الكورد والشرق الأوسط الجديد….
محفوظ رشيد
بعد تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك، تدخلت أمريكا مع حلفائها عسكرياً في أفغانستان لإنهاء حكم طلبان المتخلف ومكافحة الإرهاب المتصاعد والمنتشر عالمياً، تناولت وسائل الإعلام في حينها مشروعاً غربياً لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، فكانت الخطوة الأولى في العراق بمثابة الاختراق والحزم (بإسقاط نظام صدام الدكتاتوري، وإقامة الفدرالية)، والتالية في سوريا الاستغراق وكسر العظم، وهما متجهتان نحو التقسيم الحتمي إلى دويلات بسبب اتساع الشروخ وعمق الجروح التي أنتجتها الحرب الداخلية المستعرة والمستمرة في جسديهما منذ سنوات، وأشعلتها النزاعات الطائفية والصراعات الأثنية التاريخية المزمنة، وأججتها التدخلات الخارجية عن طريق المجاميع المسلحة التي تبث الارهاب والخراب بوحشيتها وهمجيتها.
انتقلت العدوى إلى معظم دول المنطقة بعد انطلاق بما يسمى بثورات الربيع العربي ومازالت تنتشر وتستشري في أرجائها، وتستمر مسلسلات العنف والعنف المضاد لتأخذ سيناريوهات متعددة ومشاهد مختلفة تبعاً لأهمية الموقع الجيوسياسي والتركيب السكاني لكل بلد، مخلّفة القتل والدمار والنزوح، ومنتجة المعاناة والمأساة، التي لم تسلم من آثارها المريبة والمفجعة القاصي والداني…
تتحمل الأنظمة الحاكمة لدول المنطقة المسؤولية العظمى عما آلت إليه الأوضاع والأحوال، بسبب فشلها في تطبيق مبادئ المواطنة والمساواة والديمقراطية فيها، وعجزها في تحقيق الازدهاروالأمن والاستقرار لبلدانها، وما زالت تمانع الإصلاح والتغيير وتقمع معارضاتها الوطنية بلا رحمة ولاهوادة، تلك المعارضات التي اخترقتها فيما بعد التيارات الاسلامية السلفية والأصولية المتطرفة والمتزمتة، التي شوّهت صورتها وحركتها، وحرّفتها عن مساراتها الوطنية الحقيقية، لتتحول إلى أدوات منفذة لأجندات خارجية (إقليمة ودولية) وتصبح يائسة تائهة، غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من الحرية والكرامة لمواطنيها، وتحرير بلدانها من ربقة الاستبداد والفساد المستفحلين فيها.
فإذا سلمنا بأن الأمور تسير وفق نظرية الفوضى الخلاقة، بمعنى أن كل مشروع بعنوان وكل برنامج بحسبان، تخطط له الدولة العميقة (أو الخفية) العالمية، وتديره وتنفذه الدول العظمى المتنفذة، التي قد تختلف على تقاسم الحصص وتوزيع الأدوار، لكنها تشترك في الأساسيات، بالرغم من تباين المصالح والمطامح، فهي متفقة على مكافحة الإرهاب المنظم المتمثل بداعش وأخواتها والقاعدة ومثيلاتها أولاً، وعلى انهاء الأنظمة القمعية والشمولية (التوليتارية) وتبديلها بأخرى مدنية ديمقراطية ثانياً، وعلى حماية مصالحها الاستراتيجية عبر ضمان منابع الثروة والطاقة وتأمين أسواق الصرف وحقول الاستثمار لكارتيلاتها ثالثاً، وذلك بتوفير الأرضية اللازمة والمناسبة من خلال إيجاد حلفاء من أصحاب الأرض موثوق بهم.
لتحقيق ما سبق، لابد من مواجهة للمتاعب والمصاعب والمرور بأزمات وإرهاصات، قبل ولادة الشرق الأوسط الجديد الذي يمر الآن بمخاض عسير وخطير بسبب التعقيدات والتباينات التي تكتنف الأجندات والتوجهات، وعمليتي الفك والتركيب(من جديد) ستكلف المنطقة حتماً الكثير الكثيرمن النزيف الاقتصادي والبشري، وهذا ما يحصل فعلاً.
أي مراقب (أومتابع) للأحداث يلاحظ مؤشرات التغيير وبوادر التحويل وملامح التشكيل التي تظهرتباعاً واضطراداً وفق مراحل وعلى جرعات:
1. إلهاء الدول المحورية الرئيسية (مصر، سعودية، تركيا، إيران) بقلاقل ومشاكل داخلية وأخرى إقليمية لإنهاكها وإلغاء أي دور سلبي معيق لها للمخطط الجاري تطبيقه.
2. إذكاء النعرات الطائفية والنزاعات العرقية تمهيداً لتفكيك الدول التجميعية للعديد والمتنوع من الانتماءات والأعراق، والتي تشكلت وفق المعاهدات الاستعمارية ضماناً واستمراراً لمصالحها الحيوية فيها.
3. ضمان أمن إسرائيل، وتطبيع علاقاتها مع محيطها العربي والاسلامي، والحفاظ على قدراتها من جميع النواحي لتبقى السيد والحكم في المنطقة.
4. نزع الأسلحة الاستراتيجية (أسلحة الدمار الشامل) كالكيماوي السوري والنووي الايراني لعدم الاخلال بالتوازن العسكري وابعاد الأخطار المحتملة مستقبلاً.
5. إعانة ومناصرة الأقليات العرقية والدينية والمذهبية(المضطهدة والمهمشة في بلدانها) والدفاع عن وجودها وتثبيت حقوقها.
6. مساعدة ومؤازرة القوى والمنظمات والتيارات المدنية المعتدلة والعلمانية والديمقراطية في توجهاتها ونشاطاتها السياسية والاقتصادية والثقافية… لضمان التعايش السلمي والأمن والاستقرار والتقدم مستقبلاً.
7. دعم ومساندة الكورد في كافة مناطقهم ليشكلوا إدارات ذاتية خاصة بهم مع باقي المكونات على أسس ديمقراطية تعددية (على غرار اقليم كوردستان العراق)، تمهيداً لتمكينها وتطويرها وتجميعها في كيان مستقل(كوردستان) أسوة بباقي شعوب المنطقة.
انطلاقاً مما سبق، تشير المقدمات والمعطيات على وجود قضية الكورد(شعباً وأرضاً) ضمن أجندات واهتمامات صناع القرار العالميين لحلها ومعالجتها، لاتصافهم بشروط ومعايير يتطلب التوفر فيهم حاضراً ومستقبلاً، كنبذ العنف ومحاربة الإرهاب، والتطلع إلى الحرية والديمقراطية، والرغبة في التطور والتقدم، والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والدفاع عنها..
الظروف الموضوعية مواتية ومناسبة للكورد عامة، ينبغي استثمارها واستغلالها، كي يقوموا بدورهم الفاعل في التحولات والتغيرات الجارية، فينالون حقوقهم ويبلغون أهدافهم، وهم مرشحون للقيام بمهام نبيلة ومجيدة أكثر أهمية وفاعلية ومسؤولية على الصعد الوطنية والاقليمية والدولية، ولأجل إثبات أهليتهم وجدارتهم للمهام المناطة بهم يجب على قيادات الحركة الكوردية في كافة الأجزاء تهيئة الظروف الذاتية، وذلك بالعودة إلى الثوابت التي استخلصت من التجارب والمحن التي اجتازتها الحركة خلال مسيرتها النضالية الطويلة والمليئة بالعبر والدروس عبر مراحل تاريخية مختلفة ومن أبرز تلك الثوابت:
1. ترتيب البيت الكوردي بتوحيد صفه وخطابه في المواقف والمواقع على أساس الكوردايتي(المصلحة القومية العليا) في كافة الأصعدة والمناحي، وذلك بنبذ المصالح الشخصية والأنانيات الحزبية والخلافات البينية التي أوجدتها الضغوطات الأمنية، والانقسامات الداخلية، والتبعيات الكوردستانية، والاملاءات الخارجية، وتقديم التنازلات لايجاد القواسم المشتركة في الرؤى والسبل.
2. احترام خصوصية كل جزء كوردستاني واستقلاليته في إدارة شؤونه وتقرير مصيره بنفسه، والالتزام بالعمق القومي على أساس التعاون والتنسيق والتضامن والتكامل.. ضمن الإطار القومي العام، وهذا ما يتطلب تشكيل مرجعية كوردية عبر عقد مؤتمر كوردي عام وشامل لممثلي الحركة من كافة الأجزاء لتحديد المبادئ والآليات، وتمييز القضايا من حيث الأولوية والأهمية.
3. عدم الاعتماد على الأنظمة المقتسمة لكوردستان وامتداداتها، وعدم المراهنة على مشاريعها وتعهداتها وحصر التعامل معها تكتيكياً فقط ولخدمة القضية الكوردية.
4. توثيق الروابط مع القوى الوطنية والديمقراطية والليبرالية في البلدان المقتسمة لكوردستان على أساس الشراكة والمساواة الحقيقيتين في الوطن، والالتزام بحقوق الكورد العادلة والمشروعة بدون نقص أو تشويه.
5. إقامة أوثق العلاقات مع الدول الديمقراطية المتقدمة وعلى رأسها أمريكا وتوليف البوصلة الكوردية مع مشاريعها السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة (على أساس المصالح المشتركة والمتبادلة) خدمة لقضايا الكورد القومية والوطنية والديمقراطية والإنسانية..
6. عدم الانخراط في المحاور الإقليمية، على أساس طائفي أو ديني أو عرقي أو..، والنأي بالذات عن محارق صراعاتها.[1]