تركيا – سوريا: معاداة الكُرد ليست حلاً!
قيل الكثير في دوافع استدارة الحكومة التركية نحو دمشق و(مدّ اليد) لنظامٍ لطالما اتهمه جميع المسؤولين الأتراك بشتى الاتهامات والأوصاف التي يكيلها الأعداء لبعضهم على مدار عقدٍ وأكثر من الأزمة السورية. ناهيكم عن تزويد معارضة النظام بكافة وسائل الدعم في سبيل إسقاطه. إلّا أنه من الواضح أن الحكومة التركية وضمن مساعيها المستمرّة للاستثمار في الكارثة السوريّة، ذهاباً وإياباً، ليست أمام مراجعة نقدية لدورها الأساسي الخطير في إشعال الحريق السوري وصبّ الزيت عليه، ولا إبداء أي التزام حقيقي بسحب قواتها العسكريّة وأجهزتها الإداريّة من المناطق التي تحتلّها من الشّمال السوري تحت حجج وذرائع مختلفة، وهي كلمة السرّ في موضوع العلاقات التركية السورية.
من الواضح أيضاً أنّ الحكومة التركية مستعجلة لاستكمال عملية طرد أكبر عددٍ من اللاجئين السوريين من تركيا خلال الأشهر القليلة القادمة قبل الانتخابات المفصلية المرتقبة، وتحاول إعادة التجارة بين تركيا وسوريا (حكومة دمشق) وربما المساومة على رأس بعض المجموعات المسلّحة العاملة بإمرتها أو تحت حمايتها؛ وتبذل أنقرة جهوداً حثيثة لتوجيه تطبيعها المزعوم مع النظام في دمشق، كما تفاهماتها مع روسيا وإيران الفاعلتين على الأرض وتجمعهما مع تركيا مصالح مختلفة ومساومات عديدة في سوريا ضمن صيغة «أستانة»، ضدّ الكُرد والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا. أي أن معيار حسن سلوك النظام وفق أنقرة هو في الموقف العدائي الذي سيلتزم به ضدّ الكُرد والإدارة الذاتية، بل وتعاونه الميداني مع الجيش التركيّ وأعوانه، أي مع معارضيه، ضد قوات سورية الديمقراطية «قسد».
إنّ بناء علاقات سليمة ومتوازنة بين البلدين الجارين، سوريا وتركيا، وسلام دائم ووئام حقيقي بينهما، وتجارة متبادلة نشطة، سيكون في صالح الشعبين؛ آن لمنطق الحرب والاحتلال أن يتوقف، لكن لدى الكُرد والوطنيين السوريين عموماً كلّ الشكوك المبرّرة في أن تركيا ليست في وارد مصالحة حقيقية مع جارتها الجنوبية ولا إنهاء تدخلاتها السّافرة في الشأن السوري؛ بل تسعى لشرعنة تدخلٍ ووجودٍ مستدام لصالحها في الشّمال السوري وقوننته بصيغ جديدة مسمومة، وما دام النظام غير مستعد لحلّ الأزمة السوريّة وتغيير نهجه الأمني الاستبدادي ولتخفيف معاناة السوريين المتبقين في الداخل، فكيف سيُرحّب باللاجئين من خارج سوريا، كما زعم وزير الخارجية التركية قبل أيام، مادحاً النظام في دمشق! ودون أن يهيأ الظروف والمناخات السياسية الملاءمة لعودةٍ طوعية وآمنة لملايين النازحين واللاجئين.
المعادلة المنطقيّة والواقعيّة هي: تكون تركيا بخير عندما يكون الكُرد وسوريا بخير وسلام. والعكس بالعكس. بيدَ أن حكّام أنقرة لديهم معادلتهم الخاصّة عكس منطق السّلام وحسن الجوار، وها هم يعلنون أنه بمجرد أن يتعاون النظام في دمشق مع الحكومة التركية في محاربة الكُرد والإدارة الذاتية سيعمّ «السّلام» ربوع سوريا وتتحقق «الوحدة الوطنية» بأبهى صورها، وعفا الله عمّا مضي من «سوء تفاهم» كلّف سوريا ملايين القتلى والجرحى والنازحين والمُهجّرين ودمار البنية التحتيّة واحتلالات عديدة![1]