آراس بيراني
الجزء الثاني
لا يمكن تحديد الهوية بأسئلة أيديولوجية فقط، فالهوية تتجاوز ذلك المعترك، إلى استيعاب تيارات متباينة في حد التناقض والتنافر في توجهاتها، لذا يأتي السؤال حول احتمالية انتماء نتاجات الكتّاب الكرد باللغة العربية، إلى الأدب الكردي من عدمها، هو سؤال يغلب فيه المنطق الأيديولوجي، والسياسي على المنطق الأدبي، ولعله يستبطن بالضرورة، “ذهنية تخوينية”؛ بمعنى إن كل من لا يكتب بلغته الأم، هو خارج سرب الوطنية، والانتماء الكردي، وطبعاً يتناسى السائل إشكالية وجود هوية أدبية كردية واحدة، وموحدة في ظل تعدد اللهجات، التي يكتب بها الكرد،” الكرمانجية، والصورانية، والزازاكية، وغيرها” واختلافاتها على مستوى القواعد، وصعوبة التواصل بين محدثيها، أم أن الهوية السياسية، هي المحددة للهوية الأدبية، وانتماءاتها.
برأي هذه الأسئلة وغيرها، نابعة من إحساس الأفراد بتهديد العولمة لهوياتهم، وهي بصورة ما، تعبر عن أزمة الهوية الكردية المعاصرة، والتي تحاول الهرب من استحقاقات المرحلة إلى الثبات في دور الضحية، وعقدة الأقليات، بكونها توفر الإجابات السهلة والمريحة، فالثقافة، واللغة الكردية، محكومتان بظروف قاهرة، وقاسية في ظل غياب المؤسسات بالمعنى الحديث، والتي جعلت الوعي الكردي مسكوناً بهاجس الموت، والزوال، وهنا يمكننا تصنيف الكتّاب، الذين يكتبون الى أربعة أصناف:
الأول: يكتب بالعربية عن مواضيع خارجة عن نطاق الهموم الكردية، ولا تلامسها لا من قريب، ولا من بعيد.
متل الكتاب: أحمد شوقي، وعباس العقاد، ومحمد كرد علي.
الثاني: يكتب بالعربية عن البيئة الكردية، متناولاً الهموم الكردية، وتفاصيلها الاجتماعية، والسياسية، والتاريخية.
مثل: سليم بركات، ومحمد باقي محمد، حليم يوسف.
الثالث: هو الذي يكتب باللغتين العربية، والكردية، وفي رأيي يمكن البحث عن منطقة ثالثة لنتاجات هؤلاء الكتاب، وهي منطقة لا تنتمي الى الأدب العربي بمعناه المعهود، لأنها نتاجات تتناول الموضوع الكردي، ومكتوبة من قبل كتّاب كرد، كما أنها لا تنتمي الى الأدب الكردي بمعناه المعهود؛ لأنه أدب مكتوب بلغة غير الكردية، أي يمكن تناول الأدب، الذي يكتبه الكتّاب الكرد بالعربية كظاهرة، لها سياقاتها التاريخية، والسياسية، والثقافية الخاصة (طه خليل، حليم يوسف وغيرهما…)
والرابع: هو ما كتبه الأغيار من باقي الألسن، واللغات عن الكرد، حيث تم تناول الهمّ الكردي، كتلك التي كتبها الآخرون عن الكرد، مثل كتاب “هكذا أحيا” لأجاثا كريستي، ورواية “الجبال والسلاح” لجيمس أولدرج.
إن للكاتب حرية الكتابة باللغة، التي يبدع فيها، طالما اللغة وسيلة تفاهم بين الشعوب، بحيث يقدِّم صورة عن نفسه من خلال قوميته للآخر، وبلغةٍ مبدعة، حتى تنتشر بين الأمم كافة، وأن يتناول في كتاباته صورة عن تاريخه وتفكيره، وأغلب كتابنا، الذين كتبوا بلغة الآخر، أعتقد أنهم نجحوا، وببراعة في ذلك.
وتتشابه أعمال الكتاب الكرد في مضمونها، واهتمامها سواء تنوعت الأعمال، أو تشابهت فهي تتضمن خصائص مشتركة تميزها، وأحيانا نشعر أن هذه النصوص هي النص نفسه، رغم تباينها؛ لأنها تشتمل علي عناصر متشابهة، وتبدو فيها ذات الإنسان واحدة، ومتعددة في آن واحد، فهذه الروايات تلتقي فيها الثقافات، والهويات، ونجد فيها عالمين يلتقيان من خلال عبارتي: الكرد واللغة العربية، فتتداخل الثقافات، وتتداخل النصوص، وكل رواية تصبح صدى للآخر، ويبدو الإنسان مجموعة من العبارات والروايات، وتظهر هذه الهوية المزدوجة تحت أشكال متعددة.[1]