إعداد : ليلى قمر و وليد حاج عبدالقادر
( القسم 2 الفصل أ : الاحتلال العثماني والصفوي وصولاً إلى معاهدة سيفر )
في مستهلّ هذا القسم الثاني سيكون مفيداً التذكير بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا ان تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) . هذه الآية الكريمة التي تنطبق على كلّ مَن يتقصّد التسويف والتدليس وتشويه الحقائق والإتهامات الكاذبة ، وبكلّ بساطة لو أنّ نارام سن الورقي عاد إلى ما كتبه وقارنه واقعياً بالحقائق المثبتة وكمنهجية عملية لو ذكر المتناقضات وأبدى رأياً منهجياً ! لا تصورات مغلّفة مبنية على دجلٍ أيديولوجي ! لكان رأيه سيُعتبر وجهة نظر ٍ، أما – سقطته – فلم تقف عند حد الجهل المعرفي وتشويهها بتعمّد لوحده ، بقدر ماهو أسلوبه الشعبوي الفجّ، ونعوته المتكرّرة واتهاماته الموجّهة بصفةٍ جمعية لشعبٍ يجاوره ، شاء أم أبى في الجغرافية وشاركه في صناعة كثير من إحداثيات التاريخ بمحطاتها ، وهنا في هذا القسم سنستعرض ، من النقطة التي توقّفنا فيها ، مع إقرارنا بدايةً بتقصّدنا في استذكار عناوين أهم الثورات الكُردية في العهدين الصفوي و العثماني ، هذه الثورات والانتفاضات التي لم تتوقف أبداً مع بدء تعرّض مناطق الكُرد لغزوات أو احتلال من القوى الغاشمة ، وسنجهد في الاختزال نظراً لسعة مجالها.
مع أنّ الامانة العلمية تفرض كواجب تأريخي وكتذكير ضروري لأمثال نارام سن ، كيلا يغترّ بتسويفه ، وليعلم بأنّ الثورات تتعدد فيها أوجه نضالاتها ، ومن أهمها مواجهة المزوّرين بوقائع تحريفاتهم التي تتجانس مع تخريفاتهم ، وتذكيرهم بالحقيقة التاريخية الصادقة والتي قد تشوّه أو تحرّف ، ولكنها – الحقيقة التاريخية – تصمد دائماً، وهي التي تنتج مسارب الكشف عن مصداقيتها .. وفي العودة إلى نارام سن الورقي وسذاجة ما كتبه، الأشبه أسلوباً وتعبيراً ومضموناً بصياغات بعث عفلق ومنهجيته في إنشاء وهمٍ تأريخي وتضخيمه ككتلة – توراتية مقدّسة – والخلط التأريخي في استيلاد وقائع جاءت في الأصل على أرضية هجينة ، وبتحدٍّ نقول : نعم .. فاقدة لأية معيارية علمية وقواعد لقراءات عملية تؤسّس – كمثالٍ – مقاربة موضوعية للحقيقة التاريخية لا كمخيال ، بل بشكلٍ ممنهج ومستند على القواعد المعلوماتية والبيانات المتوفرة وتقاصها مدعومة مع جملة العلوم المساعدة ، وبالتأكيد أن يتخلّص أي – باحث أو كاتب – من الأشنيات الفكرية أو المؤثرات كما المدعو – نارام سن الورقي ومواقفه الآيديولوجية المسبقة – ، واختصاراً هنا وبتجاهلٍ كلي ل – صبينته الفكرية – وكثير من العبارات والمصطلحات التي ارتقت لدرجة الشتيمة ، سنستمرّ – نحن – على ذات النسق العلمي – المعلوماتي والتي يهيمن عليه الطابع التجميعي كتوثيق، وفي تناسٍ فعلي لفجاجة ودونية كثيرٍ من ملافظه ، وبتصميم سنستمرّ في التركيز على ما هو مفيد وعملي ، وما يؤسّس – في إعادة صياغة التاريخ بمجرياتها يهدف إلى بناء أسسٍ لآفاق مستقبلية لجميع شعوب المنطقة ، ومن هنا كان هدفنا الأساس في المضيّ بسرد الوقائع بتواريخها كهدفٍ تعريفي بحقيقة ما نسمّيه نحن بقضية شعبٍ ومظلوميته ، والتي لازال كثيرون من الكُرد يرونها كنوعٍ من الضريبة التاريخية المثقلة ومن إثر حروب صلاح الدين الأيوبي ، التي لولاها – الحروب – لكانت خارطة المنطقة غير ماهي عليه ، وقاربها في الجانب الصفوي أيضاً انتقامهم من صلاح الدين والأيوبيين بجريرة انتصاره على الحكم الفاطمي في مصر وغيرها . وفي عودةٍ إلى الأحداث ومفردات التاريخ التي تؤكّد وبلا أدنى شك : تصدي الكُرد ومقاومتهم بشراسة وتقديمهم لآلاف الشهداء لأية قوة دخيلة فرضت سيطرتها بالقوة على مناطقهم ، ورغم فشل العديد من ثوراتها ، إلا أنّ إحداثيات التاريخ تؤكّد بأنّ كلّ ثورةٍ كانت تترك بذرة تجددها ، وهنا لابدّ من كلمة لنارام سن يجب أن تقال له : إنّ أي كتاب أو بحث تستوجب ولأي مبتدئ وللأمانة والمصداقية المفترضة في الكاتب عليه أن يبذل ولو بجهدٍ قليل ، أن يبحث ولو باختزال عما سيفيده في هدفه المعرفي ، خاصةً أنّ المعلومة في عصرنا هذا لا تكلّف الباحث عنها وببركة السوشيال ميديا كثيراً من الوقت ، وإلا ؟ أيعقل أن تفوته كلّ الثورات والانتفاضات الكُردية على مرّ التاريخ وبالتأكيد تعني بها التي اندلعت في كُردستان والقادة الذين استشهدوا في المعارك أو أعدِموا، وليس في – جبال هيملايا – ؟ أوفٍّ ! كيف فاتنا هذا الأمر الهام والحيوي والتي تكاد أن تورّطنا كم نارام سن المزعوم – وتقوقعه لا فقط في شخصية نارام الحقيقية بل بعصره وما قبلها ويجيرها بديكومنت وكنقطة انتهى – ؟ ومع ذلك سنجهد قليلاً لتنشيط ذاكرته؟ ألم يسمع هو بالنهري وآل بدرخان وسمكو وشيخ سعيد والشيخ احمد البارزاني وو مروراً إلى قاضي محمد والمئات ممن سنذكرهم ؟ وهؤلاء ! ألم يكونوا ثوّار قضيةٍ وشعبٍ ومثلهم مثل كلّ مَن يستذكره الكاتب كأمجادٍ له ؟ جمال السفاح ؟ هل يتذكّره نارام سن الورقي ؟ وشهداء السادس من أيار ؟ . أم أنّ عقيدة البعث وكجمود عقائدي تلبّسته وأضحت كخوذة العسكر تحمي راسه لا من الرصاص بل الحقائق ببديهياتها ، وكعسفٍ قوي جداً، لتتوازى مع عفلقيته المنتج لسلسبيل الطوفانات العرفية بقوانينها الطارئة من جهةٍ، وتؤسّس كلّ هذه البؤر المتأزّمة – كنتاج لها في المنطقة ، أفلا يدعو هذا للسخرية والاستغراب ؟ سيما أنها أفكار دسمة ! بسموميتها ! وصدرت من شخصٍ يقدّم نفسه كأكاديمي، ولتسقطه نزعته القومية في فخّ التطرف وكسلاح يلغي و يشطب و – بجهالة – صفحات ملأى بمعلومات دوّنت حقائق ومجريات الأحداث التي رسمت خارطة المنطقة ، وفي عودةٍ إلى الحقائق والثبوتيات التاريخية الموثّقة في محافل أممية وفي مراحل كانت حبلى بالعواصف والحروب المدمّرة ، إلا أنها أسّست لجغرافيا قاربت لتتجاوز مئويتها ونعني بها اتفاقية لوزان المشؤومة.
وهنا ولضبط إيقاع العرض – المبحث، سنعود لنركّز على مفاصل أهم أحداثيات المنطقة والثورات الكردية التي وفي عودة تذكيرية مكثّفة للأحداث التي تتالت، , كيف أنّ العثمانيين أخذوا وبالهوينى يتنصّلون من اتّفاقهم الذي تمّ عبر البدليسي ، وانتهزوا الفرص لابل وخلقوا مبرّرات كثيرة للتدخل في شؤون الإمارات الكُردية و تأليب بعضها على بعضٍ ، مما أوجد ردّات فعلٍ مقابلة رافقتها انتفاضاتٌ وثوراتٌ عديدةٌ ابتدأت من ( عام 1574 م بثورة عفدال خان البدليسي ضدّ السلطان العثماني مراد الأول ، وعام 1607م انتفاضة ميرعلي الملقّب جان بولاط في حلب ، وعام 1765 م ثورة عشائر جيهان بك في ملاطيا ، وعام 1789 م ثورة عشائر رشكوتا وخرزان بقيادة فرحو آغا وقاسم خرزي بين آمد وسيرت ، وعام 1794 م ثورة عشائر زركا وتيركان في الشمال من آمد / ديار بكر ، وعام 1806 م ثورة عبدالرحمن بابان في السليمانية ، وعام 1811 م ثورة أحمد باشا بابان في السليمانية ، وعام 1819م ثورة سيواس ضدّ الدولة العثمانية ، وعام 1834 – 1837 م ثورة مير محمد باشا الرواندوزي الملقّب بالأمير الكبير ، وعام 1843 ثورة شنكال للكُرد الإيزيديين ، وعام 1842 – 1848م ثورة بدرخان أمير بوطان ، وعام 1853 – 1864 م انتفاضة يزدان شير في هكاري ، وعام 1877 – 1878 م انتفاضة بدينان وبوطان وهكاري ، وعام 1879 ثورة عثمان بك وحسين بك ، وعام 1880 – 1881 م انتفاضة شيخ عبيدالله النهري في مدينة شمدينان ، وعام 1889م ثورة البدرخانيين الأحفاد، وعام 1906 م انتفاضة بشارى جتو في بدليس ، وعام 1906 م ثورةالملّليين بزعامة إبراهيم باشا المللي ، وعام 1913م انتفاضة بدليس بقيادة الشيخ سليم وشهاب الدين االعثمانية في ولاية سيرت ، وعام 1914 م انتفاضة بهدينان بقيادة الشيخ عبدالسلام بارزاني ، وعام 1918 – 1919م انتفاضةالشيخ محمود البرزنجي الأولى .. ) . وباختصارٍ وفي تجاوزٍ لمفردات الثورات إيّاها ولكن بإيجازٍ عن إمارة جان بولات وثورته ضدّ العثمانيين عام 1607 م حيث أدّى تراكم معاناة الكُرد تاريخياً ليؤسّس ( حافزاً قوياً أثار المشاعر القومية ضدّ كلّ ما هو مجحِفٌ بحقِّهم كأمّةٍ لها كيانها خاصةً بعد ظهور المجتمع الصناعي في أوروبا في القرون الوسطى وتنامي الروح القومية بين الشعوب فكان أن حدث انعطافٌ تاريخي كُردي .. الأمر الذي أدّى مجدّدا إلى بروز إماراتٍ كُرديةٍ حديثةٍ … – مثل إمارة جان بولات – .. و .. أولى هذه الثورات كانت في إمارة جان بولات – جنبلاط – 1607 م ، وكان مركزها في كلس التي كانت تشمل جبال الكُرد إلى الغرب منها وكذلك منطقة حلب إلى الجنوب الشرقي منها ( بل مافيها قضاء اعزاز وقضاء الباب ) .
وقد قامت هذه الثورة ( .. وبعد أن قتل العثمانيون أميرها الأمير حسين الذي كان يتولّى شؤون الإمارة من حلب لأنه لم يلتحق ورجاله بالسلطان العثماني في إحدى حروبه فما كان من أخيه الأمير علي إلّا أن أعلن الثورة من حلب ، لكنّ العثمانبين قضوا عليها ، وتمّ على أثرها تشتّت القبائل الكُردية فمنهم مَنْ فرّ إلى لبنان واستقرّ بها ومنهم مَنْ ذهب باتّجاه جبال اللاذقية وحارم واستقرّ هناك ، ويُذكر أنّ مركز إدارة الولاية كان في قلعة بارسيا أو قلعة جان بولات (جبل برصايا حالياً ) بجوار كلس ، هذه القلعة التي يؤكّد الدكتور ( محمد عبدو علي ) الباحث في تاريخ وتراث عفرين ( .. تقع قلعة جان بولات على قمة جبل بارسي على ارتفاع 850 م وهي تشرف من جنوبها الشرقي على مدينة أعزاز ومن الجهتين الشمالية والغربية فتطلّ على حوض “نهر عفرين” ومرتفعات جبل الكُرد وأخيراً فإنّ المسافة بينها وبين مدينة عفرين هي 15 كم شرقا ) وفي دراسةٍ منشورةٍ للكاتب محمد علي أحمد استند فيها الكاتب على أرشيف الدولة العثمانية في الجانب الكُردي متتبّعاً ، ليس فقط المعني بالكُرد كشعبٍ .. أو جماعةٍ , بل شملت أيضاً إشاراتٍ إلى أسماء علمٍ لأشخاصٍ أو أماكن ، مثل كُرداغ أو كُرد مصطفى أو كُرد علي أو ….. إلخ .. والوثائق … ، تغطّي فترةً زمنية طويلة نسبياً , فأوّل وثيقةٍ مؤرّخةٍ منها تعود إلى أواسط القرن العاشر الهجري – القرن السادس عشر الميلادي, إضافةً للعديد من الوثائق غير المؤرّخة ( لا تحمل تاريخاً من المصدر ) ، والتي يمكن الاستدلال على تأريخها من مقارنة الأحداث والأعلام الواردة فيها مع مصادر أخرى .. ) . ومن خلال الوثائق العثمانية يمكن الاستدلال على مواقع و تجمّعات الكُرد خلال العهد العثماني ، وبشكلٍ خاصٍ .. ( … من خلال الاطّلاع على المراسلات والفرمانات و الأوامر الإدارية الكثيرة المتعلّقة بهذا الشعب في الأرشيف العثماني .)
( العفلقية المتجدّدة ق 2 رد على د . خالد سالم .. مقال لوليد حاج عبدالقادر ) . وهنا لابدّ من التذكير بثورات شيخ سعيد بيران والجنرال إحسان نوري باشا والتنويه بمؤتمر بحمدون وظهور منظمة خويبون بصبغة قومية عامة وكذلك التذكير بثورة سيد رزو وايضاً ثورات كُردستانية متعدّدة بقيادة البارزانيين وصولاً إلى مخرجات الحرب الكونية الثانية واعلان جمهورية مهاباد بقيادة قاضي محمد وسرياليات الثورات التي تلت تلكم التواريخ حتى وقتنا الحالي ( هذا المبحث الذي سيفصل في الفصل ب من القسم والذي سيبدأ من اتفاق لوزان حتى الوقت الحالي ) . وهنا ؟ أفلا يستحقّ شعبٌ يُفترض بأنه شقيق لنارام سن الورقي وشعبه أن يخسر دقائق من وقته ومن خلال – كيبورده – ليعلم كم من قادةٍ كُرد أعدمتهم نظم الاحتلال العثماني والصفوي – الفارسي ! سنذكره بالنهري مروراً بسمكو شكاكي والشيخ احمد البارزاني والشيخ سعيد بيران واغتيال الجنرال إحسان نوري باشا وإعدام سيد رزو وقادة جمهورية مهاباد ،تقدّمهم الشهيد بيشوا قاضي محمد والمئات من الثوّار وقيادات الثورة في كُردستان العراق ولن نسترسل في الفظائع والجرائم التي مورست وارتقت إلى الجينوسايد من هدمٍ للقرى وحرق الغابات وتدمير كلّ البنى المساعدة للاستقرار والعمليات العسكرية الحارقة لكلّ أسس الحياة وعمليات التهجير المنظمة ، ومن ثم مجازر الأنفال الوحشية واستخدام السلاح الكيميائي كوسيلة إبادة جماعية، نفّذها نظام الطاغية المجرم صدام حسين ، وسننشط ذاكرة نارام سن الثقلى برغبويته وشيفونيته ونتساءل : أولم تكن عملية اغتيال النظام الإيراني للشهيد د . عبدالرحمن قاسملو استهدافاً سياسياً، وأنّ العملية تمّت كونه كان يقود نضالاً كُردستانياً مسلحاً ضد نظام الخميني ؟ وحزب الله ؟ أولم يغتالوا الشهيد صادق شرف كندي ومجموعة من المناضلين الكُرد في برلين سنة 1992 تنفيذاً لأوامر دولة خميني البوليسية ؟وكذلك ما فعلته الحكومات التركية المتعاقبة ؟ بماذا يوصف الأكاديمي المزعوم كلّ هذه الممارسات ؟ وعود على بدء وكتذكير بويلات العثمانيين والجندرمة التركية ؟ بماذا يتوجّب علينا أن نصف هذه الحالات ؟ حفلات شواء مثلاً ؟! . وكذلك الحملات الصفوية الدموية ؟ وهنا وفي عودةٍ إلى صلب الموضوع وما آلت إليها الأوضاع وكاستهدافٍ ممنهج حيث نرى ومن الجانبين جملة من الحملات البربرية الشنيعة والتي تتالت كالآتي : ( .. المصدر كريم الهاني 25/ 8 / 2021 ) حيث راى بأنّ الموقع الجيوستراتيجي لكُردستان كان من أهم العوامل التي جعلت منه مسرحاً دائماً لصراعاتٍ كبرى . وذلك بدءاً من الحروب اليونانية الفارسية ، والسلجوقية البيزنطية ، ولم تكن آخرها الصراع العثماني الصفوي .. . وهناك عوامل ذاتية هي من الأهمية بمكان ونعني بها ( .. عدم استطاعة القبائل الكُردية بناء دول أو ممالك قوية أسوةً بجيرانها .. عدا فترة الهوريين والميتانيين اللذين انهارت ممالكهم تحت ضربات الآشوريين .
ذلك حسب ما أشار إليه الباحث خالد العيادي … ولم تكن هذه القبائل أوفر حظاً في وقتٍ لاحق ، إذ وقعت بين فكي كماشة الدولة الفارسية – الصفوية من الشرق ، والدولة العثمانية من الشمال ، وكانتا قوتين عظيمتين آنذاك ) . وفي خضم تلك الصراعات فقد ( عزّ على الكُرد أن يعرفوا لاحقاً ، وفق الباحث خالد عقلان أنهم كانوا مجرد أداة ! تأسّست على دمائهم أمجاد الدول المتعاقبة . ففي معركة – ملاذكورد 1071م – مثلاً ، ساند الكُرد الجيش السلجوقي بقيادة السلطان آلب أصلان ، وبفضلهم انتصر على الإمبراطور البيزنطي رومانوس . وكذلك في خضم الصراع الصفوي العثماني ، التي جرت فصولها على كُردستان المقسّمة بين الأتراك والفرس ، حسم الأكراد معركة تشالدران ( 1514م ) ، بدعمهم للسلطان العثماني سليم الأول في مواجهة الشاه إسماعيل الأول الصفوي ، ولهذا فقد جرّ عليهم ويلات فظيعة خاصة بعد انتقال زعامة الصفويين إلى ( السلطان إسماعيل 1494 – 1524 م ) والذي عدّ عند المؤرّخين نقطة تحول مهمة في الحركة الصفوية ، هذا السلطان الذي بدأ نشاطه العسكري في الولايات الشمالية ، وفي سنة 1506 م غادرت القوات الصفوية العاصمة تبريز، واتجهت إلى إقليم كُردستان الذي يفصل الهضبة الإيرانية عن إقليم العراق العربي وعن الأناضول ؛ لمحاولة الاستيلاء عليه ، لكنها فشلت من النيل منه لوقوف الزعيم الكُردي ( صارم بن سيف الدين المكري ) في وجهها ، لكن ذلك لم يمنع من أن يخضع عدد من أمراء كُردستان طوعاً وكرهاً للنفوذ الصفوي . وقد دشن العهد الصفوي ( 1502 – 1736م ) بداية فواجع واحداث دموية جديدة في التاريخ الكُردي في إيران ، حسب المؤرخ د .كمال مظهر، فإنّ مؤسّس الدولة الصفوية إسماعيل الصفوي ( 1487 – 1524م ) كان يكره الكُرد كونهم من السنة والجماعة ، الى درجة اعتقاله للأمراء الكُرد الذين قدموا إلى بلدة ( خوي ) لتقديم الولاء له ، وعيَّن مكانهم ولاة من أتباعه القزلباش ، وكان من ضمن هؤلاء الأمراء المنكوبين ( الملك خليل ) حاكم ( حصن كيف ) ، وزوج أخت الشاه إسماعيل نفسه ، حيث لبث في سجن تبريز ثلاثة أعوام كاملة إلى أن نجا منه على أثر الخسارة الكبيرة للشاه ( إسماعيل الصفوي ) أمام السلطان العثماني (سليم الأول ) في معركة جالديران الشهيرة في 23 آب 1514م .
ومن جانب آخر، فإنّ الدولة العثمانية عرفت كيف تستفيد من الصراعات المذهبية التي جرت بين الأمراء الكُرد والدولة الصفوية ، حيث وقفت إلى جانب الكُرد في صراعهم المصيري ضد الصفويين وتجاوزاتهم ؛ لذلك سرعان ما ثارت كُردستان السنية ضد الحكم الصفوي الشيعي في كافة أنحاء كُردستان الشرقية والوسطى ، حيث تمكّن الثوّار الكُرد من طرد الحكّام الصفويين الموالين للشاه إسماعيل ، وعندما حاول الأخير استعادة ما فقده من نفوذ في المناطق الكُردية ، جوبه بمقاومةٍ شديدة أينما حلّ ، ما كلف الكرد خسائر جسيمة كما حدث في حصار قوات الشاه إسماعيل لمدينة آمد – ديار بكر – الذي دام أكثر من عام واحد، حيث أودى بحياة 15 ألفاً من سكانها . واستمرّت هذه المجازر طيلة العهد الصفوي ، فعندما زحف الشاه طهماسب ( 1524 – 1576م ) سنة 1454 م على كُردستان ، فإنه ( لم يترك في الطريق الذي سلكه عامراً إلا دمّره ) ، وأعادت جيوشه الكرة مرة ثانية على كُردستان في سنة 1455م لتدمّر من المدن الكُردية في كُردستان العثمانية : بدليس ، أرجيش ، موش ، وخلات ، وغيرها ( تدميراً كاملاً ، وتقتل من أهاليها مقتلة عظيمة ) ، ليكمل رئيس حرسه ( أمير سلطان روملو ) ، أحد قادة القزلباش ، من بعده عمله ( كان أفظع وجهاً ، وأشنع صورةً ) ، فقد ارتكبت القوات الصفوية ( من الأعمال الوحشية وضروب القسوة والفظاعة ، ما أنسى الناس هول الأعمال البربرية التي اجترحها في هذه البلاد كلّ من هولاكو وتيمورلنك ) ، وفي يوم واحد قتل رجال الشاه طهماسب 400 من أبناء عشيرة دنبلي الكُردية ، ونفّذوا حكم الموت بكلّ دنبلي كان يعمل في بلاط الشاه ، ما أجبر مَن تبقّى على قيد الحياة من الكُرد الدنبليين على اللجوء إلى داخل الأراضي العثمانية . وعندما اجتاحت الاضطرابات الدولة الصفوية أيام حكم الشاه إسماعيل الثاني ( 1576 – 1577م ) والسلطان محمد خدا بنده ( 1577– 1587م ) ، واستطاعت الدولة العثمانية السيطرة على أجزاء كبيرة من أذربيجان ؛ وأعلن الكُرد تعاطفهم مع العثمانيين رفقاء المذهب السني ، وعندما تولّى الشاه عباس الكبير ( 1587 – 1629م ) الحكم ، استطاع طرد العثمانيين من أذربيجان ، وصمّم على الانتقام من هؤلاء الكُرد السنيين وتشريدهم، متى سنحت الفرصة لذلك ، فقد توجّه بنفسه على رأس جيشٍ كبير إلى مدينة خوي ( شمال كُردستان إيران ) ، ومن هناك زحف على منازل عشيرة محمودي الكُردية التي دافع رئيسها مصطفى بك عن قلعة ماكو وقاتل ببسالة ، لكنّ الجيش الصفوي ( عاث في تلك البلاد فساداً ، وغالى في النهب والسلب والتدمير ، وقتل من الأهالي مقتلة عظيمة ) ، ونقل منهم بضعة آلاف من النساء والأطفال الذين عوملوا معاملة الأسرى إلى منطقة خراسان الشرقية والذي يكاد أن يكون أول تغيير ديمغرافي هادف أشبه ما تكون في سردياته إلى الأسر البابلي لليهود ( وهي هذه النقطة رغم الفارق الزمني والمرحلة التاريخية هي التي أربكت – فيوزات – الباحث وتاهت فيه كلّ مداركه المعرفية ! ).
هذه المعلومات أقرّها مؤرخ الشاه عباس الشهير واسمه ( إسكندر منشي ) وأكّد بأنّ الشاه عباس فتك بأبناء عشيرة مكري الضاربة الذين طلبوا استعطافه بعد أن أمّنهم على حياتهم حيث تقدّم زعيمهم ( قباد خان ) ومعه مائة وخمسون فارساً إلى الشاه عباس الذي كان موجوداً في مدينة مراغة في ذلك الوقت لإظهار خضوعهم وتقديم فروض الطاعة للشاه ، لكن ما أن وصلوا إلى بلاطه حتى فتك بهم جميعاً .
ولهذا عرف الباحث محمد بهجت قبيسي تاريخَ الأكراد الحديث ( .. بكونه سلسلة من الثورات التي كانت ترمي إلى التخلص من النير العثماني والإيراني .. ).
إضافةً الى أنّ بعض المصادر الكُردية تؤكّد على أنّ أول تقسيمٍ لكُردستان ، جرى بناءً على اتفاقية – قصر شيرين – التي أنهت الصراع بين العثمانيين والصفويين عام 1636م، وبموجبها تمّ ترسيم الحدود بين الجانبين ، ولكن رغم كلّ ذلك فإنّ شعلة النضال من أجل استقلال كُردستان لم تنطفئ ،وكان من أهم الثورات الداعية لذلك هي التي قادها عبدالرحمن باشا في القرن ال18م وعمل على توحيد جميع البلدان الناطقة بالكُردية . ولكن الباب العالي أمر والي بغداد بتجهيز حملة عسكرية تمكّنت من الإجهاز على حركته . وذات الأمر كان مع ثورة بدرخان باشا في إمارة بوتان عام 1847م ، ويتفق غالبية المتتبعين لهذه الثورات أو الانتفاضات بأنها كانت تعبيراً واضحاً عن الميل القومي الاستقلالي للأكراد .
وباختصار وفي تجاوزٍ لمفردات الصراع في المنطقة ، وفي عودةٍ الى مرحلة ضعف السلطنة العثمانية وبدء تدخل الدول الأوروبية بشؤونها ، أضف إلى ذلك انضمام السلطنة العثمانية إلى محور ألمانيا في الحرب الكونية الأولى وبالتالي خسارتهم الحرب ، كان العامل الأكبر الذي ساهم في تفتيت إمبراطوريتها وقد تمّ التمهيد لذلك قبل أن تضع الحرب أوارها ، حيث تنشّطت بريطانيا في التواصل مع زعماء الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية وساعدتها فرنسا نسبياً وابتدأت من المنطقة العربية والحجاز تحديداً لما لها من دورٍ هام وتأثير معنوي على العالم الإسلامي ، فكانت المراسلات التي تمّت بين الشريف حسين ومكماهون ولقاءات ابنه فيصل بن الحسين مع كليمنصو ، ولتكون مخرجاتها الأساس الذي على أرضيتها تمّت أبرز التوافقات ، ومن ثم التأسيس لخرائط ومخططات استهدفت المنطقة ، وطبيعي أنه كانت هناك اجتماعات تُعقد في الظل بتواترٍ وعراباها كانا سايكس و بيكو وبالتوافق التام مع روسيا القيصرية ، وتمّ الإتفاق بين الدول الثلاث على اقتسام مناطق الدولة العثمانية وتمّ التوقيع عليها عام 1916. وان بدا الاتفاق وكأنه عبارة عن صورة تبادل وثاثق بين وزارات خارجية الدول الثلاث . وتمّ الكشف عنها مع وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا ، مما أثار الشعوب التي مسّتها الإتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا ، هذه الاتفاقية التي تمّ فيها تحديد مناطق النفوذ المقترحة ، والتي يجب أن تؤول السيطرة عليها في الشرق الأوسط للوفاق الثلاثي . وكما هو معروف فقد كانت لفرنسا أطماع قديمة في سوريا ، منذ عام 1860 وتغلغلت في المنطقة مالياً وثقافياً ، وكانت مدارسها في لبنان وحدها لا تقلّ عن 300 مدرسة، ومع قيام الحرب العالمية الأولى ، وجدت فرنسا فيها فرصة لإقامة إمبراطورية لها في آسيا، تكون قاعدتها بلاد الشام .. ولعلها الخطوة العملية الأولى لكلٍّ من بريطانيا وفرنسا، كانت هي اتصالهما بشكلٍ مباشر مع الشريف حسين وذلك بتبادل رسائل وثقت تاريخياً تحت مسمّى مراسلات حسين مكماهون وتلتها لقاءات مباشرة بين مرسال الشريف حسين وكان ابنه فيصل مع مسؤولين في الدولتين .. تلك الرسائل واللقاءات التي مهّدت لخرائط سايكس بيكو ومن بعدها مؤتمر الصلح ومعاهدة سيفر ولوزان ، وما يهمّنا هنا – كرديا – في بدء المفاوضات هو رسالة مكماهون المؤرّخة في 24 / 10 / 1915وتحديداً : ( .. إنّ ولايتي مرسين واسكندرونة وأجزاء من بلاد الشام الواقعة في الجهة الغربية لولايات دمشق الشام وحمص وحماة وحلب لا يمكن أن يُقال أنها عربية محضة . وعليه يجب أن تُستثنى من الحدود المطلوبة … مع هذا التعديل وبدون تعرّضٍ للمعاهدات المعقودة بيننا وبين بعض رؤساء العرب نحن نقبل تلك الحدود …
وأما بخصوص الأقاليم التي تضمنها تلك الحدود حيث لبريطانيا العظمى مطلق التصرف بدون أن تمسّ مصالح حليفتها فرنسا فإني مفوض من قبل حكومة بريطانيا العظمى أن أقدّم المواثيق الآتية وأجيب على كتابكم بما يأتي :
1 – إنه مع مراعاة التعديلات المذكورة أعلاه فبريطانيا العظمى مستعدة بأن تعترف باستقلال العرب وتؤيّد ذلك الاستقلال في جميع الأقاليم الداخلة في الحدود التي يطلبها دولة شريف مكة .
5 – أما بخصوص ولايتي بغداد والبصرة فإنّ العرب تعترف أنّ مركز ومصالح بريطانيا العظمى الموطدة هناك تستلزم اتخاذ تدابير إدارية مخصوصة لوقاية هذه الأقاليم من الاعتداء الأجنبي وزيادة خير سكانها وحماية مصالحنا الاقتصادية المتبادلة .. وبالرغم من ذلك الحراك النشط ، فقد كان هناك أمور تجري من وراء الكواليس بين روسيا وفرنسا وبريطانيا وسميت باتفاقية سايكس بيكو ، والتي كشفتها الثورة البلشفية التي أطاحت بحكومة القصر وأحدثت ضجة كبيرة – وقد ذكر أعلاها – وكانت من أهم نقاطها :
– استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة .
– استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين.
استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كُردستان وحقها في الدفاع عن مصالح الارتوذكس في الأماكن المقدسة في فلسطين .
ومع تداعيات وثقل تركة ممتلكات السلطنة العثمانية وتشابك مصالح الدول المنخرطة في الصراع عليها وخاصةً المنتصُرة ، فقد توجّهت الأنظار إلى حلّها عبر مظلة عالمية ،، وكانت من أهم مخاضاتها هي معاهدة سيفر التي عُقدت في ( 10 / 8 / 1920 ) وللحقيقة والتاريخ ، فقد أنصفت الكُرد وكُردستان بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى ، وأقرّت بتأسيس دولةٍ في كُردستان تركيا ، ولم يعترضوا على قيام دولة كُردية مشابهة في كُردستان العراق مع حق الإنضمام إلى الدولة الكُردية في تركيا ، ومع موافقة مؤتمر القاهرة على ترشيح الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق ، تمّ استمزاج رغبة الكُرد في الاندماج بالمملكة العراقية أو الانفصال عنها . ومنحت الحكومة العراقية المؤقتة للكُرد حق الاشتراك في انتخاب الأمير فيصل من عدمه ، مع التأكيد على رغبتها في بقاء المناطق الكُردية وعدم انفصالها . واثناء انتخاب الملك فيصل شارك كُرد لواء الموصل فيها ، باستثناء لواء السليمانية ، أما كُرد لواء الموصل فقد صوّت غالبيتهم لصالح الأمير فيصل شرط منحهم الحق بالالتحاق من عدمه مع كُردستان تركية بعد منحها الاستقلال وأهمها مسائل الحدود والتفاوت بين مناطق سكن الكُرد وحدود المنطقة السياسية والإدارية فأل سيء ، إلا أنّ مساعي شريف باشا العضو في جمعية صعود كُردستان ، والذي اقترح في مؤتمر باريس للسلام 1919 خطوطاً عريضة لكيان كُردستان حيث أوضح حدود المنطقة على النحو التالي :
( … تبدأ حدود كُردستان حسب وجهة النظر العرقية إلى الشمال من زيفان على حدود القوقاز ثم تتجه غرباً إلى أرضروم وأرزينجان وكيماخ وأربغير وبسني ودفريقي ، ثم جنوباً حيث يتبع خط حران جبل سنجار وتل الأصفر وأربيل والسليمانية ثم سنانداج . وشرقاً رافاندز وباشقلعة ووزيرقلعة ، وما يسمّى بالحدود الفارسية حتى جبل أرارات . ( تسبّبت تلك الخريطة بنشوب خلافات مع جماعات كُردية أخرى ، لأنها استبعدت منطقة وان ، وقد اقترح أمين عالي بدرخان خارطة بديلة تضمّنت منطقة وان ومنفذاً إلى البحر عبر مقاطعة هاتاي ( أو الإسكندرون ) . ووسط إعلان مشترك للوفدين الكُردي والأرمني فقد أسقطت مطالب الكُرد لولاية أرضروم وساسون ، وإن استمرّت نقاشات حول سيادة الكُرد على أغري وموش . لكنّ معاهدة سيفر لم تؤيّد تلك المقترحات ، لأنها وضعت خطوطاً عريضة لدولة كُردستان مقتطعة من الأراضي التركية ( وأخرجت أكراد إيران وكذلك أكراد العراق وسوريا اللذين تسيطر عليهما كلّ من بريطانيا و فرنسا ) . هذه الخطة التي لم تنفّذ أبداً ، وتمّ الإتفاق على الحدود الحالية بين العراق وتركيا في يوليو 1926 ، وأعطى البند 63 صراحة الضمانات والحماية الكاملة للأقلية الآشورية الكلدانية . ويقول الكاتب فارس عثمان في مقال له ( الكُرد بين سيفر ولوزان – 2016 – 01 – 2 ) . حدود تركيا وفقا لمعاهدة سيفر :
( .. إثر هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى … واستسلامها في مودرس 30 تشرين الأول 1918 ، دعت الصحف والجمعيات الكُردية إلى استقلال كُردستان وتأسيس دولة كُردية ، وقد ساعد على ذلك استقلال البلاد العربية بعد ثورة الشريف حسين ، ووعود الحلفاء خاصةً بريطانيا التي طالبت : بتحرير الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية … والاتصال بالزعماء ورؤساء العشائر الكُردية لمعرفة موقفهم من : العرض البريطاني بفصل كُردستان عن تركيا الذي كان يردّد وبحماس :
( بأنّ على الكُرد الاعتماد على وعود بريطانيا العظمى ) وقد عزّز ذلك الدعوة لعقد مؤتمر للسلام ( مؤتمر الصلح ) لإعادة تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية بشكلٍ خاص ، فانعقد في باريس مؤتمر للصلح بمشاركة 32 دولة ووفود غير رسمية ، في 18 كانون الثاني 1918 واستمرّت أعماله لغاية21 كانون الأول من عام 1920 وقد جاءت معظم قرارات المؤتمر لصالح كلّ من بريطانيا وفرنسا ، وقد حاول الكُرد تحقيق أمانيهم القومية بالاستقلال … معتمدين على وعود بريطانيا ومبادئ الرئيس الأمريكي ولسون ( حق الشعوب في تقرير مصيرها ) . وقد شارك الكُرد في المؤتمر بوفد غير رسمي برئاسة الجنرال شريف باشا الذي انتخب لرئاسة الوفد الكُردي من قبل جمعية تعالي وترقي كُردستان ، وحزب استقلال الكُرد ، والجمعية الكُردية ، والحزب الديمقراطي الكُردي ، وضمّ الوفد فخري عادل بك ، وعادل بك المارديني ، وصالح بك حسني مدير شؤون شريف باشا ، وغالب علي بك سكرتير شريف باشا ، وحاول الشيخ محمود الحفيد إرسال وفد خاص إلى باريس للالتحاق بشريف باشا ، إلا أنّ الإنكليز حالوا دون وصوله . وتمّ الحديث لأول مرة عن كُردستان والقضية الكُردية في المؤتمر في 29 ك 2 عام 1919 من قبل ممثل الوفد البريطاني الذي دعا إلى فصل ( أرمينيا وسوريا وميزوبوتاميا و كُردستان وفلسطين وشبه الجزيرة العربية عن الامبراطورية التركية فصلاً تاماً ) ، ودعت بريطانيا إلى إعادة تقسيم كُردستان ، بإعطاء أجزائها الجنوبية لبريطانيا ، والجنوبية الغربية لفرنسا ، والغربية والشمالية للولايات المتحدة الأمريكية ، وإبقاء كُردستان الشرقية على شكل مقاطعة في إيران .
وتفاوتت مواقف الدول من قضية كُردستان ، فبريطانيا كانت من أكثر الدول اهتماماً بكُردستان، بسبب موقعها الهام في قلب الشرق الأوسط ، التي تسعى بريطانيا للسيطرة عليه برمته . ولقربها من منطقة الخليج ومنابع النفط العربية والإيرانية . وازداد اهتمامها بها بعد اكتشاف النفط فيها وبكميات كبيرة .
أما فرنسا فقد اهتمّت بكُردستان ، لأنّ سياستها كانت ترتكز في السيطرة الاقتصادية والمالية على الدولة العثمانية ، وبسط سيطرتها على شرق المتوسط ، خاصةً « سوريا ولبنان » . وكان النفوذ الفرنسي واضحاً في كُردستان من خلال البعثات التبشيرية ، والمدارس الفرنسية والمشاريع الاقتصادية . أما الولايات المتحدة فقد رفعت شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها ، خاصةً في الدولة العثمانية ، ودعت إلى إنشاء عصبة الأمم . ورفضت العرض البريطاني الفرنسي بالانتداب على أرمينيا وجزء من كُردستان إلا أنّ هزيمة الحزب الديمقراطي وانتهاء فترة رئاسة ولسون دفعتها للانسحاب من المؤتمر . وقد سعى كلّ من وفد الدولة العثمانية التي استسلمت بموجب هدنة مودرس 1918 برئاسة الداماد فريد باشا ، وكذلك الوفد الإيراني منع مناقشة القضية الكُردية ، وحتى مشاركة شريف باشا والوفد الكُردي في هذا المؤتمر ، وقد نسّق شريف باشا الجهود مع الوفد الأرمني برئاسة الوزير بوغوص نوبار باشا الذي كان يمثّل المقاطعات الأرمنية في الأراضي التركية ، وأصدرا بياناً مشتركاً كان له صدى إيجابي في المؤتمر، جاء فيه :
( … إننا بالاتفاق التام معاً نناشد مؤتمر السلام منحنا السلطة الشرعية وفق مبادئ القوميات، لكل من أرمينيا المتحدة والمستقلة وكُردستان المستقلة، بمساعدة إحدى الدول الكبرى، ونؤكّد اتفاقنا التام باحترام الحقوق المشروعة للأقليات في كلا الدولتين ) .
ورداً على تقسيم كُردستان أرسل شريف باشا رئيس الوفد الكُردي في المؤتمر رسالة إلى رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو بوصفه رئيساً للمؤتمر ، طالب فيها باستقلال كُردستان وعرض وجهة النظر الكُردية على ( المجلس الأعلى للمؤتمر ) من خلال مذكرتين :
الأولى باللغة الفرنسية في 22 آذار من عام 1919 وهي تحمل توقيع الجنرال شريف باشا رئيس الوفد الكُردي إلى مؤتمر باريس، وقد طبعت على شكل كراس خاص يقع في 14 صفحة.وتضمّنت ( المطالب المشروعة للأمة الكُردية ) ، وطالب بتأسيس دولة كُردية مستقلة ، وفق مبادئ ولسون ( حق الشعوب في تقرير مصيرها ) ، وفي المذكرة معلومات عن الكُرد ومناطق سكناهم ، ووضعهم، ونضالهم ومطاليبهم وعلاقتهم مع الأرمن . مرفقة بخارطة لكُردستان ضمت كُردستان تركيا و جزءًاً كبيراً من ولاية الموصل . وقدّم المذكرة الثانية في 1 آذار 1920 ، شدّد خلالها على ضرورة فصل الأراضي الكُردية عن الدولة العثمانية ، وتأسيس دولة كُردية مستقلة على غرار الدولة الأرمنية ، بحدودٍ على بحر قزوين والبحر المتوسط ، لتصدير الثروات الكُردستانية إلى الخارج ، ودعا فيها إلى تشكيل لجنة دولية تشرف على ضمّ الأراضي التي يؤلف الأكراد فيها الأكثرية إلى الدولة الكُردية المستقلة كُردستان .
وردا على موقف رئيس الوفد التركي الداماد فريد باشا الذي حاول الإيقاع بين الكُرد والأرمن ، والحديث عن الخلافات الكبيرة بين الأرمن والكُرد ، وجّه رئيس الوفد الكُردي ورئيس الوفد الأرمني الموحد رسالة مشتركة إلى رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو بوصفه رئيساً لمؤتمر الصلح تضمّنت :
( .. باريس 20 تشرين الثاني 1919سيادة الرئيس :
يسعدنا أن نسلّمكم طياً نسخة من كتاب معنون إلى مؤتمر السلام الموقع من قبلنا ممثلي الوفد الأرمني الموحد والوفد الكُردي في مؤتمر السلام .
إن سيادتكم يرى أنه على النقيض من تأكيدات خصومنا الذين يزعمون أنّ الأرمن والأكراد لا يستطيعون العيش بسلام، فإننا عقدنا اتفاق صلح ، على ضوء تحقيق أهدافنا القومية التي هي مقياس للمستقبل ، فنرجو قبول .. مع احترامنا الفائق ” التوقيع “.
رئيس الوفد الكُردي في مؤتمر السلام شريف باشا
رئيس الوفد الوطني الأرمني بوغوص نوبار
$نص الاتفاق:$
الوفد الكُردي الموحد: 12 شارع الرئيس ولسون باريس الوفد الأرمني الموحد: 12 شارع الرئيس ولسون باريس
باريس 20 تشرين الثاني 1919
سيادة الرئيس
نحن الموقّعين أدناه، الممثلين للشعبين الأرمني والكُردي، لنا الشرف أن نبلغ مؤتمر السلام ، فشعبانا لهما نفس المصالح ، ويرميان إلى نفس الأهداف ، ويدركان حريتهما واستقلالهما وبالأخص للأرمن وانعتاقهم من السيطرة القاسية للحكومة العثمانية ، أي تحررهم من نير الاتحاد والترقي . ونحن موحدون جميعاً في الطلب من مؤتمر السلام أن يقرّر استناداً على قاعدة مبادئ القوميات خلق أرمينيا موحدة مستقلة وكُردستان مستقلة مع المساعدة من إحدى الدول العظمى .
عن كُردستان شريف باشا رئيس الوفد الكُردي في مؤتمر السلام
اوهانيسيان الرئيس المؤقت لوفد الجمهورية الأرمنية .
بوغوص نوبار رئيس الوفد الوطني الأرمني .. ).
( .. وقد توصّلت بريطانيا وفرنسا إلى اتفاق أولي على تقاسم التركة العثمانية في مؤتمر سان ريمو في 24 تموز 1920 بالاعتراف بالانتداب البريطاني على العراق وفلسطين ، والانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان والتمهيد لاتفاقية سيفر ، والتي وقّعت في يوم 10 آب 1920 وتألّفت من 13 باباً و 433 بنداً . أعدّتها خمس لجان خاصة تفرّعت من مؤتمر الصلح في باريس. وقد جاءت وفق مصالح الدول الاستعمارية ولا سيما إنكلترا و فرنسا .
( .. وقد احتلّت القضية الكُردية مكاناً بارزاً في معاهدة سيفر اذ خصّص القسم الثالث من الباب الثالث من المعاهدة لمعالجة المسألة الكُردية وحمل هذا القسم عنوان ( كُردستان ) ويتألّف من المواد 64 , 63 , 62 التي هدفت إلى إنشاء دولة كُردية مستقلة في تركيا ، يمكن أن ينضمّ إليها أكراد كُردستان العراق « ولاية الموصل » اذا ارادوا ذلك .كما تطرّقت المعاهدة إلى القضية الكُردية أكثر من مرة خلال مناقشة المسألة الأرمنية ومسألة الأقليات داخل تركيا ، كالفصل الرابع الذي هدف إلى حماية الاقليات . والفصل السادس الذي حمل عنوان( أرمينيا ) والفصل السابع الذي حمل عنوان ( سوريا ، ميزوبوتاميا ، فلسطين ) وتضمّنت البنود الخاصة بالكُرد ما يلي :
$البند 62:$
تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء معينين من قبل الحكومات البريطانية و الفرنسية والايطالية مركزها اسطنبول , خلال ستة أشهر من تاريخ تنفيذ مفعول هذه المعاهدة , بإعداد مشروع حكم ذاتي محلي للمناطق التي يشكّل فيها الأكراد الأكثرية والتي تقع إلى الشرق من الفرات وإلى الجنوب من الحدود الجنوبية لأرمينيا , كما تحدّد فيما بعد ، وإلى الشمال من الحدود التركية مع سوريا وميزوبوتاميا بشكلٍ متوافق مع الوصف الوارد في ’’3,2,11’’ من البند السابع و العشرين من المعاهدة ، وفي حالة حدوث اختلاف في الرأي حول موضوع ما
يعرض الاختلاف من قبل أعضاء اللجنة على حكوماتهم المعنية ويجب أن تتضمّن هذه الخطة الضمانات التامة لحماية الآشوريين – الكلدان وغيرهم من الأقليات العنصرية أو الدينية الداخلة في هذه المناطق . ومن أجل هذا الغرض تقوم لجنة مؤلفة من ممثلين ( بريطاني و فرنسي و ايطالي و إيراني و كُردي ) بزيارة الأماكن لدراسة التغيرات التي يجب إجراؤها ، عند الحاجة في الحدود التركية حيثما تلتقي بالحدود الإيرانية ، ولتقريرها بحكم قرارات هذه المعاهدة .
$البند 63 :$
تتعهّد الحكومة التركية من الآن بالاعتراف بقرارات اللجنتين المذكورتين في البند 62 والقيام بتنفيذها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ابلاغها بها .
$البند 64 :$
إذا راجع الأكراد القاطنون في المناطق الواردة ضمن البند 62 ، مجلس عصبة الأمم خلال سنة من نفاذ هذه المعاهدة ، مبيّنين أنّ أكثرية سكّان هذه المناطق يرغبون في الاستقلال عن تركيا . واذا وجد المجلس آنذاك أنّ هؤلاء جديرون بمثل ذلك الاستقلال واذا أوصى – المجلس- بمنحهم إياه ، فإنّ تركيا تتعهد من الآن أن تراعي تلك الوصية ، فتتخلى عن كل مالها من حقوق وحجج قانونية في هذه المناطق ، وتصبح تفاصيل هذا التنازل موضوع اتفاق خاص بين الدول الحليفة الرئيسة و تركيا . وإذا وقع مثل هذا التخلي ، وفي الوقت الذي يحدث فيه ، فإنّ الدول الحليفة الرئيسة لن تضع أي عراقيل بوجه الانضمام الاختياري للأكراد القاطنين في ذلك الجزء من كُردستان الذي مازال حتى الآن ضمن ولاية الموصل ، إلى هذه الدولة الكُردية المستقلة ……
$يتبع في القسم الأخير$
ملاحظة هامة : ماورد اعلاه في متن النص هو إعداد موسّع وتمّ الإعتماد في كثير من تفاصيلها على ما هو متاح في غوغل وغيرها ونصوص المعاهدات والتوافقات أيضا وإن كانت هناك مقالات وآراء فقد أشرنا لها في متن النص[1]