سفانة هزاع الطائي
تعد مشكلة الموصل، من القضايا المهمة في تكوين الدولة العراقية الحديثة فقد شغلت الحكومة العراقية وخاصة بعد انتهائها من عقد معاهدة عام 1922. اذ أن هذه المشكلة نشأت بعد الحرب العالمية الاولى، نتيجة لاندحار الدولة العثمانية وانحلالها، وقيام الدولة العراقية. اذ اخذت الحكومة التركية تطالب بولاية الموصل وتحشد قواتها على الحدود العراقية
وكانت القوات البريطانية قد احتلت الموصل بعد اعلان هدنة مودروس في (30 -10- 1918) مستندة في ذلك على المادة السابعة من الهدنة والتي تنص بأن ((للحلفاء الحق بأن يحتلوا أي نقاط ذات اهمية عسكرية في حالة حدوث ما يهدد سلامة الحلفاء)). وقد تنازلت تركيا بموجب معاهدة سيفر المعقودة بينها وبين الحلفاء في 10 -08- 1922 عن العراق بأجمعه بما فيه ولاية الموصل.
مشكلة الموصل :
عملت بريطانيا على ايجاد حل لمشكلة الموصل. فعقدت (مؤتمر لوزان) وفي هذا المؤتمر رفع الوفد البريطاني مذكرة تحوي على خلاصة الاسباب التي من اجلها لايمكن قبول مطالب الوفد التركي باعادة ولاية الموصل لتركيا وهذه الاسباب جنسية وسياسية وتاريخية واقتصادية وكل منها يدحض الدعاوي التي يعتمد عليها الوفد التركي. الاول في 20 1-10- 1922، ومؤتمر لوزان الثاني في 13 -04- 1923. وذلك لإيجاد حل لهذه المشكلة، غير ان التوقيع على معاهدة لوزان في 24 تموز 1923 بين تركيا والحلفاء. لم يحل مشكلة الحدود بصورة حاسمة بين تركيا والعراق. اذ نصت المادة الثالثة منها على ان يعين خط الحدود بين تركيا والعراق بترتيب ودي بين تركيا وبريطانيا خلال تسعة اشهر، واذا لم يتوصلا الى اتفاق بينهما خلال المدة المذكورة سترفع قضية الموصل الى عصبة الأمم كما عقد ((مؤتمر القسطنطينية)) في (19 أيار – 9 حزيران 1924). لحل المشكلة الا ان هذا المؤتمر اخفق ايضاً في حل المشكلة، لذلك تمت احالتها الى عصبة الأمم.
وفي 30 -07- 1924 قررت عصبة الامم، تأليف لجنة دولية، وعلى هذه اللجنة ان تقدم الى المجلس كل المعلومات والاقتراحات الخاصة بقضية الموصل والتي تساعد المجلس على اصدار قراره.
وصلت اللجنة الى الموصل في 27 -01- 1925. فبدأت اعمالها على نطاق واسع، اذ قامت بزيارات عديدة لمركز المدينة والاقضية والنواحي التابعة للواء الموصل، كما أجرت اتصالات عديدة مع السكان للتعرف على رغباتهم وارائهم في مستقبل المنطقة. وفي 19-03-1925 انهت اللجنة اعمالها وقررت مغادرة العراق الى جنيف، ثم قدمت في 16-07-1925 تقريراً عن قضية الموصل، اوصت فيه بعدم تقسيم ولاية الموصل، وضمها الى العراق، بشرط ان تبقى المنطقة المتنازع عليها تحت انتداب عصبة الامم لمدة 25 عاماً، مع مراعاة رغبة الاكراد فيما يتعلق باشغال الوظائف في الادارة والقضاء والتعليم.
في 16 -12- 1926 أقر مجلس عصبة الامم، بقاء ولاية الموصل ضمن حدود العراق، والزم بريطانيا بعقد معاهدة جديدة مع العراق تجعل مدة الانتداب على العراق 25 عاماً.
وفي 13-01- 1926 تم التوقيع على المعاهدة الجديدة بين العراق وبريطانيا، التي اعادت بريطانيا فيها مواد المعاهدة العراقية-البريطانية الجائرة لسنة 1922. كما تم التوقيع على المعاهدة العراقية التركية البريطانية في 5 حزيران 1926، اذ اعترفت تركيا بموجب هذه المعاهدة بعائدية ولاية الموصل للعراق.لقد استقبل الموصليون قرار مجلس العصبة الذي اعطى ولاية الموصل لعراق بالابتهاج والسرور، اذ رفع الاهالي العلم العراقي على دورهم، كما قاموا بتنظيم المهرجانات التي شارك فيها كل ابناء الموصل، ولكن استنكروا التدابير الموصى باتخاذها في بقية فقرات القرار ولاسيما الثانية، والتي نصت على تجديد اجل الانتداب على العراق 25 سنة.
- دور الاحزاب والجمعيات الموصلية في الدفاع عن الموصل :
شرع رجال الحركة الوطنية بتأليف احزاب وجمعيات سياسية اخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن عروبة الموصل ازاء المطامح التركية، فكانت كل من حزب الاستقلال العراقي، وجمعية الدفاع الوطني والحزب الوطني العراقي.
فحزب الاستقلال العراقي : تأسس في الاول من ايلول 1924 في الموصل، وتألفت هيئته الادارية من : اصف وفائي ال قاسم اغا (رئيساً)، جميل دلالي (كاتماً للاسرار)، سعيد الحاج ثابت (كاتباً)، محمد صدقي المحامي (معتمداً)، وابراهيم عطار باشي (اميناً للصندوق).
كان هدف الحزب الاساسي ((الاستقلال التام للقطر العراقي بحدوده الطبيعية، على ان تكون حكومته ملكية دستورية ديمقراطية، تستمد سلطتها من الشعب العراقي نفسه …)) وان ((العراق المستقل لايتجزأ)). كما اصدر الحزب جريدة (العهد) لسان حاله، وصدر العدد الاول منها في 20 كانون الثاني 1925 وكانت معظم مقالاتها تدور حول قضية الموصل، اذ ركزت على الجوانب التاريخية والاقتصادية والجغرافية للمشكلة، كما انها ذكرت العراقيين بمظالم الاتراك.
أظهر الحزب نشاطاً واسعاً اثناء وجود اللجنة الدولية في الموصل، اذ قام بتنظيم التظاهرات، وتقديم البيانات، التي دافع من خلالها عن عروبة الموصل.كما كان لرئيس الحزب أصف وفائي دور كبير، في قضية الموصل، اذ انه فند الادعاءات التركية، واكد على ان الموصل جزء لايتجزأ من العراق، اذ قال ((ان الجزء في جميع الاحوال تابع للكل))، كما انه تحدث عن الفظائع والمظالم التي احدثها الاتراك بحق العراقيين.
اما جمعية الدفاع الوطني، فقد تأسست في 26 كانون الثاني 1925. وضمت هيئتها الادارية : احمد الفخري (رئيساً)، وحبيب العبيدي (نائباً للرئيس)، وأرشد العمري (السكرتير)، وثابت عبد النور، ابراهيم كمال، كما أسهم فيها اعضاء من حزب الاستقلال وهم اصف وفائي ومحمد صدقي سليمان وجميل دلالي.
كان هدف الجمعية ((المحافظة على ولاية الموصل بحدودها الطبيعية لكونها عراقية وجزءاً لاينفك من العراق …)). وقد ساندت الجمعية، حزب الاستقلال العراقي مساندة فعالة في الدفاع عن حقوق العراق بولاية الموصل.
وكان للجمعية نشاطاً ملحوظاً اثناء وجود اللجنة الدولية في الموصل، اذ قدمت في 6 شباط 1925 تقريراً مفصلاً عن قضية الموصل واهمية ارتباطها بالعراق، واخذت على عاتقها مهمة الاتصال باللجنة الدولية، الى جانب اصدارها البيانات الكثيرة وقيامها بالتظاهرات في سبيل القضية.
اما الحزب الوطني العراقي، فقد تم تأسيسه في 21 -05- 1925 في الموصل برئاسة عبد الله ال سليمان. وعبد الله العمري (نائباً لرئيس)، مجيد العمري، احمد الجليلي، احمد الشربتي، مجدي النائب،توفيق النائب، والدكتور محمد محفوظ الذي تولى بعد ذلك رئاسة الحزب. دعا الحزب الى مقاومة الدعاية الضارة بالوحدة العربية، والسعي لاستقلال العراق التام(. وقدم احتجاجاً لدى عصبة الامم على اعتداءات الاتراك على حدود الموصل. وأوفد الحزب بعض اعضائه وهم أحمد الجليلي، وعبد الله باش عالم، واحمد الشربتي الى العاصمة للتداول مع قادة البلاد ومفكريها واحزابها السياسية فيما يتعلق بقضية الموصل، وذلك على اثر نشر تقرير اللجنة الدولية، كما أوفد حزب الاستقلال ابراهيم عطار باشي لنفس الغاية.
ورغم كون حزبي الموصل وجمعيته، منظمات وقتية هدفها قضية الموصل بالدرجة الاولى، اذ ما أن انتهت هذه القضية حتى لم يبقَ لوجود الحزبين او الجمعية أية اهمية، الا انه يمكن القول أنهم أدوا واجباً وطنياً تجاه بلدهم ووطنهم.ومن الجدير بالذكر فإن الذين أسسوا حزب الاستقلال وجمعية الدفاع الوطني التحقوا بالاحزاب المعارضة في بغداد، لكي يستمروا في مقاومة السياسة البريطانية.
وفضلاً عن النشاط الحزبي، كان للنشاط الطلابي دور في الدفاع عن عروبة الموصل فقد أسسوا (جمعية النهضة المدرسية) في الموصل برئاسة علي حيدر سلمان، واستطاعت هذه الجمعية ان تؤثر في الرأي العام عند اجراء الاستفتاء حول قضية الموصل، وكان النشاط الطلابي في هذا الميدان قد جلب انتباه الصحافة العراقية التي استمرت تتحدث عنه حتى بعد حسم القضية بما يقارب السنتين.
- موقف الموصليين في الدفاع عن الموصل :
أخذت الحركة الوطنية على عاتقها مهمة الدفاع عن ولاية الموصل منذ ان بدأت تركيا تطالب بها، فقدمت الحركة البيانات والاحتجاجات، كما قامت بتنظيم التظاهرات وتأليف الاحزاب والجمعيات التي اخذت تدافع عن عروبة الموصل. نال اهل الموصل التشجيع والدعم من قبل اخوانهم الموصليين المقيمين في بغداد، اذ عقد هؤلاء الاجتماعات الوطنية، وقرروا تحرير بيان خاص يوزع في الموصل، ويدعون فيه الموصليين الى انتخاب ممثلين عنهم ليمثلوهم في مؤتمر قضية الموصل، اثار هذا البيان اهتمام الموصليين، فعقدوا اجتماعات عديدة، لانتخاب ممثليهم(.لقد وقع على هذا البيان كل من مولود مخلص، ثابت عبد النور، عبد الاله حافظ، شاكر سليم، توفيق النائب، محمد سليم الجراح، محمد علي مصطفى، محي الدين ابو الخطاب وغيرهم.
ففي 21 -01- 1924، رفع (49) وجيهاً من وجهاء الموصل وتجارها عريضة الى الملك فيصل، اعتبروا فيها مسألة الموصل في غاية الخطورة، وطالبوا حكومة جعفر العسكري الاولى (22 -11- 1923-2-08-1924)، ارسال وفد من الموصل وبغداد الى المؤتمر الذي سيعقد خصيصاً حول قضية الموصل، ليدافع من خلاله عن عروبة الموصل. كما أرسل معظم الموصليين القاطنين في الاقضية والنواحي التابعة لولاية الموصل، العديد من البرقيات الى الملك فيصل، التي عبروا فيها عن رغبتهم في بقاء الموصل ضمن العراق، ومما جاء في احدى تلك البرقيات : ((الموصل لايمكن فصلها من العراق لان شعبها واحد ولغتها وقوميتها واحدة وهذا اكبر شاهد على هذا التاريخ… ثم نرفض بتاتاً كل طلب يقدم بخصوص الموصل والذي – سيؤثر - على وحدتنا العراقية …)).
وتضامناً مع الحركة الوطنية، فقد اكد الملك فيصل على عروبة الموصل اثناء زيارته لها، اذ القى خطاباً، اعلن فيه ان ولاية الموصل جزء لايتجزأ من العراق، ولن تستطيع حكومة بغداد ان تعيش يوماً واحداً بدونها، وأكد أن لمشكلة الموصل علاقة بالسلام في الشرق كله، وأعرب عن اعتقاده بطمع الاتراك بنفط الولاية ومعادنها، ورجا ان يكافح سكان الموصل لاستقلال العراق التام ومن ضمنه الموصل.
ادى وصول اللجنة الدولية الى الموصل الى تصاعد الروح الحماسية لدى اغلبية الموصليين، إذ استقبلها الموصليين استقبالاً حاشداً، وسارت مظاهرات في شوارع المدينة، شارك فيها الطلاب، معبرين من خلالها عن انتماء الموصل للعراق. تتكون اللجنة الدولية من الكونت بول تلكي الجغرافي المشهور ورئيس وزراء المجر سابقاً وأي. اف. فرسن وزير السويد المفوض في بخارست وأ. بولس عقيد متقاعد في الجيش البلجيكي.
ومع ذلك، عندما وصلت هذه اللجنة المذكورة، كان هناك ثلاث فئات ذات اتجاهات مختلفة : (الاولى)، وهي التي كانت تمثل رأي الاغلبية،كانت تؤكد على عراقية الموصل، فقد اعلنوا في دعوتهم ان الموصل جزء لا يتجزأ من العراق.وكانت الفئة (الثانية) تدعو من اجل الرجوع الى الحكم التركي، الا انه لم يكن لها تأثير يذكر. في حين ان الفئة (الثالثة) وقفت مترددة امام القضية وفضلت مصالحها الذاتية على الوطنية.
صدى دخول العراق في عصبة الامم عند الموصليين:
في 3-10- 1932 أعلن رسمياً الغاء الانتداب واصبح العراق دولة مستقلة. بعد أن تم تنفيذ معاهدة 1930، وكان لهذا الحدث الاثر الواضح في مدينة الموصل وأعتبرت هذه خطوة نحو استقلال العراق بالكامل من قبل بعض رجال الحركة الوطنية، وقد نظم الوطنيون في الموصل الاحتفالات واقاموا مظاهر الزينة والابتهاج ليعبروا عن فرحهم بهذه المناسبة، كما شارك وفد من رجال الموصل في الاحتفالات التي تقام في بغداد وهم كل من : الشيخ عبد الله النعمة، واحمد الشربتي، وصالح حديد، وعبد الاحد عبد النور، ونعمان الدباغ، ونجيب قندلا ورئيس البلدية خير الدين العمري ومتصرف اللواء تحسين العسكري. وارسل المواطنون الموصليون برقيات التهنئة الى بغداد ليعبرواعن فرحهم بدخول العراق عصبة الامم، وقد جاء في احد هذه البرقيات ما يلي : ((فوز الوزارة السعيدية بدخول العراق عصبة الامم سجل لها مفخرة تاريخية تدعو الى التقدير والاعجاب فليحيي رجال البلاد العاملين تحت ظل جلالة سيدنا العظيم)). والذين ارسلوا مثل هذه البرقيات كل من: عبد الله رفعت العمري، نقيب اشراف الموصل عبد الغني ال النقيب، فيضي ال سليمان بك، احمد ال المفتي رشيد، ال الديوه جي، احمد الفخري ال سليمان بك فؤاد قاسم الفخري ال صالح بك سعيد، ال سليمان بك صديق، رؤف النقيب وغيرهم،
عن رسالة (الموصل في سنوات الانتداب البريطاني).[1]