عرض: قحطان جاسم جواد
يأتي كتاب(ملامح التجديد في القصة الكردية الحديثة) في سياق التعريف بالأدب الكردي باللغة العربية ,بعد أن ظل هذا الأدب مجهولا بالنسبة للأدباء العرب. من هنا تأتي أهمية الكتاب، الذي يتناول القصة الكردية الحديثة وظروف نشأتها وبذورها الأولى واهم سماتها الأدبية. ويلعب السيد #حسن جاف# دورا مهما في هذا المجال بعد أن قدم غير كتاب منها كتاب(بسمة) للقاص عبد الله عزيز خالد, حيث قام بترجمته إلى العربية، كذلك ترجم مجموعة قصص بعنوان (من أحلام غريب).
الجذور
يقول المؤلف أن هناك تصورا بان منشأ القصة هو أوروبي... لذا لا داعي للبحث عن جذور للقصة الكردية. وهذا خطأ شائع بين الأوساط الثقافية، من بينها أوساط الأدباء العراقيين والعرب! وأتعجب – يضيف المؤلف – لماذا يعيدون القصة الى أوروبا ولا يعيدونها إلى العرب الأولين منذ ألف ليلة وليلة وما بعدها.. الم يكن ذلك الماضي مشرفا حتى نلغي عائديتنا له؟! ومن يتابع نشوء القصة في أوربا يجدها متأثرة جدا بألف ليلة وليلة وبرسالة الغفران وملحمة كلكامش وغيرها. لكن لا يمكن أن نغفل الأثر الأوربي في التجديد لاسيما بالنسبة للتكنيك.
لقد نشأت القصة في أحضان البيئة الكردية، ورضعت لبن الفلكلور والحكايات التي تتردد في المجالس والديوخانات، لان طبيعة المجتمع الكردي وتركيبته الاجتماعية واضحة فيها.
وقد بدأ انتشاره شفاهيا لاسيما بالنسبة للجانب الريفي للمجتمع الكردي, فقد كان الفلاح يبحث عن رزقه في الجبال والسهول،وبحكم تنقله راح ينقل تراثه وفلكلوره. وكانت القصص التي تروى عن لسان الأقدمين معظمها قصص بطولات وحب تروي عن جوانب من سير الشخصيات الكردية ,التي اشتهرت بالشجاعة والكرم والحكمة والتصدي للغزاة. أو عن عشاق كورد عانوا وضحوا من اجل حبهم. ولعل رائعة احمد خاني الموسومة (مم وزين)هي واحدة من ابرز قصص الحب الكردية ,بحيث خلدها التاريخ وصارت تتناقلها الأجيال من جيل لأخر.
ولو تفحصنا– يشير المؤلف- إلى بدايات القصة الكردية فإننا سنجدها تبدأ مع قصة (له خه وماح– في مناحي) لكاتبها جميل صائب وهو رائد القصة الكردية المعروف. كما يشير الدكتور عز الدين مصطفى رسول في كتابه (الواقعية في الأدب الكردي).إلا أن القصة الكردية لم تظهر كلون أدبي متماسك إلا في فترة ما بين الحربين العالميتين، ويمكن اعتبار الذكريات الانتقادية التي كتبها جميل صائب في عام ,1925حول أيام حكم الشيخ محمود الحفيد بعنوان(رأيت في المنام) هي أول عمل قصصي كردي.
وينحو القاص حسين عارف ذات المنحى عندما يورد في كتابه (القصة الفنية الكردية) نفس الرأي السابق. وهو أيضا يعتبر تلك القصة هي أول قصة كردية وان جميل صائب أول قاص كردي.
كذلك الحال مع السيد عمر معروف البرزنجي في كتابه(دراسة وببليوكرافيا القصة الكردية 1925-1969) عندما يقول:
(كحقيقة تاريخية ينبغي أن لا ننسى بان هذا الفن كانت له ظلال قبل هذه المدة أي قبل 1925، متمثلا ولو بشكل بسيط وساذج في الحكم والأساطير والحكايات والمواضيع الفلكلورية،وتعود بداياتها إلى فجر تاريخ هذه الأمة مجسدا كأدب وتراث شفويين)ويواصل استنتاجه(أن تراثنا القومي والفلكلور بكل صوره هو المصدر النيرو المساعد والبداية للقصة الكردية) وهو أيضا يضع قصته (في منامي) كبداية للقصة الكوردية.
وإذا عدنا إلى قصة(في منامي) نجد أن الكتاب الذين أصروا على اعتبارها بداية القصة الكردية نجدهم– حسب المؤلف– يتناسون جملة حقائق أساسية يجب أن ألا تغفل،منها أن قصة(في منامي) نشرت في جريدة(زيا نه وه– الانبعاث) عام 1925 في حين أن مجلة(بتشكه وتن– التقدم) نشرت في عام 1920معلنة عن مسابقة لتشجيع الكتاب الكورد على الكتابة بلغة كردية خالية من الكلمات غير الكردية. فاز فيها الشيخ نوري الشيخ صالح رائد التجديد في الشعر الكردي بالجائزة الأولى. وزكي صائب بالثانية عن قطعة نثرية خالية من العنوان،وفاز جميل صائب بالثالثة عن قطعة نثرية. ويشير الدكتور كمال مظهر احمد في كتابه (تيكه يشتنى راستي – فهم الحقيقة) إلى مسرحية نشرت في جريدة (زين– الحياة) كانت تصدر في استانبول مابين عامي 1918-,1919كتبها (ع. رحمي) بعنوان(مم الالاني).مؤكدا بأنه كان على الأستاذ حسين عارف (أن يجعل من أعوام 1918-1919كبداية لدراسته الأخيرة أي كتابة القصة الفنية الكردية. وكذلك الأمر مع قصته(فؤاد نخو) التي نشرت في جريدة (روز كورد– شمس الكرد) الصادرة في اسطنبول عام ,1913والتي جمعها وأعاد طبعها الأستاذ جمال خزنة دار.
ويواصل المؤلف بحثه عن الجذور يقول:
كما أن هناك رأيين آخرين يعيدان بدايات القصة إلى تاريخ ابعد من ذلك. فالدكتور عز الدين مصطفى رسول يشير في مقالته(عشرون قصة كردية) إلى قصة المولد للشيخ حسين قاضي ويعتبرها بداية القصة الكردية. علما أن قاضي عاش خلال السنوات 1790-1870. فيما يشير عبد الرقيب يوسف في دراسته التي كتبها في مجلة الكاتب الكردي– العدد الثاني عام 1979فهو يشير فيها أن(فقي طيران) كان أول شخص كتب قصة كردية ونستطيع أن نعده أول كاتب قصة كردي. علما أن (فقي) عاش خلال سنوات 1307-1308 إذن وجريا على هذا السياق، لم يعد هناك أي مجال لاعتبار قصة (في منامي) كأول قصة كردية!
أما من الناحية الفنية – يبين المؤلف– أن أيا من الأساتذة حسين عارف وعمر معروف البر زنجي وعز الدين مصطفى رسول، لم يتمكن من إخفاء أية صفة فنية على قصته(في منامي) بل وصفوها بأنها قصة بسيطة وساذجة وتقريرية.وهي في كل الأحوال ليست أكثر من مذكرات كتبها جميل صائب ونشرتها جريدة زين. إلا أني مع كل هذا أعود واكرر أن مسألة الريادة ليست سوى مسألة أرشيفية، وليست لها أهمية تاريخية في إقرار مدى خلود النتاجات الإبداعية في المستقبل. لان ما سيقرر ذلك أولا وأخيرا هي مسألة نضج واكتمال تلك النتاجات, وامتلاكها لنواصي الفن القصصي وتمثيلها لخصوصية الزمان والمكان ,اللذين ولدتا فيه كشاهد صادق على المرحلة التاريخية التي منها انبثقت واليها انتسبت.
القصة الكردية الحديثة
في المبحث الثاني(القصة الكردية الحديثة) يشير المؤلف إلى أن الحداثة تعني ما بين ما تعنيه الخروج على الأسس والقواعد الكلاسيكية،وكسر القوالب الجاهزة في مجالات الأدب كافة. ويقصد بالحداثة في القصة هو ما اخذ طريقه للنشر بعد عام 1970,وهو العام الذي شهد وعلى نطاق واسع استخدام أساليب التكنيك الحديثة في القصة ,مثل المنالوج والديالوج والرمز والأسطورة والمونتاج. وهذه الأساليب سبق أن استخدمت في القصة الكردية قبل عام 1970لكنها اتسمت بالبساطة والسذاجة. وكان أول من استخدم المنلوج في القصة هو محمد علي الكردي حسبما يشير السيد عمر البر زنجي. كما استخدم الشاعر المعروف كامران فن المونتاج في قصصه القليلة التي نشرها أبان الخمسينات.
أن عام 1970يعد الانطلاقة الحديثة للقصة الكردية لسببين أساسيين هما:
أ- أن عام 1970شهد تيارا طاغيا من نشر وطبع النتاجات الأدبية لاسيما في مجال القصة، وإذا تحدثنا بلغة الأرقام فان عددها يعادل ضعفين ونصف الضعف لمجموع ما نشر خلال السنوات ال 45 ,التي سبقت عام 1970ولم تعتمد هذه القصص على تقنيات الأساليب الحديثة، ولكن قصصا قليلة منها سارت على منوال قصص الخمسينات.
ب أن مفهوم الحداثة مصطلح شاع استخدامه في السبعينات على نحو متميز وعلى نطاق واسع ,سيما بعد المدة التي سماها عمر البرزنجي بمدة الخمول والصمت ,أي الحقبة الواقعة بين سنوات 1962-1969. وقد رافقت ظاهرة شيوع الحداثة الكثير من النقاشات والطروحات في الساحة الأدبية، وعلى صفحات الصحف.
وهنا لابد الإشارة إلى ما أطلق عليه في حينه بيان (روا نكه– المرصد) الذي حاول محرره اعتباره أشارة الانطلاق للحركة التجديدية في الأدب الكردي، وكان البيان سببا للكثير من النقاشات الهادئة أحيانا والساخنة في أحيان أخرى. وقد اغفل المتحاورون حقائق أساسية – حسب المؤلف – منها أن الحداثة كانت امتدادا لتيار الحداثة الذي ساد في واربا بستينات القرن الماضي.
وانتقل ألينا مؤخرا في العقد السادس من القرن العشرين وكثر الحوار فيه على صفحات مجلات عربية وعراقية, كمجلة حوار ومواقف وشعر وكًالري 67والكلمة والعاملون في النفط. كما أن بيان (روا نكه) لم تكن من بنات أفكار من إصدرها، بل كانت هي أيضا تقليدا لبيانات صدرت في العراق أو في أقطار عربية أخرى. مثل البيان الشعري لفاضل العزاوي وسامي مهدي وخالد علي مصطفى, الذي نشرته مجلة (69) في عددها الأول بمايس 1969. والبيان القصصي لأنور غساني ورفاقه، التي نشرت في احد أعداد مجلة الأقلام.والبيان الذي نشر رداً على البيان الشعري في مجلة الثقافة الجديدة الذي أصدره شوكت الربيعي ومالك المطلبي وسليم عبد القادر وعبد الرزاق المطلبي ومحمد حسين المطلبي عام 1969.
ويجب أن لا ننسى – يواصل المؤلف حديثه – أن الأعوام التي أعقبت عام 1968 شهدت ولادة العديد من الصحف والمجلات التي ساهمت بتحريك الجو الأدبي، فضلا عن النشاط الثقافي، التي كان من مظاهره طبع العديد من دواوين شعر أو مجموعات قصصية أو روايات وغير ذلك. لهذا نستطيع التأكيد بان النشاط الثقافي الكردي بعد عام 1970لم يكن جمعية من ثمرات بيان روا نكه ,وما ثار حولها من جدل ونقاش كما يزعم أصحابها، بل كانت نتيجة طبيعية لمدة شهدت انفتاح الأفاق أمام المطبوع والثقافة الكردية على نحو واسع جدا.
مضامين القصة الكردية
وبخصوص مضامين القصة الكردية فهي تتضمن مسألة الظلم الذي كان يلحق بالفلاحين من جراء تسلط الأغوات وملاك الأراضي. كذلك تناولت قضية المرأة وما عانته من تعسف وتخلف اجتماعي.وقضايا الفقر والجهل والمرض والعمل على معالجة هذه الآفات الاجتماعية، إلى جانب قضايا الإدمان وتفشي البدع المضللة باسم الدين والخرافات والشعوذة. إذن يمكن أن نشير إلى السمة الغالبة لقصص الخمسينات كانت رصد الظواهر والعلل الاجتماعية. وهذه المضامين لم تختف عن القصة الكردية بعد ثورة 14تموز 1958مع ظهور مواضيع جديدة اتسمت بالتقريرية والشعائرية والأسلوب الخطابي. بعد عام 1961فترة الصمت تضاءلت مجالات النشر بسبب ندرة الصحف والمجلات عدا جريدة (زين) في السليمانية وأغلقت فيما بعد. أما سنوات بعد 1970فقد شهدت تطورا ملحوظا في مضامين القصة الكردية أسلوبا وتكتيكا وبرزت مشاكل أصحاب الأموال والمعامل والمشاكل المدينة. كما أخذت المرأة قيمة أساسية في تجارب القصاصين الكرد، ومنزله خاصة لديهم. ففي الخمسينات حولت القصة الكردية المرأة إلى إنسانة مغلوبة على أمرها ومهضومة، لكن بعد السبعينات أخذت شكلا أخر إذ تطورت النظرة إلى المرأة كالأم الوفية لزوجها كما في قصة (أم كُولي) للقاص عبد الله عزيز، كذلك في قصة (الخاتون).
كذلك لجأت القصة الكردية إلى الرمز كعنصر جوهري في التكنيك والبناء، ووسيلة من وسائل أغناء التعبير وإثراء المضمون مضفيا عليها معنى أكثر تأثيرا وحداثة وتلجا القصة للرمز لسببين هما لغرض جمالي بحت، ولا خفاء وتمويه أصل الغرض نتيجة لظروف ومعوقات تسد سبل التعبير المباشر الصريح.[1]