محمود الوندي
يصادف هذا الشهر الذكرى السنوية الرابعة والثلاثين على أستشهاد المناضلة#ليلى قاسم# على أيدي النظام البعثي بعد محاكمة صورية قصيرة تم اعدامها في 12-05-1974 اي بعد اقل من أسبوعين على اعتقالها مع رفاقها الشهداء الأربعة ثلاثة منهم كانوا من طلبة جامعة بغداد والرابع خطيبها الشهيد جواد الهماوندي كان عاملا بسيطا في أحدى المطابع الحزبية للحزب الديمقراطي الكوردستاني أنذاك ، وأصبحت ليلى قاسم نجمة في سماء العراق وكوردستان ، وأصبحت رمزاً رائعاً كروائع الطبيعة الكوردستانية الخلابة الجميلة ، وروائع جبال كوردستان ، كما أصبحت مادة تلهب إلهام المثقفين من المفكرين والاكاديمين والشعراء والكتاب والفنانين .
( لا تزال اسرار عملية القاء القبض على ليلى قاسم وجماعاتها غامضة لحد هذه اللحظة ، ولا يعرف بالضبط كيف رصدت عيون اجهزة السلطة تلك المجموعة الصغيرة المختفية والتي كانت تعمل سراً ، وانا بأعنقادي لو لا وشاية خائن لم تكتشف بهذه السهولة ) . .
تلك الفتاة الكوردية الخانقينية التي تأطر ونمى في عقلها وقلبها بالوعي القومي والوطني مبكراً وقد ساهمت منذ باكورة شبابها في الكفاح السياسي من أجل قوميتها ووطنها وهي تتحدى نظاما شوفينياً لاتوجد في قاموسه او منهجه كلمة واحدة تقترب من حقوق الانسان باي شكل من الاشكال او جملة ترتبط بالاخلاق او الضمير. وكانت تقول لرفاقها وزميلاتها دائما لا بد لابطال الكورد من مواصلة المسيرة النضالية الشاقة لتستقيم عندهم الحياة بموازاة الشهادة ، ظاهرة الشهادة التي اقرها العرف الانساني والشرائع السماوية عندما تكون الشهادة ضد القهر والظلم والذل والاضطهاد على الهوية القومية . ..
فكانت تلك هي النقطة التي عانت منها ليلى الشهيدة فهي لم تكن تهاب الموت ولا تنثنى امام الإرهاب البعثي وكما اثبتت ذلك في زنزانتها ، لأنها كانت تحمل في حقيبة قلبها الى جانب هم الدراسة هم النضال من أجل تمتع شعبها بحقوقه القومية المشروعة التي تثابر من اجلها وبسببه شنقت بطريقة وحشية . .
ولدت الشهيدة ليلى قاسم في 27 -12- 1952 في ضواحي مدينة خانقين في مصفى الوند ( بانميل ) بالمنطقة النفطية التي تقع على ضفاف الوند لأسرة كوردية متواضعة وكان لها ثلاثة أخوه عبد السلام/ صباح / صبيح وأخت أسمها صبيحة وكانت ليلى طفلة ثانية في العائلة ، وكان والدها عاملاً في مصفى نفط خانقين الذي ربى أبنائه بحب الوطن شأن كل الوطنيين الذين يعدون عشق الوطن والمبادئ والقيم مكسبهم ورأسمالهم في الحياة ، نشأت ليلى وترعرت في أجواء الحب والعاطفة والحنان من قبل عائلتها وتربت على مبادئ حب الوطن والشعب .. وقد تعزز إيمانها بهما . . .
دخلت ليلى المدرسة ( ابتدائية مصفى الوند للبنات ) وهي في سن السادسة من عمرها ، وأستمرت في الدراسة في مدينة خانقين مسقط رأسها لحين أنتهاء دراستها الثانوية في عام 1972 وفي مدرسة ثانوية خانقين للبنات ... بعد أكمال دراستها تم قبولها في كلية الآداب ( قسم علم الاجتماع ) ، جامعة بغداد ، أصبحت ليلى إنسانة ناضجة وواعية وتميزت في شخصيتها وأهتمامها بالجانب السياسي والاجتماعي والثقافي والتي أهلتها للدخول في صفوف أتحاد طلبة كوردستان ، والعمل الحزبي لاحقا . . .
مع أشتداد الحملة ضد الكورد من قبل نظام البعث والتطهير العرقي للقومية الكوردية في مدينة خانقين وتغيير هويتها القومية وأنتقاماً من أهلها الذين وقفوا ضد سياساته الشوفينية الرعناء ( مدينة خانقين المعروفة بقدرتها الشابة على العطاء وثقافة أبناءها ومواردها الطبيعية الغنية بالنفط والمياه ناهيك عن موقعها الأستراتيجي المهم وعريقها التأريخي ) ، ومع أزدياد وحشية وبطش نظام البعث رحلت الشهيدة ليلى قاسم مع عائلتها الى بغداد في بداية السبعينات بعد ان نقل والدها الى مصفى الدورة في العاصمة بغداد تاركين ورائهم كل شيء حتى ذكرياتهم ثم أحيل والدها على التقاعد ، فقررت العائلة البقاء في بغداد لمنعها ورجوعها من قبل النظام الى مدينتها خانقين بسبب أنتمائها القومية . .
واصلت ليلى قاسم دراستها في جامعة بغداد وهي تحلم بتأمين الحقوق القومية لشعبها المضطهد ، وبدأ مشوارها النضالي والسياسي بعد ان تعرفت الى كوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الجامعة عبر أحد زملائها من مدينة خانقين *، فكسبت عضوية الحزب بسرعة لنشاطها وكفاءتها وتفانيها الواضح وأصبحت من أنشط الوجوه الطلابية داخل الجامعة . . . كانت الشهيدة مجتهدة في دراستها ومتفوق على زملائها في جميع مراحل دراستها كما تميزت أيضاً في وطنيتها وشعورها العالي نحو قوميتها . حيث جمعت بين نضالها من اجل حقوق الكورد ، ونضال المرأة من أجل حقوقها وبين أكمال دراستها ، وكانت ترى ان المرأة يمكن ان تكون نداً ورفيقاً للرجل وخاصة في سوح النضال والسياسة .
لذلك اختارت ليلى قاسم طريق النضال غير المعبد بالزهور بل أنه طريق وعر وصعب ممتلئ بألاشواك والعقبات ، بما كانت قناعتها بعدالة القضية التي شرعت تناضل من اجلها وحيث رأت في الحزب الديمقراطي الكوردستاني دربها وحياتها لذا نشطت في صفوفه وحملت الكورد وكوردستان في ضميرها وبين أضلاعها وأنغمست في نضالها من أجل حقوق وكرامة وسعادة الإنسان الكوردي وقدمت ما لديها وهي حياتها من أجل ان يتخلص الشعب الكوردي من سلطة البغي والطغيان وسقت أرض العراق وكوردستان بدمائها الزكية ... ومن الطبيعي في هذا الطريق واجهت وككل المناضلين الحقيقيين ، الصعوبات ، الآلام ، السجون ، الاعدمات ، الاغتيالات . . بعد أنهيار أتفاقية 11 -03- 1974 بين القيادة الكوردية والسلطة الحاكمة تركوا جميع رفاقها مدينة بغداد ورحلوا الى مدن كوردستان وجبالها .. إلا ان الشهيدة ليلى ابت اللحاق بهم وأختارت البقاء في بغداد العاصمة لتواصل نضالها ضد النظام الدكتاتوري وحزبه الدموي في عقر دارهم وأصرارها على الصمود امامه ، ولم تبال بما قد يؤول اليه مصيرها لو ألقيت القبض عليها ، وابدت استعدادها للنضال من اجل الدرب الذي أختطته لنفسها وثقتها التامة بهذا الطريق عندما عمق في نفسها التحدي ، فخلال وجودها في بغداد حاولت ليلى الاتصال بالعديد من رففاقها لاعادة تنظيمهم الحزبي من جديد وبعيدا عن أعين الأجهزة الامنية وكلابها ، للأسف الشديد لم تستطع تلك المجموعة من الشبان معها في الاستمرار لفترة طويلة في عملهم السياسي حيث حصلت اختراقات في تنظيمهم ، مما ادى للكشف عنهم والايقاع بهم .
ليلةالقبض على ليلى .
في 24-04- 1974 بعد منتصف الليل اقتحمت الدار التي تسكنها الشهيدة ليلى مع عائلتها من قبل الأجهزة الامنية والحزبية للقبض عليها ، بعد ان طوقت المنطقة او المحلة بأكملها ، حاملين مختلف الاسلحة ولكن لم تفقد ليلى شجاعتها وربأط جأشها حيث قامت بأحراق وأتلاف الاستمارات الحزبية وكل ما يتعلق بأسرارهم من أسماء الاشخاص وعنواينهم حتى لا تقع تلك الاسرار في ايدي الاجهزة الامنية ما قد يؤدي بحياة الاخرين من اصدقائها ورفاقها الحزبيين لأنها كانت واسعة الادراك لمجابهة الموقف الخطير بكل الهدوء والعقلانية . قبل ان يلقى القبض عليها وأقتيادتها الى أقبية امن بغداد وثم الى الامن العامة لبست ليلى ما لديها من اجمل ملابسها وأدارت وجهها الى والدتها وطلبت منها ان لا تحزن عليها ولا تلبس الملابس السوداء لأنها ضحت أغلى ما لديها قربانا للكورد وكوردستان وهي سوف تصبح عروس كوردستان وأسمها يملئ الشوارع والساحات وعليها ان تفتخر بها . . ........
ليلى تقضي ساعاتها الاخيرة في الزنانة الأنفرادية :
بعد أعتقالها من قبل سلطات الامن العراقية ووضعت في زنزانة أنفرادية ومنعت عنها الزيارة ، ومارسوا معها بوحشية كل انواع التعذيب لأنتزاع أعترافات منها ولكن صلابتها وعزيمتها وأصرارها على عدم الاعتراف ولم تنطق بكلمة واحدة تمس رفاقها ، ورغم فقدانها عينها اليمنى إلا انها ظلت صامتة امام الاوغاد ولم يتمكنوا من كشف أي خلية من الخلايا الحزبية التي تجتمع معهم أو بيت من البيوت التي كانت صلة بيهم وعندئذ سألها احدهم : والان ايهما اعز عينيك ام كردستان ؟؟؟؟ لكنها وقفت شامخة وبثقةعالية بمبدأها ونفسها وهي ترد عليه كوردستان أغلى من عيوني وروحي ، عندما عجز أولئك الاوغاد المجرمين ولم يستطيعوا رغم تعذيبها تعذيبا قاسيا كي يختطفوا منها أعترافا حول تنظيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد حتى ان صعدت سلالم المشنقة بدون خوف أوندم مع أربعة من رفاقها الأبطال ولكن لجنة التحقيقات الأمنية أتهمتها بأنها فجرت المقاهي والنوادي ودورالسينما وقتلت الأبرياء وكان الرد عليها وأنها مرفوعة الرأس انا لست مجرما أنما انا مناضلة من أجل القضية المشروعة وهي القضية الكوردية وسوف أفدي بروحي من أجلها . .
وقبل يوم من اعدام ليلى سمح لأهلها بزياردتها ، طلبت من أهلها ان يحضر لها وبالسرعة الممكنة ملابسها الكوردية كي تلبسها يوم اعدامها اعتزازا منها بالملابس القومية ولاحتشامهاعندما تصعد حبل المشنقة وفعلا وكما ارادت فاحضرت لها في نفس اليوم ما ارادت بسرعة فائقة .. صعدت ليلى الى حبل المنشقة بكل إباء وشجاعة ووقفت امام جلاديها بأباء لتذهل وترعب معذبيها وقاتليها ، ودافعت بكل شرف عن حقوق قوميتها المشروعة واذا بها تهتف باعلى صوتها باسم كوردستان وشعب وقيادة كوردستان وبأسم الأب الروحي للشعب الكوردي الملا مصطفى البارزاني لأن قلبها ينبض بحب الكورد وكوردستان .. لا بد ان تشرق بعدها شمس الحرية والديمقراطية والفيدرالية لتأخذ قوميتها حقوقها المشروعة .
لقد اصبحت الشهيدة ليلى قاسم شهادتها رمزا يحتذى به واصبحت حديث الساعة ليست بين أصدقائها ورفاقها فقط بل بين رموز النظام ، لان صلابة تلك المرأة الكوردية الحديدية وأعتزازها بقوميتها وعزيمتها واصرارها على عدم التنازل ولو بكلمة تمس الكورد وكوردستان .. فتقدمت بشجاعة ومرفوعة الهامة كقمم كوردستان لتعتلي المنشقة . أعدمت ليلى وفارقت الحياة ثم سلموا جثتها الى أهلها ومنعوا مراسيم العزاء ، ودفنت في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف الاشرف بعيداً عن ديار الاهل ومواطن الطفولة ومناقب الذكريات المرة والحلوة التي عاشها بين صديقاتها وعائلتها ومعارفها وأهل محلتها ( الحارة او الحي ) في مدينة خانقين .
ايتها العروس سوف تطلعين علينا في كل ربيع مع الزهور النرجسية ومعطرة في قلوب وضمائر أبناء وبنات مدينتك خانقين وسيبقى أسمك ايتها الشهيدة نابضاً في قلوبنا ! في كل نيسان ومايس سوف يكتب عنك الكتاب والشعراء ويغني ويرسم لك الفنانين والفنانات لأنك لم تبخلي بشيء من اجل إعلاء اسم وكلمة الكورد وان حياتك التي وهبتها رخيصة لشعبك وانت في ريعان شبابك ، تبقى حية في ضمائرنا ولن تموت ابدا أيتها البطلة ، بل تبقى حية في ضمير كل انسان شريف على هذا الكوكب وستبقى شمسا وهاجة تنير الدرب للاجيال القادمة ، ستبقى ذكراك في الأذهان وقلوب كل أصدقائك وصديقاتك . وتبقى أنشودة في فهم تأريخ الشعب الكوردي الاصيل الذي لاقى كل صنوف القهر والاستبداد طوال عقود طويلة من الزمن . وأخيراً أبشرك أيتها الشهيدة لم يذهب دمك هباءً لقد رفع علم الكورد على مدن وجبال كوردستان ورفرف بيرق الحرية والديمقراطية والفيدرالية على ربوع كوردستان .
الملاحظة : -
الشقيق الاكبر للشهيدة ليلى قاسم هو الذي نقل لي الحديث بحذافيره ليلة القبض عليها وعن موقفها الجريئة . وهو من أصدقائي.[1]