حمدي فؤاد صالح العاني
كريم احمد الداوود غني عن التعريف، فمنذ نعومة أظفاره كرس جل حياته للدفاع عن قضية الشعب العادلة، انخرط في صفوف الحركة الشيوعية، عندما كان في دار المعلمين الابتدائية في بغداد عام 1945، وشق طريقه في النضال تحت راية الحزب الشيوعي العراقي، تدرج في التنظيم ليصبح عضوا في اللجنة المركزية في عام 1945 وسكرتيرا منتصف عام 1954.
دخل السجن بداية عام 1955 ، وقضى مدة سجنه وابعاده في سجن بعقوبة الانفرادي والسجن المركزي وبدرة وجصان البالغة ثلاث سنوات ونصف السنة. وكانت هذه الفترة من أسوأ الفترات التي مرت على احركة الوطنية، اضطهادا وتنكيلا ضد العناصر الوطنية والتقدمية، احتفظ بعضوية اللجنة خلال هذه الفترة.
وبعد ثورة 14 تموز اطلق سراحه من بدرة وجصان، التحق في ركب النضال الوطني والطبقي، احد قادة الحركة المسلحة في شمال العراق، بعد انقلاب 8 شباط الاسود، مناضل من طراز خاص، عضو في المكتب السياسي في السبعينيات سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني في التسعينيات.
كما كان من قادة الحركة الاعلامية في الجهاز السري للطباعة لجريدة ازادي، ابن مدينة كويسنجق البطلة، التقيناه ليتحدث لنا عن الصحافة الشيوعية السرية.
- من مستلزمات قيام الحزب ان يكون في المقدمة لديه جريدة، العدد الطبقي لديه ما لا يحصى من الوسائل الاعلامية اذاعة وتلفزيون، وصحافة ، تنظيمات ادارية، جوامع ، ومنابر عديدة.
والحزب الشيوعي العراقي وسيلته الاعلامية، في جريدته السرية الوحيدة.. ولكن هذه الصحيفة ماذا تعبر؟
تعبر عن افكار واتجاهات مواقف سياسة الحزب التي ترتكز على برنامج الحزب، الذي يعكس الاهداف الوطنية والطبقية، للدفاع عن مشاكل الجماهير وحلها. وهذه الجريدة كانت تطبع بألة طبع (رونيو).. جريدة الشرارة كانت تطبع بهذه الطابعة، بعد ذلك استطاع الرفيق (فهد) ان يحصل على مطبعة من ايران (مطبعة صغيرة تدار باليد). هذه المطبعة كانت تطبع جريدة القاعدة التي اسسها الحزب بعد ان استولى على جريدة الشرارة عبد الله مسعود القريني، هذه الجريدة، كانت تصل الى اقصى قرية فيها بذرة شيوعية، حتى اصدقاء الحزب.
* من يقوم بطباعة هذه الجريدة؟
- رفيقان او ثلاثة، ومطبعة الحزب مصانة في اماكن يدرس الحزب صلاحيتها بكل دقة من حيث ملاءمتها، والرفاق المكلفون بهذه المهمة يتحولون الى هذا البيت ويبدأون العمل، الجريدة كانت توزع باشكال مختلفة وباساليب متنوعة لتصل من المطبعة الى مركز التوزيع، فمثلا لدينا بايسكل (دراجة هوائية) وخلف الدراجة صندوق يملأ هذا الصندوق بالصمون مع الجريدة، نبيع الصمون وتوزع الجريدة الى مراكز التوزيع.
* من يحرر مواد الجريدة ؟
- نكلف الرفاق بالكتابة، ونختار من يستطيع منهم وعرض سياسة الحزب ومواقفه بشكل جيد، كنا احيانا ب (4) صفحات بينما كانت تحتوي على مواد تشغل حيزا لجريدة علنية.
* ما محتوى هذه المواد؟
- فيها مشاكل الناس، مشاكل العمال، مشاكل الفلاحين، والطلبة والكسبة ومطالبهم، بالاضافة الى القضايا السياسية الملتهبة ومواقف الحزب من الاوضاع العامة، وفضح الحكم الملكي الموالي للاستعمار ومسايرته لمصالح الاقطاعيين والبرجوازية الكومبرادورية.
اربيل عام 1946
مثلا عام 1946 في اربيل وصل الينا بيان ب(300) نسخة، وهذه الكمية قليلة جدا، وزعناها انا والرفيق عزيز محمد ورفيق آخر.. اخذنا خارطة اربيل، كل واحد منا اخذ حصته من هذه الاحياء، وبدأنا التوزيع، بحيث شملت كل اربيل، تصور الناس اننا وزعنا الالاف منها ولكنها هي (300) نسخة، وصباح ليلة التوزيع جن جنون الشرطة وقال احدهم:
هذه طيارة سوفيتية وزعت هذا البيان، اهالي اربيل كلهم يتحدثون عن توزيع الحزب.
القاعدة الحزبية هي الاساس
اذن الخلايا او القاعدة الحزبية هي التي كانت تقوم بايصال الجريدة، بايصال سياسة الحزب الى الناس، ولولا قاعدة الحزب لما استطعنا ، توزيع نشريات الحزب الا بشكل محدود.
والقاعدة الحزبية هي التي تزود الجريدة بالمعلومات. كل خلية في كل اجتماع تبحث مشاكل الناس في محيطها، وترسل رسالة مختصرة عن هذه المشاكل الى الجريدة.
وتحرير الجريدة يتم من قبل سكرتير الحزب عموما. احيانا الرفيق حسين الشبيبي كان يكتب عن الجبهة وعن مسائل معينة، والرفيق زكي بسيم يكتب عن المسائل التنظيمية، ويتناول المقالات الافتتاحية والمقالات الاخرى، كلها تقريبا تحرر من قبل الرفيق (فهد)، ولذلك دأب الحزب على هذا المنوال فاذن الجريدة لسان حال الحزب، والجريدة سرية ومن تصل اليه الجريدة يتصل بمنظمة الحزب، بقاعدة الحزب، بخلية الحزب، فاذن الاساس تنظيم الحزب ولا يمكن وجود جريدة بدون هذه القاعدة. وانا كنت اوزع جريدة عصبة مكافحة الصهيونية (العصبة) في بغداد. خصصوا لي مسافة بين الحيدرخانة ووزارة الدفاع، في هذه المنطقة كنت اوزع الجريدة بعد ان امتنعت المكتبات من توزيعها والحزب كلف منظماته بهذه المهمة، وكافة المنظمات كانت متهيئة للتنفيذ، انهض من الصباح الباكر اوزع الجريدة (العصبة) وبعد ذلك اذهب الى دار المعلمين الابتدائية.
الانسان هو العامل الاساس في تنشيط دعاية الحزب.
جريدة الحزب كلها تطبع بهذا الطبع في العمل السري، وقليلة هي النشاطات العلنية في سنة 1946.
عصبة مكافحة الصهيونية، كانت واجهة الحزب الاعلامية ونشر في جريدتها الكثير من الموضوعات المهمة مثل مستلزمات كفاحنا البطالة – احيانا نلتجئ الى اشخاص ديمقراطيين لديهم جرائد وصحف، فنعبر من خلالها بعض المقالات التي يكتبها الرفيق (الخالد فهد) او الرفاق القياديون انذاك.
الحزب 1949
بعد الضربات القاسية على الحزب وتنظيماته، كنا نكتب الجريدة باليد استنساخ كانت جريدة الصراع في زمن حميد عثمان، وكنا نرسل لكل منظمة نسخة واحدة منها، وهم بدورهم يستنسخونها، والخلايا ايضا تستنسخ وهكذا.
كنا نتعامل مع هذا الموضوع الخاص في كل الظروف. كانت هناك جريدة ، بشكل معين، وان دل على شيء فانما يدل على حيوية الحزب وديناميكيته وهذه الديناميكية هي التي ابقت الحزب حتى الان، ولولا هذه الروحية النضالية العالية لقضي على الحزب من زمان.
بصراحة لايوجد حزب في العالم الا القليل، عانى، مثل ما عانيناه من السرية، من العنف، من الاعدامات، من التعذيب، من الحرمان، وسر بقاء الشيوعيين هو هذا التراث الغني، الذي يجب ان يدرس بشكل خاص.
كل حزب شيوعي في العالم، يجب ان يدرس تاريخ الحزب الشيوعي العراقي.. حتى الروس، بعد حل الاتحاد السوفيتي بدأوا يدرسون تجربتنا في العمل السري. انها بحق تجربة غنية وثمينة.
نحن حزب قدمنا تجربة غنية لتاريخ الحركة الشيوعية، فلذلك، صحافتنا لسان حالنا، هذا اللسان يمكننا ان نفهم الناس، ان نصل اليهم، ان نتكلم عن معاناتهم ان نوجه الناس كيف تحقق حقوقها؟ كيف تحقق اهدافها؟ مستحيل على الشيوعي الجيد ان يفكر بمصلحة خاصة، اهذا نقص كبير وخطأ، لان هذا التفكير، نعتبره، نحن الشيوعيون مصلحة الناس، في مقدمة المسائل الاخرى المصلحة الخاصة تضعها بعد مصالح الناس. وبدون ذلك لا يمكن ان يقوى الحزب.
وماذا عن توزيع الجريدة؟
- كانت لدينا مشكلة النقل، الطرق مراقبة، وامتعة المسافرين ان كانت في السيارات او في القطارات خاضعة للتفتيش فلابد من ان تحمل عددا معينا من الجريدة، تستطيع ان نخفيه عن انظار رجال الامن، فالحقيبة فيها (قاطعان) قاطع جرائد ونغطيها بشكل فني، والقاطع الاخر للملابس.
قنفات وكنتور ومطبعة رونيو
اتذكر في عام 1953، ارسلنا الرفيق (سلام عادل) الى البصرة، ليقود المنظمة الجنوبية ، عقدنا قرانا له على ام ايمان ثينة اشترينا له قنفات وكنتور وحاجيات اخرى ووضعنا معها مطبعة الرونيو، ووصلت الى البصرة بسلام، وطبع اول بيان فيها مساندة لاضراب عمال النفط انذاك، بهذه الصورة كنا نتعامل مع النقليات.
وكنا نطبع ، (300) نسخة من الجريدة عامي 1953- 1954 وكانت تعمل الى ايدي كل الرفاق والاصدقاء، وكان الحزب حزب الشيوع، نتيجة نشاط القاعدة الحزبية. وهي تقوم بمهامها على الوجه الاكمل ، الخلية الحزبية هي قائدة في مجال عملها قائدة حقيقية، والناس كانا يتعرفون على نشاطات الرفاق.
مطبعة متقدمة حروفها فارسية
في عام 1953 حصلنا على مطبعة اكثر تطورا متقدمة حروفها كانت فارسية سميكة قبل ذلك كانت الحروف ناعمة بولد (12) والحروف الفارسية كانت (خشنة).
المطبعة القديمة التي حصلنا عليها ايام الرفيق فهد من حزب (تودة) انتهت بالقاء القبض على (مالك سيف) وقبل الحصول على المطبعة التي ذكرتها انفاً، كنا نطبع (بالرونيو) وهي غير مستحبة بالنسبة لحزب شيوعي سمعته ونشاطه ومكانته...
* هل تتذكر الطباعين من هم؟
- كان الرفيق صبيح سباهي، ومحمد صالح العبلي، والرفيق احمد في الخمسينيات، وعام 1964 كان الطباع الوحيد حساني.
* هل توقتون الطباعة في يوم ما؟ ورجال الامن يوقتون انتظار الجريدة ليراقبوا الشيوعيين؟
- لم تحدد وقت الطباعة، اذ لو كان هناك توقيت فرجال الامن يستنفرون كل قواتهم، لذلك فايام طباعة الجريدة والوقت يتوقف على مواد الجريدة والاحداث الجارية
* هل كنت مسؤولا عن وكر طاطران؟
طاطران ليس وكرا، بل بيتا يسكنه الرفيق عبدالله علك، وزوجته واطفاله، عائلة مندائية، فكنا نلتقي هناك، افراد من منظمة بغداد، وكان للمنظمة مكان آخر، واجتماعات قيادة منظمة بغداد كانت تتبدل من بيت الى آخر.
* ماذا عن النشاط الاعلامي للحزب بعد ثورة تموز 1958؟
لم نحصل على امتياز جريدة في الاشهر الاولى من الثورة، ولهذا كنا نلتجيء الى طبع بيانات الحزب ونشر المقالات في الصحف العلنية (صوت الاحرار) البلاد والزمان وغيرها وحصلنا على اجازة طبع (اتحاد الشعب) علنا في كانون الثاني 1959 واستمرت علنية لمدة حوالي السنتين واغلقها الشهيد عبد الكريم قاسم، نتيجة ضغط المفاوض الانجليزي عن شركة النفط.
* وماذا بعد ذلك؟
حاول الحزب اصدار جريدة كفاح الشعب، صاحب امتيازها الشهيد محمد حسين ابو العيس، غير انها منعت ايضا، ولذا اصدر جريدة (طريق الشعب سرية) وفي هذه الفترة جرى تبديل اسم جريدة ازادي الكردية الى جريدة (ريكاي كردستان).
تجربة الاعلام السري في الجبل
* كيف كنتم تديرون مطابعكم ونشرياتكم؟
- النشريات تحولت الى الجبل، صحافة الحزب، انتقلت الى مناطق (البيش مركة) وكانت اول الخطوات التي قام بها الرفيق ممتاز الحيدري عام 1963، انه نقل المطبعة الى الجبل، وكنا نختار اماكن معينة ملائمة (كهف).
بعد ان توطدت علاقتنا مع الثورة الكردية استطعنا ان نبني غرفة خاصة للطباعة في (لوه كرد) قريبا من كويسنجق واخترنا بعض المناطق، بعيدة عن العدو، وقريبة من مقر البرزاني. نشرياتنا، كانت تطبع في هذه المطابع وتصل الى الانصار والمدن وكافة المحافظات بما فيها بغداد باللغتين العربية والكردية، كانت عندنا مطبعة علنية، كنا نمارس عملنا ونشاطاتنا بشكل علني وكانت مطبعة الرواد من اكبر المطابع في بغداد.
بعد ذلك تحولنا الى العمل السري، بعد انفراط عقد الجبهة في العراق عمل في تحرير صحافتنا عبد الرزاق الصافي، فخري كريم ومهدي عبد الكريم الدكتور رحيم عجينة ورفيق آخر، كادر حزبي لم يحضرني اسمه.
* ماذا حل بالمطابع التي كانت بالجبل؟
كنت اتمنى ان تجمع في مكان كمتحف لهذه المطابع ولكن لا اعرف اين هي الان مع الأسف، نحن لم نتعلم كيف نؤرشف تاريخ الحزب، بيانات الحزب، جرائد الحزب في اماكن مصونة، بعيدة عن متناول العدو. كنا حتى الرسائل الصغيرة، بيننا وبين رفاق القيادة، كانت تحرق بعد القراءة، بينما كانت هذه الرسائل وثائقا، ولذلك، نحن تفتقر لكتابة تاريخ الحزب لهذه الوثائق، كنا حذرين من ان تقع هذه الرسائل بيد العدو، ولكن لم تكن لدينا خطة لارشفة نشاط الحزب الفكري والاعلامي.[1]