ديالا علي – زلزال من أنفاس الموت
كان يوماً أسوداً، استيقظت من النوم و أنا في حالة هلع شديدة، لم يكن بوسعي فعل أي شئ سوى ايقاظ أهلي و على عجل ارتديت حذائي للهرب! إلى أين لا أدري و لكن الحالة النفسية التي مررت بها خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة أفقدتني صوابي! شعرت و كأن الأرض تريد ابتلاعي، أصوات غريبة سمعتها من أعماق الأرض، حالة من الدوران و الغثيان المستمر، أصوات الحيوانات من حولي وهي تستغيث، سقف غرفتي الذي كان يميل بين الحين و الآخر، جميع تلك الأحداث خلال مدة قصيرة جعلتني أهلوس بجنون! لا أدري ما الذي حصل و لم يكن لدي أية فكرة عن الزلازل والآثار التي تخلفها. شعور مخيف لم أشعر به طيلة الأزمة والحرب التي مررنا بها! شاهدنا القصف و الطيران، تدمرت بيوتنا، عشنا لحظات قاسية جداً و لكن مثل هكذا لحظات منذ أحد عشر عاماً لم تمر علينا!
جميع سكان الحي في الشوارع والطرقات، أصوات الأطفال وصراخ الأمهات ولهاث كبار السن أصبحت سمفونية نداء تتوجه إلى السماء طالبة الرحمة والمغفرة من الله تعالى!
كان يوماً أشبه بالقيمة، سقوط بنايات كاملة على رؤوس ساكنيها، والبقاء في الخارج بلا نوم وبلا ثياب سميكة في ظل أشد منخفض جوي يمر على المنطقة و غيرها من مشاهد متفرقة كانت كفيلة لتعلن تلك المنطقة مدينة أشباح تفوح منها رائحة الموت و الفزع!
_تقول سيدة:” لقد أهديت ابنتي بيتاً ولم أكن أعلم بأنني أهديتها قبراً” على غرار ذلك تلك الصورة التي هزت مواقع التواصل الإجتماعي الأب الذي كان ممسكاً بيد ابنته تحت الأنقاض لآخر لحظة ناهيك عن الطفل الذي ولد في عفرين حيث توفيت والدته و هو مازال مرتبطاً بالحبل السري!
المرء يبقى حائراً أمام كل تلك المآسي.. يبكي؟ أم يبقى متشبثاً بالأمل رغم كل شيء؟! و في كلتا الحالتين لن يتغير شيء من هذه الحياة وهذا الواقع الذي فرض علينا قسراً والخارج عن إرادتنا.
_يقول أحد الناجيين من الزلزال، كابوس نجوت منه بإعجوبة و لكن لم استطع انقاذ أختي، التي حلت في الليلة الماضية ضيفة على صديقاتها و لم تعد!
لاحقاً رأينا جثتها تحت الأنقاض و بحسب الفرق المختصة فقد بقيت ليلة كاملة وهي تئن و لكن دون جدوى!
قصص أخرى أكثر ألماً وموتاً..
الزلزال! الإسم الأكثر بحثاً على محركات البحث و الأكثر قسوة على شعب مر بجميع الظروف السيئة و لا زال يعاني الويلات يروي كل واحد قصته و هو منقطع الأنفاس ومتعب نفسياً من تلك الحادثة المروعة بالإضافة إلى المعرفة المحدودة بهكذا كوارث و تداعياتها على الصحة النفسية والبنية التحتية! و خصوصاً في ظروف كهذه انعدام و انهيار كيان الدولة. الذي فقد بيته بأكمله، منهم من فقد عائلته و البعض الآخر بقي عالقاً تحت الأنقاض وفقد حياته وهو يستنجد بكامل قوته ليخلصه أحدهم من الموت، الموت الذي أتى على عجالة من أمره، كضيف ثقيل لم يستأذن قبل دخوله إلى حياتنا. كل هذا يشكل مشهداً دموياً لخارطة بلاد عاش أطفالها سنوات حرمان مطلق حتى تأتي كارثة وتضيف إلى القائمة آلاف القتلى والضحايا!
سوريا بلد المليون وجع و شهيد، بلد الأزمات و الأمراض المتراكمة، بلد الفقراء و المفقودين! هذا البلد الذي أصبح الموت هويته الوحيدة لتجد نفسها مجدداً تواجه الموت وبطريقة أكثر رعباً من ذي قبل!
أيام و لحظات لا تنسى و ليتها لا تتكرر! ستبقى في مخيلة كل سوري عاش في حقبة هذا الزلزال الآثم!
ستسجل أسماء الضحايا لتصبح أرقاماً على مستندات المنظمات الأممية وليدخل أسمه في مادة التاريخ كحدث تاريخي لا مثيل له في المنطقة والعشرات من القصص و الروايات الباهتة التي سيكتبها الأدباء بإسلوب ممل و خالي من المشاعر! الجميع سينسى ذات يوم ما حصل دون استثناء إلا الذي ذاق مرارته و فقد أحباء كثيرون! و لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه مراراً و تكراراً أين المجتمع الدولي و منظمات حقوق الإنسان و جميع المنظمات الإغاثية في العالم لتقديم يد العون للمتضررين!؟ و هل الخطوات التي تؤخذ في هكذا حالات جدية أم غطاء رقيق الهدف منه إظهار صورتهم على أنها أكثر إنسانية دون نتائج ملموسة على أرض الواقع؟!
و هل هذه المساعدات التي تصل إلى المناطق المنكوبة وجهتها إلى الأشخاص المتضررين أم كالعادة أصحاب النفوذ و السلطات القائمة على الأرض تأخذها وليمة شهية أتتهم على طبق من ذهب ليتصرفوا بها كما يحلو لهم؟!
و هل الشعب السوري الذي ذاق كل هذه المرارة سيترك كل شئ جانباً و يتأقلم من جديد تحت غطاء الإنسانية و الإخوة الوطنية….. ؟![1]