زراعة التبغ في قرية جلمه بمنطقة جبل الكرد (#عفرين#)
إعداد: المهندس الزراعي حنيف رشيد
مجلة الحوار- السنة 25- العدد 72 – 2018م
الاسم العلمي لنبات التبغ: Nicotiana tabacum
الموطن الاصلي أمريكا، وتم انتقاله الى أوربا ثم إلى سوريا وبالتالي إلى قرية جلمة في منطقة عفرين
المقدمة:
يعتبر نبات التبغ من اكثر المحاصيل انتشارا في العالم وذلك بتمتعه بقابلية التكييف مع كل البيئات العالمية ويناسب زراعته جميع انواع الترب الزراعية.
دورة حياته من التشتيل إلى القطفة الأولى لا تتجاوز ستون (60) يوما. ومن أسباب انتشاره السريع في العالم أيضا زيادة عدد المدخنين لمنتوجه. إذ يزرع التبغ من اجل الحصول على أوراقه التي يصنع منها السجائر.
التركيب الكيماوي:
يعتبر هذا النبات مخدرا لاحتوائه على مادة النيكوتين، هذا وقد وجد في تركيب النبات الكيماوي 4000 مادة كيماوية منها 100 مادة سامة و63 مادة مسرطنة منها ما يطلق عليه القطران. مادة النيكوتين سامة للأعصاب وتعمل على انقباض الأوعية الدموية وتضر بجاز التنفس والدوران والهضم.
هنالك أضرار أخرى تلحق بالمدخنين نتيجة شربهم للدخان كما يقال، وهي الآثار المتبقية للمبيدات الزراعية المستخدمة في مكافحة امراض هذا النبات حيث وجد بان هذه المبيدات تتراكم في الخلايا الدهنية للإنسان ولا تطرح منه ومع الزمن تظهر اعراض يصعب على الطب كشفها بسهولة.
لمحة تاريخية:
عندما اكتشف كولومبوس القارة الأمريكية لاحظ بان السكان الأصليين يستخدمون نبات التبغ أو الدخان في طقوسهم الدينية وفي العلاج كمسكن لتخفيف آلام الأسنان وتم نقله بواسطة بحارته إلى البرتغال وفي عام 1559م قام السفير الفرنسي بالبرتغال جان نيكوت بنقله إلى فرنسا كدواء وتقديرا له قام العالم النباتي لينوس بتسمية هذا النبات باسمه.
وأصبح الدخان مشهورا بدءا من عام 1600م والفرنسيين هم أول من صمموا السيجارة بشكل لف في القرن التاسع عشر وتم الترويج لها للعامة.
ظهور الشركات المنتجة:
أول ما ظهرت الشركات كانت أمريكيه وذلك في فترة الحرب العالمية الأولى حيث تم تدخينه بكثرة وأول ما ظهرت من الماركات كانت ماركة LUCKY STRIKE ومن بعدها البول مول.
في الحرب العالمية الثانية قامت تلك الشركات بإرسال السجائر مجانا للجنود وعندما انتهت الحرب ورجع الجنود إلى أوطانهم تشكلت قاعدة عريضة للمدخنين وبدأ يزداد الطلب عليها مما أدى إلى الازدهار الاقتصادي والنشاط الصناعي لتلك الشركات.
دخول زراعة التبغ إلى سوريا:
كان ذلك في عام 1600م في عهد السلطنة العثمانية وكان يسمح بزراعتها في اللاذقية وفي عام 1874 م تم تشكيل إدارة حصر التبغ أو الدخان العثمانية لتنظيم شؤون زراعتها.
زراعة التبغ في منطقة عفرين:
تقع منطقة عفرين في الزاوية الشمالية الغربية للخارطة السورية, مناخها متوسطي أي صيف معتدل وشتاء بارد معدل الأمطار 350-600 مم في السنة وهي تابعة إداريا لمحافظة حلب وهذا ما يجعل هذه المنطقة ملائمة لأغلب المحاصيل الصناعية (القطن, الشوندر, الدخان, بذور عباد الشمس) التي تدخل في الصناعات التي تدر دخلا ممتازا لميزانية الدولة أي تسمى المحاصيل الاستراتيجية وكذلك لأغلب الخضار الصيفية والشتوية ( بندورة, فليفلة, الخيار، خس, الملفوف, الزهرة و…الخ ) كما تنجح أيضا المحاصيل الحقلية بكل أنواعها كالقمح, الشعير والبقوليات. ويعتبر منطقة عفرين موطنا أصليا لبعض أصناف الحمص والعدس حيث أنه مستدل في أمهات الكتب العالمية باسم الحمص الكوردي والعدس الكوردي ذو الحجم الكبير لحباته، كما يعتبر دشتا حمقة (سهل العمق الذي ضم إلى تركيا مع لواء اسكندرون) موطناَ لاحد اهم أصناف القمح ذو المواصفات العالية ويسمى القمح الحمقي ذو اللون القرميدي والذي يستخدم للكبب. باختصار تنجح اغلب الزراعات والأشجار المثمرة في بيئة منطقة عفرين أنها سلة غذائية متكاملة بالرغم من حصارها في كافة الاتجاهات أثناء وطول فترة أحداث الحرب الأهلية في سوريا لم تحتاج إلى أي شيء من خارج منطقة عفرين.
قرية جلمة
تقع في الجنوب الغربي لمدينة عفرين عدد سكانها (4130) نسمة حسب إحصائية الدولة السورية لعام 2004. وأوحد فيها وحدة إرشادية زراعية مع بناء سكن لعائلات المهندسين بعدد (2) من الشقق ذات مواصفات كاملة مخدمة بالماء والكهرباء وكانت العلاقة بين المهندسين والمزارعين علاقة أخوية فيها كل الاحترام للمهندس وللعلم وكنت أحد المهندسين الذي داوم في القرية كموظف في تسعينات القرن الماضي.
« جانب من سهل جومة الخصب- من ألبوم دلدار ميتاني »
اختيار هذه القرية للبدء بزراعة التبغ لم يكن صدفة، فبالإضافة إلى التربة الخصبة ووفرة المياه التي تميز سهل جومة والتي تشكل أراضي القرية جزءا منه فان أهالي تلك القرية لهم خبرة في خدمة المحاصيل والخضروات الصيفية وخاصة الفليفلة الحمراء هم معروفون بدقة أعمالهم واحترامهم للوقت في الاستفادة من كل دقيقة في خدمة المحاصيل ولا يهدرون الوقت أبدا !!
أول صنف تم إدخاله إلى جلمة كان صنف البيرلي ذي التجفيف الشمسي وكان ذلك في موسم 1968-1969 أما الصنف الثاني فكان صنف الفرجيني في عام 1974.
ومن بعدها توسعت المؤسسة في زراعتهما شرقا وغربا في القرى المجاورة لقرية جلمة وأسست مركزا ومستودعا من قبل مؤسسة حصر التبغ والتنباك السورية في قرية الغزاوية حيث كان يتم استلام المحصول المجفف وتقبيض المزارعين أثمانه مباشرة بعد التسليم. وكان هذا عاملا مهما للمزارعين في الاستمرار حتى الآن بزراعته إضافة لأسعاره الجيدة مقارنة بأسعار المحاصيل الأخرى.
« منظر عام من قرية جلمة »
تعد قرية جلمة هي من القرى الرائدة في مجال الزراعة وخدمتها حيث يزرع بالإضافة إلى التبغ والفليفلة الحمراء جميع الخضار الصيفية والشتوية مثل الزهرة والملفوف وهي من المحاصيل التي تحتاج إلى متابعة يومية.
هذه القرية استطاعت أن تقضي على ظاهرة البطالة قي القرية وذلك لتوفر العمل في كافة أوقات السنة وانعكست على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للقرية وخاصة بعد دخول محصول التبغ في زراعاتها حيث يلاحظ التوسع الكبير في مساكن وبناء القرية نحو الشمال والشمال الشرقي للقرية وشراء الآليات الزراعية ومستلزمات الزراعة والفلاحة.
جلمة قرية نشيطة قي كل مجالات الزراعة وتربية الحيوان، حيث توجد في القرية مدجنة حديثة لتربية الفروج وعدد جيد من الأبقار والأغنام حيث منتجاتهم يغزو سوق مدينة جنديرس ومدينة عفرين كل صباح من لبن وجبن كما انهم يزرعون القمح والشوندر (حاليا متوقف زراعة الشوندر نتيجة الأحداث في سوريا وتوقف معامل السكر) والقطن وكذلك توجد بساتين الرمان وكروم الزيتون التي لا غنى عنها في اية قرية من منطقة عفرين وبهذا استطاعت كل أسرة أن توفر دخلا ممتازا على مدار السنة.
أهم مراحل الزراعة والخدمة:
إن إنتاج المحصول ووصوله إلى مرحلة البيع يحتاج الى فترة طويلة مقارنة مع المحاصيل الأخرى والعمل في كل مرحلة يحتاج إلى دقة العمل والمواظبة وفي حالة هذه القرية كانت تستمر لمدة 14 شهرا بدءا من البذار إلى تسليم المحصول المجفف إلى الدولة ولكن العمل بعد الانتهاء من القطاف يكون سلسا وينحصر في مستودعات المزارعين مكان ما يضعون الأوراق المجففة فيها لحين وضعها في البالات وتسليمها حيث العمل غير مرتبط بساعات العمل ولا بأيام محددة، إنما كان مرتبط بتشكل أساسي بالندى لسهولة التعامل مع الأوراق المجففة.
« تجهز المشاتل بدءا من شهر شباط وعادة طول المشتل من 7- 10 م والعرض 1م »
1- مرحلة إنشاء المشاتل وزراعة البذور
الاهتمام بالمشاتل والعناية بها مهم جدا بالنسبة للمزارعين وذلك برش المبيدات وإزالة الأعشاب الضارة لذلك نلاحظ بالصورة مشتل نموذجي خالي من الأعشاب وإنبات جيد.
بعد ما انتشرت زراعة التبغ في القرى المجاورة أصبح كل مزارع يزرع عددا زائداً عن حاجته من المشاتل بقصد البيع وتأمين دخل للأسرة وخاصة في موسم الشتاء وهذا كان مهما للعائلة بتامين حاجياتها.
وتستمر هذه المرحلة إلى بداية شهر نيسان حيث موعد التشتيل بالحقل.
« زراعة الشتول يدويا في بداية شهر نيسان »
2- مرحلة التشتيل في الحقل:
عملية التشتيل تجرى يدويا حيث تنقل الشتول إلى الأرض المجهزة سلفاَ من فلاحات متعامدة وتسوية للأرض مع إضافة الأسمدة اللازمة كما نلاحظ بالصورة العامل يمشي مع الماء في خطوط الزراعة ويلاحظ التخطيط الهندسي للأرض بحيث يكون هناك سهولة عملية الري اللاحقة وهذا التفنن منبثق من خبرة مزارعي قرية جلمة للمحاصيل الصيفية.
هذه المرحلة تبدأ في شهر نيسان وتستمر لمدة 10 -15 يوم ويكون كل مزارعو التبغ قد انهوا التشتيل.
3-مرحلة السقاية والخدمات الأخرى من إضافة الأسمدة الآزوتية المتبقية وإزالة الاعشاب الضارة وتستمر إلى بداية شهر حزيران.
من التشتيل إلى القطفة الأولى مدته يتراوح ما بين 50 -60 يوم .
4- مرحلة قطاف الأوراق وضمها إلى الخيوط :
تبدأ من بداية حزيران وحتى شهر تموز ويتضمن القطاف يدويا وفي الصباح الباكر
ويتم القطاف على ثلاثة او أربع دفعات ويتبع كل قطفة بسقاية المحصول والصورة تبدو انتهاء القطفة الثانية.
وينقل إلى مكان ظليل ومن ثم تقوم العاملات والعمال بضم الأوراق إلى خيوط قطنية وبواسطة مسلات رفيعة وطويلة حيث اجتهد أهل القرية على صنعها محليا من أسلاك دواليب الدراجات الهوائية.
الصورة تبدو العاملات تقمن بضم أوراق التبغ إلى الخيوط القطنية ويستمر حتى ما قبل المغرب لان عليهم الانتهاء منه لكي لا يتلف الأوراق الخضراء وضرورة نشره في نفس اليوم. تنقل أول بأول الخيوط المضمومة من قبل العمال إلى المناشر الشمسية المبنية من الأخشاب أو البواري المعدنية.
المحصول المجفف تنزل الأوراق في الصباح الباكر شرط أن يكون قد سبقها سقوط الندى والا تبقى معلقة لان أي تحريك للأوراق المجففة يؤدي إلى تلفها وخفض في سعرها.
نقل الأوراق المجففة إلى المستودع وتخزينه يساعد على تخمره بشكل أولي.
عملية التخزين ووضعه بالبالات لا يمكنه إلا بوجود الندى لذا كل أعمال هذه المراحل الأخيرة تتم من الفجر إلى الصباح الباكر وكل عائلة تقوم بنفسها بهذه الأعمال ويتم تقسيم العمل على طاقة العائلة في الانتهاء باكرا من كبس البالات وقد تستمر مرحلة كبس البالات 20-30 يوم لأنهم يخرجون كميات قليلة لتعريضها للندى.
«عملية وضع التبغ المجفف في الكرسي أي تخزينه لحين كبسه بالبالات، ووزن البالة يتراوح ما بين 25-35 كغ »
5-مرحلة التسليم:
مع بداية شهر كانون الأول تبدأ لجنة مكونة من خبراء وعمال ومحاسب باستلام المنتوج في قرية الغزاوية وتستمر العملية إلى أواخر شهر آذار وحتى شهر نيسان وخاصة في السنوات الأخيرة قبل عام 2011 زاد الإنتاج بشكل ملحوظ حيث وصل الإنتاج إلى 1680 طن من البيرلي وأكثر من نصف هذا الإنتاج كان من إنتاج قرية جلمة حيث وصلت المساحات المزروعة في القرية وحدها قبل عام 2011 إلى أكثر من 500 هكتار ولم تبق أسرة من القرية وما زرعت مساحة محددة للتبغ، حتى المهندسين الزراعيين الغريبين عن القرية بدؤوا بزراعة التبغ !! وكان سعر الطن يصل إلى 50 ألف ليرة سورية، عندما كان سعر الدولار يعادل مبلغ (45) ليرة سورية.
لذلك اعتبر زراعة التبغ وبيعه دخلا ممتازا كان يجنيه اهل القرية حيث التسليم واستلام الفاتورة يتم مباشرة من المحاسب الموجود مع لجنة الشراء.
وبالرغم من توقف الدولة من استلام المنتوج بعد 2011 لم يتوقف أهل القرية عن زراعتهم للتبغ وفي هذا الموسم أي موسم (2018) من المتوقع ان تم زراعة 70 هكتار ويتم تهريب الإنتاج إلى المدن الساحلية.
حيث معدل إنتاج الهكتار الواحد يقدر بحوالي (4) طن من الأوراق المجففة، لا شك أن هنالك مصاريف كثيرة ولكن يبقى أكثر من 70% من قيمته المنتج للمزارع، عموما حتى النسبة 30% من قيمته يتم توزيعها على عمال القرية الذين يعملون من البداية إلى النهاية في العملية الإنتاجية.
الصنف الفرجيني:
هذا الصنف يتم تجفيفه في أفران خاصة وله نفس المعاملات والخدمة وإنما مصاريف التجفيف تكون أعلى حيث كان يستخدم الديزل في صوبيات خاصة بحيث تزداد الحرارة داخل الفرن على مراحل ويستمر ذلك لمدة (10) عشرة أيام مع تخفيض الحرارة أيضا على مراحل.
بعد غلاء المازوت أوقفت الدولة الترخيص للقرية بعد عام 2000.
سهل جومة وقرية جلمة بشكل خاص تعتبر السلة الغذائية لمنطقة عفرين حيث يتم فيها زراعات متنوعة من أشجار الفاكهة وخاصة الرمان والتفاح وتزرع الخضروات بأنواعها الصيفية والشتوية مما يوفر الدخل المناسب للأسر على مدار السنة.
« فرن تجفيف الدخان »
المصادر:
الصور من صفحة الفيس بوك لقرية جلمة.
الأرقام والتواريخ من غوغل ومن أفواه المزارعين مباشرة.[1]