#بدري نوئيل يوسف#
في البداية كانت الإمارة البابانية فى قةلاجوالان التابعة لقضاء شهربازار، والتي كان مقرها قبل ذلك في الجهة الخلفية لجبال(گويزة) المطل على المدينة، وتأسست مدينة السليمانية الحديثة يوم 14 تشرين الثاني 1784 م على يد الأمير الكردي إبراهيم باشا بابان، الذي سمى المدينة بالسليمانية نسبة إلى اسم والده سليمان باشا، أحد أمراء سلالة بابان ،
ثم تحولت هذه الإمارة إلى مركز مدينة السليمانية فى سنة 1791 ميلادية، تقع مدينة السليمانية في شمال الشرقي من العراق وهى إحدى المدن الكردستانية الكبرى، تحيطها من الشرق الحدود الإيرانية ومن الغرب محافظة كركوك ومن الشمال الغربى مدينة اربيل ومن الجنوب محافظة ديالى.اما مناخ المدينة فهو حار وجاف صيفاً بارد جدا شتاء.
كتب مستر ريج في كتابه (رحلة ريج في العراق 1820) انه شاهد وجود خمسة حمامات مشابهة لنظيرتها في اسطنبول والقاهرة والشام، ويصف ريج الحمامات في مذكراته بتاريخ 12 مايس 1820 انه تعجب من نظافتها وهندسة احواضها وإدارتها وما تحويه من مناشف وكل ما يتعلق في الاستحمام. ولا يذكر ريج اسماء الحمامات، أما بقية الحمامات فقد شيدت بعد زيارة ريج الى السليمانية.
وكلمة (حمّام) أصلها (حمّى) باللغة العربية وتعني الحرارة المفرطة والحمّامات الشعبية كانت جزءاً من حياة أهل كردستان الحافلة بالمعتقدات والعادات الشعبية والحكايات، لا يوجد كردي في بداية القرن الماضي إلا له حمّامه العام الذي يرتاده قبل أن تصبح شيئا من الماضي، لأن البيوت أيام زمان نادراً ما تجد فيها حمّاماً خاصاً.
الحمّام الشعبي كان ملتقى اجتماعياً يجمع أبناء المحلات المتقاربة، ويتميز بفوائد عديدة لا تقتصر على الاغتسال والنظافة فحسب، إنما كان منتجعاً للترفيه والطبابة والتعارف والاسترخاء وحتى الغناء إثباتاً للموهبة والهواية، وكانت له طقوس وعادات وأجواء زاخرة بالطرافة والفكاهة.
تتكون اغلب الحمّامات من ثلاثة أقسام، الأول (المنزع) أو حوش الحمّام وهو أول ما يدخل إليه الزبون، حيث يجلس على (لوج) مرتفع في مدخله، وحوله اشبه بالرفوف فيها المناشف والصابون ومستلزمات الحمام الأخرى، ويضع كل واحد منهم (بقچة) فيها أغراضه وملابسه، ويشرع في نزع ملابسه، ويتقدم منه عامل الحمام ليعطيه (الوزرة) أو ما يسمى (البشطمال) يلف جسده بها، كما يعطيه قبقاباَ خشبياَ يضع قدميه فيه.
بعدها يذهب الزبون إلى (قسم التعرق) وهو قاعة ثانية بدرجة حرارة مناسبة، تفصله عن الأولى ستارة من قماش سميك وفي وسطها (دكة) يتمدد عليها الزبون لكي يتعرق، وإذا أراد المستحم (مدلكچياً) فطلبه موجود حتماً.
ثم يدخل المستحم إلى قاعة الاغتسال التي هي قلب الحمام الساخن، حيث تتصاعد الحرارة العالية مع بخارها، وهي قاعة مستطيلة أو دائرية حولها أحواض الغسل وفي كل حوض حنفيتان، واحدة للماء الحار والأخرى للماء البارد مع (طاستين) نحاسيتين.
وغالبا ما يشترك أكثر من شخص في حوض واحد، وهنا يقوم (المدلكچي) بغسل جسم الزبون بالليفة والصابون مرتين أو ثلاث مرات، وحين ينتهي الزبون من الاغتسال يطرق ب (الطاسة) النحاسيه على حافة الحوض لكي ينبه عامل الحمّام بأنه جاهز للخروج ويريد مناشف، ثم يخرج إلى مدخل المنطقة الوسطى (التعرق) ليجد العامل بانتظاره حاملا له المناشف النظيفة، ثم يقدم له شاي الدارسين أو نومي بصرة ، وبعد فترة (تنشيف) يرتدي ملابسه النظيفة ويلف ملابسه الوسخة في (البقچة) التي معه ويقوم بدفع أجرة الحمام وإكراميات (المدلكچي) وعامل الحمّام و(الچايچي)، وما يثير الدهشة إن وقود تلك الحمّامات كان (روث الحمير) ! إذ كان يوجد إلى جوار كل حمّام (تلّ) من روث الحمير ، وفي خمسينات القرن الماضي استعمل النفط الاسود أو الكاز، لتسخين الماء الذي يأتي الى الحمام عن قنوات تحت الارض تمسى الكاريز .
أما حمّام النسوان الذي اشتهر في الأمثال الشعبية، كمكان يضج بالأحاديث الصاخبة للمستحمات ولا يفهم منه شيء، هو نفسه حمام الرجال، إلا أن الحمام يترك نهاراً لاستحمام النساء، ويعمل ليلاً في خدمة الرجال المستحمين، تصطحب المرأة معها بالإضافة الى (البقچة) الملابس (الديرم وسبداج الوجه وكيس الحمام والليفة والصابونة ومشط الخشب والحجارة السوداء). ولا تخلو حمام النسوان من استقبال العرائس، فكانت العروس تأتي إلى الحمّام برفقة صاحباتها فيتحول المكان إلى احتفال تتعالى فيه الزغاريد والأغاني حيث تكون (طاسات الصفر)، في مقدمة آلات العزف المصاحبة للغناء! وإن بعض النسوة المستحمات يقضين معظم النهار في الحمّام، لذلك تراهن يستحضرن جميع ما يلزمهن من الطعام مثل الكباب والكبة وخبز العروگ والفواكه، وعلى وجه الخصوص النومي حلو ولا يرجعن إلى بيوتهن إلا عصراً.
يعمل في الحمامات عدد من الأشخاص ففضلا عن الحمامچي هناك الخلفة أي المساعد والوقاد ويسمى الكرخان چي والدلاك (المدلك) والدوشم چي أي الذي يجلب المناشف للزبائن بعد الانتهاء من الاستحمام. ويعمل العمال يوميا من الساعة الخامسة صباحاً حتى الخامسة عصراً.
وعن طبيعة الحياة وتأثيراتها في نمط الحياة الحديثة تكون الحمام مزدحمة من بداية الشهر التاسع إلى الشهر الرابع وتكون الحمامات مكتظة بالزبائن والرواد القدامى له.
لم تكن الحمامات موجودة في البيوت وكان الناس يعتمدون في الاغتسال على الحمامات المنتشرة بين الأزقة وحارات السليمانية، لكن نمط الحياة الحديثة والمنازل الجديدة التي تتميز بوجود حمامات صيفية وأخرى شتوية جعل الإقبال يتقلص كثيراً، ويقل عدد الزبائن يوماً بعد آخر ويختلف الإقبال على زيارة الحمامات، من فصل إلى آخر ففي الصيف ونتيجة الحر الشديد ينخفض عدد الزبائن يرتفع في الشتاء الذي يجذب الزبائن بسبب البرد القارس، إضافة إلى انه في الماضي كان لكل حمام زبائن دائمون فمنهم من يأتي بشكل يومي وآخرون يأتون أسبوعيا وفي بعض الحمامات وهم يأتون على مدار العام في كل الفصول لكن في هذه الايام الآن لا يوجد زبائن دائمين.
السليمانية شأنها شأن المحافظات العراقية الأخرى تزخر بالتراث والأصالة حيث الكثير من الحمامات مشيدة في المدينة منها المشيدة قديمة ومنها شيدت قبل اعوام .
1.حمام عثمان باشا بابان: وصاحبها عثمان باشا بابان كانت تقع قرب الجامع الكبير.
2.حمام فاطمة خان: وهي احدى الحمامات استملتك ارضها من قبل البلدية وأضيفت الى مديرية الشرطة شيدت عام 1835 من قبل سليمان باشا ابن عبد الرحمن باشا، وسميت باسم فاطمة خان ابنته لأنها اول من دخلها واستحمت فيها، ثم خصصت الى رجال الدين والمؤذنون والعاملون في المساجد.
3.حمام الحاج غني: تقع في محلة دركزين وإثناء فتح الشارع الجديد شملها الهدم وأستملك البناء .
4.حمام كازي:كانت تقع في شارع كوران وشيد محلها اسواق .
5.حمام القشلة :سميت باسم القشلة لأنها شيدت بجانبها، وصاحبها حمه أغا عبد الرحمن أغا، وأستملك البناء من قبل البلدية وهدمت وأضافت ارضها لأبنية محلات ودكاكين شارع مولوي.
6.حمام شيخ (مارف) معروف:سميت باسم الشيخ معروف نقيب والشيخ معروف هو والد حبسه خان نقيب، وعائشة خان زوجة الشيخ محمود .
7.حمام سورت: سيرد ذكرها ادناه بالتفصيل .
8.حمام مفتي: تقع في شارع صابون كران بجانب جامع سيد حسن تعود ملكيتها لعائلة المفتي ثم نقلت ملكيتها الى عائلة علكة وسجلت باسم بربارة خان أخت عبد الكريم علكة بعد شرائها.
9.حمام الحاج (ئه ولا) عبد الله :تقع في شارع سرشقام بجانب جامع مولانا خاليد.
10.حمام غفور اغا :تقع بالقرب من الكمرك المحروق وصاحبها غفور أغا ئه ولا.
11. وهناك حمامات اخرى منها:حمام سليمانية ، حمام سيوان، حمام تازه، حمام جوارباغ ، حمام كاوه، حمام شيرين، حمام سرجنار، حمام الشعب، وحمام بوسكان يعود معظمها إلى ما قبل عام 1975 لكن في الآونة الأخيرة تم بناء ثلاثة حمامات حديثة هي حمامات (زانكو، وخانقا، وشار) وهذه الحمامات مخصصة للرجال عدا حمام (المفتي) المخصص للنساء كما أن حمامات (جوارباخ، وعبد الله آغالي) تخصص أياما محددة في الأسبوع للنساء.
حمام سورت :
يعود بناء الحمام إلى أكثر من ( 230 عام )، ومن قام ببنائه هم (البابانيون) في نهايات القرن الثامن عشر للأمارة البابانية القديمة اثناء انشاء مدينة السليمانية، تقع الحمام في السوق الشعبي الخاص بالحدادين في شارع (محوي)، وهو احد المباني التراثية الأصيلة لهذه المدينة.بوشر ببناؤه هذا الحمام في سنة ( 1784) واستمر بناءه لأكثر من( 20 سنة) اما التسمية الحقيقية لهذا الحمام فهي (حمام بابان) وليس (حمام سورت)، كما هو متداول الآن وذلك نسبة الى (العائلة البابانية ) وتغيير تسميته مع بدايات القرن العشرين، استبدل العثمانيون اسم الحمام من (حمام بابان) إلى (حمام سورت) وذلك لان جدرانه وسقوفه كانت مطرزة بصور الحيوانات والشخصيات التاريخية البارزة، إضافة إلى الخرافات والعفاريت الخرافية القديمة، لكن السبب الأساسي والحقيقي لتغيير الاسم كان محاولة من العثمانيين على محو أسماء وشخصيات ( العائلة البابانية ) من الذاكرة الشعبية والثقافية لأهالي مدينة السليمانية، وذلك بعد هزيمة البابانيين وخروجهم من السليمانية الى (قله جولان) ويشترك المسجد الكبير وبناء السراي في السليمانية مع حمام (سورت) في سنة البناء نفسها ويشكلان معاً أهم المعالم الرئيسية لهذه المدينة، لكن هذا الحمام لم يكن مخصصا لعامة الناس بل كان لاستخدام العائلات البابانية في السليمانية، ثم انتقلت ملكية الحمام من يد الى يد حتى وصل الى يد (والد الشخصية المسيحية المعروفة عبد الكريم علكة) وزير المالية في حكومة الملك محمود الحفيد، وكانت ملكيته تعود قبل ذلك إلى اليهود الذين عاشوا بشكل خاص في (زقاق اليهود في السليمانية) الذي يقع في إحدى ضواحي السليمانية القديمة قرب (المدرسة الجمهورية) وزقاق جوارباخ وتحتفظ دائرة التسجيل العقاري في السليمانية ب(طابو الحمام ) حتى الآن حيث يشكل وثيقة تاريخية قديمة.
المرحوم / عبدالكريم علكة
في سنة 1968 أستأجر الحمام صاحبه الحالي من عائلة عبد الكريم علكة، هذه العائلة المسيحية التي لن يبقى أي فرد منها في السليمانية ولم يتبق منهم احد في العراق، ومازالت معالمه التراثية والأساسية كالهياكل والسقوف كما هي من دون تغيير، وقام المستأجر بتصليح كافة المطرزات والرسومات على جدران الحمام المشوهة وقد رفضت مديرية الآثار في السليمانية في تخصيص مبالغ لترميم الحمام لذلك لجأ المستأجر إلى ترميم الحمام بنفسه ومن مصروفه الخاص وتم اصلاح السقف المتهالك والجدران عبر استخدام مادة الجبس من اجل أن لا يتوقف الحمام عن العمل فقد كان مصدر رزقه، وتم ترميم الحمام منذ ذلك الوقت عدة مرات مع الإبقاء على نفس الهياكل والسقوف ليحتفظ بأصالته وتراثه، والمستأجر السيد حاجي محمد علي عبد الله المشهور بحاجي علي الحمامجي الذي تسلم ادارة الحمام مع ( شقيقه) وتنقل بين حمام (سر جيمن) و حمام(نالي)، قبل ان يستأجر حمام ( سورت) من وكلاء عائلة عبد الكريم علكة .ان حمام (سورت) يختزن في ذاكرته الطويلة ذكريات الشخصيات السياسية والاجتماعية التي زارته في يوما من الأيام فقد ارتاد هذا الحمام العديد من الشخصيات ومن كل الفئات الاجتماعية والسياسية، منهم عثمان باشا بابان، عبد الكريم علكة، الشيخ محمود الحفيد، شيخ قادر الحفيد، (وملا مصطفى بارزاني حيث كان يرتاده من عام 1960 إلى 1965 وبين عامي 1970 الى 1973)، والشخصية الاجتماعية (فاقه مخمور) و(جمال أغا) والشعراء والأدباء والفنانين، لأن الحمامات لم تكن موجودة في البيوت، فكان الناس مضطرون الى زيارة الحمامات بين فترة وأخرى.
إن الحمامات في السليمانية منها ما هو شعبي عام أي لا يوجد حواجز بين الزبائن، ومنها ما هو خاص فردي، حيث كانت حمام سورت عامة حتى عام 2001 ، لكن تمشياً مع رغبة الزبائن والرواد للحمام قسم وبني (14) حماماً فرديا، لكن دون تغيير في الهيكل العام للحمام، فالهيكل الداخلي للحمام لم يتغير به شيئاً، وإذا ما تسلمت دائرة الآثار هذه الحمام، باستطاعتها هدم كل الإضافات كي يعود الى هيكله الأصلي، كما أن الأرضية التي بقيت كما هي يشعر الجميع بالحنين إلى هذه الحمامات، ودعوة لزيارة هذه الحمامات وأن أكثر الرواد والزبائن يرتادون هذه الحمامات لتعود بهم الذاكرة والحنين لأيام زمان.
المصدر:
مدينة السليمانية ... جمال بابان
حمامات بغداد أيام زمان .. كامل الساعدي
ملاحق جريدة المدى
ذكريات من ايام زمان:
لماذا يكره الصغار الحمام ؟ ذكريات أيام زمان صعب نسيانها، عندما تأخذننا الوالدة رحمها الله الى الحمام ،عندما نسمع صوتها وهي تقول قوم عل الحمام، يدخل في قلبنا خوف كأن عصفور محشور في غرفة مقفلة لا يعرف كيف ينجو ، تبدأ رحلة التعذيب من نزع الملابس وكأنها تنتف ريش دجاج ، وطول وقت الغسل جالس القرفصاء ونصرخ الخاطر الله رجلنا توجعنا ، وبدون مقدمات نستلم كف طياري وتقول اسكت ،أما بالنسبة للماء فهو بدرجة الغليان ونصرخ يا أمي انسلخ جلدي ونستلم الكف الثاني ، تبدأ بفرك فروة الرأس كأنها تفرك المصباح السحري لتحضير المارد ، والرأس يهتز يمين يسار كأنه مرجوحة، ثم تمسك المشط لتنظيف الرأس من القمل والشوائب وتباشر بحرث الرأس واحتمال يغرز المشط في المخ.
وأصعب شيء عندما ينزل الصابون على الوجهة وتفركه كأنها تغير ملامحه، عدا حرقة العيون من صابون الغار وعندما تمسك الانف وتقول انفخ بقوة كأنها تنظف مجاري المياه .
وجاء الان دور الليفة وهي تفركها بالصابون كأنها قصاب تسن السكاكين، وتبدأ بفرك الجسم وندعو الله ان لا يصيبنا شلل وكأنها تبشر الجبن، أما موعد الحمام فهو اسبوعي كل خميس، وبالدور الكبير قبل الصغير، وكلما نسمع صوت الاخ الكبير يبكي اثناء الاستحمام ، نختفي بغرفتنا ونشاركه البكاء من بعد ومن الخوف القادم ، بعد الحمام نظر لجسمنا والبخار يتصاعد كأنه خرجنا من قدر الضغط، ولون البشرة محمر يشبه اللحم المسلوق، اما لبس البلوزة تكون فتحة الرأس اصغر ولكن اجباري لازم يدخل الرأس في البلوزة .
الله يرحم ايام زمان ، بالعافية ونعيما للجميع وحمام الهنا.[1]