شفان إبراهيم
يُختتم الحدث السوري بطفرة رقمية في عالم الأحزاب الكوردية. وقلما تتساءل تلك الأحزاب خاصة حديثة العهد منها، حول سؤال من نحن؟ أو بتعديل صيغة السؤال: هل ثمة تطابق في مضامين الوجود الحزبي والعمل التطبيقي؟
ونادراً ما يتأمل قسم كبير من القيادات الكوردية تأملاً داخلياً ذاتها. بل الأسوأ اليوم إن غالبية الأحزاب الكوردية تعجز عن إيجاد جواب واضح وحقيقي إن طرح عليها السؤال أو هي بادرت /لاقدر الله/ لطرح السؤال على نفسها.
لأنها حين تطرح السؤال فإنها ستنشطر مرة أخرى إلى شطرين، وتتيه بين الذات والموضوع من جديد. فالحقيقة الواضحة التي تدركها الأحزاب الكوردية هي التباين الحادّ بين طروحاتها ومضامينها، وبين برامجها وتطبيقاتها.
14 حزيران من كل عام. ذكرى ميلاد أول حزب كوردي في سوريا. جاء التأسيس كحاجة مُلحة لانتشال الواقع الكوردي من الحضيض والضياع وسط المدّ الشيوعي والبعثي في المنطقة. حسنً فعلت، فحالة الضياع والتشتت كانت من أبرز السمات العامة للوجود الكوردي في تلك الفترة. بعد 61 عاماً لا تزال الأحزاب الكوردية تتناطح حول من يحمل لواء وشرف الامتداد عن الحزب الأم. ربما تندرج تحت يافطة التناطح الحزبي بشعار التنافس الشريف، لكن المشكلة، بعد 61عاماً لا تزال الأقلام والعقول الكوردية الحزبية والمستقلة والموجهة، لا تزال تتحارب فيما بينها حول النسب الحزبي للدكتور نورالدين زاز، ومدى انضمامه للمؤسسين من عدمه.
يُمكن القول إن حصيلة النضال الحزبي تتفجر وتتفتق خلال أيام الاحتفال بالتأسيس لتصل إلى الذروة، وتوضح مدى عقلية ونوعية التفكير لدى القواعد التي تتسابق لتصديق المقولة حول أنتساب الدكتور زازا أو لا لبدايات التأسيس. ما يعني إن الحزبي على مستوى الأفراد لا يزال ملغياً –عملياً- دون أي انزياح عن النظام الصارم المَقضِيّ من الأعلى. ثمة من ألف كتاباً حول الحركة الكوردية، وكتحصيل حاصل لابد من الإتيان على ذكر التأسيس، وهي المرحلة التي يعود فيها الكاتب والكتاب إلى مراجعهم الحزبية للتأكيد أو لنفي تواجد شخص أو أكثر ضمن المؤسسين. أخرهم صدر كتاب عن أحد الشخصيات التي أكن لها كل الاحترام، لكنه أصر وبتقاطع مريب مع تفكير وقرار السيد سكرتير حزبه بعدم شمول الدكتور نورالدين ضمن المجموعة المؤسسة للحزب. فراحت أقلام أعضاء وقيادة ومناصري الحزب من التأكيد على نفيّ أي دور للدكتور في التأسيس. ببساطة هي الحياة المبتذلة.
المضحك المُبكي في الموضوع هو غياب الأنا المتمرد لدى تلك القواعد، علماً إنهم ضاقُ ذرعاً بالسلطة القمعية الملبسة برداء الحوار الداخلي –وهي صفة عامة بالمناسبة- هذه الأنا اللازمة التواجد هي بحدّ ذاتها مصيبة لدى تلك النوعية من القيادات التي ترمي أرثها النضالي خلف ظهرها في كل محطة يتواجد فيها أنا متمردة. وفق هذه العقلية ثمة ازدواجية فكرية حزبية ما بين الاعتداء على الأخر, يقابله دعواتهم المستمرة للاعتراف بهم من قبل الأنظمة الحاكمة والمعارضة على حدًّ سواء. خاصة وأنهم يسعون إلى إخفاء الحقيقة، وهذا الإخفاء نوع من العنف والضغط ويصنف ضمن خانة الإيذاء.
تأكيد ونفي مشاركة نورالدين زازا في التأسيس يحمل دلالات ساطعة تشير إلى مُحددين رئيسيين في عمل الأحزاب الكوردية. الأول مُحدد إيديولوجيا النفي، والثاني رمز الوفاء والإخلاص. فبعد 6عقود، ومع المحطات والخوف والتعذيب والتنكيل الذي لحق بقيادات تلك الفترة والمرحلة، يأتي البعض ليقول عن مرحلة لم يكن والده قد ولدَّ بعدّ: نورالدين زازا كان على علم بالتأسيس لكنه لم يُشارك ولم يكن من المشاركين، هي فلسفة العنف اللفظي ومورثات نقلها للأجيال. علماً أن إرهاصات امتداد وبقاء الأحزاب الكوردية من 1957 وإلى اليوم تحمل من الهموم والمشاكل ما يستلزم فرد جيوش من الشباب والمثقفين والمعاصرين والحزبيين القدامى للتمكن من فك الارتباط بين عقلية الخمسينات والستينات والعقلية الواجب توافرها اليوم.
في عودة إلى ما طُرح أعلاه حول عبثية الحياة السياسية للأحزاب الجديدة. يكاد يكون مفعولها منعدماً بسبب سيطرة الأحزاب الكلاسيكية القديمة على مفاصل الحدث والمحدد والموروث الحزبي. وهي بكل الأحوال لم تنجح حتى الآن من خلق جو أو أرضية مشتركة فيما بينها خارجاً عن الضرورة السياسية. والأحزاب الجديدة بحدّ ذاتها ليست سوى أستطالات لحالات تتعلق بالتطبيقات والبرامج الحزبية. لكن الأسوأ أن يكون تقييم تلك المرحلة وشخصياتها من أدبيات الأحزاب المستجدة أو المصنفة ضمن دائرة الأغرار.
الساحة الكوردية تتعطش لوجود حزب عصري قوي بمفاهيم جديدة. وفي كل مرة يُطرح حزبٌ جديد يبدأ بشعارات بدأتها الحركة الكوردية منذ الخمسينات أو لنقل تتقاطع مع تلك الشعارات.
يستغرب المتابع للشأن السياسي الكوردي عن كيفية غياب هوية واضحة المعالم وعدم وجود آليات ومضامين فكرية وثقافية وتطبيقات لتلك الهوية التي إن وجدت فلن تخرج عن ورودها في أوراق وصفحات نظامهم الداخلي.
ستحتفل جُلّ الأحزاب الكوردية بميلاد أول حزب. المشترك بين كل الاحتفالات هو العودة بالنسب الحزبي إلى مرحلة التأسيس. والغائب المشترك بينهم هو تغييب أسماء المؤسسين دوماً.
الثابت أن أيَّ موضوع يتعرض للاهتزاز أو الانشطار، فإن المُنشطر لا يحمل مفاتيح النصر، وأن كان إعلامه يُطبق هندسة عُنفية.
قبل وفاة الدكتور كمال فؤاد عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني، سأل حمزة نويران حول مدى دور وتواجد الدكتور نورالدين في فترة التأسيس، جواب السيد حمزة فاق التصورات ولم يؤكد على تواجد الراحل ضمن مجموعة المؤسسين فحسب، بل وصفه بستالين الحزب.
الاستغراب يحوم حول الفائدة المرجوة من تشويه أو إبعاد شخصية بوزن نورالدين زازا عن مرحلة التأسيس، وكيف يكتب برنامج الحزب شخص غير مؤسس له.
قُصارى القول، لا خير في ملةً يهجون شخصية فاق حجم تصوراته وأفكاره وتطلعاته حتى بعد رحيله الأبدي، حجم تواجدهم وهمّ أحياء.[1]