هوية الكتابة بين اللغة الأم ولغة زوجة الأب!
الزوايا قراءات في الأدب والفن
آراس بيراني_
القسم الأول
لم يختر الكردي بالدرجة الأولى أن يكتب بلغة أخرى غير لغته الأم، بل وجد نفسه مضطراً للكتابة بتلك اللغة لقصور معرفي بقواعد لغته ولجهله الكتابة بلغته أصلاً، وان كان وعيه القومي في الصدارة، وإن كانت لغته الأولى في الحياة الاسرية والاجتماعية هي لغته الام.
ونرى الآخر يكتب بلغة السلطة، تلك السلطة البطريركية التي فرضت نفسها كراع، وكأب للجميع، ويذهب الآخر للكتابة ليس بلغته الأم وإنما بلغة زوجة الأب… التي ليست كردية حتماً.
فاللغة الأم ليست مرادفة بالضرورة للغة القومية للكاتب، فقد ينشأ كاتب ما في بيئة وفي محيط اجتماعي يعمد للوصول إلى قاعدة أكبر ودائرة أوسع من القراء والمتلقين؟ ويكون للكاتب دوافعه ربما كانت تفوقه في لغة دون سواها أو للتميز والحصول على شهرة أو جوائز، أو تخلصاً من استحقاقات أو رقابة أمنية.
وهذا التشبيه أو الفرضية تنطبق على الأفراد المنتمين إلى جماعات وإثنيات مستلبة الحقوق خاضعة للهيمنة من قبل قوى وقوميات أكثر قوة، تمارس سلطاتها في دمج الفئات والقوميات الأقل تأثيراً كما تراها هي في المشهد العام، وتسلبه لغته وثقافته عبر غزو ثقافي سياسي فكري ديني.
وفي مكان آخر نرى أشخاص أو كتاب اختاروا الهجرة اللغوية الطوعية نحو لغة الآخر، واختاروا المنفى اللغوي، في لغة يمكنه التعبير والتنفس بها، لم يجدها في لغته الأم.
ورغم الأعداد الكبيرة من المغادرين لتخوم اللغة الأم، لم تخلو الساحة الأدبية من كتاب مارسوا ثقافتهم وكتاباتهم بلغتهم الأم، ولم يرضوا بالرضاعة من ثدي أم أخرى، ومن هذا الوسط التعددي للغة نشأت حالة الازدواجية اللغوية، فهناك جيل يكتب بالكردية، وهناك من يكتب بالعربية، كما أن هناك من يكتب باللغتين في ذات الوقت أو ينتقل من لغة لأخرى.
وفي الوقت نفسه يمتنع البعض من هؤلاء عن الكتابة بلغة الآخر القويّ، ويرونها لغة القمع والمنع والكبت، ويدعون إلى الكتابة باللغة الأم ولو في أصعب الظروف، رافضين المبررات بأنها اللُّغات التي تعلّموها في المدارس التي لم يجدوا غيرها، وتلقّوا ثقافتهم عن طريقها.
فكيف يمكن النظر إلى النتاجات الأدبية التي تتنفس الأوكسجين الكردي، المكتوبة بلغة الآخر ضمن الأدب الكردي، وشرح حالة الانكار والتشكيك بهُويّة ما يكتبه الأديب الكردي بلغة مغايرة للغته الأم َوهنا نقصد اللغة العربية؟
وما مشاعر الكاتب وهو يكتب بلغة أخرى غير لغته الأم؟ لغة تعلمها باختياره أو مجبراً على ذلك، هل يشعر بالغربة أيضاً وهو يحوّل الكلمات من لغته الأم الى لغة ثانية؟ أم أنه لا يحتاج إلى هذا التصور لتمكنه من اللغة المهيمنة؟
وهنا هل يمكننا الحديث عن صراع للغات، هل من زواج بينها، وكيف نعلن الانفصال الرسمي بين لغة السلطة واللغة الأم. هل ثمة لغة أولية ولغة ثانوية، هل ثمة مستويات مغايرة للتفكير، ونحن نمضي في الكتابة بلغة الآخر؟
أليس جليا بالكاتب الكردي أن ينغمس ويغرف من لغته وثقافته الأصلية، وأن يحرث في تربة التراث الكردي الثقافي والتاريخي باحثاً ومستكشفاً عن الجذور؟[1]