انس محمود الشيخ مظهر
كوردستان وقيصر سوريا؟
طالما شكل عدم امتلاك إقليم كوردستان منفذا له على البحر عقبة أثرت على تطلعات شعبه في الحرية والازدهار، وعرضته لضغوطات اقتصادية وعسكرية وسياسية من دول الجوار، وكذلك بالنسبة للإدارة الذاتية في كوردستان سوريا فرغم محاولتها التغلب على هذه العقبة والوصول الى البحر شرقا، إلا أن التوغل التركي في عمق الأراضي الكوردستانية شمال سوريا قطعت الطريق أمام تلك المحاولة وإبقائها تحت نفس الضغوطات التي يتعرض لها إقليم كوردستان من الجوار. إذا كيف سيتمكن الكورد من تحقيق هدفهم في الوصول الى سواحل البحر المتوسط والتخلص من لعنة التاريخ والجغرافيا، وهل أن التطورات الأخيرة وعزم أمريكا فرض عقوبات على سوريا يمكن اعتباره بداية الوصول الى ذلك الهدف؟
لا شك أن أمريكا تشعر بالقلق إزاء وجود منافذ برية عديدة لإيران مع العراق شرقا، يقابلها منافذ حدودية أخرى بين العراق وسوريا، ما يسهل التواصل بين إيران وسوريا ولبنان فيما يسمى ب محور المقاومة ويحد الى حد كبير تأثير العقوبات الأمريكية على إيران. لذلك فان غلق المنافذ الحدودية بين العراق وسورية واختزالها كلها بمنفذ واحد وهو المنفذ الحدودي بين إقليم كوردستان من الجهة العراقية ومناطق الإدارة الذاتية في سوريا سيكون خيارا مناسبا للتوجهات الأمريكية، تضع حركة البضاعة والأفراد في الدولتين تحت الفلتر الكوردستاني وبالتالي الفلتر الأمريكي. وبذلك فان ربط الطريق التجاري بين إيران وسوريا من خلال إقليم كوردستان وكوردستان سوريا (روجافا) سيحقق الأهداف الأمريكية من العقوبات بشكل أكثر كفاءة.
أهمية هذا المنفذ فيما يخص العقوبات على سوريا
إن كان هذا الخيار صعبا في المراحل السابقة، فان مرحلة ما بعد تطبيق العقوبات الأمريكية على سوريا أو ما يعرف بقانون قيصر سيجعل من الأمر أكثر سهولة، حيث أن العقوبات ستكون مؤثرة على الاقتصاد السوري المتهالك نتيجة سنوات الحرب التسع. وتركز المحاولات الدولية الآن على إيجاد طرق تخفف وطأة تلك العقوبات على المواطن السوري من جهة، وتستثني المناطق السورية خارج سيطرة النظام السوري منها من جهة أخرى. بناءً على ذلك فلا بد من إيجاد طريقة لتحقيق المهمتين، وفي الوقت نفسه عدم إعطاء النظام السوري المجال للانفلات من العقوبات. وهنا يبرز أهمية المنفذ (الكوردستاني – الكوردستاني) الذي تحدثنا عنه أعلاه، فهو من جانب سيضمن فعالية العقوبات الاقتصادية على سوريا وفي نفس الوقت سيخفف من عبء هذا الحصار على كاهل المواطن السوري، ويستثني المناطق الغير خاضعة للنظام من تأثيرات هذا الحصار.
لكن في المقابل.. ماذا سيجني إقليم كوردستان ومناطق الإدارة الذاتية الكوردية سياسياً من ضمان أمريكا تطبيق عقوباتها على الدولتين بشكل محكم من خلال هذا المنفذ؟
عندما فرضت أمريكا العقوبات الاقتصادية على إيران أقرت استثناءات عديدة لدول وشركات استمرت بالتعامل مع إيران، ومن ضمنها استثناء تصدير إيران الطاقة الكهربائية الى العراق والذي لا يزال مستمرا لغاية اليوم، لذلك يمكن استثناء بعض المنتوجات السورية من العقوبات عبر هذا المنفذ بالذات، وجعله الرئة التي ستتنفس من خلالها سوريا، مقابل إعطاء سوريا موافقتها على أن يمتد هذا الخط التجاري عبر أراضيه ليصل الى الموانئ السورية المطلة على البحر المتوسط.
رب سائل يسأل ماذا ستكون مواقف الفرقاء سواء سوريا أو تركيا أو حتى روسيا من هذه الخطوة؟
أما بالنسبة لسوريا فهي لا تملك سوى الموافقة على هذه الخطوة استنادا لمبدأ إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد السوري، إضافة الى أن شعرة معاوية ما زالت قائمة بينها وبين الطرفين الكورديين في العراق وسوريا. إضافة الى أن وجود هكذا خط تجاري لن يكون بمثابة تهديد للأمن الوطني السوري طالما أن مناطق الإدارة الذاتية قائمة بكل الأحوال نتيجة توازنات دولية وإقليمية تفوق قوة القرار السوري الرافض لوجودها، كذلك فان بدء تطبيق العقوبات الاقتصادية على سوريا يعني سلفا فشل محاولات الحليف الروسي لإيقافها، وعليه فان الرفض السوري لهذه الفكرة امر مستبعد.
أما الموقف التركي من هذا الخط فان وجود القوات الأمريكية والروسية في مناطق الإدارة الذاتية الكوردية كان باتفاقات مع الجانب التركي، وقد شرعنت تلك الاتفاقيات بشكل أو باخر وجود تلك الإدارة، وهو ما سيحول دون أي تهديد تركي آخر للتوغل اكثر ، اضف الى ذلك أن هذا الطريق سيمر في المناطق الكوردية التي اتفقت تركيا مع الجانبين الروسي والأمريكي عليها ، ثم يعبر الى الأراضي السورية جنوب تلك المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والمليشيات الموالية لها ، لذلك فمن الصعب على تركيا الاعتراض على هكذا قرار باعتباره قرارا سوريا داخليا .
أما الموقف الروسي وكما قلنا، فان العقوبات إذا ما طبقت فأنها تعني فشل روسيا في منعها، لذلك فوجود منفذ لمساعدة الاقتصاد السوري سيكون أمرا مقبولا للطرف الروسي خاصة وأنها لا ترى في الكورد أعداءً لها بل وتحاول مد جسور العلاقات معهم.
إن تحسن العلاقات بين طرفي كوردستان (في العراق وسوريا) في الفترة الأخيرة، وتوصل الطرفين الى تفاهمات مشتركة بينهما يعتبر فرصة جيدة لبلورة هذه الفكرة وطرحها على الأطراف الدولية المعنية، وإذا ما تحقق هذا الهدف فهو كفيل بنقل الوضع الكوردي الى أفق أرحب وأكثر ازدهارا، شرط وجود إرادة كوردية حقيقية في الجانبين لتغيير الواقع الكوردي في المنطقة بشكل جذري.
ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.[1]