كن مع الأكراد ستربح…
محمد الأصفر*
خريف عام 2014م زرت مدينة السليمانية للمشاركة في مهرجان كلاويز الثقافي، حيث قضيت فيها أربعة أيامٍ جميلة تعرفتُ فيها عن كثبٍ على الأدب الكردي من خلال اللقاء بعدة كتابٍ أكرادٍ وكتابٍ آخرين جاءوا من عدة دول، لإثراء الفعالية الثقافية ببحوثهم وورقاتهم الأدبية الدسمة.
قبل وصولي للمهرجان حدث لي موقفُ في مطار استانبول، موظف الخطوط الجوية التركية لم يسمحْ لي بركوب الطائرة، ليس في جواز سفري فيزا العراق، قدمتُ له رسالة الدعوة الرسمية للمهرجان فقال لي يوك يوك، كان في الطابور رجل كردي طويل طلب مني الدعوة وقرأها وتحدث مع موظف الخطوط الجوية قال له اتركه يركب على مسؤوليتي سيتحصل على الفيزا في مطار السليمانية، بلادهم حرب والسفارات هناك مغلقة. وفعلا ركبت الطائرة وفي المطار أخذني إلى صالة الضيوف وأخذ جواز سفري وأتم لي إجراءات الدخول، في اليوم الثاني من المهرجان التقيتُ به كان من ضمن المتابعين للمهرجان طلبت منه اسمه وعنوانه فقال لي أنا كوردستان، فيما بعد مدير المهرجان د نوزاد سألته عنه قال لي اسمه الذي نسيته الآن لكن لم ولن أنس موقفه النبيل معي.
كنا نعرف الكثير عن كوردستان وعن الظلم الذي تعرضت له حيث نهشت أراضيها عدة دول تشاركها الحدود التي صنعها الاستعمار واتفاقياته الدولية المخزية ونتابع كفاحهم وما يتعرضون له من جرائمَ لا إنسانيةٍ كجريمة حلبجة وغيرها مما تقترفها في حقهم الدول المبتلعة لأراضيهم كلما علا صوتهم مطالبين بحقوقهم المشروعة أو نظموا احتجاجاً يعبّرُ عن آرائهم.
في نشرة الأخبار الليبية دائماً ما نطالعُ بشكلٍ يومي خبراً عن كفاح الشعب الكردي من أجل حريته، وللعلم هناك عائلاتٌ كوردية تعيشُ في ليبيا منذ زمن العثمانيين حيث قام العثمانيون بتهجيرهم من وطنهم إلى عدة مدن ليبية ليتخلصوا من ثوراتهم وانتفاضاتهم ولكن لم يتأقلموا في ليبيا الجغرافيا مختلفة، افتقدوا ربيعهم وجبالهم وألحانهم وما تردده من صدى أغانيهم وعاد معظمهم إلى كوردستان فيما بقت عائلاتٌ قليلة امتزجت في النسيج الليبي تماما فنجد لقب الكوردي في مدن طرابلس وبنغازي ومصراتة وغيرها.
صديقي الكاتب عبد السلام الغرياني كان منخرطا في المعارضة لنظام القذافي وحينما كان يقيم في العراق الذي احتضن القوميين العرب آنذاك اقترح عليه صديقٌ كردي أن يرتدي اللباس الكوردي التقليدي الذي يلبسونه في المناسبات الوطنية وفي الأعراس وفي عيد النيروز 21 مارس بداية السنة الكوردية وأخذ له صورة. عندما عاد إلى ليبيا قُبض عليه وحققوا معه، لكن صورته باللباس الكردي خففت عنه كثيرا في التحقيق، حيث كان نظام القذافي يدعم الأكراد وكفاحهم ضد الأتراك وضد صدام حسين فتم الإفراجُ عنه، قال لي: كن مع الأكراد وستربح.
عندما يردُ إلى ذهني اسم كردستان أتذكرُ الربيع والموسيقى والحياة والبهجة وكذلك عيد النيروز الذي تعتبره الجماعات الدينية عيداً وثنياً بينما هو عيدُ فرحٍ ومرحٍ وتجددٍ واستقبالِ فصلٍ زمني جميل يبتسم ضاحكاً على رأي البحتري حبانا به الله، ولا أنكرُ أنَّ زيارتي لكردستان كانت لب بابِ خيرٍ فهناك تعرفتُ على كتّابٍ ألمانٍ ، ألمان وأيضاً أكراد لديهم جنسية المانية، أي أوراقُهم ألمانية وقلوبهم كردية، وجددتُ معهم ذكرياتي في مدينة بون التي زرتها صغيراً عام 1979م وتعلمتُ فيها شيئاً من اللغة الألمانية التي لم تغادر ذاكرتي طيلة 35 سنة خاصة الجملة الحميمية التي تعلمتها في أول يوم وطأت فيه أرض الراين مثل Ich liebe dich، وبعد عامٍ واحد فقط من زيارتي للسليمانية كنت في مدينة بون أعيش في أمن وسلام وحريةٍ حيث بدأتُ الكتابة من جديدٍ بعد توقفِ 5 سنواتٍ تقريباً، وطبيعي جداً أنْ أكتبَ عن المكان الذي أعيش فيه حالياً فلمْ أجدْ أمامي إلا بتهوفن وتمثالَه المهيب وسط المدينة، وكتبت دون توقف 3 روايات موضوعها ألمانيا وليبيا من ضمنها رواية بوق التي أسعدني كثيراً أنْ تكونَ أولُ ترجمةٍ عالمية لها باللغة الكردية، لغة الحب والربيع والنور والموسيقى ومقامها الكردي الحزين.
ذاتَ مساءٍ طلب مني الصديق الروائي وحيد الطويلة ايميلي، قال لي سيتصل بك مترجمٌ كردي مبدعٌ وصديقٌ، قرأ رواية بوق وأعجبته وهو متحمسٌ لترجمتها، شكرته وأعطيته الإيميل، وتواصلَ معي المترجمُ الصديق صباح إسماعيل وشكرته وقلت له أن هذه الترجمة تشرفني كثيرا فلكردستان مكانةٌ خاصة في قلبي ودائماً أقرأ الأدبَ الكردي وأعرفُ الكثير من الكتّاب الأكراد الأصدقاء شخصياً أو عن طريق قراءة كتبهم عن طريق سليم بركات، جلال زنكبادي، برهان شاوي، الملا بختيار مروان علي، جان دوست، مها حسن هيثم حسين، حسين حبش ومحمد دلي وغيرهم.
رواية بوق تحكي عن الحب والحرب والموسيقى والسلام والتاريخ، أحداثها في مدينة طبرق الليبية والمدن المجاورة لها في مصر حيث دارت رحى الحرب العالمية الثانية، كذلك بها أحداثٌ في المانيا، وبدأت فكرتها تختمر في قلبي منذ عام 2003 حيث زرتُ مع زوجتي مدينة طبرق ومكثنا أياماً في ضيافة أسرة صديقي الحاج فريد الزوي وصحبنا صديقنا الكاتب عوض الشاعري لزيارة المقبرة الألمانية، وهي بناء معماري على هيأة قلعة تم بناؤها فوق تبّة مطلة على شاطئ البحر حيث يراها كل أهل طبرق، وفي المقبرة شاهدتُ القبر الجماعي الذي يضمُّ رفاةَ عدة ألافٍ من الجنود الألمان من ضمنهم بطل روايتي عازف البوق وهو شخصية خيالية للعلم، وكذلك الجدران المنقوش فوقها أسماء الجنود الذين ابتلعتهم الحرب. ومضت الأيامُ لتلح على الرواية كي اكتبها عام 2017م وأدفع بها للنشر وأترك قراءة الرواية أو بالأحرى النفخ في البوق للقراء الأكراد الأعزاء متمنيا لهم كل الخير وأوصيهم بأن لا يفقدوا الأمل في تحقيق أحلامهم في العيش في وطنٍ كردستاني حرٍ ليس داخل الرأس وفي الأحلام فقط إنما على أرض الواقع.
* كاتب وروائي ليبي – له خمسة عشرة رواية مطبوعة
[1]