#احمد الحمد المندلاوي#
حدثتني والدتي الحاجة فاطمة بنت السيد محمد انها حملتني مع جدتها حسنة وانا وليد قبل ان ابلغ اليوم السابع من عمري الى ساحة البقجة. وهي حديثة كانت في منطقة الميدان عند مدخل سوق الهرج الشمالي المواجه لوزارة الدفاع من ناحيته الجنوبية، وكان في هذه (البقجة) وهي كلمة تركية تعني الحديقة مدفع مصنوع من النحاس بأبعاد حوالي 4،5م وقطر فوهته من النحاس حوالي 50سم، وكانت محلة البقجة او ال (باغ شاهي) موجودة في بغداد في منطقة الميدان تضم مسجد بير داود وجامع المرادية الذي تم تشييده عام 1465م وبينه وبين محلة الطوب الواقعة امام وزارة الدفاع الحالية زقاق ضيق يؤدي الى المدخل الشمالي لسوق الهرج حيث تقع هناك سقاية المشير والى جانبها انشئت المدرسة المأمونية، لكنها ازيلت بعد حوالي (50) سنة وانتقلت الى محلها الجديد قرب بناية البريد على الطريق الواصل بين ساحة حسان بن ثابت وبناية القصر العباسي المحاذي لوزارة الدفاع.
جواد البياتي
وكانت هذه المنطقة التي نصب فيها هذا المدفع العثماني (طوب ابو خزامة) والخرامة هي (الخرم) الموجود في فوهة المدفع الناتج عن ضربة عنيفة ويعود تاريخه الى السلطان مراد الرابع الفاتح الذي حكم ما بين 1032- 1049 هجرية.
وترك في بغداد مجموعة من المدافع كان اشهرها وابقاها طوب او الخزامة، وهناك يقول بأن الخزامة جاءت بفعل خرم في فوهة المدفع ليسهل سحبه.
كان هذا المدفع النحاسي مرابطاً عند الباب الوسطاني لبغداد في منطقة الشيخ عمر السهروردي قبل ان ينقل الى ساحة البقجة.
يحمل هذا الطوب اثر خسفة على ظهره يفسرها البغداديون القدماء بانها كانت نتيجة ضربة من قبضة السلطان سددها اليه بعد ان غضب منه لتوقفه وتعطله عن المسير, لكن هذه الحكاية تختلف عن الحكاية التي اوردتها الحاجة فاطمة بان حرارته ارتفعت ارتفاعاً شديداً في واحدة من المعارك الحامية الوطيس مع الايرانيين حتى توقف عن الرمي فغضب عليه الضابط الذي كان يقود العدد الخاص بالمدفع الى الحد الذي ضرب بقبضة بقوة مما ادى الى خسف هذا المكان. وتتحدث بعض الكتب عن بعض العلامات الموجودة على المدفع كالمسكات الموجودة على ظهره، ولان هذا المدفع قد اخذ حيزاً من تاريخ بغداد فقد وصل به اهل بغداد الى حد التقديس حيث تقول الروايات انه غضب من السلطان والقى بنفسه في نهر دجلة وقام (علي اغا) الذي كان مسؤولاً عن القيادة بسحبه واخراجه من النهر فراح الناس ينذرون له النذور ويقيدون له الشموع وتنثر حوله باقات الياس الاخضر كما تربط به قطع القماش الاخضر وصارت له قدسية روحانية يطلب من خلالها اهل بغداد المراد في شفاء المرضى وعلاج الرمد والحمى والحصبة وطلب الوقاية من الحسد. مع ان بعض المصلحين من امثال العلامة محمود شكري الالوسي قد انبرى لتوعية البغداديين وتخليصهم من هذه الخرافات والتقاليد البالية الا انه عجز فترك الامر للزمن حتى اختفى هذا المدفع. ولم يكن الايمان بهذا الطوب محصوراً بفئة دينية معينة كالمسلمين فكانت جميع الفئات تجتمع على تقديسه ابتداء من الاسلام فضلاً عن المسيحيين واليهود وباقي الفئات الاخرى.
وعندما كان المدفع في محلة البقجة كان محاطاً ببعض الدانات الكروية الحديدية الصلدة والتي لايزال بعض نماذجها موجوداً في حدائق القشل، ويتوقع احد المهتمين بالتاريخ بان هذه الدنات الكروية واساطير لا يتقبلها العقل الحاضر، وصل الامر بأهل بغداد ان اعتقدوا بان الطوب هو ولي من اولياء الله لا يخيب قصد قاصد.
ويقول امين المميز عن هذا الطوب في كتابه (بغداد كما عرفتها) ان لهذا المدفع منزلة فريدة في قلوب البغداديين والبغداديات فهم يعتقدون ان الطفل لايعيش مالم تدخله الام او جدته في فوهة هذا الطوب وهذه المراسيم بمثابة (شهادة الجنسية) البغدادية للبغداديين منذ ان ادخلت المرحومة امي رأسي في فوهة هذا الطوب فمن علي الله بطول العمر لأكتب هذا الكتاب.
وكان للبغداديين تقديس ايماني آخر اضافة الى طوب ابو خزامة في حماية مواليدهم من المرض والحوادث الشريرة وهي ادخال الطفل بين البندقية وحاملها الشريط الجلدي او (الكتيم) والتي يمسك بها الجندي الحارس الذي يقع في باب النظام في وزارة الدفاع القريبة من موقع طوب ابو الخزامة متمنين وطالبين المراد بان يكون ابنهم رجلاً شديداً كالعسكر لا يخاف ويدافع عن ارضه واهله ويأتي ذلك مع حمل سرة الطفل ورميها داخل وزارة الدفاع او الطلب الى الحرس بدفنها في داخل ارض الوزارة.[1]