رجاء زامل الموسوي
بعد زيادة عوائد النفط على اثر تغيير اتفاقيات النفط ، بدأت الأفكار تطرح حول كيفية استثمار هذه العوائد ، وقدمت الاقتراحات الكثيرة لكيفية صرف هذه العوائد ، فاستقرت الأراء على انشاء مجلس للأعمار ، لأستثمار هذه الموارد في طرق معينة ذات طابع عمراني ، لتكون المشاريع بعد انجازها مورداً مستديماً للبلاد ، ومن شأنها ان ترفع مستوى حياة الشعب ، وتخدم الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي والزراعي في البلاد .
وبعد اعداد لائحة قانون مجلس الاعمار، رفعت الى مجلس الوزراء ، وبعد موافقته عليها، رفعت الى مجلس الامة للمصادقة عليها ،وقد قابلها المجلس بالترحاب ، وبعد مصادقته عليها صدر قانون مجلس الاعمار في 25-04- 1950 برقم 23 لسنة 1950.وبعد صدور القانون المذكور ، تباحث رئيس الوزراء توفيق السويدي وصالح جبر ، حول الاشخاص الذين تتوفر فيهم الصفات والمؤهلات اللازمة لعضوية المجلس ، اذ اقترحت بعض الاراء ان يكون العضو من المثقفين ثقافة عصرية لكي يكون على اتصال مستمر بالتيارات الفكرية والنظريات الجديدة ، والتطورات والتجارب المستحدثة في عالم الاقتصاد والتنمية والاعمار ، وهذا يتطلب أن يكون العضو ملماً باحدى اللغات الاجنبية ، وان يكون من خريجي احدى الجامعات الاجنبية ، ومن ذوي الخبرة والتجارب ، هذا فضلاً عن الصفات الاخرى كالامانة والاستقامة ، والسمعة الطيبة ، اما الآراء الأخرى ، وخاصة الاوساط السياسية ، فقد اقترحت ان يكون العضو من الشخصيات ذات الوزن السياسي .
وجدير بالذكر ان وزارة توفيق السويدي استقالت في اواسط ايلول 1950 ولم تبت في موضوع اعضاء المجلس بصورة نهائية ، وعندما الف نوري السعيد وزارته الحادية عشرة في 16-09- 1950 ، والتي خلفت الوزارة المستقيلة ، اخذ على عاتقه اختيار اعضاء المجلس ، ففي 9 تشرين الاول 1950 اصدر قراراً حول تعيين اعضاء المجلس الاجرائيين الستة .
ونص قانون المجلس على تعيين الاعضاء الاجرائيين بقرار من مجلس الوزراء على ان يكونوا من غير الموظفين او اعضاء في مجلس الامة ، وفي 9-10- 1950 قرر مجلس الوزراء تعيين جلال بابان عضواً اجرائياً في المجلس ، وبناءً على ذلك فقد استقال جلال بابان من عضوية مجلس النواب في 22 -10- 1950 ، إذ لا يجوز جمع العضوية في المجلسين بوقت واحد بناءً على ما يحتمه قانون مجلس الاعمار الخاص . وفي 3 -11- 1950 صدرت الارادة الملكية بتعينه عضواً اجرائياً في مجلس الاعمار .
وجاء اختيار جلال بابان لعضوية المجلس بناءً على ما امتاز به من مميزات تمثلت بكونه ضابطاً عسكرياً متقاعداً ، ووزيراً سابقاً ، فضلاً عن تقلبه في الوظائف الادارية والسياسية ، مما يدل على ان تعيينه لم يبنَ على الاسس السياسية فقط .
حددت واجبات العضو الاجرائي في المجلس بالتعاون مع الاعضاء الاخرين لوضع منهاج الاعمار وتنفيذه بعد اقراره من مجلس الامة ، وكذلك التصويت على القرارات التي يتخذها المجلس .
وقد كان لبابان مواقف يتحتم علينا ذكرها ، فبعد تأسيس المجلس ، وقبل انعقاد اجتماعه الاول ، انصرف جلال بابان لأداء اعماله في المجلس ، فبدأ بدراسة المشاريع التي عُهد للمجلس القيام بها في المستقبل .
وخلال تنفيذه المنهاج الاضافي للمجلس جرت محاولات لوضع منهاج جديد ، وبعد استحداث وزارة الاعمار بموجب القانون رقم 27 لسنة 1953 ، كان من الضروري وضع منهاج اخر يكون اكثر انسجاماً مع القانون الجديد ، فوضع مشروع المنهاج الجديد والذي امده سبع سنوات ، الا ان المجلس لم يبت ، وعندما الفت وزارة فاضل الجمالي في ايلول 1953 ، الف المجلس لجنة من بين اعضائه ضمت كلاً من جلال بابان ، وعبد الجبار الجلبي ، والعضو الامريكي نلسن ، وكان مهمتها اعادة النظر في مشاريع الري الواردة في المنهاج المقترح في ضوء نتائج الدراسات الجديدة التي قام بها المجلس ، وقد وضعت اللجنة بالحسبان الجهود المبذولة التي اشار اليها خطاب العرش ، لوضع منهاج جديد للاعمار يستند الى خطة اقتصادية علمية شاملة متوازنة وموحدة .
وعقد جلال بابان واعضاء المجلس الاخرين الكثير من الاجتماعات مع اعضاء مجلس الوزراء ، وذلك لتثبيت التخصيصات المالية لهذا المنهاج ، وعملت اللجنة على وضع هذا المنهاج خلال عام 1954 ، وبعد الانتهاء منه حددت الاطار الزمني له بالسنوات 1955 – 1959 ، واصبح نافذ المفعول ابتداءً من 11-04- 1955 . ووجه المجلس اهتمامه لمشاريع الري وانشاء الخزانات ، اذ الف لجنة خاصة ضمت كلاً من جلال بابان ، وعبد الجبار الجلبي ، ومدير العشائر العام ، لدراسة مدى تأثير الخزانات ومشاريع الري الجديدة على الأراضي الزراعية القريبة منها ، واوضح جلال بابان بأن اللجنة تابعت دراستها ، واتصلت بالمتصرفين لمعرفة تقاريرهم حول هذا الموضوع .
وكان قانون المجلس قد حدد في مادته الأولى مدة العضوية في المجلس بخمس سنوات قابلة للتجديد ، ففي 5-11- 1955 انتهت عضوية جلال بابان في المجلس ، ولكنها جددت في 24 من الشهر نفسه ، وذلك بناءً على كفاءته ومؤهلاته المعروفة والتي تمثلت في المناصب التي شغلها كافة .
وكان المنهاج العام لمشاريع المجلس للسنوات 1955 – 1960 قد عانى مجموعة من النواقص والثغرات ، لذلك تطلبت الحاجة لوضع منهاج جديد ، وذلك في ضوء ما توفر للمجلس من دراسات وتقارير وتوصيات جديدة ، لذلك تقرر منذ مطلع عام 1956 تعديل المنهاج النافذ ، وبعد مناقشة اللجنة التوجيهية للمجلس لمسودة المنهاج الاضافي المقترح ، وذلك في 4 -04- 1956 ، تقرر تأليف لجنة عليا من اعضاء المجلس برئاسة جلال بابان وعضوية كل من ضياء جعفر ، وعبد المجيد علاوي ، وعبد الجبار الجلبي ، وعبد الرحمن الجليلي ، لدراسة مسودة المنهاج المقترح ، وبعد انتهاء اللجنة من الدراسة المطلوبة، وضعت توصياتها ، وبناءً على ذلك قرر المجلس في 28-04-1956 قبول المنهاج المقترح ، كما وافق على التخمينات المالية للسنوات الست المنتهية بنهاية سنة 1960 المالية بوصفها منهاجاً اضافياً لقانون المنهاج العام لمشاريع المجلس ووزارة الاعمار رقم 43 لسنة 1955 .
وحظيت بعض مشاريع المجلس باهتمام شخصي من جلال بابان ، وذلك من خلال زياراته الميدانية لهذه المشاريع في اثناء انجازها ، ومنها زيارته لمشروع الاسكان في جانب الكرخ بصبحة طه الهاشمي نائب رئيس المجلس وعدد من اعضاء المجلس .
وجدير بالذكر ان جهود جلال بابان في المجلس لم تقتصر على دوره في اللجان الخاصة المؤلفة لوضع منهاج المجلس ، وانما ايضاً على عضويته في اللجنة التوجيهية للمجلس والتي كانت مؤلفة من جميع اعضاء المجلس باستثناء وزير الاعمار . وكان لعمله في وزارة الاقتصاد والمواصلات ، ثم وزارة المواصلات والاشغال ، اثر كبير في اكتسابه خبرة واسعة في مجال الاقتصاد والمواصلات ، والتي انعكست على اعماله في المجلس ، فكان من العناصر الفاعلة فيه ، وافاد المجلس من خبرته كثيراً ، وكان عمله متميزاً في المجلس ، اذ خطى المجلس ووزارة الاعمار على يده خطوات جيدة ، ومن اهم المشاريع التي كان له دور فاعل فيها هي الجسور ، وانشاء شارع فلسطين الحالي . وكان يفتخر بكل مشروع ينفذه المجلس معبراً عن ذلك بقوله : اليوم وقعنا بناء المشروع الفلاني والفلاني وخير هذا المشاريع على العراق .
وبعد قيام ثورة 14-07- 1958 ، الغي مجلس الاعمار ، واحيل جلال بابان على التقاعد ، وبذلك انتهى اخر نشاط لجلال بابان خلال مسيرته الادارية .
ومما تقدم يمكن القول ان جلال بابان قد بذل جهوداً بارزة في المجلس وذلك من خلال مساهمته في وضع منهاج الاعمار ، والذي تضمن الكثير من المشاريع العمرانية ، والتي لا زالت ماثلة الى يومنا هذا ، كما يمكن القول ان انشاء هذه المشاريع لم يكن حكراً على عضو دون اخر من اعضاء المجلس ، وانما كانت نتاج مشترك لجهود جميع الاعضاء، ومن خلال اطلاعنا على هذه المشاريع تبين لنا مدى الخبرة التي تميز بها جلال بابان واعضاء المجلس في انشاء مثل هذه المشاريع الرامية الى تطوير البلاد ، وافادة سكانها في جميع مجالات الحياة .
وبعد احالة جلال بابان على التقاعد ، ابلغ محكمة الشعب برغبته في السفر الى بيروت فاجابته المحكمة بالاتي : يعد جلال بابان من انزه الاشخاص وليس في نية المحكمة استدعاؤه لا شاهد ولا متهم .
وفي عام 1959 باع جلال بابان منزله وسيارته وغادر الى بيروت ، وسكن هناك في شقة صغيرة في منطقة الروشة في محلة راس بيروت .
وبعد مغادرته البلاد ، لم ينقطع جلال بابان عن الاتصال بأقاربه واصدقائه ومعارفه الساكنين في العراق ، ففي 13 -07- 1961 بعث برسالة خطية الى السيد عبد الرزاق الحسني اشار فيها الى وفاه طه الهاشمي اذ قال ما نصه : في الحقيقة كان له اشد التأثير في نفوس الاخوان كافة ممن عرفوا فضله وحسن مزاياه مع الاخلاق الحميدة ولكن شاءت المقدرات الالهية ذلك فله الرحمة والغفران ولاخوته المحبين الصبر والسلوان وتضمنت رسالته ايضاً سؤاله عن صحة ابا سراب ( احمد مختار بابان ) وتوقه بأن يحصل على اخبار جديدة اكثر سروراً ، كما تضمنت ايضاً تحياته التي بعث بها لبعض من معارفه واصدقائه .
ان هذه الرسالة ، التي يتم الكشف عنها لاول مرة ، تدل على تقييم جلال بابان لرجال السياسة في العراق في العهد الملكي ، كما تدل وبلا شك على حسن الوفاء لدى #جلال بابان# وذلك من خلال سؤاله عن بعض من اقاربه وسروره لسماع الاخبار الجديدة عنهم ، وايضاً من خلال تحياته التي بعث بها لبعض من اصدقائه ومعارفه .
وفي عام 1962 زار جلال بابان العراق ، والتقى باصدقائه ومعارفه ، ولم يمارس أي عمل بعد احالته على التقاعد واستقراره في بيروت ، وكان يجتمع هناك في منزل احمد مختار بابان مع كل من علي جودت الايوبي ، وتوفيق السويدي ، وجميل الاورفلي ، وجمال بابان ، ومحمود بابان وغيرهم من ساسة العراق في العهد الملكي .
وعانى جلال بابان من اعتلال في صحته لتقادم سنه ، وابتلي بمرض السكر ، وفقد بصره في الايام الاخيرة من حياته ، وكان يوصي من يزوره من اقاربه بعدم التدخل في السياسة ، ويؤكد خدمة الناس اذ قال عليكم فقط خدمة الناس ولا تجعلوا الناس يسبونكم ويذمونكم بالصفات غير اللائقة بنا .
وتوفي جلال بابان في بيروت ، في محلة رأس بيروت في23 -10- 1970 .
وقد اوصى بدفنه بجوار ابن عمه جمال بابان ، فدفن في المقبرة الاسلامية في بيروت بناءً على وصيته ، واقيم له مجلس للفاتحة في دار السيد توفيق الكيلاني - زوج ابنته الهام - في منطقة الكرادة سبع قصور ،كما اقيم له قبر رمزي في المقبرة الاسلامية في بغداد في جانب الكرخ من قبل عميد الاسرة البابانية السابق نجيب جميل بابان .[1]