رشاقة اللحن والايقاع كانت جواز المرور للفنان احمد الخليل لأن يتبوأ مكانة مرموقة بين الملحنين الرواد، واظنني بعد انقضاء ثلاثين سنة عن ظهور احمد اخليل مازلت على الرأي نفسه عندما سألني عن انطباعاتي في الحانه فقلت له: انها رشيقة، ولكنها ليست رشيقة وحدها..
انها مع الايقاع الرشيق ايضا وحدة متكاملة ونسيج متماسك، واصر حتى اليوم على وصف الرشاقة لانها فعلا تميز الحان احمد الخليل من الحان غيره من الملحنين.. وحده اهتم برشاقة اللحن وخفته وعذويته، ووحده اهتم برشاقة الايقاع وتنوعه وغرابته في الوقت نفسه، وما زلت اتساءل من أين جاء احمد الخليل بهذه الايقاعات الخفيفة المرحة ذات الوقع المتميز في اذن المستمع، وما زال احمد الخليل لايستطيع الاجابة على هذا التساؤل!.
ربما كان الامر كله مرتبطا بموهبته التي استطاعت ان تلم بهذا القدر الكبير من الايقاعات المتنوعة من دون ان يتكلف ان يصطنع او يدعي العلم بها!.
وموهبة احمد الخليل مستقاة من اصالة حقيقية ودرايته بصناعة اللحن لا يمكن تفسيرها الا انها مستنبطة من الاستماع الطويل للالحان المصرية. ولايستغرين احد اذا قيل ان الاستماع وحده يمكن ان يغلق ملحنا من طراز عال خاصة اذا كان هذا الاستماع يقترن بموهبة اصيلة وذكاء حاد.. لقد استمع احمد الخليل مليا الى الحان الموسيقيين الكبار محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وزكريا احمد ورياض السنباطي وفريد الاطرش واستطاع ان يهضم تراثهم الضارب في جذور الموسيقى العربية ومن ثم وضع لنفسه طريقة في التلحين تجمع بين الفهم العميق للتراث الموسيقي العربي من المواويل والادوار والليالي والطقاطيق والمنلوجات والموشحات وبين النفس الشخصي والاستلهام الذاتي في صياغة هذه الطريقة.
ان احمد الخليل لم يظهر من فراغ ولم يكن مقطوع الصلة بالتراث العظيم الذي خلفه الشيخ سيد درويش والشيخ سلامة حجازي ومحمد عثمان وغيرهم من اساطين الفن الغنائي والموسيقي في مطلع القرن العشرين وحتى ظهور محمد عبد الوهاب بفنه المتقدم وتأثيره الكاسح على من جاء بعده من الملحنين طوال اكثر من نصف قرن من الزمان.
واحمد الخليل مغنيا شيء آخر، وهذا الشيء قد يكون عيبا فيه ولكن هذا العيب لا يمكن ان ينتقص من قيمته كفنان كما لم ينتقص من قيمة فنان كبير كالشيخ زكريا احمد الذي خذله الغناء فانصرف راضيا الى التلحين ونبغ فيه.
ان احمد الخليل يملك ناصية الاداء ولكن صوته قد لا يكون وقعه مريحا في اذن المستمع بالمقاييس الموضوعية لمواصفات الصوت الغنائي ومتطلباته، ولا اريد ان يفهم من هذا الكلام ان احمد الخليل ليس مغنيا بالمرة ولكنني اتصور انه انساق للغناء بتأُيرات المطربين الكبار واراد ان يجرب حظه من باب التسلية لا من باب الاعتقاد الجازم بانه مطرب فعلا، ولولا حالة التطريب التي عاشها احمد الخليل في سنواته الاولى ولولا المامه الطيب نسبيا بالعزف على العود لكان قد ابتعد عن الغناء اصلا، ولكن احمد الخليل ملحن ذكي ومجتهد وعصري وحضوره لم يغب الا في السنوات الاخيرة، وكان بودنا ان يبقى هذا الحضور متوهجا دائما لا ان يخبو سراعاً.
عن كتاب من الذاكرة
الجزء الثاني / سعاد الهرمزي - 1985.[1]