#عفرين# ومشروع تتريك غرب الفرات… الخزان الثقافي لكُرد غرب الفرات
حسين جمو*
أعاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، باستئناف برامج إبادة كانت الدولة التركية قد أقرتها بداية تأسيسها عام 1923، وهو لم يستأنفها داخل تركيا فقط، بل نقلها إلى خارج الحدود، إلى عفرين.
تغيير ديمغرافية عفرين يدخل ضمن مخطط تركي قديم، تم طرحه مع بداية تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، وتشكيل لجنة دراسة الشرق.
عام 1925، كلف مصطفى كمال أتاتورك مجلساً خاصاً لصياغة تقرير شامل عن إصلاح شرق الأناضول. وترأس عصمت إينونو «مجلس إصلاح الشرق» وضم في عضويته كبار ضباط الجيش ومسؤولي الدولة.
لعبت عوامل عديدة في عدم نجاح البرنامج بشكل كامل، أولها نقص السكان غير الكرد ممن يمكن توطينهم هناك. أقصت العشائر الكردية – رغم هزيمتها العسكرية على أيدي الدولة- بسهولة بعض التجمعات الحديثة للشركس والبلغار في محيط دياربكر. وصل الأمر إلى تفكير المجلس في استيراد الآذريين لولا عائقين: الأول معارضة السوفييت، والثاني المذهب الشيعي لغالبية الآذريين.
كانت الخطة تقضي بأن تصبح دياربكر، حتى عام 1950، مدينة تركية، مدينة الأتراك، مدينة من لا يقولها فيها أحد أنه كردي. لكن نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 1929، ثم الصعوبات الاقتصادية خلال الحرب العالمية الثانية، لم تكن لدى خزينة الدولة أموال كافية لمواصلة هذه المشروعات، لكنها استمرت في تنفيذ الفقرة “باء” من المشروع، وهي تتريك غرب الفرات.
قطعت تركيا شوطاً كبيراً في القسم “ب” من المشروع، وهو غرب الفرات، واستطاعت بأساليب معقدة، استخدمت فيها القمع الأمني والتهجير والسجن للناطقين بالكُردية وطرد المتحدثين بالكُردية مع عائلاتهم من الوظائف، بهذه الأساليب استطاعت ممارسة نوع من الإبادة على التكوين التاريخي الكُردي غرب الفرات، من جنوب شرق سيواس نزولاً إلى ملاطية وأديامان ومرعش وعينتاب.
تم توجيه ضربة كبيرة للهوية الثقافية الكُردية هناك على مدى 90 عاماً من النشاط الاستخباراتي المُبرمج، حتى أن أحزاب اليسار الثوري التركية لعبت دوراً تخريبياً كبيراً في تكريس اللغة التركية لغةً للمجتمع، بأساليب تم فضحها، وجرى دعم الطرق النقشبندية غرب الفرات، وباتت أديامان مركزاً لطريقة “منزل” النقشبندية، وهي النقشبندية العميلة، ومختلفة عن طبيعة النقشبندية الكُردستانية.
نجحت تركيا بطريقة ما، في تحقيق جزء كبير من مشروع تتريك غرب الفرات في الجزء الكردستاني داخل حدودها. صحيح أنها لم تنجح في تصفية هذا الوجود، لكن تهشم تحت الضربات المزدوجة، للدولة واليسار المعارض.
عفرين
لو أمعنا في خريطة الاجتماع الكردي، الثقافة الكردية، غرب الفرات، لوجدنا أن هناك منطقة وحيدة نجت من هذه الإبادة، وهي عفرين، كونها كانت خارج حدود تركيا، لكن عفرين ليست مجرد منطقة خضراء يقطنها سكان كُرد، بل كانت قد تحولت إلى مركز الذاكرة الثقافية والاجتماعية لكل أكراد غرب الفرات، من ملاطية إلى عينتاب.
هذه الحقيقة قد لا يدركها معظم الكُرد، لكن بالنسبة للدولة التركية لا يغيب عنها هذا الأمر، حساباتها مبنية على إبادة مراكز الانطلاق ضد التتريك، وعفرين هي الخزان الثقافي لكُرد غرب الفرات، وعمقها الثقافي يتجه شمالاً نحو عينتاب ومرعش وأديامان، وليس جنوباً. لذلك، أي انطلاقة ثقافية ضد التتريك في غرب الفرات ستكون حتماً من عفرين، كونها المركز الكُردي الوحيد الصامد غرب الفرات، إلى جانب التجمعات الكُردية في الشهباء شمال حلب، فخط المقاومة الذي كانت تمثله عفرين تم ضربه عبر الاحتلال التركي، ومشروع الاستيطان الذي تشهده هذه المنطقة مبرمج لتحقيق هذا الهدف: ضرب آخر مركز كُردي غرب الفرات.
*المقال إعادة صياغة وتوسيع لحوار أجراه موقع «عفرين بوست» مع الكاتب.[1]