الكاتب والناقد #خالص مسور# ل “شرمولا”: النقد دليل الأديب للاهتداء إلى الطريق القويم والسير به نحو مصاف الأدب الراقي والجاد
أجرى الحوار: دلشاد مراد
أجرت مجلتنا حواراً مع الكاتب والناقد خالص مسور حول رؤيته للنقد الأدبي، ومؤلفاته في هذا المجال، وكذلك حول واقع المشهد الثقافي المحلي، ومؤهلات الناقد الأدبي، وتأليف الكتب، وأيضاً عن الصحافة الأدبية النقدية. وهذا نص الحوار:
1 – كيف ترون المشهد الثقافي في روج آفا- شمال وشرق سوريا في الوقت الراهن – أي خلال سنوات الثورة التي نعيشها حالياً – مقارنة بما كانت عليه الوضع في العقود السابقة؟
لعل سنوات ما قبل الثورة كانت تشهد نهوضاً ثقافياً متلكأً سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، أي كان الكتاب والمثقفون الكرد يصدرون مجلات سرية هنا وهناك، أو طباعة كتاب في المتروبولات السورية بشكل سري خوفاً من مصادرتها من قبل الأجهزة الامنية، أو إلقاء محاضرات في البيوت، أو في بعض الأندية والمراكز التي كانت الدولة تغض الطرف عنها أحياناً.
ومع ذلك نعتبر الحالة تلك نوعاً من نهوض ثقافي رغماً عن القمع والمنع، وصولاً إلى مساحات مادية ثقافية أفضل في ظل أجواء مزدهرة من الحرية والديمقراطية التي ستوفرهما مؤسسات أقاليم ومقاطعات روج آفا فيما بعد. أي إن ما صاحب الثورة بعد هذه الحالة النهضوية من الحراك الثقافي في روج افا وشمال شرق سوريا، كان بمثابة منعطف ثقافي – تاريخي مذهل حقاً. حيث تم في سنوات الثورة وإلى اليوم، استيراد أحدث ماكينات الطباعة التي استطاعت أن تطبع مئات الكتب في مدة وجيزة. وتمكنت دور النشر المحلية بالإضافة إلى اتحاد المثقفين والكتاب وهيئة الثقافة من طباعة مئات الكتب للمثقفين والشعراء والكتاب وبالمجان. كما أقيمت معارض للكتب وخاصة معرض هيئة الثقافة الذي أقام ولأول مرة في تاريخه معرض الكتاب المنوع منذ ما يقرب من عامين مضتا، وكان المعرض الثاني للكتاب أقيم في العشرين من تموز من عام 2018م، في مدينة قامشلو، إضافة إلى معارض الكتاب المتنقلة والذي ينظمها اتحاد المثقفين، وقد احتوى المعرض الثاني آنذاك على مئات من الكتب باللغات الكردية، والعربية والسريانية، والتركية أيضاً مما أبهج الكتاب والمهتمين بالشأن الثقافي. أي ان المعرض كان يمثل حالة متقدمة للمد الأدبي والثقافي وخطوة في الاتجاه الصحيح في رحاب روج آفا وشمال شرق سوريا.
بالإضافة الى إقامة المهرجانات للقصة القصيرة، والمسرح، والأماسي الشعرية، وظهور العشرات من الكتب الأدبية، والعشرات من دواوين الشعر. كما أدى الحراك الثوري إلى ظهور نوع من الأدب الوطني الملتزم بكثافة. ومجمل الكلام يمكن أن نذهب الى القول بوجود حالة رائدة في روج آفا وشمال شرق سوريا اليوم من التقدم الثقافي والأدبي، بدأ مع نهوض الحراك الثوري في سوريا ولا زال مستمراً بزخم وإصرار.
2 – يعتبر النقد أحد أبرز الأشكال الادبية التي تركزون عليها في كتاباتكم إلى جانب كتابة الدراسات في مختلف المواضيع كالتاريخية والجغرافية ..الخ، وقد صدر لكم عام 2017م كتاب “دراسات وابحاث في الشعر والنقد”. فماذا عن رؤيتكم للنقد الادبي، ولماذا توجهتم إلى هذا النمط من الكتابة؟
نعم، في الحقيقة أشغل نفسي بمختلف أنواع الأدب والعلوم، ولا أريد أن أكون أمياً في علم من العلوم وبقدر ما أستطيع، وهكذا أيضاً ما تتطلبه مادة الجغرافية المتشعبة كمادة اختصاصية لدي، حيث تتعاطى الجغرافية في العادة مع مجموعة كبيرة من العلوم.
اما النقد الأدبي فيعتبر في الحقيقة فناً أدبياً راقياً إلى أبعد الحدود، له مقاييسه وقوانينه ومدارسه ومذاهبه الفنية، لهذا انجذبت نحو النقد الأدبي وخاصة الجانب التطبيقي منه وبعدما اكتشفت إنني أملك شيئاً من الموهبة النقدية الفطرية. فبادرت أقرأ كثيراً عن النقد والنقاد وبدأت اشتغل على مقالات نقدية في المواقع الأنترنيتية والصحف السورية وخاصة ملحق جريدة الثورة الثقافي مثلاً، ثم بادرت بتأليف ثلاثة كتب في النقد الأدبي اثنان باللغة العربية وواحد باللغة الكردية، ومن المزمع أن يطبع الرابع حينما تتوفر الظروف لذلك. كما أنجزت الكثير من الدراسات النقدية لكبار الشعراء الكرد والعرب أيضاً، أمثال الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي، والشاعر العراقي الكبير أديب كمال الدين، والشاعر السوري المعروف أدونيس، وحسين عبد الكريم الذي كان رئيساً للملحق الثقافي لجريدة الثورة السورية…الخ. ودراسات حول نتاجات الكاتبة الأردنية المعروفة سناء الشعلان حاملة دكتوراه بالنقد الأدبي والحاصلة على أكثر من ستين أو ثلاث وستين جائزة أدبية والتي لقبت بشمس الأدب العربي، فلاقى ما كتبته الاستحسان منها، بالإضافة إلى دراسات حول العديد من نصوص الشعراء الكرد، ومئات المقالات النقدية الأخرى المنشورة في الصحف والمواقع الأنترنيتية.
وهنا أعود إلى القول بأن سبب توجهي نحو النقد الأدبي هما أمران لا ثالث لهما، أولهما هو حرصي على الارتقاء بالأدب الكردي في المنطقة عن طريق نقد النصوص الشعرية للشعراء، ليصبح هذا النقد والتقويم كدليل للشعراء والكتاب الكرد والعرب معا. حيث لا تقدم للأدب في الحقيقة بدون نقد جاد وهادف يرافقه وينير دروبه وييسر له أموره. والأمر الآخر والأهم، هو – وكما قلت – ما لمسته من وجود نوع من الموهبة والهواية النقدية والتحليلية للنصوص الأدبية في أعماقي يدفعني نحو ممارسة هذا الفن الجميل، ولكنه في الحقيقة فن يهبك من الأعداء أكثر ما تكسبه من أصدقاء. هذان السببان دفعاني نحو الاهتمام بمهنة المتاعب النقد الأدبي وممارسته قدر الإمكان. وكما ألمحنا آنفاً، فقد عمدت إلى صقل ما أملكه من موهبة في هذا المجال، وانكببت إلى ما كتبه النقاد العالميين والمحليين، بعدها توجهت إلى ممارسة النقد التطبيقي كفن أدبي راق، وهو راق بالفعل إن أحسن المرء التعامل معه بجدية ورغبة.
3 – صدر عنكم أيضاً مؤخراً كتاب نقدي لنتاجات كتاب معروفون في روج آفا وباللغة الكردية، ماذا عن هذا الكتاب، هل من نبذة عنه؟
نعم، هذا الكتاب أعتقد أنه من الكتب النقدية القلائل التي تصدر باللغة الكردية إن لم يكن أولها رغم ما فيه من هنات هنا وهناك، لأن الدراسات النقدية باللغة الكردية تحتاج إلى مصطلحات في هذه اللغة قد يصعب العثور عليها في مناطق روج آفا حالياً، ونظراً لعدم وجود المجمع اللغوي الكردي في روج آفا والافتقار الى المصطلحات النقدية، قد يضطر الناقد الكردي في هذه الحالة إلى نحت مصطلحاته النقدية الخاصة به أحياناً ليتمكن من اجتياز المنحنيات النقدية الوعرة، وقد يعتبر البعض هذا عيباً نقدياً ولكن ما باليد حيلة. لكن لمن يعتبر هذا عيباً، عليه أن يترجم للنقاد الكرد المصطلح النقدي من العربية – المعادل الموضوعي- مثلاً، وهو مترجم أصلاً من اللغات الأوروبية، في الحقيقة هذه المصطلحات وأمثالها تعتبر مشاكل حقيقية تواجه الناقد الكردي بكل تبعاتها في روج آفا حالياً.
وبناء عليه يمكن أن نتصور مدى الصعوبة في تأليف كتاب نقدي باللغة الكردية، فالكتاب الذي انجزته عبارة عن بيبلوغرافيا نقدية لشعراء الديار كما يقول العرب، وأردت فيه أن أبين السوية الشعرية لنصوص كل شاعر وليس الشاعر نفسه، لأن النقاد يجب أن يدرسوا النصوص العائدة لشاعر ما وليس شخصيته الشعرية جرياً وراء الاستهداء بالنقودات الأدبية الحديثة.
وأردت كذلك أن يتعرف الكرد على ما كتبه ويكتبه شعراء وكتاب بلادهم ومستوى ما يكتبون وينشرون حتى تتم الاستفادة مما هو منشور بالشكل الأكمل، أي إنه نوع من التعريف بنتاجات العديد من الأدباء في روج آفا أو في إقليم الجزيرة على الأغلب، وكذلك بأسمائهم ومستوى نتاجاتهم وإبداعاتهم. ولكي يستفيد الشعراء والكتاب أنفسهم من النقد الذي مورس على نصوصهم، لكن مع الأسف الغالبية العظمى من كتابنا وشعرائنا يفرون من النقد ولا يحبذونه.
4 – من خلال قراءاتكم للنتاجات الأدبية للكتاب المحليين، كيف تقيمونها من خلال وجهة نظركم كناقد ادبي؟
طبعا الناقد يجلب لنفسه العداوة من غالبية أصحاب النتاجات الأدبية التي تسلط عليها أضواء نقدياً، أي حينما يمارس النقد على نتاجاتهم، ورغم هذا لا يجب أن يحيد الناقد عن صراحته وحياديته وعدم تحيزه في أعماله النقدية بحال من الأحوال. ما أود قوله هو أن النتاجات الادبية في روج آفا – شمال سوريا اليوم تتصف على العموم بفيض من الإنتاج، ولكنه بالإجمال فيض لنتاجات لا تزال على الأغلب دون المستوى المطلوب سواء من حيث المستوى الفني أو من حيث الموازين الأدبية. ولكن لا ينكر أن هناك قامات أدبية في الشعر والقصة والكتابة، وإنما يبقى هؤلاء قليلون عديدهم، أي إن النتاجات الادبية هنا تسير بخطوات ثابتة نحو التقدم والازدهار ولكن من حيث الكم وليس النوع في غالب الأحوال مع بعض الاستثناءات كما أسلفنا سابقاً.
أي ما أود قوله هو، أن القلائل جداً من شعرائنا خرجوا إلى أنوار الحداثة في الأدب وقدموا نتاجات فيها الكثير من الرشاقة الأدبية ومراعاة قواعد الحداثة الشعرية أو الكلاسيكية الجديدة. ولكن بالمحصلة تبقى أعدادهم قليلة، وأعتقد إن سبب عدم وصول غالبية نتاجاتنا الأدبية الى المستوى المطلوب من حيث الفنية والشكل أو الموضوع، هو عدم إلزام أدباؤنا أنفسهم بقراءة ومطالعة نتاجات الآخرين والانفتاح على الكتاب والشعراء والأدباء العالميين والمحليين منهم، وخاصة في الشق الشعري من الأدب، ويبقى غالبية الشعراء يعتمدون على مواهبهم الفطرية دون الحرص على صقل المواهب بالقراءة والدرس، أي أنهم لا يقرأون إلا نادراً لغيرهم من الشعراء العالميين وحتى المحليين منهم كما وقلنا آنفاً.
كما تفتقر نتاجات الغالبية منهم إلى استخدام الرمز والأسطورة أو التراث عموماً في أشعارهم وهي أمور تدخل ضمن السمات الشعرية الحديثة ولا يستخدمونه إلا من القليل أقله. وحتى استخدام وتوظيف هذا القليل قد يأتي بشكل غير منسجم في فضاءات المسيرة النصية. ثم هناك عدم مراعاة ما هو هام وأساسي في شعر الحداثة وهو الوصول إلى أدبية الأدب حسب تعبير (ميخائيل ريفاتير). وفي هذا ما يقوله الناقد المصري الدكتور رجاء عيد، الذي يرى إن أدبية الأدب تتجلى في التعرف على نظام النص، أي بنيته المشكلة في شبكة علاقاته اللغوية وصولاً إلى تفحص المعطى الجمالي، وتحليل طاقات النص الابداعية حينها تكشف قيمة النص ومحتواه. ونعود إلى القول، بأن ما هو هام وأساسي في شعر الحداثة هو خروج الشاعر من اللغة العادية، والخروج من اللغة العادية يعتبر أحد أهم سمات الحداثة الشعرية في عالم اليوم، بالإضافة الى الخيال الذي لا يجيد الكثير من شعرائنا التحليق في فضاءات التخييل الشعري ألا لماماً.
5 – نعيش حالة ثورية في روج آفا وشمال شرق سوريا منذ العام 2012م، والأدب كما نعلم ينبغي أن تكون مرآة الواقع، فهل تعكس النتاجات لكتابنا واقع الثورة المعاشة من وجهة نظركم؟
نعم هناك ما يعرف بالأدب الملتزم في روج آفا اليوم يمجد الوطنية والنضال والدفاع عن الأهل والوطن والاهتمام بالقضايا الكردية والوطنية وبشكل لا بأس به، ولكنه في الحقيقة لا يرقى الى واقع الثورة المعاش. ويبدو قليل التأثير بمجريات الأحداث، وغير قادر على القيام بدوره حسب ما يتطلب منه، أي تنقصه إثارة الحماسة بشكل كاف في نفس المتلقي حتى يدفعه إلى حب الوطن والتغني بأمجاده ومنع الشباب من الفرار الى خارج الوطن، بينما وطننا كوطن المكونات المتعايشة في محنة وبلاء تحف به المهددون الحاقدون، والقتلة، والمجرمون.
وفي مواكبة للأحداث وحتى الارتقاء إلى واقع الثورة المعاش، يتطلب من أدبائنا ومثقفينا وشعرائنا بالأخص ألا يتوانوا عن بعث الحمية الوطنية والحماس في نفوس هؤلاء الشباب في مناسبة وبدونها، وذلك لحث الجميع على الدفاع عن المقدسات والشعب والوطن، ولتنتعش في نفوسهم روح التضحية والفداء في مثل هذه الاوقات المصيرية والعصيبة، رغم أن الشريحة الأهم من شباب روج آفا وشمال شرق سوريا لم يبخلوا يوماً بدمائهم في سبيل عزة الوطن وكرامته.
6 – هل ثمة شروط أو مؤهلات معينة ليكتسب الشخص صفة الناقد الأدبي. وكذلك ما هو الشروط الواجب توفره لدى الناقد ليكون ما يطرحه من النقد تجاه النتاجات الأدبية صائباً أو لنقل في الاتجاه الصحيح؟.
نعم، هناك ثلاثة شروط أساسية لا رابع لها، يجب يتحلى بها الناقد الأدبي حتى يمكنه ممارسة مهنة النقد وحسب القواعد والأصول. أولى تلك الشروط، هي الموهبة والقدرة الفطرية على تحليل النصوص وتشريحها ولو بشكل أولي، أي أن يمتلك الناقد – وكما ألمحنا سابقاً – موهبة نقدية طبيعية خلقت معه. والشرط الثاني، هو صقل هذه الموهبة بالقراءة والدرس والتحصيل والاستفادة والاطلاع على ما كتبه النقاد العالميين في هذا المجال وأن يكون ملما بالمذاهب النقدية الحديثة بشكل جيد. والشرط الثالث، هو الاطلاع على مختلف العلوم الأدبية بالأخص وغير الأدبية أيضاً وإنما بالشكل الذي يلزم له لممارسة نقده، أي ليس من الضرورة أن يكون ضليعاً في هذه العلوم وإنما يأخذ منها قدر حاجته وقدر ما يلزم من أجل ممارسة نقده. ولهذا فالذي لا يمتلك موهبة نقدية فطرية لا يمكنه أن يصبح ناقداً على قدر المسؤولية مهما كثر من القراءة والتحصيل، فيبقى ممارساته النقدية دون المستوى المطلوب والعكس صحيح.
وكمرحلة أخرى بعد هذه الشروط يتوجب على الناقد الأدبي أن يتحلى بكثير من روح المسؤولية أي أن يكون ناقداً منصفاً غير متحيز إلى صديق أو منفر من عدو، وبدونها قد يلازمه التيهان في متاهات “مونيتورية” قد لا يخرج منها إلا وهو كاسف البال حزيناً يؤنبه ضميره ويؤرقه وجدانه.
7 – كيف ترون عمل التأليف الادبي وطباعة الكتب في منطقتنا؟
بصراحة العمل الأدبي في روج آفا- شمال وشرق سوريا يتقدم بوتائر متسارعة بغض النظر عن محتواه ومستواه، وطباعة الكتب قائمة على قدم وساق، والكاتب الذي كان يحلم بطباعة كتاب له يبدو الآن في يسر من أمره يطبع كتبه أو هناك من يطبع له كمؤسسات الإدارة الذاتية وغيرها.
وخلاصة القول يمكننا أن نذهب إلى أن التأليف الأدبي في منطقتنا يسير في تقدم متميز، وطباعة الكتب تسير نحو مستويات يحمد عليها. لكننا لا نقول أنها وصلت لنهاية الشوط بل أمام التأليف والطباعة أشواط لاحقة ومراحل لا بد إنه واصلها. فقد انتشرت اليوم في روج آفا وشمال شرق سوريا المطابع الحديثة وانتهت الرقابة على الطباعة والتأليف، وبدأ عصر من الحرية وبساحات مادية متقدمة في هذا المجال.
8 – هناك الكثيرون على الساحة الأدبية والثقافية يطرحون أنفسهم كشعراء أو كتاب قصة…الخ. دون أن يتوفر لديهم أدنى درجة من المقومات الأدبية والثقافية واللغوية اللازمة. وهو ما يجعل الشأن الأدبي يفقد من قيمته أمام الرأي العام من وجهة نظر البعض، وعليه يطالبون المؤسسات والجهات الثقافية المعنية بالتدخل لدرء الساحة الثقافية من هذه الحالة الناشئة، وبالمقابل يراه البعض الآخر حالة طبيعية، فمقابل الجيد يوجد الرديء أيضاً. والحكم على النوعية يبقى على الجمهور والرأي العام . ماذا عن رأيكم حول هذا الأمر؟
في الحقيقة الساحة الأدبية في روج آفا تعج بمن يطرحون أنفسهم كأدباء ومثقفين يعتد بهم. ولكن من أي نوعية هم؟ وبصراحة، قلائل من هؤلاء يعدون أدباء بالمعنى المتعارف عليه أو من حيث الأصالة وصفات الأديب المطلوبة سواء من حيث المستوى وأدبية الأدب أو من حيث المرحلة التي نعيشها. أما حول السؤال بأي شكل تتدخل المؤسسات والجهات الثقافية لدرء الساحة الثقافية من الحالة الناشئة، فنحن نرى بأن ليس من مهام المؤسسات التدخل لمنع الحالة التواجدية لهؤلاء على الساحتين الثقافية والأدبية، ويكون تدخلها بطريقة واحدة وهي أن تمتنع المؤسسات المعنية عن طباعة الكتب الرديئة من جانبها، وإلا اعتبر تدخلها قمعاً للأديب ولمن يكتبون مهما كان مستوى كتاباتهم وخاصة إذا كان أحدهم يطبعها على حسابه الخاص فلا يجوز حينها قمعه فلربما يرى هذا الكاتب إنتاجه ويتشجع لكتابة الأفضل مع مرور الوقت.
والقارئ والجمهور هما من سيحكمان على جودة المنشور وجدواه الثقافي والأدبي وما يجب أن يقرأ وما لا يجب أن لا يقرأ. كما يحق لأي مؤسسة أن تطبع الجيد وتنبذ الرديء في حال إذا ما كانت تطبع لكتابها ولغير كتابها وبالمجان كمؤسسة اتحاد المثقفين مثلاً وهو جهد تشكر عليه.
9 – ماذا عن قيامكم بعمل الترجمة الأدبية، ولاسيما إنكم ترجمتم الأجزاء الثلاثة لكتاب “تاريخ كردستان” لمؤلفه جكرخوين؟ هل يمكنكم أن تحدثونا عن هذا العمل البالغ الأهمية في الحقيقة؟
في اعتقادي الترجمة حمل ثقيل وقد ينوء تحت كلكلها المترجمون… لماذا؟ لأنه يتوجب على المترجم أن يتقن لغتين، المترجم منها والمترجم إليها، هذا أولاً، وأن يكون ضليعاً أو مختصاً بالمادة التي يترجمها ثانياً، وإلا اختلط الحابل بالنابل وضاعت أناقة الترجمة حتى إن بعض المفكرين وسموا الترجمة بالخيانة، لأن النص أو الكتاب الذي نترجمه من لغته الأصلية قد لا يكون بأناقة تلك اللغة المنقول منها. ولكن ولأهمية الترجمة فقد أصدرت الأمم المتحدة منذ سنوات قليلة قراراً يقضي بمساواة المترجم بالمؤلف، وهذا شيء حضاري ومنصف للمترجم إلى حد بعيد.
وحول الأجزاء الثلاثة لكتاب جكرخوين يمكنني القول، بأنه كان عملاً شاقاً بالفعل ونبيلاً في نفس الوقت، والصعوبة أتت سواء من حيث التسميات اللغوية في لغة جكرخوين الكردية الخاصة به أحياناً، رغم بساطتها ووفق أسلوب السهل الممتنع، أو من حيث الأحداث التاريخية التي نقلها من مراجعه العربية وما يقابلها إلى الكردية وهو ما يتطلب شيئاً من الفهم والحصافة والدقة من المترجم ذاته. وقد اعتمدت في الترجمة على الخلفية العلمية التي أملكها في مادة التاريخ، فكنت أفهم عليه ما يقول وأحياناً كنت أسأل أهل اللغة عن معنى من المعاني لكلمة هنا وأخرى هناك، وخاصة الكلمات التي كنت أعلم معناها من سياق العبارة ولكني كنت في شك مما أعلم. لكن ومع مزيد من الأسف لم أجد بين اللغويين آنذاك من ساعدني على ما استعصى علي واعتمدت على خلفيتي العلمية ونجحت، وخاصة تلك التي تدور حول تسميات الوقائع التاريخية منها. وكما قلت، فكنت اعتمد هنا على معلوماتي التاريخية ومراجعة نفس المراجع التي اقتبسه منها جكرخوين معلوماته.
وفي اعتقادي رغم أن جكرخوين ليس مؤرخاً، إلا أنه أتعب نفسه وجلب المراجع العديدة، فعالج الحدث برؤية المؤرخ والباحث المدقق، وأنجز كتابه التاريخي بنجاح فائق يستحق الاعجاب، ولهذا نرى أن نجعل من كتابه مرجعاً قيماً في التاريخ الكردي القديم والمعاصر، بعكس ما يظنه البعض حول عدم أهليته وأنه ليس مؤرخاً.
10 – ماذا عن دور الاعلام والصحافة الأدبية في العمل النقدي على الساحة الأدبية في منطقتنا؟
ليس هناك صحافة متخصصة في النقد الأدبي في روج آفا وشمال شرق سوريا بمعنى التخصص، أو حتى زوايا جدية في الصحف أو المجلات الكردية او الروج آفاوية، نظرا لحداثة عهدنا بالحرية وعدم وجود صحافة قابلة لأن تستوعب كل ما نبغيه ونرتئيه، فنحن حديثو عهد بالصحافة والإعلام، وهناك نوع من الإهمال للنقد الادبي في هذه الصحافة في المنطقة. فعلى سبيل المثال كان هناك زاوية نقدية في مجلة سيوان التي كانت تصدرها هيئة الثقافة والفن ولكنها غيبت بعد العدد الأول.
وهنا لا يمكن القول بوجود ما يمكن أن نسميه بالنقد الصحفي في فضاءات الصحافة الكردية في روج آفا اليوم إلا بشكله الخجول بالمعنى العملي للكلمة، أي لم تتنور الصحافة الروج آفاوية بعد بمحاولات جادة قد يعتد بها في هذا المجال. وعلى العموم فالنقد الصحفي القائم الآن حتى في عموم سوريا هو نوع من السفسطائية والتلاعب بالألفاظ ليس إلا، وهو ما لا يجدي نفعاً بالنسبة للأدب الجاد الذي يحاول الاستفادة من النقد والتحليق بأدبه إلى فضاء راحب. ولكن يؤسفني القول بان معظم كتابنا وأدباؤنا يتهربون من أمام مرآة النقد، نظراً لفقدان ثقتهم بنتاجاتهم وما يكتبون، وهذا ليس من الأخلاق الأدبية في شيء، وهذا الأمر يعرقل لا محالة تطور أدبية الأديب والكتابة الأدبية بنفس الوقت.
11 – الأستاذ خالص مسور، هل من كلمة تودون توجيهها في ختام هذا الحوار إلى الكتاب وبخاصة الجدد منهم ليفيدوا منها في مسيرتهم الكتابية والأدبية؟
أتمنى من كتابنا الجدد الإقبال على المطالعة والدرس والتحصيل الأدبي، وأن يتطلعوا الى ممارسة القراءة أكثر من الكتابة، وصقل الموهبة وخزن المعلومات وقراءة الأشعار والروايات العالمية والمحلية لتوسعة المدارك الأدبية ونمو الخيال، والاستفادة من تجارب الآخرين بعد إضافة تجاربهم إليها، وتقبل النقد لأن النقد دليل الأديب للاهتداء إلى الطريق القويم والسير به نحو مصاف الأدب الراقي والجاد، ولأن النقد يفرز الغث من السمين، وينبه الأديب الى الجانب الرديء والجانب الصالح في كتاباته وأشعاره وقصصه، وينعش فيه روح الإبداع والرقي والتقدم في سماوات الأدب وأنجمه.[1]