د. سمير بشير حديد
سميت #الموصل# بهذا الاسم، لأنها كانت تصل بين الشام وخراسان وبين دجلة والفرات، ويصفها ياقوت الحموي، بأنها: باب العراق، ومفتاح خراسان، منها يقصد إلى أذربيجان، وأنها واحدة من بين ثلاثة بلدان عظَام في الدنيا، هي: نيسابور (مقاطعة خراسان– شمال شرق إيران) لأنها باب المشرق، ودمشق، لأنها باب المغرب، والموصل نفسها، لأن القاصد إلى الجهتين لا يمر إلا بها.
كما تجدر الإشارة إلى أن تسميتها بأسماء مختلفة، نجد بعضاً منها أسماء قَدِيمة (قَبْل الإسلام) وأخرى بعد فتحها، نذكر منها:
1- أشار الرحالة اليوناني زينوفون في رحلته عام (401) ق.م إلى الموصل باسم (مسبيلا) المستنبطة من الكلمة الآشورية (مشبالو) التي تعني الأرض السفلى أو الأرض الواطئة أو المنخفضة، أنظر سهيل قاشا.
2- سميت الموصل باسم (نيو أردشير) أي أردشير الجَدِيدة، نسبة إلى المَلِك الساساني الفارسي أردشير الأوّل، وقد لاقت اهتماماً كبيراً من قِبَلْه. ولد أردشير الأوّل أواخر القرن الثاني في المرزبان، وحكم مَدِينَةٌ اصطخر، ثم ثار ضد أخيه وأخذ منه الملك في سنة 208م وقام أردشير بالسيطرة على كثير من بلاد فارس والمدن المجاورة ل(كرمان) و(أصفهان) ومنها الموصل، أنظر سهيل قاشا.
3- سميت الموصل ب(الحصن العبوري) من قِبَل الآراميين، أي: الحصن الغربي. جاءت هذه التسمية بعد أن سقطت تحت الحكم الساساني الذي أفقرها وجردها من هويتها الآشورية، بعد سقوط نِينَوَى الآشورية أنتقل التجمع السكاني إلى الطرف الثاني من نهر دجلة وهو مكان أكثر تحصيناً لوقوعه في منطقة مرتفعة محاطة بالنهر عُرفت ب(عبورايا) ثم سميت الموصل بعد الفتح الإسلامي.
4- سميت الموصل في الجاهلية ب(عربايا) أي: محل إقامة العرب، ويقصد هنا بالجزيرة العربية، لأنه كان يقطنها الكثير من القبائل العربية. كما أشار الهمذاني:”كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب باعربايا، وهي الموصل، لقدرها عندهم، وعن ريف الجزيرة، وما يليها لأنها تعدل في الخصب باعربايا.
5- أطلق العرب على الموصل اسم (خولان) كما أشار المقدسي في كتابه، أحسن التقاسيم، وذكر ذَلِك عماد الدين خليل في كتاب: خطوات في تُراث الموصل. وعند البحث عن أصل هذه التسمية وجدت أن (خولان) قبيلة عربية قطنت في صعدة باليمن في زمن الجاهلية (قَبل الإسلام) وأعلنت إسلامها في السنة العاشرة للهجرة. يقال: إن عدداً من أبناء هذه القبيلة نزح نحو الحجاز وبلاد الشام مرتين: الأُولَى قَبل الإسلام بسبب قتال مع عشيرة يمنية أخرى ما أدى إلى نزوحها من اليمن باتجاه الشام والموصل. أما المرة الأخرى فكانت بعد دخولها الإسلام من خلال مشاركتها في الفتوحات الإسلامية، وبلغت بلاد الأندلس والشام والموصل. وأعتقد - أنا شخصياً - أن هذا هو الربط الوحيد الذي يقبل المنطق، ولم أجد أي ربط آخر يبين اسم هذه القبيلة وتسمية الموصل ب(خولان)، وربما يحتاج هذا الأمر إلى بحث أدق، ودراسة أعمق... نأمل أن نجد في المستقبل إن شاء الله بحبوحة من الوقت للتحقق من هذا الموضوع.
6- كما أطلق عليها العرب اسم (الحِصْنين). يشير ابن الأثير الجزري، إلى أنه: بعد انتصار المسلمين على الساسانيين في معركة القادسية توجه قسم منهم وشن حصاراً على تكريت التي كانت تحت سيطرة البيزنطيين وتمكنوا من دخولها واتجه ربعي بن الأفكل التغلبي إلى الموصل (عرفت في المصادر الإسلامية بالحِصْنين آنذاك) وفتحها، وهناك اختلاف على تَارِيخ استسلام المَدِينَة، فيروي البعض أن ربعي بن الأفكل دخلها عام 637 (16 ﮪ) بينما يرجئه آخرون حتى 641 (21 ﮪ). ومن يرغب بالدخول في تفاصيل فتح الموصل، فعليه مراجعة كتابات: ابن الأثير، أو اليعقوبي، أو الأزدي، أو الطبري.
أما من التسميات التي وردت بعد الفتح، أي: بعد فتحها عام 17 للهجرة، وحديثاً فهي:
1- أم الربيعَيْن: لأنها منطقة معتدلة دافئة، يبلغ ارتفاعها 730 قدماً (223م) فوق مستوى سطح البحر ويسيطر عليها مناخ البحر المتوسط. وتعد من الوجهات السياحية المهمة التي يقصدها النّاس من محافظات كثيرة في العراق لغرض الاصطِياف، لاسيما في نهاية موسم الربيع والصيف وأوائل فصل الخريف. ذَلِك أن الموصل – أم الربيعَين – تتميز باعتدال مناخها ونقاء أجوائها وعذوبة مياهها، كما أن طرق الوصول إِليها معبدة وميسرة وسهلة. أما خريفها فهو يشبه ربيعها ولا يختلف عنه من حيث طبيعة المناخ ولهذا أطلق عليها اسم أم الربيعَيْن.
2- الْحَدْبَاء: هنالك عدة آراء لسبب تسمية الموصل بالحَدْبَاء. الأوّل: وهو ما يشير إليه ياقوت الحموي، هو احتداب في دجلتها، واعوجاج في جريانها. والثاني: ما يشير إليه ابن بطوطة، كما جاء في ستار تايمز، إلى أن التسمية تعود إلى قلعتها الْحَدْبَاء، وذكرها محمد أمين العمري في منهل الأولياء وهو احتداب أرضها حيث البيوت مبنية على نشز من الأرض.
والرأي الثالث يرى أن التسمية جاءت نسبة إلى اِحْدِيداب منارتها في الجامع النوري (الكبير). استعرض حازم البكري في كتابه: معجم الألفاظ الموصلية، الجزء الأوّل، الآراء المختلفة حول تسمية الموصل بالحَدْبَاء: فبالنسبة لقول ياقوت الحموي (سميت الموصل بالحَدْبَاء نسبة إلى اِحْدِيداب في نهرها واعوجاج في جريانه)، فإن البكري يرى أن هناك مناطق كثيرة في طول مجرى نهري دجلة والفرات، فيها اِحْدِيدابات واعوجاجات أكثر مما في هذه المنطقة ومع ذَلك، لم تُسَمَّ أيُّ قريةٍ أو بلدةٍ واقعة عليها باسم الحَدْبَاء. وبالنسبة لقول ابن بطوطة (لقبت الموصل بالحَدْبَاء، لانحداب في قلعتها) يقول البكري: إن جميع القلاع القَدِيمة كانت تشيد على نشز من الأرض وارتفاع لتكون مشرفة ومتسلطة على الأراضي المجاورة، ويقول أيضاً: أما من قال بأنها سميت بالحَدْبَاء نسبة إلى احْدِيداب منارتها، أقول بأن الموصل لقبت بالحَدْبَاء قَبل بناء المنارة بفترة طويلة. ثم يقول: وقد أطلعني أحد الإخوة الأدباء على كلمة نقلها من جريدة الموصل في عددها (143 الصادرة بتَارِيخ 14-11-1919). جاء فيها: تعرف منطقة الموصل عند الآراميين باسم (حدياب) وكانت الجزيرة تعرف بالموصل. فهما موصلان. وقد قال الشاعر الزبيدي في تاج العروس:
وبصرةُ الأزد مِنَّا والعراقُ لنا...
والموصلان، ومنا المصرُ والحرم
وكان الكتّاب إذا أرادوا الموصل التي بحذاء نِينَوَى ودون سواها قالوا (موصل حدياب) ثم حرف الاسم إلى (موصل حدباي). وعند علماء الصرف أن الياء إذا تطرّفت قلبت إلى همزة. لذَلِك أصبحت (موصل حدباء). وبمرور الزمن وتقلب الظروف توهم النّاس أن كلمة حدباء هي صفة للموصوف، فقالوا: الموصل الحَدْبَاء. وربما كان هذا التعليل هو الصحيح.
(مستل من مبحث طويل بنفس العنوان).[1]