القضية الكردية في الإطار الوطني السوري
خورشيد برافي*
القضية الكردية في سوريا جزءٌ من القضية الديمقراطية العامة، ولا يمكن تصوّر حل للمسألة الديمقراطية دون حلٍّ عادلٍ للقضية الكردية، وأيُّ توافق أو حلّ سلميّ في سوريا لا ينظر إلى القضية الكردية نظرة جديّة على أنّها من القضايا الأساسية في الصراع الدائر في سوريا يبقى حلاً ناقصاً وجزئياً، ويجعل التوتر موجوداً دائماً والاستقرار مهدداً بأي لحظة؛ كما لا يمكن إنكار وجود مسألة كردية في سوريا لأنّ هذه المسألة تخصّ شعباً معيناً يعيش على أرضه التاريخية ويتميّز بخصوصيّة معينة، لكنّه محرومٌ من أبسط الحقوق المشروعة، ولا يزال يعاني من الغبن الذي لحِقَ بحقّه على مرّ الزمن، علاوةً على التعتيم الذي مُورِس إزاءه، ليس بقصد إنكار قضيته فقط، بل إلى درجة إنكار وجوده كإثنية قومية ومجموعة بشرية.
لكنّ الأمور لا تجري في الغالب على هوى جهة محدّدة دون هوى جهة أخرى، كذلك ترك الثغرات دون البحث عن الحلول المناسبة لها أو الحيلولة دون معالجتها بشكل صحيح سوف يؤدّي إلى ازدياد هذه الثغرات واتساعها، وبالتالي سيتمّ استغلالها من قبل بعض الطامعين في التدخل ثمّ تعقيدها على نحوٍ أكبر ممّا كانت في السابق. وكما أنّ الشمس لا يمكن حجبها بالغربال كذلك القضية الكردية أيضاً لا يمكن غضّ الطَّرْفِ عنها أو تناسيها وتجاهلها من قبل الأطراف المعنية، كون القضية الكردية من القضايا المهمّة في البلاد، والشعب الكردي في سوريا جزء مهمّ من الشعب السوري، يشارك المكوّنات الأخرى في الأفراح والأحزان ويشترك معها بالآلام والآمال، وأيّ خطرٍ على سوريا هو خطرٌ عليه، كما أنّ أيّ خطرٍ عليه هو خطرٌ على سوريا برمّتها؛ وعلى هذا الأساس يعي الشعب الكردي المصلحة الوطنية السورية مثلما يعي مصلحته وخصوصيّته، لذلك نجده يُثبت حضوره الدائم في مجمل تفاصيل الحياة السورية ولا يتقاعس عن القيام بدوره الإيجابي أو بأداء الواجبات الملقاة على عاتقه. ومن هذا المنطلق يمكن التأكيد على ضرورة الوحدة الوطنية بين كافة المكوّنات الموجودة في سوريا، وإذا كانت هذه الوحدة من العوامل المهمّة والمطلوبة للحفاظ على الشخصية الوطنية السورية في الأوقات الماضية إلا أنّها باتت من الضرورات الملحّة جدّاً في الوقت الحالي، بخاصّةٍ في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها الشعب السوري بكلّ أطيافه من خلال المعاناة من ويلات الحرب المفروضة عليه وحالة الانقسام والتشرذم ومحاولات التهجير القسريّ والتغيير الديموغرافي، كذلك محاولات ربط الدولة السورية بمعاهدات واتّفاقيّات مفروضة عليها مستغلّة ضعف الدولة والتدخّلات الأجنبية المختلفة والتي وصلت إلى أوجها في هذه المرحلة من خلال الوجود العسكري المباشر من قبل دول عدّة تحت ذرائع وحجج كثيرة الغاية الأساسية منها تبرير وجودها العسكري واقتطاع مناطق النفوذ ورعاية مصالحها الذاتية وفق التوافقات والتفاهمات بين بعضها، سواء السرية أو العلنية، دون النظر إلى مصلحة الشعب السوري أو مراعاة الحالة المأساوية التي يمرّ بها؛ بمعنى أنّ الشعب السوري بجميع أطيافه ومكوّناته هو الخاسر الأول والأكبر في أي اتفاق أو تفاهم يحصل بين هذه الدول المتدخّلة في سوريا، لذلك وأمام هذه الحالة لا يمكن الحديث عن الوحدة الوطنية إلا من خلال تضافر الجهود الحثيثة والعمل الجدّيّ والدؤوب على وحدة الصفوف والبدء بالحوار المتبادل بين الأطراف الوطنية السورية على اختلافها وتنوّعها، والعمل على التخلّي عن التكتّلات السلبية والارتباطات الخارجية، مع ضرورة القبول بالآخر المختلف انطلاقاً من أنّ بنية المجتمع السوري تقوم أساساً على التنوّع والاختلاف، وعلى هذا المبدأ يمكن الشروع في بناء سوريا المستقبل دولة المواطنة والقانون؛ إنّ تحقيق هذا الهدف المنشود ليس سهلاً ولا مسؤولية فردية أو مسؤولية طرفٍ واحدٍ، إنما تحقيقه مسؤولية جماعية تقع على عاتق الأطراف المختلفة جميعها، وتتطلّب تضحيات وتنازلات فعليّة حقيقية دون وضع شروط مسبقة للحوار والتفاهم، لأنّ وضع الشروط المسبقة يعني وضع العراقيل والحواجز أمام أيّ لقاء بين الأطراف وبالتالي عرقلة الحوار وزيادة الشرخ والانقسام، ممّا يؤدّي إلى الابتعاد عن الحلّ السلمي وإطالة أمد الحرب والصراع بين الأطراف المتنازعة وازدياد التدخّل الأجنبي في الشأن السوري. أمّا بخصوص الطرف الكردي وقضيته فإنّ المسؤولية المطلوبة منه مسؤولية مزدوجة، ففي الوقت الذي ينبغي أن يكون هذا الطرف مطالباً بأن يبدي استعداده للحوار والتفاهم مع الأطراف الأخرى والعمل بشكل جدّي في هذا المجال، مثله مثل جميع الأطراف السورية الأخرى، في الوقت ذاته هو مطالب أيضاً بتوحيد صفوفه وتشكيل إطارٍ واحدٍ يضمّه من خلال الحوار والتفاهم مع بعضه البعض على قاعدة القبول بالاختلاف والتنوّع، والعمل معاً للخروج بمرجعية واحدة تقدّم مطالبَ محدّدة تتّفق عليها بين بعضها وتأخذ بعين النظر الخصوصية الكردية من جهة، ومن جهة أخرى الوضع السوري العام والمصير المشترك مع سائر المكوّنات مع مراعاة المصلحة الوطنية السورية التي ينبغي ألّا تتعارض مع المصلحة الوطنية الكردية في الحفاظ على خصوصية الشعب الكردي وحقوقه المشروعة في سوريا اعتماداً على قاعدة التوافق بين مصلحة المجموع ومصلحة كل جزء ضمن هذا المجموع.[1]