قبل خمسة اعوام واثر لقاءات متعددة مع الشاعر كاظم السماوي في داره الكائنة في العاصمة ستوكهولم نشرت هذا الحوار الذي دار بيننا في جريدة الاتحاد/ بغداد العدد 1102 الاحد 4 / 9 / 2005، وكنت قد خططت لتسجيل حوار مصور للشاعر الراحل ، وشاءت الصدف ان اكون في ستوكهولم قبل رحيله باسبوعين منشغلا بالتحضير لاستلام وادارة مركز انتخابي فاجلت زيارته الى وقت اخر ولم اكن اعلم ان نيوب الردى تترصد الشاعر الكبير ، واذا باخبار رحيله تاتي عاصفة فلم نتمكن حتى من توديع موكبه فقد نقل جثمانه بسرعة الى السليمانية بتوصية من السيد رئيس الجمهورية مام جلال .
وداعا ايها الشاعر الكبير ، المناضل الفذ الذي لم يتنازل عن مبادئه من أجل منصب او مكافأة او تكريم ، وداعا ايها الشاعر السماوي ولتظللك سفوح جبال كوردستان بظلالها الوارفة ولتسقيك عيون اليانبيع بمياهها العذبة ، كوردستان التي لم تتنكر لها يوما بل كنت المدافع الابرز عنها وعن المظلومين وجماهير الكادحين ، وداعا ايها النسر الاحمر كاظم السماوي .
نشر الحوار تحت العنوان التالي :
الشاعركاظم السماوي بين كوردستان و ضفاف بحيرة سويدية
حاوره في ستوكهولم : د . #مؤيد عبد الستار#
كاظم السماوي شاعر عراقي كبير ، عرف المنفى منذ اواسط خمسينات القرن الماضي ، غادر العراق الى المهجر وتنقل في بلدان عدة ، ولكنه عاد مع ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 م ، ليتقلد منصب مدير عام الاذاعة في بغداد ، وقد ارتبط بعلاقة وثيقة مع الشعب الكوردي من خلال صحيفته الانسانية التي اصدرها ببغداد بعد ثورة تموز، وناصر فيها قضية الشعب الكوردي مما ادى الى زجه في السجن .
التقيته في ستوكهولم حيث يعيش واحببت ان ادردش معه عن اشياء كثيرة ، ولكن ضفاف البحيرة التي التقيته قربها ، وازدحام الناس بمناسبة الصيف الجميل ، اضطرني الى الاختصار في الاسئلة . وهنا بعض مادار بيننا من حديث .
* كيف عرفت كوردستان ؟
- اول مرة ذهبت فيها الى كوردستان كانت زيارة اصطياف ، كان ذلك عام 1940 ، زرت شقلاوة ، وكانت المفاجأة في عدم وجود فنادق فيها ، فاستأجرنا ( كبرة ) قرب ساقية ، اذكر كنا نضع فيها الفاكهة لتبرد . في تلك الزيارة عرفت القرية الكوردية ، ولمست الفقر ، كانت هناك مقهى صغيرة ، حين يزورها الاقطاعي ينهض الناس لتحيته.
* هل هناك زيارات اخرى تلت تلك الزيارة؟
- في الستينات دعيت الى كوردستان، كان في اربيل تلفزيون اسود وابيض ، وقدمني في برنامج تلفزيوني الاستاذ مصطفى صالح كريم ، كما نشرت بعض القصائد في صحيفة ( خه بات – النضال) ، وبعد اعوام اسهمت في جريدة النور التي كانت تصدر ببغداد ، فتوطدت علاقتي مع الشعب الكوردي والقوى السياسية الكوردية .
اذكر في احدى السنوات العجاف اختفيت في اربيل ، فكانوا اثناء اختفائي يقدمون لي الكباب ولبن اربيل ، وذلك لدواع امنية ، اذ كان يسمح لاحد الموثوقين فقط ان ياتيني بالطعام .
لقد استقر بي المقام في كوردستان عدة سنوات ، ثم اضطررت للمغادرة الى الخارج ، ولكني عدت من جديد بعد التغيير الذي حصل وسقوط النظام الدكتاتوري ، عدت الى كوردستان ، فاصدرت من جديد جريدة الانسانية ، ووزعت في السليمانية ، وكانت حافلة بمقالات الادباء الاكراد مثل د . عز الدين رسول ومصطفى صالح كريم ، ولكن ظروفي الصحيةلم تسمح لي بالاستمرار في اصدارها.
* كيف كانت عودتك الى كوردستان؟
- استقبلت استقبالا كبيرا ، أقام الاستاذ جلال الطالباني حفل استقبال اشاد فيه بموقفي من القضية الكوردية ، التي واكبتها منذ عام 1947 ، شعرا وموقفا سياسيا .
كما ترجمت بعض قصائدي الى اللغة الكوردية ، وقد قدمني في تلك الامسية الاحتفالية الدكتور عز الدين رسول.
* هل عملت في الصحافة الكوردية ؟
- نشرت مذكراتي تحت عنوان خمسون عاما من الرحيل بين المنافي في اكثر من ثلاثين حلقة في جريدة الاتحاد ، بجانب العديد من القصائد والمقالات الاخرى .
* ماذا عن المقابلات التلفزيونية وهل ترجمت اعمالك للغة الكوردية؟
- كانت المقابلات في اللغة العربية ، وكانت عن الشعر ، اذ قرأت بعض قصائدي ، وحوار عن شعري وقصائدي عن كوردستان ، وعن الموقف السياسي .
* هل تعلمت او حاولت تعلم اللغة الكوردية؟
- بسبب اتقان الادباء الكورد للغة العربية لم الجأ الى الحديث باللغة الكوردية ، ولكن احفادي الان يتكلمون الكوردية بطلاقة ، ولابد ان اذكر هنا الزميل عادل مراد ومساندته لي حين كان مديرا للاعلام ، كان موقفه مشجعا ودائم الترحيب بي فجعلني ارتبط بقوة بمجتمع مدينة السليمانية ، وكانت معرفة سكان المدينة بموقف جريدة الانسانية المناصر للقضية الكوردية في الستينات مثار اعتزاز لعلاقاتنا السياسية والثقافية ، إذ قامت جريدة الانسانية في اعوام الستينات بنشر افتتاحياتها وبمانشيتات كبيرة تطالب بالسلم في كوردستان، وكان هذا الموقف مناهضا للقوى العسكرية التي كانت تهاجم الشعب الكوردي.
* كيف تقارن بين حياتك في كوردستان وفي السويد ؟
- لقد عانيت من العزلة الثقافية ( الادبية ) وكذلك صعوبة الكتابة بسبب مرضي ، كما عانيت شتاء السويد وحرمت من الاجواء الجميلة وخاصة ربيع السليمانية ، وافتقد حرارة العلاقات الودية للاصدقاء والادباء ، اسماء كبيرة من الاصدقاء افتقدها مثل شيركو بي كه س والدكتور مصطفى عز الدين وجوهر #كرمانج# والعديد من الاخوة الاعزاء.
* هل تذكر اغنية كوردية اعجبتك ؟
- اذكر احدى المرات كنت في حفل في كوردستان ، سمعت اغنية جميلة ، ترجم كلماتها لي احد زملائي ، وكانت من الغزل الفاضح ، وعلمت بعد ذلك ان الاغاني الكوردية تتحدث عن المرأة بجمالية عالية ، وارى ان العديد من اغاني الدبكة والاغاني الراقصة الكوردية مطربة ومثيرة.
* هل كانت اغنية شمامة خلخالة للاخوين برايان زيزي ؟
- ربما ، لاأذكر .
* وهل جربت رقص الدبكة الكوردية ؟
- قهقه الشاعر كاظم السماوي وقال : للاسف لم أرقص وأدبك حتى في أيام شبابي .
* الادب الكوردي بدأ يشق طريقه نحو القارئ العربي والاجنبي ، كيف هي علاقتك بالشعر الكوردي الحديث؟
- قرأت ديوان كوران وقصائد شيركو بي كه س ، وكتبت مقدمة لديوانه مضيق الفراشات ، وكنت اقرأ اشعار وقصائد الشاعرات الكورديات ، وما زلت معجبا بالصراحة الغزلية الجريئة ، ولعل الشاعرة كه زال احمد اجمل من كتبن عن الغزل.
واخيرا لابد ان نشير ان في مقابلة اجرتها احدى المحطات مع السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني اجاب على سؤال حول ريادة الشعراء في مناصرة كوردستان ، ذكر الرئيس الطالباني ان الشاعر كاظم السماوي اول شاعر عراقي يناصر كوردستان بشعره .
من قصيدة للسماوي نظمها عام 1972 بعنوان كوردسستان وردة الدم ... وردة الجمر :
مجدت كوردستان شهدك علقم
للفاتحين ، ونجم ليلك أسحم
خمسون عاما والطوارق لم تزل
في ساحها لاتستكين وتضرم
في كل عرق نقمة مشبوبة
وبكل صدر ثورة تتضرم
فكانما تلك الشدائد تلهم
ما لص من حق مبين يهضم
وكانما تلك الدماء ذبالة
لاتنطفي ابدا ولا تتجهم
هي فوق هاتيك الروابي راية
حمراء ، تخفق في الذرى وتهوم
من اي جرح من جروحك ألثم
وباي نار من كفاحك أقسم.[1]