محمد عبد الوهاب الحسيني. كاتب وباحث سوري
تبدو الموسيقا الكردية في غالبيتها، حزينة ولكنها تبقى متشبثةً بالحياة رغم الموت الذي يداهم باستمرار المكان والزمان الكرديين.
ثمة عدة نماذج من الموسيقا الكردية الكلاسيكية، فهناك رواة القصص الشعرية، والأغنية الملحمية ومن أهم ملاحم الغناء الكردي ملحمة “قلعة دمدم” وحكاية العشق العذري التاريخية المسماة “ مم وزين”، حيث يتغنى الكرد بحكاياتٍ عن أبطالهم عبر التاريخ، إضافةً إلى الغناء الطربي والأغاني الغرامية الشعبية المعبّرة عن الحب وأحزان الفراق أو الأغاني الإيروتيكية التي تتحدث عن الحب والجنس، كما نجد موسيقا الترانيم الدينية.
وتنتشر الآلات الموسيقية الكردية مثل الطنبور والبزق والناي في شمال وغرب كردستان، أما الطبل والمزمار فينتشران في أجزاء كردستان عموماً. يذكر أحد الباحثين المهتمين بالتراث الموسيقي الكردي إن التراث الموسيقي الكردي عريق عراقة الكرد أنفسهم في تاريخ غربي آسيا، وحسبنا دليلاً على ذلك أن مقامين بارزين من مقامات الموسيقى الشرقية كرديان؛ الأول مقام الكرد والثاني مقام نهاوند، ونهاوند هو اسم مدينة كردية قديمة في جنوبي كردستان.
ويجدر بالذكر أن أي شعب كالشعب الكردي، لاريب يتمسك بموسيقاه لأنها ذاكرة قومية تحميه من الفناء والتلاشي، لاسيما إذا كان هذا الشعب تحت نير الاستبداد ويتعرض تراثه وهويته القومية وثقافته للعداء، فالموسيقا لا تنفصل أبداً عن رحلة الحقيقة ولذلك نستطيع أن نسمع صوت الأكراد جليّاً عبر موسيقاهم التي تحمل المعاناة وتبوح بفيض من الوجدان والمشاعر.
إن قساوة حياة الكردي وما تعرض له من نكبات، جعلت موسيقاه وأغانيه غير بعيدة عن الحزن، من جهة أخرى يذكر أن الأغنية الكردية لاتأتي دائماً مصحوبة بموسيقا تغذي كلماتها، بل أحياناً يكون الغناء وحده وصاحب الحنجرة التي تؤدي هذا الغناء، كفيلين بالتأثير فيمن يسمعه.
ويذكر الباحث الدكتور أحمد خليل : تسمع الموسيقا الكردية من غير مصاحبة الغناء وعندئذ تبرز خصائصها الطويلة والسيكولوجية على نحو أفضل، وتتذوقها النخب المثقفة. ويردف قائلاً: الموسيقى، سواء كانت منفردة أم مصحوبة بالغناء، عميقة الجذور في الميثولوجيا الكردية.. ولا يمكن لك أن تستمع إلى الموسيقا الكردية دون أن تلحظ ارتباطها بالحزن والألم، ومثلما جبال الكرد تحميهم وهي عامل حاسم في بقائهم في هذا الوجود كي لا ينقرضوا، فإن الموسيقا والغناء عاملان لهما أهميتهما في الحفاظ على وجودهم وتراثهم وثقافتهم الخاصة بهم.
من ناحية أخرى نجد دراسة تحمل عنوان “الكرد، دراسة سوسيولوجية وتاريخية” لمؤلفها الروسي”باسيلي نيكيتين“، يتحدث هذا الباحث عن الغناء والرقص بأنهما سمةٌ لكل كردي يتذوق الأشعار الكردية المغنّاة وهي التي بجمالها تثير الأحاسيس الجماعية ليبدأ الكرد، نساءً ورجالاً، بالرقص المثير للإعجاب على الأنغام الشجية، فتلتهب المشاعر والعواطف شيئاً فشيئاً.والشيء الملفت أن الرجال الكُرد لايعترضون على مشاركة المرأة معهم في حلبة الرقص بل يشعرون بسرور وبهجة في الرقص إلى جانب الحسناوات.
كما أن لديهم تراث فولكلوري غزير، حيث يرتدي الرجال والنساء أحلى الأزياء التراثية أثناء الرقص والدبكات كما هو الحال في عيد النوروز الكردي. ويقول المستشرق “ أبوفيان “ : إن الروح الشاعرية تكمن في أعماق كل كردي، فهم يمتلكون القدرة والموهبة في الغناء، وهم يغنون ببساطة وهدوء، ويغنون لوديانهم وجبالهم وشلالاتهم وأنهرهم.. وهم يغنون للشجاعة والجمال”.
إن الموسيقا والغناء والرقص الكردي، ينشد الحياة رغم بؤس ومأساة الواقع في ظل الاستبداد والتعسف الذي يلقاه ممن سلبو وطنهم. ورغم الحزن في موسيقاه وغنائه ورقصاته، إلا أننا نجد الفرح والحب والعشق للأرض والحبيبة والحياة رغم كل الأهوال.[1]