معدومو الجنسية ومكتومو القيد في محافظة الحسكة.. ماذا تعرف عنهم؟
$المدخل$
تشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود 10 ملايين شخص على الأقل من معدومي الجنسية في عشرات البلدان المتقدمة والنامية حول العالم، إلا أن العدد الدقيق غير معروف، ويمكن العثور على معدومي الجنسية في أفريقيا والأمريكيتين وآسيا وأوروبا، وبعض البلدان العربية في مقدمتها دول الخليج؛ إذ تعيش فيها مجموعات من السكان يطلق عليهم “البدون” لا يتمتعون بجنسية أي دولة من دول الخليج، ولم يكن حال بعض سكان الجزيرة السورية أفضل من نظرائهم من معدومي الجنسية في أنحاء مختلفة من العالم، ولا سيما أن منطقة الجزيرة “محافظة الحسكة” تقع على الحدود العراقية والتركية، وقد ساهمت عوامل عدة في حرمان بعض سكان الجزيرة من حق المواطنة، منها: خروج الدولة العثمانية وخضوع المنطقة للاستعمار “الفرنسي والإنكليزي” وما فرضته اتفاقية سايكس بيكو من تغيرات في الحدود بين الدول من جهة، وما كرسه إحصاء الحكومة السورية عام 1962 من جهة أخرى الذي سيكون محور موضوعنا.
$ما هو إحصاء 1962؟.$
هو مرسوم جمهوري أصدره الرئيس السوري ناظم القدسي في الثالث والعشرين من آب عام 1962 برقم 93 تضمن إجراء إحصاء للسكان في منطقة الجزيرة السورية لتحديد هوية المواطنين، وتحديد الأجانب ذوي الأصول التركية والعراقية، وتصحيح السجلات المدنية في المنطقة، وتضمن الإحصاء مواداً عدّة من أهمها:
المادة الأولى: يجري إحصاء عام للسكان في محافظة الحسكة في يوم واحد يحدد تاريخه بقرارٍ من وزير التخطيط بناءً على اقتراح وزير الداخلية.
المادة السادسة: عند الانتهاء من عملية إحصاء السكان في محافظة الحسكة، تشكل لجنة عليا بمرسوم جمهوري بناءً على اقتراح وزير الداخلية لدراسة نتائج الإحصاء، وتقرير تثبيتها في سجلات الأحوال المدنية الجديدة أو عدمه، وإعداد التعليمات لذلك.
ونتج من ذلك الإحصاء أموراً عدة من أهمها أن سكان منطقة الجزيرة السورية انقسموا إلى ثلاث مجموعات:
اولاً: مواطنون سوريون يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية السورية بعد أن جرى تقدير أعمارهم.
ثانياً: أجانب لا يحملون الجنسية السورية، لكنهم مسجلون في القيود الرسمية باسم “أجانب الحسكة” في سجلات الفروع الأمنية، وبخاصة أمن الدولة.
ثالثاً: مكتومو القيد وهم غير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية، ولم يشملهم الإحصاء لأنهم كانوا إما في البادية أو كانوا يظنون أنهم مسجلون بناء على جولة سابقة من تقدير الأعمار والإحصاء، لكنهم لم يثبتوا وقتها في السجلات الرسمية.
أعداد تقريبة
يقدر عدد “الأجانب” في منطقة الجزيرة السورية في القيود المدنية الذين يحملون صفة “أجانب محافظة الحسكة” بنحو 200 ألف تقريباً، أما من يعرفون ب “مكتومي القيد” وغير المسجلين في القيود المدنية قرابة 50 ألفاً، حوالى 10 في المئة منهم عرب والباقي من الأكراد، وهي أعداد تقريبية لعدم وجود منظمات أو مراكز إحصاء متخصصة، بينما قدرت بعض التيارات والأحزاب الكردية ممن اهتموا بهذه القضية عددهم بحدود 350 ألف شخص.
$عرب حرموا من الجنسية السورية بعد الإحصاء$
عندما تثار هذا القضية يذهب الجميع إلى أن الأكراد وحدهم من شملهم الإحصاء ولكن الحقيقة أن الإحصاء شمل العرب والأكراد في منطقة الجزيرة على حدا سواء، ونتج منه حرمان عدد منهم من الجنسية بعد إحصاء 1962، ولكن كانت أعداد العرب أقل من الأكراد، والعرب المحرومون معظمهم ينحدرون من عشائر عربية لها أصولها في المنطقة منذ مئات السنين، منها قبيلة شمر وبخاصة الذين يعيشون في المناطق المحاذية للحدود العراقية السورية، وقبيلة عدوان وقبيلة البقارة وعشيرة حرب في مدينة رأس العين وريفها، وعشيرة بني سبعة، وعشيرة الطفحين في مناطق تل براك وتل حميس وأريافها، وما زالوا يعتبرون أنفسهم مواطنين سوريين يجب أن ينالوا حقوق المواطنة كاملة، ولكن تقاعس الحكومات السورية المتعاقبة على الحكم في سوريا عن إيجاد حل لمشكلتهم عمَّق مأساتهم.
بعد عام 2011 وبالتحديد بعد صدور قرار التجنيس لأجانب الحسكة عندما طلبت الحكومة تسجيل المكتومين بشكل عام وتقدير أعمارهم، لمنحهم الجنسية، تجددت الرغبة لديهم في الحصول على الجنسية، إذ خرج عام 2012 بضعة آلاف منهم من أطفال ونساء ورجال في مدينة الحسكة للمطالبة بحقهم في التجنيس، وقامت حكومة نظام الأسد بإحصاء ووعدتهم بمنحهم الجنسية، ولكن لم تفِ بوعودها إلى الآن.
معاناة معدومي الجنسية
منذ صدور قرار الإحصاء وإلى يومنا هذا ومع ازدياد أعدادهم يعاني معدومو الجنسية بشقيهم “الأجانب” و”مكتومي القيد” كثيراً من المصاعب؛ إذ لا يستعطون الحصول على شهادة ولادة لأولادهم، ولا يحق لهم استخراج “قيد”، ويصعب عليهم تثبيت وفياتهم، وهم محرومون من حق تثبيت وقائع الزواج في سجلات الدولة، وحتى أطفالهم يعانون وخصوصاً عندما يصلون إلى عمر الدخول إلى المدرسة، إذ يتأخر دخولهم إلى المدارس الابتدائية إلى أن تُعطى لهم شهادات التعريف بعد أن تُجرى التحقيقات من الأجهزة الأمنية، وكذلك لا يحق لهم العمل في الدوائر والمؤسسات والشركات إضافة إلى حرمانهم من حق الاستفادة من القروض التي تمنحها البنوك العامة والخاصة بشكل عام، ولا يحق لهم خدمة العلم، ولا يمنحون جوازات سفر ومن ثم لا يتمكنون من السفر إلى خارج البلاد، ويحرمون من الحقوق المدنية المنصوص عليها في الدستور كحق الترشيح والتصويت. ولكن رئيس اللجنة العليا للانتخابات سليمان القائد كان قد صرح مؤخراً بأن الانتخابات حق وواجب لكل مواطن سوري والأكراد مواطنون سوريون بموجب المرسوم رقم 49 مُنِح بموجبه الأجانب المسجلون في سجلات الحسكة الجنسية السورية، ومن ثم يحق لهم الترشح والانتخاب للإدارة المحلية، كاشفاً عن أنه “جرى تحديد دوائر انتخابية للإدارة المحلية في مدينة الحسكة ومنطقة القامشلي وعفرين وعين العرب، حيث سيمارسون حق الانتخاب أول مرة في منتصف أيلول القادم”.
أمّا المكتومون، فقد ندم كثيرون منهم على عدم قبوله سابقاً بنقل صفته من مكتوم القيد إلى “أجنبي” خشية أن يحسب “كردياً أجنبياً” بعد أن حصل الأجانب على ما لم يحصل المكتومون عليه، فهم ما زالوا لا يُقبلون في المستشفيات والمصحات العامة، ولا يحق لأولادهم الدراسة في المعاهد والجامعات السورية، ولا يحق لهم تملك العقارات السكنية والزراعية ولا المركبات، ولا يمكنهم الحصول على البطاقات التموينية، وحتى عقود الهاتف أو الكهرباء أو الماء لمنازلهم، فإنها لا تنظّم باسمهم وإنما باسم أحد أصدقائهم أو أقربائهم أو زوجاتهم ممن يحملون الجنسية.
هذا فضلاً عن مشكلات يومية عدة بالتحديد في حق العرب معدومي الجنسية، وبخاصة مع انتشار الحواجز الأمنية والعسكرية بكثافة في مناطق محافظة الحسكة، وعدم تصديق عناصر حواجز الميليشيات الكردية بأن هناك من العرب من هو مكتوم القيد ولا يحمل بطاقة شخصية، إنما يعتمد على ورقة يكتبها المختار في قريته أو حيه تؤكد أنه من سكان المنطقة ومعروف من قبله..
وضع مكتومي القيد إبان انتفاضة السوريين.
مع بداية الانتفاضة السورية وانطلاق التظاهرات في شهر آذار 2011، سارع رئيس النظام السوري بشار الأسد في السابع من أبريل/ نيسان2011 أي خلال الشهر الثاني من الثورة السورية إلى استصدار المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2011 القاضي بمنح المسجلين في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية، الأمر الذي سمح لآلاف من معدومي الجنسية في الجزيرة السورية فرصة الحصول على الجنسية، ووفقاً لأرقام المفوضية العليا للّاجئين، فقد حصل قرابة 104 آلاف شخص من معدومي الجنسية على الجنسية السورية، منذ صدور المرسوم وحتى منتصف عام 2013 صدر إعفاء من منح الجنسية السورية بهذا المرسوم شرط مرور مدة 5 سنوات لاكتساب الحقوق أو الالتزام بالواجبات..
وأخيراً فإن هذه المشكلة عالمية نتمنى أن تسارع الدول إلى حلها وأن تستجيب إلى نداء المنظمات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني لإنصاف هؤلاء الأشخاص الذين حرموا حقوقهم وإنسانيتهم على حدا سوء.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي [1]