زين النقشبندي
عضو اتحاد المؤرخين العرب
قد لا يعرف الكثير أي معلومة او لم يسمع او يقرا أي شئ حول قضية الامير الكسي ابن قيصر روسيا الذي عاش في بغداد بعد انهاء الحكم القيصري من قبل البلاشفة في روسيا ، او ربما مازال لحد الآن يعيش بيننا هو او احد ابنائه أو ربما قد ضمت أرض العراق رفات هذا القيصر الشاب في غفلة من التاريخ ، ورب سائل يقف معلقاً كيف يكون ذلك ؟ وما هو الدليل على صحة ادعائك هذا ؟
و من المعلومات المهمة التي اوردها طبيب العائلة المالكة في العراق 1918- 1946 الدكتور سندرسن باشا في مذكراته المهمة المنشورة حول هذا الموضوع في ص 94-95 ( الطبعة الثانية – ترجمة سليم طه التكريتي – بغداد 1982 ) قوله : (من الامراض التي تم تشخيصها في العراق انذاك ، مرض فقر الدم والانكلستوما ،
غير ان هناك مثالا فريدا على وقوع حادث نزيف دموي حاد اثار الاضطراب في الاوساط الحكومية العراقية ، كان الشخص الذي اصيب به شاب روسي في عنفوان الشباب وصل الى بغداد مع امراة متوسطة العمر كانت مربية له منذ طفولته ، لقد ادعت تلك المراة بان ذلك الشاب هو ولي عهد القيصر الروسي ، وقد هربه المخلصون له الى خارج مدينة ( كاتدينبرغ ) في روسيا البيضاء قبل اعدام القيصر نقولا الثاني وافراد عائلته واقاربه في شهر تموز ( يوليو) سنة 1918 وبعد ان امضت المراة والشاب هناك اربع سنوات دخلا الى بلاد فارس ثم قطعا رحلة شاقة معظمها سيرا على الاقدام حتى وصلا الى بغداد وذلك املا في الحصول على اعترف رسمي من العراق بولاية العهد لذلك الشاب .
لقد ذكر عن هذا الوريث الروسي ، بانه مصاب ورثيا بنزف الدم ، وطلب الي ان اقوم بفحصه ففعلت ذلك ولم اجد ما يثبت الادعاء ، كان في العراق في ذلك الوقت عدد من الروس البيض الذين وجدو ملجا لهم فيه وقد استطاع هولاء بما يحملونه من صور افراد العائلة القيصرية ان يقنعوا بصحة دعوى ذلك الشاب غير ان الحكومة العراقية لم تكن راغبة في اثارة النظام البلشفي الجديد ، ونظرا لعدم الاطلاع على طبيعة ذلك الشاب فقد تم اخراجه هو ومربيته من العراق حيث توجها الى باريس)
وهنا أحب أن أذكر بدور شخصية عراقية لعبت دوراً في الحرب التي انتهت بانتصار البلاشفة على القيصرية وإعدام العائلة القيصرية ، وهذه الشخصية هي الجنرال العراقي الكردي صديق باشا القادري الذي حارب مع الجيوش القيصرية حتى أخر المواقع والحصون في منشوريا .
وقد حمل رسائل ما زالت لحد كتابة هذه السطور في علم الغيب والكتمان إلى قائد الثورة العربية في حينه الشريف حسين بن علي من أخر قياصرة روسيا ، ومما نعرفه عن هذا الموضوع ان الجنرال قد ذكر في مذكراته المطبوعة في بغداد من قبل المكتبة العصرية في العشرينات (1924م) ، أنه سوف يأتي على ذكر أحوال العراق السياسية والصفحات الخصوصية والعمومية لأمور كردستان في كتابه الثالث الذي ما زال مخطوطاً والمسمى ( ما شاهدته في العراق وكردستان
والحجاز ) .
وقد لعبت هذه الشخصية العراقية دور كبير في الكثير من الصراعات والمناوشات ومنها أنه بعد اصداره كتاب مذكراته في العشرينات ثارت ثائرة الكتاب اليهود في جريدة المصباح والحاصد فهاجموه بشدة ورد عليهم وكانت مناوشات صحفية اشترك فيها اكثر من كاتب عراقي انتهت بتهديد القادري للصحيفة (الكتاب اليهود ذوي الميول الصهيونية) بكشف اسرار عن علاقات بعض اليهود العراقيين مع المنظمات الصهيونية في فلسطين وقد تدخل البعض في هذه الحملة فتوقفت، ولم يكشف القادري عن هذه الاسرار لاحقاً.
في السنوات الاخيرة يكاد يكون الوحيد من الذين نبهوا واشاروا الى الدور والاهمية التي يتمتع بها الجنرال القادري الدكتور خالد الراوي الذي نشر في ثمانينيات القرن الماضي عن قضية مشاركة هذه الشخصية في الحرب بين الجيش القيصري والجيش الاحمر البلشفي بمجلة افاق عربية الاسبوعية التي تصدر
ببغداد .
وقد تسلمت هذه الشخصية بعض المناصب الادارية في الدولة العراقية الفتية واول هذه المناصب كان منصب مفتش عام لحكومة كردستان الجنوبية (حكمدارية الشيخ محمود الحفيد) في سنة 1922م ثم قائمقام لعدد من النواحي.
وفي الستينات من القرن العشرين طبع كتابه الثاني (الخطر الاحمر) في بغداد، وتوفى في البصرة سنة 1970م عن عدد من البنين، ونعود ثانية الى صلب موضوعنا (ولي عهد القيصر). ان الجنرال القادري هذا الذي عاد الى العراق في العشرينات من القرن العشرين كان خير شاهد فقد كانت معرفته قديمة بالاسرة القيصرية ويكاد يكون هذا الموضوع من الامور المسلم بها والمعروفة عنه اذ هو كما ذكرنا انفاً من الناس المعدودين في العالم الذين اتصلوا بحكم موقعهم بالاسرة القيصرية الروسية في اواخر ايامها وعليه فأن رأيه في الشاب الذي وصل العراق والذي اشير اليه في المقال المنوه عنها انفاً وفي الشخص الثاني الذي كان قد وصل العراق في الثلاثينيات من القرن العشرين مع ثلاثة من رافاقه مدعياً هو ايضاً انه ولي عهد روسيا ولم يتم الاشارة الى هذا الشخص المدعي حسب علمنا في أي من المذكرات والمصادر التي كتبت في تاريخ العراق الحديث ما عدا مذكرات طبيب العائلة المالكة سندرسن باشا المشار اليها انفا، وقد نشرت مجلة الدنيا المصورة المصرية تحقيق مصور عن هذا الموضوع بالعدد (366) بتاريخ 22/يناير/1930، ومما جاء فيها:
في السطور التالية خبر احد اولئك المدعين انه من آل رومانوف ... ذكر ذلك الشاب انه كان معتقلاً في ذلك المنزل الذي كان البلاشفة قد سجنوا فيه العائلة المالكة (آل رومانوف) في سبيريا وقد بقى معتقلاً مع عائلته في ذلك المنزل وكان الجيش الابيض في تلك الاثناء قد جمع جموعه وزحف على مدينة (ايكترنبرج) في سبيريا لتخليص الاسرة المالكة والتنكيل بجيوش البلاشفة الحمراء وعندما تدفق جحافل الجيوش البيضاء على المدينة التي سادتها الفوضى ودار القتال في شورعها وفي وسط هذه الاضطربات استطاع الامير ان يفر من المدينة بثوب فلاح روسي بصحبة الامير سرجياسبوث واحد الاطباء ثم تعرض الى المرض بعد ذلك و وجد نفسه بمنزل فلاحاً يأويه باحد قرى سبيريا النائية وقد قضى في رعاية هذا الفلاح سنتان وعندما حامت حوله الشبهات وعلم البلاشفة بأمره وانه ابن القيصر السابق قبضوا عليه وقادوه الى اعماق السجون يذيقونه مر العذاب ولما اشتد عليه مرضه نقل الى احدى المستشفيات واقام بها حيناً وهناك تعرف بأبن عسكري سابق يدعى الكسندر موردفنوف وكان ذلك القائد من رجال القيصرية القدماء واتفق الشابان على الفرار سوية ودبرا امرهما على ذلك وافلحا بالتسلل من المستشفى والخروج من المدينة حتى افلاتا من خفر الحدود الروسية وعبرا نهر اراكس الفاصل بين الحدود الروسية وايران وبينما هما في النهر تنبه اليهما حرس الحدود واطلاقوا عليهما وابل من الرصاص فمزق الرصاص جسد صاحبه ونجا الامير بحياته وصعد الى شاطئ النهر مختبئاً يترقب وصول صاحبه ولما طال اختفائه ايقن ان رصاص الحرس قضى عليه فنطلق في طريقه وما كاد يخطو الى الحدود الفارسية حتى قبض عليه البوليس فخشي ان يعترف بحقيقة امره وانتحل اسم صديقه القتيل واقنع البوليس ان والده يقيم في تبريز ومازال يسعى ويجادل حتى اطلق البوليس سراحه اذ لم يجد في امره ما يدعوا لسجنه واعتقاله وذهب الى تبريز وهو لا يعرف فيها احد وقاس من الالام والجوع والمرض الكثير، حتى ساعده الحظ فعمل عند رجل ارمني خادم وهناك تعرف بأصدقائه الذين قدموا معه الى بغداد وهم الماني ويوناني وارمني فصادق هؤلاء الاربعة كأنما كونوا عصبة أمم وتحالفوا على الود والولاء وكان الامير يزور كاهن ارمني في تبريز ويطلب منه النصح والارشاد ويسمع اقواله وفي ذات يوم ابلغه الكاهن ان البلاشفة علموا بمقره واوفدوا عيونهم تتجسس اخباره وتعمل على اعاده الى روسيا للقضاء عليه فاخبر رفاقه الثلاثة بذلك فأتفق الاربعة على مغادرة ايران الى العراق والفرار منها حتى عبروا الحدود وقبض عليهم البوليس العراقي تلك هي القصة التي رواها هذا الفتى الروسي فأثارت الضجة غير اعتيادية بين الجالية الروسية في بغداد وكان الشاب الروسي جميل الوجه اصلع الجبين ذو شعر ذهبي وعينين زرقاويين ذاهلتين تدلاني على حزن عميق، وما كان البوليس يحقق مع الفتية حتى انبرى هذا الفتى الروسي وافضى اليهم انه ابن القيصر نيقولاي رومانوف وولي عهد القياصرة فقابل البوليس دعواه بالسخرية والنكران وارهقوه بالسؤال والتحقيق ولكن الفتى اصر على قوله وراح يروي قصته في وثوق واطمئنان دون ان يجد البوليس فيها تناقضاً او ضطراباً ورآه الكثيرون من افراد الجالية الروسية وبينهم اشخاص من الحزب القيصري البائد يعيشون في بغداد مازالوا يحملون لقيصرهم المنكوب واسرته ذكريات الولاء فاجمعوا كلهم على انه صورة طبق الاصل من ولي العهد الذي قتله البلاشفة وطبقوا صورة ولي العهد القديم عليه فلم يكن ثمة فروق الا في السن. وبعد ان اطلقت الشرطة سراحه آوى الى منزل شيخ ورسي كريم يسكن في بغداد وقد ايقن هذا الشيخ ان الفتى ابن مليكه السابق فأحسن مثواه واكرم افادته ( من هو هذا الشيخ يا ترى؟ مسألة تحتاج إلى بحث وتقصي). وهو يذكر ماضيه وايامه لكن تفوته اشياء جمة ويعجز عن تذكر بعض حوادثه قبل نكسة البلاشفة وتراه يروي اشياء غامضة عن الاسرة المالكة واذا قيل له انك مخطئ في ذكرياتك قال ان النكسات والمصائب التي تولت عليّ انستني الكثير من الذكريات ، ومن دعواه ان الاميرة اولجا ابنة القيصر لم تكن مع الاسرة المالكة عند نقلها الى سبيريا ولا يدري ما حل بها ويذكر ايضا انه اصيب بجروح شديدة اثناء انتقاله مع ابيه القيصر على احدى البواخر في رحلة الى احدى المدن وكان هذا الجرح عميق لا يلتحم تنزف الدماء منه دائما ولا تنقطع ولم يشفى منه الا في الايام التي قضاها معتقلا في المستشفى في سبيريا .
ومع ان الحكومة العراقية حينذاك اطلقت سراحه الا انها قدمته الى المحكمة التي حكمت عليه وعلى رفاقه بالسجن بتهمة دخولهم العراق خلسة دون جواز ولقي القبض عليه ثانية واودع في غياهب السجن وما يزال حتى اليوم مسجونا في بغداد ( يعني تاريخ صدور المجلة في 22/ يناير/ 1930) بعد ان كان ( على ما يزعم ) ولي للعهد في بتروغراد ويبقى اللغز بدون حل ( مازال لحد الأن مسجون في بغداد ) .
ان هذا الشخص الذي أشارت اليه المجلة (الذي الذي آوى اليه بعد ان اطلقت الشرطة سراحه آوى الى منزل شيخ ورسي كريم يسكن في بغداد وقد ايقن هذا الشيخ ان الفتى ابن مليكه السابق فأحسن مثواه واكرم افادته الذي الذي آوى اليه) هو كما نعتقد الجنرال القادري الذي أخبرنا عنه في أحد المرات اثناء دراستنا الثانوية أيام كنا مواظبين على تحضير دروسنا في كازينو شط العرب في شارع الرشيد في نهاية السبعينات ، حيث كانت محط الطلبة في تلك الايام .
فقد أخبرنا أحد المسنين عند حديثنا عن الدنيا وكيف ترفع اناس وتنزل اخرين وأحوال الدنيا ، وأشار الى أنه يعرف عدة أناس لعب القدر والدهر معهم لعبته وأدار لهم ظهره ، منهم رجل كان أبوه قيصر لدولة كبيرة وأصبح فيما بعد رجل عادي يعيش بعيد عن أهله وينتسب إلى عائلة غير عائلته وأب غير أبيه وأسم غير أسمه الذي عرف به في طفولته وصغره ، وفي حينها لم أهتم ويهتم غيري بهذا الحديث لكنه بقي بالذاكرة ، وقد أثارني الفلم الذي تكرر عرضه في محطة تلفزيون الجزيرة الوثائقية والعربية وبعض المحطات العراقية خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والعثور على الهياكل البشرية لافراد العائلة القيصرية وكذلك ما حملته لنا الأخبار عند عزم السلطات الروسية على اجراء مراسيم دفن العائلة القيصرية وتسليط الاضواء واعادة فتح ملف هذه القضية في حينها عن مصير هذه العائلة ، وانه لم يتم العثور لحد الأن على ما يدل أو يؤكد مقتل الأمير الكسي ولي عهد روسيا القيصرية ، في حين تم العثورعلى بقية رفات أفراد العائلة كلها(ما عدا ولي العهد وأصغر بناته(انستاسيا ) .
وبعد ما تقدم أعادة لي الذاكرة حديث هذا الشخص المسن في السبعيننيات القرن الماضي وعليه فموضوع ابن قيصر روسيا موضوع جد حساس وخطير ، في رأينا يحتاج الى بحث وتحقيق للوصول للحقيقة . ونحن من خلال ما ذكرنا ندعوا ورثة الجنرال صديق القادري وأقاربه وكل من يعرفه إلى مساعدتنا في حل هذا اللغز وفي نفس الوقت ندعو اساتذة التاريخ والمعنيين بشوؤنه في بلادنا لتسليط الضوء على شخصية الجنرال صديق القادري هذه الشخصية العراقية المهمة الذي لعبت دور جد وخطير وشاركت في الكثير من الاحداث المهمة بل انها شاركت في اهم حادث حدث في القرن الماضي (الثورة البلشفية قيام الاتحاد السوفيتي ) اضافة الى مشاركته و دوره المهم في العديد من الاحداث العراقية والعربية في بداية هذا القرن وخاصة مايتعلق بمراسلات قيصر الى شريف مكة التي لم يتم اماطت اللثام عنها .
والاهم من كل ذلك هو مشاركته في تاسيس اول حكومة كردية ( حكمدارية الشيخ محمود الحفيد ) التي تأسست في كردستان الجنوبية عام 1918 قبل ان يتم قيام وتأسيس أول حكومة عراقية تضم الولايات ( بغداد والبصرة والموصل )
عام 1922.[1]