأستاذ زردشت محمد محاضرته, التي لاقت ردود فعل مختلفة من قبل الحضور.
اليكم تقرير مفصل عن هذه الندوة الحوارية:
التقديم:
مساء الخير:
لمن دواعي سرورنا اليوم وفي هذه الأمسية المفعمة بالمحبة والتواصل واللقاء, أن نرحب باسم لجنة النشاطات الثقافية الكردية , بمشاركة مجموعة من المثقفين والسياسيين المتخصصين, ممن لهم الدور الفاعل في الحراك الثقافي والفكري في مجتمعنا, ونثمن هذه البادرة الطيبة في محاولة خلق مناخ من التواصل الحضاري والايجابي , لفض الغموض الذي يكتنف بعض المفاهيم والمصطلحات التي ينظر إليها من زوايا متباينة ووفق رؤى متمايزة, قد تكون هذه اللحظة هي لحظة مكاشفة قلما يجود الزمن بها .وهي فرصة سانحة لتجاوز عتبات الرهبة , وإثارة علامات استفهام كبيرة حول جملة من القضايا التي تستنفر مواطن القلق فينا وتختبر قدراتنا على مواجهة تحديات يتعين علينا اقتحامها و اختراقها , فإما أن تتوهج فينا قناديل الوصال و المشاركة التي تضئ درب المستقبل وإما أن نلوذ بعتمة العزلة وتنقطع بنا سبل الخلاص, في هذه الأمسية المباركة نتوق إلى المراهنة على قبسات من أفكاركم المجندة لخدمة الحق والخير والحرية والجمال.
أيها الإخوة: كلنا يعلم إن وتيرة التطور المعرفي قد تسارعت باضطراد وأدى إلى إحداث تغييرات جوهرية في المفاهيم والأفكار والمصطلحات وكذلك الضرورات التي فرضتها الوقائع السياسية والثقافية قد أفرزت تحولات هامة في هذا الإطار مما كشفت عن إشكاليات متباينة وأحيانا متناقضة في طرح المصطلح وأبعاده الفكرية وتشعباته الإيديولوجية و هو ما ارتبط بنوعية الخطاب السياسي والفكري المعاصر الذي يصل في بعض جوانبه إلى حد المواجهة, فكان لزاما علينا آن نستعرض هذه الإشكالية في روية ومنطقية وان نطرح عدة تساؤلات حول استراتيجية قراءة المصطلح والكشف عن ماهيته و ضرورته وعلته و الأسباب التي أدت إلى صياغته ثم نعرج على بعده الثقافي و السياسي و نركز هنا على مبدأ التلافي و الحوار و المناقشة من خلال عرض الفكرة و محاولة تبريرها وتقديم الحجج المنطقية للاستدلال عليها حيث نسعى إلى معالجة الموضوع في إطار ثقافي فكري بناء,ولكن نكاد أن نلامس معالم غير واضحة تلف المصطلحات المتداولة وأحيانا تفتقد إلى متلازمة المعرفة والفاعلية بمعنى أن المصطلح يكون خاويا من مفهومه المعرفي وليس له دور فاعل بل يركز على قوته الخطابية وبريقه الفتان الذي يثير العاطفة والمشاعر فقط وهذه الظاهرة بدأت تعم مع انتشار وسائل الإعلام وخاصة صفحات الانترنت الغير محكمة أو الخاضعة لضوابط ينتظمها
وفي هذه الأمسية فإننا سنحاول البحث عن إطار مفاهيمي يمكننا من ضبط المصطلح واستجلاء طبيعة تمظهره وحراكه في الفضاء السياسي والثقافي .
والآن أدعو ضيفنا الأستاذ زرادشت محمد لاستعراض الأفكار المحورية حول إشكالية المصطلح وكشف دلالاته وفق رؤى قد تختلف أو تتفق ولكن الهدف الأخير هو المكاشفة والتواصل في سبيل صنع مستقبلنا .
المحاضرة:
إشكالية بعض المصطلحات في خطابنا السياسي
زردشت محمد
ثمة ضرورة منهجية / معرفية لإعادة النظر بكثير من المفاهيم والمصطلحات التي كانت أدوات مفتاحية في التحليل السياسي وإعادة النظر هذه هي شكل من أشكال إعادة تأهيل لهذه المفاهيم والمصطلحات بما يتفق وينسجم مع التقدم المعرفي ومع التغيرات الواقعية والسياسية , وكذلك لإزالة اللبس والغموض الذي يكتنف خطابنا السياسي جراء الاستخدام الغير الدال على المعنى المقصود منه سياسيا أو وثائقيا أو قانونيا لتلك المصطلحات .
وإذا كان الهدف من تسليط الضوء على هذه المصطلحات هي تقويم وتقييم خطابنا هي في الوقت نفسه لفتح المجال لحوار حول بعض المفاهيم والأطروحات السياسية في خطابنا السوري عموماً , ومن هذه المفاهيم .
- الدولة المعاصرة - دون البحث و الغوص في نظرية نشوء الدولة سواء نظرية الطوطمية العشيرة أو الديانة_ حول مفهوم الدولة أو مراحل تطورها من الدولة الخارجة إلى الدولة المتداخلة إلى دولة الرفاهية , الدولة المعاصرة وفقا للقانون الدولي يتكون من ثلاثة أركان أساسية , الشعب - الإقليم – السلطة السياسية دون هذه الأركان الثلاثة لا يمكن أن توجد دولة بالمعنى الحقيقي معترف بها من قبل المجتمع الدولي . - الشعب هنا هو تعبير سياسي وقانوني أكثر من أن يكون تعبير ثقافي , بمعنى أن الشعب هو مجموع مكونات المجتمع الذي يعيش في إطار ذلك الإقليم بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية .
أما المجتمع فهو تعبير ثقافي دال على مجموعة خصائص معينة متميزة ومتمايزة في إطاره , فالمجتمع السوري مجتمع متعدد قوميا ودينيا أما الشعب فهو واحد لا يجوز أن يوجد شعبين في إطار دولة واحدة من الناحية القانونية .
- الإقليم : فهو تلك الحدود القائمة بالفعل والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة , والسلطة السياسية هي شكل الدولة وممثله في المجتمع الدولي .
- وإذا كنا نتفق جمعيا بأن الدولة الحديثة هي الدولة المعبرة عن الكل الاجتماعي , لذلك يجب أن تكون عامة لعمومية المجتمع ومعبرة عنه .
فالمجتمع السوري بمختلف انتماءاته القومية والمتشكل جغرافيا ضمن إطار الدولة السورية بحدودها السياسية القائمة لم تكن تعرف من قبل إلا عبارة عن مجموعة من الولايات التابعة للتبعية العثمانية , كولاية حلب وولاية ديار بكر ...........الخ
فسوريا دولة متعددة قوميا ودينيا وهذا ما يحيلنا إلى مصطلح آخر يشوبه الغموض والخطأ وهو مصطلح الأكثرية والأقلية القومية .
بغض النظر عن مدى حجم وتعداد كل قومية أو ديانة فالعدد لا يعطي القومية أو الديانة الأكثر عدداً امتيازاً على القومية أو الديانة الأقل عدداً وفقا لمبدأ المساواة وعدم التميز وهذا ما أكدته وضمنته العهود والمواثيق الدولية , لذلك لا يجوز أن توسم سورية بأكثريتها القومية أو الدينية, أما على الصعيد السياسي فالأكثرية جائزة , لذلك فأن مصطلح الدولة العربية السورية أو الدولة الإسلامية أو دولة مسيحية غير جائزة لعدم وجود نقاء مجتمعي في أي دولة وإلا اتسمت بالعنصرية والاستبداد .
ومن هنا فان التعدد القومي والديني والثقافي في الدولة الحديثة تشكل أجزاء من المجتمع ومن حق هذه الأجزاء وفقا لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات أن يكون لها تعبيراتها السياسية والاجتماعية والثقافية التي تمثله وتعبر عن طموحاته وإذا كان صحيحا إن الجزء لا يحدد الكل الاجتماعي فالأصح أيضا بأن الكل الاجتماعي لا يتحدد ألا بجميع أجزاءه دون استفراد أو إقصاء أو تهميش تحت ستار الأكثرية أو الأقلية .
فالدولة وفقا للمفهوم المعاصر هو كالقانون مجردة وعامة لعمومية المجتمع وليست لغالبيتها أو لمجموعة بعينها وذلك على خلاف السلطة وإلا تحولت الدولة لدولة حصرية تسلطية عنصرية تقوم على إلغاء مبدأ المواطنة على مستوى الفرد ومبدأ المشاركة والمساواة على المستوى القومي, وهذا ما يحيلنا إلى مفهوم أو مصطلح آخر شائع في خطابنا السياسي ولكن يؤول حسب المصالح والاتجاهات الأيديولوجية وهي مفهوم المواطنة والوطن بخلاف الجنسية .
المواطنة : تعبير سياسي وقانوني دال على ذلك الفرد المتمتع بحقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية فإذا كان الفرد محروم من تلك الحقوق لا يمكن أن يوسم بالمواطنة الحقة .
أما الوطن فلم يعد مجرد خطوط طول أو عرض أو تضاريس فهي تتأسس على المواطنين ذلك الفرد الحر المتمتع بتلك الحقوق آنفة الذكر وهذا ما يضع الحد الفاصل بين مفهوم آخر هو الوطنية والقومية.
الوطنية : مصطلح سياسي وقانوني وليست مصطلح ثقافي كالقومية فالقومية تعبير ثقافي دال على مجموعة خصائص ثقافية ولغوية وحضارية يتميز بها مجموعة عن مجموعة أخرى كالعربي , الكردي , الكلدوآشوري .............الخ , فهي تعينات للذات لا تتعين ولا تتحدد إلا بالآخر المختلف . فالعربي السوري كما يطلق في غالبية الأدبيات السياسية هي اعتراف ولو ضمني من قبل الأحزاب بالأخر غير العربي السوري كالكورد و..............
فالهوية الوطنية السورية يفترض أن لا تنفي الانتماءات القومية أو الدينية أو اللغوية بل تمنحها الحرية وتوفر لها شروط النمو و الازدهار , فكلما تعزز التواصل و الاندماج بين فئات المجتمع تغدو الانتماءات ما قبل الوطنية محتواة في الانتماء الوطني ومحددة به
فالهوية الوطنية : هوية مركبة بخلاف الهويات النقية المتماهية مع ذاتها والمغلقة على يقينياتها .
– ومن هنا فأن للكورد في سوريا كما لغيرهم من القوميات الأخرى تطلعات قومية شرعية- وليست مشروعة كما يستخدم في خطابنا السياسي فالمصطلحان غير مترادفان إلا في ظل الأنظمة الديمقراطية- وما أصابهم في التاريخ الحديث ولاسيما بعد تفك الإمبراطورية العثمانية وإلحاقهم بالدول التي رسمت حدودها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى ودون الأخذ بآراء تلك القوميات .
وان حل مسألة القوميات والتعدد القومي في الدول ومنها سورية مرتبطة بالمجتمع وبقواه السياسية وبإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة بمعناه المعاصر وتجسيد ذلك دستوريا إحقاقا لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات سواء على مستوى الفرد او على المستوى القومي , فالتجربة أثبتت بان التعصب والعنصرية القومي أو الديني وما نجمت عنهما من تداعيات أبرزها الاستبداد السياسي المقرونة بالاستبداد الديني هي التي أنتجت في المحصلة تماهي الدولة مع السلطة مفهوميا وواقعيا ,و هي التي أنتجت بدورها التحاجز الاجتماعي على صعيد المجتمع والشمولية والاستبداد على صعيد الدولة , وهذا ما خفضت الدولة من مستوى الشيء العام المشترك دولة المجتمع إلى دولة حصرية تسلطية ممهدة بذلك لولادة مجتمع السلطة.
المداخلات:
-محمد صالح: بالنسبة للدولة المعاصرة أخذت طريق اللا مركزية, بمفهومك هل هو الحكم الذاتي أم الانفصال؟
-كبرئيل كورية: أنا برأيي أن موضوع المصطلحات ليس ناتج عن تصور معرفي أو قصور لدى النخب السياسية والثقافية في البلاد, بتصوري هذه المصطلحات واضحة لدى النخب, المشكلة هذا الخلط الذي يجري من قبلنا نحن قد يكون مبرر نحن أبناء القوميات الصغيرة نستخدم هذه المفاهيم في غير محلها ونخلط جرياً على ما يتم في البلد. القصور الأساسي عندنا, أركان الدولة عندنا, الاستبداد أنا بقناعتي هو الذي يضرب أركان الدولة, طالما صارت الدولة استبدادية ومحتكرة لفئة معينة, إذاً انضرب أحد المفاهيم انضرب أحد أركان الدولة.
فالقصور عندنا هو في مفهوم الدولة الوطنية أساساً, إن مفهوم الدولة الوطنية غير ناجز عندنا, لا في أذهان النخب الفكرية ولا السياسية ولا غيرها. علماً أن مفهوم الدولة اليوم في أذهان الكل هو القطر, الدولة السورية هو القطر العربي السوري, وعند الإسلاميين ربما هي ولاية من الأمة الإسلامية أو غيرها. فمفهوم الدولة هو الذي يجبرنا أحياناً يشكل مقصود أن نتقصد التداخل.
بالنسبة إلينا كآشوريين بلغتنا أو باللغة العربية نستخدم تعبير الشعب والقومية والأمة بنفس الدلالات تماماً, لأنه يتم نفي وجودنا في ظل غياب الدولة الوطنية أو الحكم الوطني الرشيدي الصحيح.
إذاً نحن أبناء القوميات نتقصد استخدام تلك المصطلحات والمفاهيم, لأنه يتم تداول مقولة الشعب العربي في سوريا, وليس الشعب السوري, ويخاطبونك كشعوب أخرى الشعب الكوردي, الشعب الآشوري بأسلوب النفي وعدم الاعتراف.
إذاً المسألة ليس في تصور معرفي بقناعتي, نضطر أحياناً لاستخدام تلك المفاهيم لإثبات خصوصيتنا, وبالنسبة للنخب السياسية, باعتقادي بمقدورهم تحديد المصطلح في إطاره السياسي والقانوني والمعرفي.
-مشعل التمو: كل الشكر للأستاذ زردشت. طبعاً كتعريف للمصطلح له جانبين, تعريف أكاديمي في إطاره التاريخي, وتعريف معرفي في الإطار الثقافي.
مسألة الدولة المعاصرة وتعريفها بثلاث مرتكزات: الشعب والإقليم والسلطة السياسية, أعتقد بأنه تعريف مؤدلج جاء في مرحلة مؤدلجة نوعاً ما ليتطابق مع تعريف الدكتاتورية, أيام الأنظمة الشيوعية كان هناك دكتاتورية البروليتاريا الزاهية والمضيئة.. الخ, لأنها كانت تعبر عن نظام الحكم.
أعتقد أن الشعب لا يمكن أن ينفي التقسيمات التي حدثت في فترة زمنية محددة, هذه الحدود ليست مقدسة إنما الحدود مصطنعة بالأساس, فلا يمكن الاعتماد على حدود مصطنعة بجعلها مرتكز لإقليم ناجز أو لدولة ناجزة أصلاً, لأن هذه الحدود بالأساس ليست من صنيعة هذه الشعوب ولم تختارها الشعوب بمحض إرادتها إنما فرضت عليها هذه أولاً.
الشيء الثاني بما معناها أي شعب يمكن أن يتواجد داخل هذه الحدود ويمكن أن يتواجد خارج هذه الحدود وقد يكون نفس الشعب موجود أكثر من دولة, وقد يكون في الدولة ذاتها موجود أكثر من شعب وفق تلك التقسيمات نفسها. بمعنى التعريف النظري شيء حقيقةً كمثالي, أي دولة إذا تضمنت شعب محدد هذا الشعب إذا وصل إلى مراحل متطورة جداً كمرحلة الاندماج الوطني ووصل إلى صهر كامل في بوتقة واحدة, يمكن أن نطلق عليه شعب, ما هدا هذه التسمية وفق تعريف الأستاذ زردشت, فهناك شعوب متعددة عربية, كوردية مختلفة, وهناك شعوب أرمنية مختلفة وكوردية مختلفة وآرامية مختلفة, وهذه مسألة غير واقعية حقيقةً.
أي مرحلة زمنية تتضمن فعلاً رؤية واقعية لما هو موجود في الواقع وليس كتعريف نظري سابق لأوانه, بمعنى تمثل التعريف السابق يخضع لرؤى سياسية, يخضع لمصالح سياسية, ولا يخضع للواقع.
التعريف الذي أورده الأستاذ زردشت بتصوري يخضع إلى مرحلة سابقة إلى مرحلة قديمة جداً لا تتطابق مع الواقع, لا تطابق مطلقاً مع الواقع. كان هناك الشعب اليوغسلافي, أين أصبح هذا الشعب, أصبح سبع دول, بمعنى هناك إعادة للمسألة القومية نفسها, وحتى تلك القوميات في حدود دول وتحولت إلى دول سواءً كانت هذه الحقوق تتضمن الحكم الذاتي أو الإقليم أو حتى الدول المنفصلة بالكامل.
وفق هذا التعريف لا يجوز أن ينقسم يوغسلافيا أو لا يجوز أن ينقسم الاتحاد السوفييتي أصلاً, لأنه كان يتضمن شعب واحد هو الشعب السوفييتي, بينما في الواقع كان يتضمن أكثر من ثلاثين أو أربعين شعب. ما أريد قوله: أن مقولة أي دولة لا تتضمن سوى شعب واحد مقولة غير صحيحة تماماً في الواقع, قد تكون تحمل الطابع الأكاديمي ممكن, لكنها في الواقع المعاش في كل العالم غير صحيحة ولا تطابق مع الواقع.
المسألة الأخرى, عندما أقول: الوطنية كمفهوم سياسي وقانوني ونعود لنربط معها مفهوم الهوية ونسميها الهوية الوطنية, فما هو تعريف الهوية أيضاً, ما هي مرتكزات هذه الهوية؟؟, هل تصبح الهوية أيضاً سياسية؟؟؟, لارتباطها بالوطن, ألا توجد بالمقابل هوية قومية ترتبط بمفهومها الثقافي؟. إذاً هناك بتصوري اختزال أو فصل غير منطقي لهذه المسألة, حقيقةً غير منطقية. الهوية تعبير عن الانتماء, تعبير عن تكوينات ثقافية, تعبيرات ثقافية, إنما أن تكون هناك هوية وطنية ولا يكون هناك هوية قومية, برأيي أن هذا أيضاً فصل غير موفق في جملة هذه المفاهيم أو في جملة الأخطاء الشائعة المندرجة أصلاً. فإذا كانت الوطنية تعبير سياسي وقانوني, فما هو بنظر الأستاذ زردشت الهوية؟, كيف يمكن تصنيف الهوية وفق هذا التعبير السياسي؟. إذاً نخرج الهوية من طابعها الثقافي, نخرجها من طابعها الانتمائي ونربطها بالطابع السياسي, بهذا التعريف قد تكون الهوية بعثية أو شيوعية أو .. الخ. بمعنى لم تعد ترتبط بالتكوينات, لم تعد ترتبط بالانتماءات القومية أو بانتماءات مجموعة من البشر يعيشون في منطقة محددة, قد تكون الهوية وطنية في مرحلة واحدة فقط, إذا كانت الدول أو مجموعة الشعب أو مجموعة الناس أو مجموعة البشر الساكنين في نفس المقاطعة ينتمون إلى أصول واحدة, هذا لا يوجد في كل الدول في أغلبية الدول غير موجودة, إلا في حالة واحدة تماماً عندما يتحقق الاندماج الوطني وهذه مسألة غير موجودة في كل الشرق الأوسط والأدنى والأقصى.
أما مسألة الحدود نفسها, حتى الحدود هي حدود سياسية, الحدود الجغرافية هي حدود سياسية ولا ترتبط فعلياً بمقومات الإقليم الناجز, أغلب الدراسات الحديثة, التي تتوقف على إيجاد مفهوم جديد للإقليم الناجز أو مفهوم جديد حتى لمسألة الشعب أو مسألة القومية يرتبط بهذا العصر فعلياً, يرتبط بمستوى تطور الدولة, فيما إذا كانت الدولة قومية أو ديمقراطية, هذه التعاريف حقيقةً تجاوزها الكثيرين, تجاوزها الكثير من الباحثين, فالدكتور خلدون حسن النقيب تجاوز هذه التعاريف بالمطلق, وأوجد تعاريف جديدة عصرية لمفهوم الإقليم الناجز, تختلف عما أورده الأستاذ زردشت, الشيء الآخر حتى الأستاذ جاد الكريم الجباعي له دراسات في هذا المجال, تجاوز كل هذه النمطية في التعاريف.
وأنا أتفق مع الأستاذ كبرئيل كورية حول مسألة الدولة, فالدولة لم تتكون أصلاً, حتى نقول بأن هناك دولة في سوريا, لا يوجد دولة, توجد سلطة تماماً, هذه السلطة تنفي الآخر, وهذا شيء طبيعي جداً, أتفق مع الأستاذ زردشت بأنه لا يمكن أن ترتبط الصفة القومية باسم الدولة, فالدولة هي دولة حيادية بالمطلق, دولة الكل الاجتماعي لا يمكن أن نربطها بأي قومية من القوميات.. وعفواً على الإطالة.
-عباس خلو: كنت أرغب في توضيح مفهوم الشعب ومفهوم القومية, لكن بعد مداخلة الأستاذ مشعل وشرح الأستاذ زردشت, أزالوا التداخل الذي لم يكن واضحاً لدينا وشكراً لكم.
- فؤاد عليكو: مفهوم الدولة الوطنية المعاصرة, بتصوري هذا المفهوم سابق لأوانه, الدولة الوطنية مرتبطة بالمجتمع المدني وبالمجتمع الحر, والمجتمع المدني مرتبط بمجتمع المديني, أي ينتفي فيه القبلية والعشائرية والحالات ما قبل الحالة الوطنية, أنت تطرح الدولة الوطنية المعاصرة وحقوق المواطنة والتي يمكن أن لا نصلها بعد مائة سنة, وهذا بتصوري شبيه بما تم طرحه في الدولة الشيوعية والمجتمع الشيوعي, ومفهوم الجامعة الإسلامية التي استعمرنا من خلالها العثمانيين أربعمائة سنة, والشيوعيين مارسوا نفس الشيء بشعوب العالم, ولم يستطيعوا الوصول إلى الشيوعية, ولا إلى الجامعة الإسلامية الواحدة.
أخشى أن يكون طرحكم للوطنية هو نوع من التماهي من قبل الأحزاب السياسية غير العربية مع مفاهيم الأحزاب العربية, للوصول إلى توافق بمعنى نوع من التراجع السياسي الواضح, لكي نفصل سياساتنا ومصطلحاتنا بما يطرحونهم هم.
الواقع الحالي, حتى تنشأ الدولة يجب أن تنطلق من الواقع, الكوردي موجود, السرياني موجود, العربي موجود والعلوي موجود والسني موجود. التجربة العملية للدول ما بعد التحرر من الجامعة الإسلامية, كانت التجربة اللبنانية والتي انطلقت من الواقع وأسست دولة الطوائف. في الوطن العربي أفضل تجربة أنعمت بالحرية هي التجربة اللبنانية لانطلاقها من الواقع, وأعطى كلٍ ذي حقٍ حقه وبالملموس.
ما تطرحه هو التعويم, هو إلغاء الهويات بأسلوب ذكي وبرشاقة سياسية, أن تهرب من الواقع المعاش, فإذا كنت تبغي تأسيس الدولة الوطنية عليك الانطلاق من الواقع, عليك أن تحسب حساب العشيرة, عليك أن تحسب حساب البقع الجغرافية الموجود فيها, ومنها تؤسس تدريجياً للدولة الوطنية, أي للمجتمع المدني المرتبط بالمجتمع المديني والمجتمع الحر.
الدولة السورية, كما تحدث الأستاذ مشعل, لا العرب ولا الكورد ولا السريان اشتركوا في رسم هذه الجغرافيا, وهذا معروف فالبريطانيين والفرنسيين وبمعونة عدد من الجنود قاموا بحمل المقاييس ولوازمها ورسموا الحدود في خط بروكسل 1923, كان بإمكانهم رسم الحدود من دياربكر, كما كان بإمكانهم رسم الحدود من ديرالزور.
إذاً نحن الآن موجودين في دولة رسموها غيرنا لنا, يفترض الآن أن نبدأ بحوار مسؤول وجاد من قبل جميع مكونات المجتمع السوري لنؤسس لنفسنا الدولة السورية التي تفضلت بمثاليتك التي ألقيتها علينا, والتي يتمتع الكل فيها بحقه.
طالما لم نصل لتلك المرحلة فمن حقنا أن نستخدم مصطلح الشعب السرياني والشعب الكوردي والشعب العربي, وهذا حق طبيعي لنا, إلى أن نصل إلى مرحلة الدولة الوطنية المرتبطة بالمجتمع المدني.
-صبري رسول: أشكرك الأستاذ زردشت على هذه المحاضرة.
استخدمت كلمة الدولة المعاصرة, لا بد وإنك تقصد بالمعاصرة, الآن, الدولة الحديثة, يقصد بها الدولة الجديدة التي تختلف في قوانينها عن الدولة القديمة, سواءً أكانت إمبراطورية, أو خلافة أو غير ذلك.
إذاً ما تريده هو دولة القانون, الدولة المعاصرة أي الدولة المبنية على القانون, والتي تتضمن حقوق الأفراد والشعوب وكافة الانتماءات والطوائف.
أما مسألة الأقلية والأكثرية, يقصد بها التعدد الرقمي كما في الرياضيات. الآن عندما نقول الأغلبية العربية, الشعب العربي 17 مليون أو 11 مليون, والشعب الكوردي 10 مليون أو كذا, هنا المصطلح بمفهوم الأقلية والأكثرية تأخذ المفاهيم الرياضية, لكن الشعب إذا كان تعداده مائة ألف والآخر 50 مليون, لهذا حق مثلما لذاك, والقانون يفصل على مقاس الشعبين, على تأمين مصالح الشعبين.
كما مر معك مصطلح تطلعات قومية شرعية, هل تقصد به حقوق قومية؟, فكلمة تطلعات هي ما يأمله الإنسان, بينما كلمة الحقوق, لفظة الحقوق تختلف عن لفظة التطلعات.
كذلك وردت معك جملة (تماهت الدولة مع السلطة), في سوريا تماهت الدولة مع السلطة لأن السلطة سيطرت على الدولة, وخضعت الدولة بكل قوتها وقوانينها وأشيائها لمصالحها. وكذلك في سويسرا تماهت الدولة مع السلطة, وهنا تبدو الإشكالية.
مسألة المركزية واللا مركزية, سأل أحد الحضور: هل تريدون المركزية أم اللا مركزية؟, أعتقد أن مفهوم اللا مركزية مفهوم عائم, ففي جنوب السودان, هناك تجربة غير موجودة في أي دولة من العالم, لا هي تجربة حكم ذاتي, ولا هي تجربة دولتين في دولة واحدة. أوجدوا مجموعة من الشراكات في توزيع السلطة والمال, وهذه تجربة جديدة, على الرغم من أن التجربة تخضع لمسألة اللا مركزية, كما أن الحكم الذاتي من الممكن أن يندرج تحت سقف اللا مركزية.
هناك شيء عام, إن أي مصطلح لغوي, سياسي, قانوني أو مصطلح تاريخي قد يفتقد بعض معانيها ومدلولاتها مع مرور الزمن, وقد يكتسب هذا المصطلح مفاهيم أخرى, مثلاً: (يدلو بدلوه), فالدلو من الماء, لكن الآن نستخدم للرأي, أي يدلي برأيه, أي مصطلح كنت أتوقع أن تقول: مصطلح الدولة قانونياً كذا, وسياسياً كذا ولغوياً كذا. أي مصطلح يعرف أكاديمياً يعرف لغةً واصطلاحاً.
الدولة هناك دولة قانونياً, ما تعريف الدولة من حيث القانون؟ ومن حيث السياسة ما تعريف الدولة؟, وكذلك الشعب. اتفق مع بعض الذين قالوا: إن الشعب السوري, نعم الشعب السوري, أنا الآن لا أعرف أن الشعب السويسري يتألف من الألمان والفرنسيين وغيرهم, أعرف فقط هناك شعب سويسري. إذا وصلنا نحن في سوريا إلى ذاك المستوى, نقول نعم: أنا سوري, عند ذاك ليس لدي نقص قومي أو خصوصية قومية, حتى أقول أنا كوردي, سأقول: أنا سوري.
إذاً الآن نستخدم كلمة الشعب الكوردي والشعب السرياني والشعب العربي, إلى أن نصل إلى ذاك المستوى, عندها تكون مسألة الشعب السوري صحيحة, فقط أنت تطرقت قانونياً إلى المسألة, فالواقع يختلف عن ذاك القانون. ففي الدستور السوري (المواطنون سواء أما القانون), (للرجل حقوق تختلف عن حقوق المرأة), إذاً التفصيلات تتناقض مع المفهوم.
كذلك عندما استخدمت المفهوم العام لتعريف الدولة الحديثة والمعاصرة, الشعب الكوردي والشعب السوري, تختلف تماماً عن الواقع وتناقضه.
لدينا الجانب السياسي في المصطلحات التي يستخدمها الإعلام الكوردي والإعلام السوري, أو العربي أو السرياني, فالجانب السياسي يغلب على الجانب القومي, فعندما أستخدم مصطلح سياسي في مقالة معينة أو أقرأ, فالمدلول السياسي يتبادر إلى ذهني قبل المدلول القانوني, والمدلول المعرفي يتبادر إلى ذهني قبل المدلول القانوني.
- فيصل يوسف: في البداية أشكر جرأة الأستاذ زردشت وتحمله ما سيتم تحميله من تفسيرات واجتهادات يحمله كل منا حيال ما طرحه من التباسات, إنه يخوض ساحة الالتباس, ويشركنا معه في إزالة ما هو ملتبس, وأعتقد بأن الأستاذ زردشت متفق معنا جميعاً بأنه في طرحه لمحاضرته لا يمكنه لوحده إزالة هذه الالتباسات, فالملتبس ليس من أصل المصطلح فقط, المصطلح دائماً وأبداً قابل للتطوير وقابل للتغيير, قابل للالتباس بقدر تطور الحالات الثقافية, بقدر تطور المفهوميات والوعي الاجتماعي العالمي.
أنا أعتقد لا يمكننا أن نسمي أو نعتبر الدولة أو نختصرها بتعريف محدد في عصر زمني وفي مكان محدد. إذا أخذنا مفهوم الدولة كحالة تعبر عن حالة قومية وواجبية لمجموعات بشرية معينة, فهذه الدولة ستكون دائماً قابلة للتعريف على قدر تمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم وتوسيع هذه الممارسات الحقوقية, وبقدر اداء المواطنين لواجباتهم.
إذاً, أقول مفهوم الدولة مفهوم ملتبس ويتم توضيحه في سياقات زمنية وتاريخية.
ما يعنينا الآن من هذه الالتباسات من حيث كوننا نعاني من حالة اللا دولة, التي كلنا نتطلع أن يكون لنا في إطارها حقوق بقدر أن نكون نمارس واجباتنا.
أقول: الدولة السورية بمفهومها وبدءاً من عام 1928 أو عام 1920, إلى إن تم إنجاز الاستقلال بمفهومها السوري ودستورها الذي كان معبراً عن الحقوق الفردية لكل السوريين, لكن لاحقاً توسمت هذه الدولة, بما يمكننا أن نسمع بأكثريتها القومية العربية وطابعها الإسلامي, ففقدت مبررات وجودها كدولة سورية. حتى الآن سأقول, حتى من الخطأ أن نقول هناك دولة وطنية, إذا قلنا هناك دولة وطنية, في الوجه المقابل يجب أن يكون هناك دولة لا وطنية أيضاً.
يمكننا أن نقول: هناك وطنية فرنسية, والدولة الفرنسية هي التي أنتجت الوطنية الفرنسية بمفهومها الثقافي المعبر عن كافة الحالة المجتمعية, حتى يمكننا أن نقول: هذه الوطنية الفرنسية تجاوزت العرقية وكذلك دول أخرى.
نحن الآن بصدد حالة موجودة في سوريا, دولة بمفهوم صديقنا الدكتور ياسين حاج صالح, دولة متطرفة عندما تسمي نفسها دولة عربية, دولة متطرفة عندما تسمي نفسها دولة بعثية, دولة متطرفة عندما تسمي نفسها دولة إسلامية. نحن أمام حالة من الدولة الأحادية, إذا كنا معتبرين من الناحية القانونية عبارة دولة بمفهومها.
الدولة السورية مثلما تفضل الأستاذ كبرئيل, في ذهن مجموع أبنائها دولة محاربة, دولة تحارب من قبل مكوناتها, العرب لا يقرون بحدود الدولة السورية, الأكراد لا يقرون بحدود الدولة السورية, حتى الآشوريون الموجودون لا يقرون وهناك لديهم مدلولات تاريخية.
نحن الآن بصدد حالة جمعينا ننشد لحالة دولة سورية بكل مكوناتها التي لم تتحقق بعد, الأكراد مسلوبون من حقوقهم, حتى العرب في إطار حقوقهم الديمقراطية, حقوقهم مسلوبة.
ما طرحه الأستاذ زردشت في مفهوم الدولة في إطار أكاديمي, قد يصح في جانب قانوني أكاديمي معين, لكن إذا أسقطناها على الحالة السورية نقول: حتى نؤسس للدولة السورية وللشعب السوري, يجب تمكين من هم في داخل الدولة السورية, تمكينهم من ممارسة حقوقهم, عرباً, أكراداً وآشوريين, والمحافظة على حقوقهم القومية, ومن ثم التمتع بحقوقهم الفردية في إطار الحقوق الجمعية.
النظرية الفرنسية في إطار المواطنة, تعطي الفرد كامل حقوقه الثقافية, السياسية والاجتماعية بممارستها, لكن في إطار المجموعات ليست هناك حقوق جمعية للمواطنين الفرنسيين كقوميات, هنالك مثلما تفضل الأخ صبري, هنالك سويسرا.. هناك دول أخرى, المواطنون يتمتعون بحقوقهم الجمعية, الثقافية كقوميات وكأفراد, وأعتقد أن خير ما يجب تطبيقه في إطار الدولة السورية هي الحقوق الجمعية للعرب وللأكراد وللآشوريين وسواهم, ومن ثم يمكننا الخوض في مسألة الشعب السوري كمكون أساسي عموماً..
المحاضرة .. مدخل مهم للمزيد من المناقشات وتسليط الأضواء, وتصحيح المسارات في إطار التخاطب الثقافي والسياسي .. وشكراً.
- سلمان بارودو: أود التطرق قليلاً عن مفهوم الوطنية, الوطنية ليست شيئاً مجرداً و مطلقاً, وليست حالة مؤقتة تمر فيها الشعوب إنما هي حالة ثقافية سياسية واجتماعية تاريخية, و هي مفهوم قابل للتطور والتفاعل المستمر بين جميع الثقافات القومية والدينية في أي مجتمع تم بناؤه بشكل الصحيح للمواطنة ضمن قوانين واضحة للجميع.
إخواني الوطنية ليست مجرد جنسية تمنح لرعايا الدولة, وهي بالتأكيد ليست بطاقة شخصية كتب عليها بضع كلمات .. إنها رابطة حضارية وثقافية, تجمع مختلف الشرائح الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع كثرية وأقلية توحد بينهم في الانتماء, بعيداً عن الفكر المنغلق الديني أو العرقي. مثلاً لو يسأل أحدنا: من أنت؟, غالباً ما يأتي الجواب: أنا عربي, أو أنا كوردي, أو أنا آشوري, أنا أرمني, أنا مسلم, أنا مسيحي، قليلون هم الذين يقولون أنا سوري. هكذا تأتي الأجوبة معبرة عن المشاعر الفطرية والانتماءات القومية الاثنية أو الدينية أي ما قبل الكيان السوري الحالي وهي بمعظمها انتماءات تطرح إشكالية, تضيع فيها الهوية الوطنية بين الهويات الضيقة والمغلقة التي حدودها أقل بكثير من حدود الوطن. إن هذا يعني بالتأكيد، إن مسألة المواطنة كتعبير فاعل في المجتمع لم تتحول إلى مشروع ثقافي وسياسي, وإننا ما زلنا نعيش حالة خارجة عن الانتماء الحقيقي لحدودنا الوطنية الحالية.
- إبراهيم برو: بالنسبة إلى عنوان المحاضرة (إشكالية المصطلح), أنا بتصوري إن هذه الإشكالية طرحت نقاط عديدة, فأنت دافعت عن حق المواطنة, وقلت أن مصطلح الشعب يجب أن يستبدل بمصطلح القومية وهو الأصح برأيك. في هذه المرحلة وفي هذه الدولة, عندما يتم قبول اسم الدولة والجيش والشعب باسم قومية معينة, لا يحق لنا نحن أن نغض النظر عن هذه الإشكالية, ونؤجل كل قضايانا, وتدعي أن استخدام هذا المصطلح أو ذاك ليس في محله, ففي هذه الدولة كل شيء مختزل في إطار قومية محددة وهي القومية العربية. في هذه الحالة كان من المفروض أن ينتج عنها رد فعل طبيعي لكون الدستور في هذا البلد يختصر كل شيء باسم القومية العربية, لهذا فنحن نطالب بشيء موازي للدارج في الدستور.
الجانب الثاني, حق المواطنة الذي أشار إليه الأستاذ فيصل حسب الدستور السوري, فالدستور السوري يعطيك الحق كإنسان عربي فقط, يعطيك حق المواطنة في إطار المواطن العربي, فالدستور السوري لا يشرع حق المواطنة لكل القوميات, وفي هذه الحالة يبقى حق المواطنة فاقداً لقيمته وذلك حسب المفهوم السلطوي.
- محمد إسماعيل: الحقيقة أن المحاضرة مختصرة جداً مختصرة في مصطلحات محددو وهي مصطلحات هامة, مصطلح الشعب, الوطنية, الدولة الحديثة, فاستخدام تلك المصطلحات تنطلق من الواقع, الخطأ في واقع الدولة, فالدولة استبدادية وأمنية, وهي التي تفرض علينا اتخاذ مصطلحات للرد على هذا الواقع. فالواقع السلبي يخلق مصطلحات يمكن أن تبتعد هذه المصطلحات عن سياقها الثقافي المحدد, أو أن تخرج عن إطارها أو قالبها الثقافي هذه نقطة, أما النقطة الأخرى, مسألة الدولة الحديثة أو المعاصرة أو مسألة الديمقراطية والتي غابت عن المحاضرة, نحن هما نتحدث عن الديمقراطية وهي فاكهة جميلة جداً ولذيذة جداً, والدولة الحديثة هي نوع من أنواع الفاكهة اللذيذة جداً, ولكن دون أن نبحث عن هذه الفاكهة, من أي شجرة أثمرت؟, وكيف تم رعاية تلك الشجرة حتى أنتجت هذه الفاكهة, ومن الممكن أن نسوق مثالنا على مسألة الدولة المعاصرة أو الحديثة وكأنها جنة الخلد ونحلم بها.
يجب أن تكون توجيهاتنا الثقافية ومحاضراتنا مدخل لفتح الأذهان حول كيفية بناء الدولة الحديثة لتعطي الثمرة المرجوة. هناك من يقول بأن الديمقراطية هو علاج لكثير من الإشكاليات والقضايا, وتصحيح الكثير من المسارات الخاطئة, ولكن الديمقراطية هي تلك الثمرة التي لم نبحث في عوامل تشكيلها.
أما أن أعيد النظر في حالتي ومصطلحاتي, عندها من الممكن أن نرتكب الأخطاء, فمصطلح الشعب الكوردي لا يمكن أن أوسمه بالخطأ لعدم وجود مصطلح بديل بالنسبة للواقع الحالي, فالواقع دفع بي وبغيري لاستخدام مصطلحات في غير سياقها الثقافي المحدد.
كما أن الواقعية هي الحقيقة, فعندما تكون واقعياً فأنت على حق, فعندما يتبدل الواقع الحالي لا يمكن أن ترى هذه المصطلحات, ومن المؤكد أنها ستختلف عن المستخدم الحالي, فالواقع الحالي كل شيء مؤدلج, فكل الناس مؤدلجين بأيديولوجية السلطة, ونحن تربينا في مدارس هذه السلطة بدءاً من الطلائع إلى الشبيبة.. والخ, حيث كان لها الدور الفاعل في غرس ثقافة الحزب الحاكم, فالاستبداد على أكثر من 35 عاماً, خلق مصطلحات معينة, فكلنا, عندما نكتب فالذي يقرؤنا يشعر بأننا كنا بعثيين في يوم من الأيام, فهناك مصطلحات يتم استخدامها كأمر مفروض علينا.
-كرم: في الحقيقة أحب أن أشكر اللجنة الثقافية الكوردية على هذه البادرة الايجابية, كما أخص بالشكر الأستاذ زردشت على الإبحار في إشكالية المصطلح.
ما يخصنا من الكلام في إشكالية المصطلح هو في موقفنا السياسي الرافض لهذا الواقع الذي عبر عنها الأخوة’ لدرجة تطابقت السلطة مع الدولة ووصلت إلى مرحلة الانصهار.
إذاً هذه هي الإشكالية التي يجب أن نطرحها, ومن الممكن أن تكون محور حديث الجلسات القادمة, ما هو سياسي وما هو ثقافي ومعرفي, فالأستاذ زردشت ميز بين ما هو سياسي وما هو قانوني بين عدة مصطلحات, وما هو ثقافي ومعرفي, لكنه لم يشر إلى العلاقة الجدلية التأثير والتأثر, الإنتاج المتبادل بين ما هو سياسي, قانوني, وبين ما هو ثقافي ومعرفي, ربطت أنت في بداية التعريف للدولة المعاصرة ربطتها بنظام سياسي ديمقراطي, وحالياً كلمة مصطلح في الأساس, هذا المصطلح الذي أدرجته في المحاضرة كان ما يجب أن يكون المصطلح وليس كما هو موجود أو معبر عن واقع معين, وبالتالي الشرعية الدولية الذي عبرت عنه في الدستور الدولي, لم يأتي هذا الدستور مما هو قانوني بل أتى مما هو سياسي ولد من تجارب وتراكمات دول العالم الأول تحديداً حتى نكون واقعيين, دول العالم الأول لا الثاني ولا الثالث.
أما بالنسبة لمصطلحات: الشعب, الأمة, National .. الخ, هي مصطلحات غربية, منتج غربي, فتجاربنا نحن كشعوب. وأذكر لك حديث الأستاذ فيصل في سياق تاريخي زمني معين, من الممكن أن يكون هذا المصطلح في الإطار المطلوب أو التطلع أو الطموح, ولكن ليس هو ثابت, النظام الديمقراطي هو أفضل الموجود.
- عبد الصمد خلف: لا أرى أي إشكالية في مصطلحات: الشعب, الأمة والقومية, لكن الإشكالية الأساسية هي في السلطة السياسية, إني أرى الإشكالية في موقف السلطة السياسية.
هذه الحالة من التعويم أوصلت الحزب القومي الاجتماعي السوري, إلى أن يؤسسوا للقومية السورية, فهذه الدولة لم تفصل على مقاس شعبها, عندما نعوم هذا المفهوم ستعود إلى مفهوم الحزب القومي الاجتماعي السوري, بأن نبحث عن القومية السورية كما نبحث عن الشعب كتعبير سياسي.
علينا تشخيص إشكالية السلطة السياسية كتعبير سياسي, وبالتالي إشكالية الرد على هذا التعبير السياسي , لأن هذه الإشكالية هي الأساس, هذه الدولة التي تعتبر هذا المكون الطبيعي, هذه الخارطة طبيعية, على مقاسها العروبي أو القومي في سبيل نفي الآخر.
عندما ندخل في التعويمات التي تأتي في مرحلة تالية, هي محاولة لصالح السلطة, ولذلك الأولى بنا أن نصحح إشكالية الخطاب, إشكالية هذه السلطة وتبرز الخصوصية القومية, والتي هي أساساً مستهدفة من قبل النظام, كما أتمنى أن تكون عنوان المحاضرة المقبلة إشكالية مواجهة هذه السلطة.
-عماد: المشكلة هي في مفهوم المصطلح نفسه, ما دام هناك عالم ثاني وثالث, فالمشكلة هي قبول المصطلح, وعدم قبول المصطلح, هذه هي المشكلة, لأن المصطلح يأتي على واقع الشيء, إذا كان هناك دولة كوردية أو دولة أرمنية خاصة بالأرمن, عندها سيقبل الأرمن بمصطلح الشعب في أرمنستان, أما إذا كان الشعب الأرمني ضمن دولة أخرى كالدولة السورية مثلاً, فإنه لن يقبل بمصطلح الشعب, كونه قد اتبع قسرياً لتلك الدولة.
والمصطلح كقانون ضمن دولة لا يمكن أن يتواجد شعبين بل شعب واحد وهذا في العالم الأول وليس في عالمنا... وشكراً.
تعقيب المحاضر: أعقب الأستاذ زردشت على المداخلات كلٌ على حدة, وذلك بتوضيح بعض الأمور التي لم ينتبه إليها الحاضرون, وأعتذر منهم لعدم توزيع المحاضرة قبل موعدها بيوم أو يومين, ليتسنى للحضور إشباع الموضوع.[1]