احتل الراحل #زاهد محمد زهدي# مكانا خاصا في ذاكرة الشعب العراقي منذ الخمسينيات الى جانب ابي كاطع
رشيد الخيُّون
عرف العراقيون زاهد محمد زهدي الذي حل قبل أيام شاعراً وأديباً، ذاع صيته مع قصائده المغناة وبرامجه الإذاعية، منذ الخمسينيات، والأناشيد التي كانت على لسان زملائه السجناء بنقرة السلمان وسجون بغداد. وزاهد محمد من العراقيين القلائل الذين اجتمعت فيهم بوضوح العربية والكردية، فهو عربي وجنوبي بقصائده وأهازيجه الشعبية، وكردي شمالي بلغته وطباعه وانحداره وشعره أيضا. وزاهد الكردي الفيلي، الذي تعرض قومه إلى محن التهجير القاسية، جمع العراق، كرداً وعرباً، أوائل الستينيات في قصيدة مغناة أصبحت شعبياً بديلاً عن النشيد الوطني، هي قصيدة «هربزي كرد وعرب»، التي غناها الفنان الراحل أحمد الخليل،
وأصبحت أشهر من نار على علم، داخل العراق، حتى بعد منع إذاعتها. وإن جمع زاهد العراق بقصائده ومواقفه وصداقاته الممتدة، حسب كلمة صديقه القديم سعدي يوسف في حفل تكريمه بمناسبة بلوغه السبعين، فإنه جمع أيضا جانبي بغداد، الكرخ والرصافة، في تأثره بالشاعر الشعبي الساخر الناقم ملا عبود الكرخي، وبالشاعر معروف الرصافي.
ويذكر زاهد محمد دائما فضل مدير الإذاعة العراقية، عام 1959، سليم الفخري عليه الذي حرص على الاستفادة من مواهبه، وفعلا كان سريع البديهة في مواجهة مذيع إذاعة صوت العرب الشهير أحمد سعيد، أيام الحرب الكلامية بين القاهرة وبغداد بعد وئام أسابيع من اندلاع الثورة العراقية 1958. من برامجه الشعبية الشهيرة، كان برنامج «غيدة وحمد»، الذي ظل يذاع عبر الإذاعة العراقية لعدة سنوات، حتى بعد النقمة على صاحبه، وربما شجع هذا البرنامج الكثير من العائلات الفلاحية على شراء جهاز المذياع. شخصيتان لا تزالان، منذ نهاية الخمسينيات وحتى الآن، تحتلان مكاناً في ذاكرة العراقيين عبر الإذاعة، هما: زاهد محمد زهدي ببرامجه المتنوعة، وأبو كاطع (شمران الياسري) ببرنامجه الشهير آنذاك «بصراحة أبي كاطع».
لست مبالغا إن قلت: إن حضر زاهد حضرت إذاعة كاملة، من تأليف وإخراج برامج إلى بث الصوت عبر الأثير، فالميكروفون الذي تركه مرغماً مدة خمس وعشرين سنة عاد إليه بعد احتلال الكويت، متجدداً عبر برنامج «ندوة الأربعاء» في إذاعة عراقية معارضة، واقتبس من برنامجه المذكور لا على التعيين نص «لو عاد سيبويه»، الجامع بين نقد التساهل مع الأخطاء اللغوية وأخطاء السياسة الفادحة، جاء في النص: «جرياً على تقاليده المعتادة، ألقى الطاغية خطاباً كما هي العادة، ألقاه باللسان العربي الفصيح، فإذا سيبويه من قبره يصيح، يا ضيعة النحو والإعراب، هل صار يحكمنا الأغراب؟، وهل هذه لغة القرآن، المعجزة في السحر والبيان، ومن هذا الخطيب وماذا يقول؟ وكيف تساوى لديه الفاعل والمفعول؟، فقلنا يا استاذنا سيبويه، هذا رجل اختلط الأمر عليه، وصارت الهزيمة نصراً لديه، فلا تلتفت لنحوه وإعرابه، ودعنا نرى ما يقول في خطابه، لنعرف أين تسير الأمور، ولا يهمنا ان يضع الجار بعد المجرور».
وبباكو أوصل لغتيه الكردية والعربية باللغة الآذرية (إحدى فروع التركية)، يوم كان بأذربيجان شريداً عن وطنه بعد محنة 8 فبراير (شباط) 1963، عبر برامج إذاعية، وقصائد، فيطلب منه تأليف نص عربي للحن اذربيجاني، لتشارك به فرقة اذربيجان الفنية عند زيارتها القاهرة، حصل ذلك بالتعاون مع الموسيقار الاذربيجاني (جهانيكروف). وعبر هذه الإذاعة وإذاعة براغ، القسم العربي، وغيرهما لم ينقطع زاهد عن مستمعه العراقي الذي صقل موهبته على أسماعه.
غنى لزاهد أشهر المغنين العراقيين، من أمثال ناظم الغزالي ومائدة نزهت ووحيدة خليل وأحمد الخليل وقارئة المقام فريدة، وغير ذلك أنشد له السجناء السياسيون.
وقاوم زاهد محمد زهدي، المرض اللعين سنين طويلة، بهمة عالية وببهجة قادمة من مرح الطفولة، يحاول كسب الجولة مع مرضه اللئيم مثلما كسبها سابقا يوم كادت شرايين قلبه تسد نافذة الحياة عليه بين دقيقة وأخرى، يراه الآخرون منهكاً، لكنه يرى نفسه غير ذلك، يروض آلامه بتقبل الأمر الواقع، والاستمرار في حياته كما هي عليه إلى أن هزمه المرض.
من أعماله: «أفراح تموز»، «شعاع في الليل»، «الملا عبود الكرخي دراسة في أدبه وشعره»، «حصاد الغربة»، «الجواهري صناجة الشعر»، «الاخوانيات»، «ندوة الأربعاء»، «معزوفات على حرف الحاء»، و«وراء المايكروفون»، وله أعمال أخرى تنتظر الصدور.[1]