الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
* جدول أعمال مؤتمر القاهرة في 12-24 آذار 1921
وقد ضم الموضوعات الآتية:
أ- العراق الجديد
ضم جدول أعمال المؤتمر، كخطوة أولى، انتخاب حاكم عربي مع مراعاة علاقاته مع حكومة صاحب الجلالة (بريطانيا) في ظل الانتداب، كأساس تمهيدي لترسيخ ظروف دائمة للبلد، على أن ينفذ هذا القرار من قبل مجلس الدولة في العراق الجديد (البرلمان)، وهذه هي الخطوة الأولى التي يجب أن تتحقق من قبل المندوب السامي البريطاني في العراق السير برسي كوكس، ويمكنه بعد ذلك أن يعطي التعليمات المباشرة للخطوات اللاحقة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون الأمير فيصل بن الشريف حسين هو الحاكم في العراق العربي الجديد. وحالما يعطي المجلس (البرلمان) موافقته، يجب دعوة الأمير فيصل حالاً ليتوجه إلى العراق الجديد، مع إدراك أهمية إنه وقبل طرح اسمه أمام مجلس الدولة، يجب أن تحصل الحكومة البريطانية على قبول مؤقت لمسودة الانتداب البريطاني على العراق لتنسيق العلاقة بين الطرفين.
نستشف من هذا أن بريطانيا أرادت مجيء الأمير فيصل إلى دفة الحكم في العراق الجديد مع ضمان خطوات وصوله إلى العرش (ملكاً على العراق) من أجل تحقيق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة ولن يتم ذلك إلا من خلال قبول الانتداب (البريطاني على العراق الجديد) من قبل الملك فيصل الأول وأن يقبل بشأن معاهدة تحمل شروط الانتداب وإن اختلفت التسمية.
وبشأن العلاقات الخارجية للبلاد (العراق الجديد) في ظل الانتداب البريطاني، فقد توجب على الحكومة البريطانية السيطرة على العلاقات الخارجية للعراق الجديد، وتحملها مسؤولية الدفاع عن العراق ضد أي عدوان خارجي من جهة البحر أو من الجهة الفرنسية السورية، أو من تركيا، ومن إيران، ومن المحمرة ومن جهة كوردستان ومن الصحراء الغربية.
وبشأن الترتيبات الإدارية في العراق الجديد، أخذت الحكومة البريطانية على عاتقها تشغيل الموظفين البريطانيين في العراق الجديد والذين ينقسمون بدورهم إلى مجموعتين:
أ. ضباط السياسة البريطانية: وهؤلاء يتألفون من المندوب السامي البريطاني وهيأة ضباطه الشخصيين ومن مستشاري الوزراء العرب (العراقيين) ومراقبي الحامية العسكرية ومساعديهم الذين سيكونون تحت أوامر المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس.
ب. الموظفون البريطانيون للحكومة العراقية الجديدة: سيكون الموظفون البريطانيون المدنيون من غير هيأة المراقبة في (أ) أعلاه موظفين في العراق الجديد على نحو نهائي في الشغل (العمل) والاستخدام، وعلى وفق شروط يتم الاتفاق عليها مع المندوب السامي البريطاني.
أما بشأن الحامية العسكرية البريطانية الدائمة في العراق الجديد، فقد اخذ بالاعتبار مناقشتها للسنوات (1922–1923) (1923–1924) (1924–1925)، وستتألف من قوات بريطانية وهندية ومحلية، وحجم المساعدات التي تقدم إليها، أخذين بنظر الاعتبار على نحو مفترض أعداد القوات وتركيبها وتوزيعها ومسألة المواقع المعينة للقوات الجوية وأنظمة الدفاع وغيرها.
ولغرض التخفيضات العسكرية السريعة، يجب دراسة الأعباء العسكرية الحالية، موقعاً بموقع، ووحدة بوحدة، ومجموعة بمجموعة وطرح المقترحات بشأن التخفيض السريع لإعداد القوات، وأعداد تقرير قبل انتهاء المؤتمر (القاهرة). ويؤمل أن يستطيع ثلث الجنود الحاليين مغادرة العراق قبل حلول الجو الحار والثلث الآخر على نحو مباشرة بعد انتهاء الجو الحار، مع دراسة إمكانية النقل البحري لهذه الوحدات.
وبشأن منطقة كوردستان فقد ضم جدول أعمال مؤتمر القاهرة آذار 1921 اقتراحاً بعدم إلحاق المناطق الكوردية بدولة العراق الجديد في الوقت الحاضر، ولكن يجب تعزيز أسس الوحدة الكوردية بالقدر الممكن عن طريق الحكومة البريطانية وتوسيع المنطقة الكوردية التي سيكون بالإمكان تنفيذ هذه الخطة عن طريق مستشار بريطاني يعمل تحت أوامر المندوب السامي البريطاني.
نستنتج مما ذكر أعلاه، أن الحكومة البريطانية أرادت التعامل مع كوردستان مباشرة من خلال المندوب السامي البريطاني في العراق السير برسي كوكس، وإبقاء المنطقة الكوردية (كوردستان العراق) منفصلة عن العراق الجديد لتحقيق مصالحها الاستعمارية وأحكام سيطرتها على مناطق العراق كافة أن هذا الفصل يؤكد السياسة الاستعمارية البريطانية في كوردستان.
أوصت اللجنة السياسية في مؤتمر القاهرة، قبل الإعلان عن تنصيب حاكم عربي على العراق الجديد، بأن يمنح المندوب السامي البريطاني إعلان العفو العام لمرتكبي الجرائم السياسية المقصود (ثورة العشرين) من شعب العراق منذ ابتداء الاحتلال العسكري للبلاد (العراق الجديد).
تعقيباً على ما ورد ذكره، أن بريطانيا دعت الثوار الوطنيين (ثورة العشرين) الذين وقفوا ضد الاحتلال والهيمنة البريطانية مجرمين سياسيين، وهذا تجن كبير على رجال الحركة الوطنية العراقية الذين وقفوا ضد الاحتلال والانتداب البريطاني على العراق، وكانوا ثواراً بكل معنى الكلمة.
أما بالنسبة إلى موضوع اللاجئين الآثوريين والأرمن في العراق فقد كانت بريطانيا ملتزمة أخلاقياً بوجودهم في العراق، لكن يجب العمل الحاسم في تمكين اللاجئين من العودة إلى أوطانهم، وأن تصبح أعالتهم من المسؤولية المدنية وتنخفض إلى أقل حد ممكن.
ب- فلسطين
إن الحكومة البريطانية مسؤولة خارج بنود الانتداب، بخصوص إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، كما أن بريطانيا ملزمة مع شريف مكة حسين بن علي، بضمانات منذ عام 1915، بإقرار دعم استقلال العرب في البلاد العربية دون الإساءة للمصالح الفرنسية في دمشق، على أن لا تتعامل فلسطين وشرق الأردن على الأساس نفسه، ويقدم لهذين الإقليمين الدعم الاقتصادي على نحو منفرد.
ج- شرق الأردن
تتعهد الحكومة البريطانية بإقامة حكم عربي في شرق الأردن تحت حكم حاكم عربي مقبول. وكما في العراق الجديد فإن الحكومة البريطانية تأخذ على عاتقها السيطرة على العلاقات الخارجية وحماية الأقاليم (شرق الأردن) من أي هجوم خارجي. ويتم تشغيل الموظفين البريطانيين في شرق الأردن تحت مجموعتين كما في العراق الجديد.
د- الجزيرة العربية
يتبنى المؤتمر (القاهرة في آذار 1921) الخطوط الرئيسة للمذكرة الخاصة بالإعانات المالية التي أعدها (الكولونيل كورنواليس)، في السادس عشر من كانون الأول 1920، المقدمة للشريف حسين بن علي وعبد العزيز آل سعود. ولا ترى ضرورة أن تتحمل الحكومة البريطانية المسؤولية التي تتطلب إرسال ضباط بريطانيين إلى إقليم الجزيرة العربية، لغرض تخطيط الحدود أو حسم الخلافات المحلية، بل تقترح أن تفرض سيطرة المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي على المناطق الساحلية والعلاقات مع عبد العزيز آل سعود.
ﮪ- عدن والأرض الصومالية والأرض الصومالية البريطانية
من الحكمة إقامة علاقات ودية مع (الإمام يحيى بن حميد الدين)، مع إمكانية دمج (عدن والصومال) تحت إدارة واحدة، وهذا يعني تخلي (حكومة الهند) عن إدارة (عدن)، ويحتم هذا انفصال الأعمال المدنية والعسكرية التي تترابط في خاصية واحدة في عدن، والعمل على تعيين موظف مدني في الأرض الصومالية يكون اتصاله مباشراً مع وزارة المستعمرات البريطانية حول كل المسائل السياسية المتعلقة بالمنطقة الواقعة خلف ساحل عدن والإقليم المجاورة لها، بحيث يكون هذا الموظف بمثابة المندوب السامي البريطاني( ).
* عقد مؤتمر القاهرة (الملحق ج)
في الأول من 11 آذار 1921 غادر وزير المستعمرات (ونستن تشرشل) لندن متوجهاً إلى القاهرة، يرافقه (الماريشال الطيار هوك ترينشارد)، رئيس هيئة الطيران الجوي، وموظفو الإدارة من قسم الشرق الأوسط، و(الجنرال ديب رادكليف)، مدير العمليات العسكرية، ومن قسم المالية (المستر كروسلاند والسير جورج بارستو).
وخلال الرحلة من (مرسيليا إلى الإسكندرية) حصلت الموافقة على جدول أعمال مؤتمر القاهرة من قبل وزير المستعمرات ونتشن تشرشل، وأعدت تفاصيل جدول أعمال مؤتمر القاهرة من قبل وزير المستعمرات ونستن تشرشل، وأعدت تفاصيل جدول الأعمال للمناقشات الأولى حول العراق الجديد، وكلف (السير ولتر كونكريف)، القائد الأعلى للقوات المسلحة في مصر وفلسطين، للعمل كرئيس للجنة العسكرية والمالية( ).
أما الوفد القادم من العراق الجديد لحضور مؤتمر القاهرة فكان برئاسة السير برسي كوكس ومعه الجنرال هالدين، قائد القوات البريطانية في العراق، والآنسة كيرترود مس بيل)، السكرتيرة الشرقية البريطانية، والجنرال اتكنسن، المشرف على العمال وشبكات الطرق، والسير سلاتير، المشرف المالي، ومن أركان الحرب لحملة إرسال قوة إلى العراق، الكولونيل فريث والكولونيل ستيوارت، وآمر جناح القوة الجوية الملكية في العراق، السير برنت، ومستشار وزارة الدفاع في العراق الميجر أيدي، وقد حضر وزيران عراقيان بصفة عضوين استشاريين هما وزير الدفاع جعفر باشا العسكري (الكوردي الأصل)، ووزير المالية ساسون حسقيل أفندي (اليهودي الأصل)( ).
حدد جدول الأعمال يوم السبت الثاني عشر من آذار 1921 موعداً للاجتماع الأول الذي سيترأسه وزير المستعمرات، (ونستن تشرشل)، وستشكل لجنة (عسكرية مالية) لدراسة المسائل العسكرية والمالية التي ستعتمد على الحقائق والبيانات التي في ضوئها سيكون العمل. كما تشكلت لجنة سياسية لمناقشة البنود التي تضمنها جدول الأعمال السياسي( ).
عقدت الجلسة الأولى برئاسة ونستن تشرشل، وزير المستعمرات، وبعد أن أوضح الرئيس ونستن تشرشل هدفه من الدعوة إلى المؤتمر والخطوط العامة لجدول الأعمال، انتظم المؤتمر بلجنتين، (الأولى اللجنة العسكرية والمالية والثانية اللجنة السياسية)، وكلف السير بادكوك، بمهمة سكرتارية مؤتمر القاهرة، الذي أخذ على عاتقه التدوين الكامل والدقيق (لأربع وخمسين جلسة)، عقدت بين (الثاني عشر والرابع والعشرين من آذار/مارس 1921).
وبتواصل أعمال المؤتمر، نوقش جدول الأعمال الرئيس للعراق من قبل اللجنة السياسية التي ترأسها وزير المستعمرات ونستن تشرشل، واللجنة العسكرية والمالية التي ترأسها ولتر كونكريف القائد الأعلى للقوات المسلحة البريطانية في مصر وفلسطين، واجتمعت اللجنتان معاً كهيأة واحدة برئاسة رئيس المؤتمر ونستن تشرشل، بعد أن عدت المقترحات السياسية والعسكرية جنباً إلى جنب متساوية في الأهمية، وقرر اعتماد التوصيات التفصيلية، كما حددت قرارات نهائية بشأن المسائل المطروحة( ).
وبشأن التوصيات التفصيلية، تقرر (خفض التعهدات العسكرية البريطانية فوراً في العراق الجديد)، إذ لا يمكن للمصلحة المحلية أن تقف في طريق تطبيق برنامج تخفيض أعداد جيش الاحتلال البريطاني. وسيأخذ المؤتمر بالاعتبار أي تخفيض (أساس لربع القوات الموجودة)، على أن يجري قبل ارتفاع حرارة الجو في العراق، وعدت عموم الافتراضات التالية أساساً لمناقشتهم وهي:
1. أحكام السيطرة على المنطقة في ظل الانتداب.
2. تقليص الالتزامات العسكرية خارج ولايات البصرة وبغداد والموصل وخطوط المواصلات بين هذه المراكز إلى أقل حد ممكن.
3. عدم تمركز الضباط السياسيين البريطانيين في أماكن خارج خطوط المواصلات الرئيسة.
4. الاحتفاظ بأقل عدد ممكن للقوات في هذا المراكز.
5. تجنب القوات العربية وتنظيمها مع إمكانية تجنيد اللاجئين الآثوريين.
6. التخلي عن المخازن العسكرية والذخائر إلى الحكومة العراقية الجديدة( ).
* مؤتمر القاهرة
عقد مؤتمر القاهرة في 12-24 آذار 1921 وحضره أربعون خبيراً في شؤون الشرق الأوسط منهم رئيس وزراء بريطانيا (ونستن تشرشل) والمندوب السامي البريطاني في العراق (السير برسي كوكس وسكرتيرة الدائرة الشرقية مس كَرترود بيل (مس بيل) والقائد العام للقوات البريطانية في العراق سر إيلمر هالدين وميجر نوئيل والمفوض العام في فارس (إيران) المقيم في الخليج وحاكم الصومال العام المقيم في عدن وقائد القوات البريطانية العام في فلسطين) لكن لم يدع إلى المؤتمر في القاهرة شخص كردي واحد وأما وزير الدفاع العراقي الكوردي الفريق الركن جعفر العسكري فأنه وأن كان من أعضاء الوفد العراقي (الحكومة العراقية) إلا أنه لم يكن من أعضاء المؤتمر الأصليين في القاﮪرة ولم يطلع الأكراد على ما جاء فيه حول المستقبل المدخر للأكراد في جنوب كوردستان إلا بعد مرور زمن طويل على ما قاله الأستاذ المؤرخ جرجيس فتح الله.
عقد المؤتمر (برئاسة ونستن تشرشل رئيس المستعمرات) من الجلسات ما بين أربعين إلى (54) جلسة خلال مدة المؤتمر البالغة أثنى عشر يوماً من (12-24 آذار 1920م).
قدم (ونستن تشرشل) للجنة السياسية التي كان يترأسها هو بالذات مذكرة إلى (دائرة الشرق الأوسط) حول مستقبل كوردستان للدراسة وإعطاء الرأي وكانت هذه اللجنة (السياسية) ما عدا الرئيس ونستن تشرشل تضم السير برسي كوكس ومس بيل والعقيد ت. ي لورنس وميجر هربرت يونكَ وميجر بانكوك سكرتير اللجنة السياسية الخاصة بكوردستان، وميجر نوئيل العضو الاستشاري.
استرسل الأستاذ جريس فتح الله مفصلاً في ذكر ما يتعلق بكوردستان في مؤتمر القاهرة وبعض الكتّاب الآخرين مثل صلاح خرسان ومحمد طاهر محمد و د. بلة شيركو مع الإشارة إلى أن إهمال هذا الموضوع الهام الخاص بمستقبل كوردستان من قبل بعض المؤرخين الآخرين كان عمداً. ذكر في الموضوع (معاهدة سيفر) 1920 معلومات موثقة دقيقة جداً لم يظفر بمعظمها القراء الأكراد تضمنتها صفحات كتاب (يقظة الكورد 235 – 245) للمؤلف الأستاذ جرجيس فتح الله ويعلم منها أن المعرقل الأول لتوصيات (ونستن تشرشل) بإقامة دولة كوردية وعدم ربط كوردستان الجنوبية بالعراق كان المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس وتذبذب فكره وسياسته ومماطلته مع بعض ممن حوله من البريطانيين مثل (ويلسن) والمخادعة (مس بيل) ثم أن الأستاذ جرجيس فتح الله في ص (245 – 252) ألقى باللائمة على مقاومة الأكراد للسلطة البريطانية في 1922 واستنجادها بقوات تركية (قوات العقيد اوزدمير) وجعلها سبباً من أسباب عدم تنفيذ مقررات مؤتمر القاهرة في آذار 1921 وتوصياته بشأن المسألة الكوردية. لكن الأستاذ لم يرجع إلى بداية نشوء هذه المقاومة وأسبابها من سنة 1920 بل وما قبلها أيضاً تلك التي استمرت حتى إعادة الشيخ محمود الحفيد من الهند في نهاية أيلول 1922. فقد كانت سياسة السلطة البريطانية في العراق الجديد ضد الكورد لذلك فأنها قطعت أملهم بها في منحهم حقوقهم القومية المشروعة المستقلة مع عدم إفهام الشعب الكوردي (بتوصيات مؤتمر القاهرة وونستن تشرشل) بالإضافة إلى إخفاق (معاهدة سيفر عام 1920م). لقد كانت لتلك المقاومة الكوردية أهدافها الداعية إلى إعادة الشيخ محمود الحفيد من منفاه في الهند وتلبية مطاليبه القومية للشعب الكوردي وليست لإعادة السلطة التركية إلى كوردستان الجنوبية( ).
ذكر الأستاذ جرجيس فتح الله أنه جاء في المذكرة التي قدمتها (دائرة الشرق الأوسط) للجنة السياسة في (مؤتمر القاهرة آذار 1921) ما يلي:
رأينا القويّ. أنّ المناطق الكوردية الخالصة القوام يجب أن لا تدخل في الدولة العربية التي ستقام في ميسوبوتاميا (العراق الحديث)، بل يجب العمل من جانب حكومة صاحب الجلالة وبقدر المستطاع على تشجيع مبدا الوحدة الكوردية، ورعاية الهوية القومية للأكراد. إنّ امتداد المنطقة التي ستتيح لحكومة صاحب الجلالة المجال والقدرة على مواصلة هذه السياسة، سيعتمد بحكم الضرورة على الشروط النهائية لتسوية سلمية مع تركيا. ومهما بلغت هذه المنطقة الكوردية من مساحة فاعتقادنا أن سيطرة حكومة صاحب الجلالة ستسهل بوجود نوع ما من نظام كردي مركزي، يلحق به مشاور سياسي بريطاني. على أن يكون هذا المشاور السياسي البريطاني مرتبطاً بالمندوب السامي البريطاني في ميسوبوتاميا - أي العراق - ومن خلاله ستكون صلته بحكومة جلالته.
في اجتماع اللجنة في القاهرة يوم 15 من آذار 1921 تحدث (السير برسي كوكس) حول محتويات مذكرة (دائرة الشرق الأوسط) فقال إنّ الكورد هم أغلبية (وهذا اعتراف ضمني من قبل البريطانيين بالشعب الكوردي)، سواء في منطقتي كركوك والسليمانية والمناطق الشمالية من ولاية الموصل التي تؤلف جزءً لا يتجزأ من العراق فاعترض (هربرت يونكَ) واقترح إقامة دولة كوردية فوراً ومن دون تأخير وأن توضع تحت الوصاية المباشرة للمندوب السامي البريطاني في العراق ولا أن تكون جزءً من العراق الجديد أو ضمن مسؤولية حكومته (العراق الجديد). وأيدّه (ميجر نوئيل) في ذلك.
وكان من رأي (ونستون تشرشل) وزير المستعمرات أنه يفضل حكماً ذاتياً كاملاً لكوردستان الجنوبية Home Rule فقد يكون من المفيد لخلق دولة كوردية عازلة بين الضغوط التركية من (الخارج) وبين قيام حركة عراقية معادية لبريطانيا من (الداخل) وأعرب عن موافقته لما أبداه من رأي كلَّ من (هربرت يونكَ) و(ميجر نوئيل). وعقب بقوله إنّ حكومة عربية في المستقبل العراقي ومن ورائها جيش عربي ستتجاهل الطموحات والأماني للشعب الكوردي وستضطهدها كأقلية، وأضاف يقول محذراً إن لم يتح للشعب الكوردي المجال ليحكموا أنفسهم بأنفسهم وصُير (أجبروا) إلى إلحاقهم بالدولة العربية الجديدة (العراق الجديد) فإن أي أمير شريفي (نسبة إلى شريف مكة ويقصد هنا فيصلاً) مهماً بدأ ديمقراطياً، ومتسماً بروح الحياد ما أن يجد نفسه أصبح في موضع قوة، ليس ببعيد أن يقف في سبيل الطموح القومي للشعب الكوردي ومصالح الكورد كأقلية عنصرية ولذلك يبدو ألا سبيل وتوفيقاً للمصلحة البريطانية إلا إقامة دولة كوردية مستقلة عازلة Buffer State بين العراق الجديد وتركيا الحديثة.
وختمت اللجنة في القاهرة اجتماعها بتبنّي توصية (هربرت يونكَ) في إبقاء جنوب كوردستان منفصلاً عن العراق الجديد، وساند هذا الاقتراح كل من (ونستن تشرشل) و(ميجر نوئيل) والعقيد (لورنس) وهم الأغلبية وعارض (السير برسي كوكس وكَيرترود بل) (مس بيل)، ولم يؤخذ رأي السكرتير (بابكوك) ولم يتدخل في المناقشة، إلا أن الأكثرية وضعت قيداً احترازياً مجاملة (للسير برسي كوكس) هو أن يبقى هذا القرار غير معمول به حتى يتيسر الوقت (بعد ثلاث سنين؟) ليتهيأ للكورد رأي تمثيلي قد يحبذ أو لا يحبذ الانضمام إلى العراق الجديد العربي.
واستقر الأمر في الأول من مايس/أيار عام 1921م على هذا الأغلبية حبذت أو أرادت في الواقع جنوب كوردستان منفصلاً عن العراق الجديد العربي على أن توضع مسؤوليته على عاتق المندوب السامي البريطاني في العراق وساندت دائرة الشرق الأوسط في وزارة المستعمرات ووزيرها ونستن تشرشل في هذا الموضوع مساندةً قوية.
إلا أن سياسة مضادة تصيب المرء بالدوار حقاً قدر لها أن تطفو على السطح خلال الأشهر القلائل التالية من عام 1921 تم خلالها تمييع قرار الأكثرية في مؤتمر القاهرة آذار 1921 بل تجميده ثم تصفيته وتفضيل خطة (السير برسي كوكس) بالأخير وتطبيقها بكل الكوارث التي نجمت عنها وكان (السير برسي كوكس) صاحب الدور الرئيس بمساندته ومعاونته (كَيرترود بل) مس بيل (السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق العربي الجديد).
قيل أن (برسي كوكس) كان واقعاً في أسر الإفتراض بأن العراقيين القوميين العرب أصلاً لا يريدون كوردستاناً مستقلة وتحت تأثير فكرة الصعوبة التي سيواجهها في إيجاد زعيم كردي طيّع متمثل للأوامر البريطانية إلى حد مناسب لإنشاء هذا الكيان الكوردي المستقل (الدولة الكوردية المستقلة) وربما كان مأتى سياسته هذه الإصرار العربي على أنه لا يمكن عمل دولة عربية جيدة (العراق) من ولايتي بغداد والبصرة فقط.
إلى جانب هذا القرار اتخذ قرار ترشيح الأمير فيصل بن الشريف حسين لعرش العراق العربي الجديد، وكان قد وصل في العشرين من حزيران عام 1921م ميناء البصرة وفي 23 من آب 1921م توّج ملكاً بعد استفتاء (شكلي ومسيطر عليه من قبل المندوب السامي البريطاني في العراق) وكسب فيه 96 بالمائة من مجموع الأصوات الكليّ وأغضى المندوب السامي البريطاني عن امتناع (السليمانية وكركوك) ورفضهما المشاركة في الاستفتاء (وهذا لا يجوز) إذ كانت هناك مخاوف، وشاع قلق عظيم هناك (في المناطق الكوردية) حول مستقبل السيادة العربية على حكومة بغداد.
بسبب مَنْ هذا، ولأجل التظاهر المبدئي بأن المندوب السامي البريطاني يمهّد فعلاً لتطبيق قرار (مؤتمر القاهرة آذار 1921)، أصدر في السادس من أيار 1921 بعد عودته من مؤتمر القاهرة تصريحاً نبّه فيه الضبَاط السياسيين البريطانيين في كلّ من (الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل) أي (المناطق ذات الأكثرية الكوردية) إلى ما سيجري العمل به، إلا أنه كان في الواقع تمهيداً للشروع في خطته التي تؤدي أخيراً إلى إلحاق كوردستان بالعراق العربي الجديد.
في ص 242 من كتاب نهضة الكورد: أرسل ونستن تشرشل وزير المستعمرات البريطاني برقية إلى (السير برسي كوكس) في 25 أيار عام (1921) موصياً فيها بأن لا تدخل كركوك في العراق الجديد العربي، مؤكداً رأيه السالف المستولي على خياله الخصب دولة كوردية عازلة تتألف إثنولوجيا (عرقياً) من عناصر كوردية غير عربية.
ثم انثنى ونستن تشرشل وزير المستعمرات البريطاني ليصدر عدة تعليمات وأوامر إلى (دائرة الشرق الأوسط) العائدة لوزارة المستعمرات، منها وجوب عودة (الميجر نوئيل) إلى كوردستان، وأصدر تعليمات تنص على التمسك بقرار (مؤتمر القاهرة في آذار 1921)، ومنها وجوب إعادة الشيخ محمود الحفيد إلى السليمانية.
ولم يكن (السير برسي كوكس) مسروراً بهذا (عودة الشيخ محمود الحفيد)، وبدأت الخلافات الجانبية بين وجهتي النظر صغيرة تتعلق بكيفية التطبيق، إلا إنها انزاحت بالأخير لتغدو سبيلين متناقضين في تطبيق القرار أحدهما يؤدي إلى خلق كيان كردي (الدولة الكوردية) ذي حكم ذاتي منفصل عن العراق العربي الجديد وآخر يبيّت نيّةً واضحة ضمّ جنوب كوردستان إلى الدولة العراقية العربية الجديدة.
في التاسع من حزيران 1921م عاد ونستن تشرشل ليؤكد على لزوم الإفادة من خدمات (ميجر نوئيل) وتعلُّق ذلك بقضية الشيخ محمود الحفيد المبعد إلى الهند فقد طلب تشرشل إطلاق سراحه منذ الحادي عشر من نيسان 1921 وتعمد (برسي كوكس) الإبطاء دون الالتفات إلى سخط ونستن تشرشل الذي أصبح الآن مدركاً إلى أي حدّ كان المندوب السامي البريطاني يعارض في عودة الرجلين (الشيخ محمود الحفيد وميجر نوئيل)، مستفيداً من غيابهما من الميدان للعمل حثيثاً على دمج المناطق الكوردية في جنوب كوردستان بالدولة العراقية، العربية فلم يجب على مطالب واستفسارات تشرشل إلا بعد شهرين تقريباً (في 8 حزيران 1921م وإذ ذلك كانت السياسة الإدارية التي اتخذها (برسي كوكس) قد نفذَت عميقاً في تربة كوردستان).
استرسل الأستاذ جرجيس فتح الله في كتابه معلومات وحقائق إلى ما بعد (مؤتمر القاهرة آذار 1921) أيضاً كانت خفيفة على الأكراد وعلى معظم مؤرخيهم وكتابهم يتضح منها موقف ونستن تشرشل المشرف وبعد نظره الصائب عن مستقبل الأكراد كما يتضح منها أن السبب الرئيسي لمأساة الكورد كان (السير برسي كوكس) الذي أصر على ربط كوردستان الجنوبية بالعراق العربي فغدر وظلم الشعب الكوردي وسلمه إلى الويلات في العراق وإلى دفن والقتل الجماعي للشعب الكوردي في عمليات (الأنفال) في المقابر الجماعية وغيرها لاحقاً عام 1988م.
حاول (برسي كوكس) إقناع ونستن تشرشل و(دائرة الشرق الأوسط) بخطته الجهنمية واستخدام عللاً وأسباباً لإقناع تشرشل ودائرة الشرق الأوسط وأجاب تشرشل مؤكداً أنه ما يزال يفضل الأخذ بسياسة إقامة دولة كوردية عازلة بين العرب والترك، كما تقرر في مؤتمر القاهرة في آذار/مايس 1921، إلا أن (برسي كوكس) بدأ الآن يُغري معظم المناطق الكوردية بالتعاون على إمرار سياسته وجعل النظام العراقي يمتدّ إلى (أقسام ومناطق) كركوك وأربيل في حين بقيت السليمانية تحت حكم البريطانيين المباشر وبذل كل جهد في سبيل تطوير الإدارة الوطنية على خطوط اعتيادية متصدياً لما تبقى في لندن من شعور بالواجب واحترام التعهدات للكورد (الشعب الكوردي) وظلّ يدور حول ونستن تشرشل ويناور، كتب إليه تشرشل بالأخير:
إن الحكم العربي يجب أن يقتصر على الأرض العربية فقط وتحديداً
لكن (برسي كوكس) كان بوسعه الآن أن يقول له أن معظم الكورد (الشعب الكوردي) قد استشيروا في (6 مايس/أيار عام 1921) فاختاروا عدم الانفصال عن العراق الجديد وإنه من الصعب تجاهل رغبتهم فضلاً عن أن القوميين العرب صاروا الآن يعتمدون على بناء عراق عربي تدخل فيه ولاية الموصل (ذات الأغلبية الكوردية)، وأن خيبة مبتغاهم الآن تعني المخاطرة بإنفجار شديد مثلما حصل في ثورة عام 1920.
وعاد تشرشل يذّكر (برسي كوكس) إن اعتماده خطة اشتراك الكورد في المجلس التأسيسي (البرلمان) المنوي عقده لوضع دستور الدولة العراقية الجديدة يجب أن يحترم مبدأ أن الكورد (الشعب الكوردي) ويجب أن لا يوضعوا تحت حكم العرب ضدّ رغبتهم.
بالأخير كشف برسي كوكس عن أوراقة حين لم يعد للمداورة والمناورة فوضع الأمر أمام وزارة المستعمرات البريطاني بالشكل التالي: في مؤتمر القاهرة 1921 كان هناك خياران: المنطقة الكوردية تجعل جزءاً من العراق العربي الجديد أو: المنطقة الكوردية تُشجع على حكم منفصل ذاتي أو دولة كوردية مستقلة، ثم إنتهى إلى القول إنه وبعد موازنة الآراء والمشاورة مع أولي الرّأي، يرى أن يُصار إلى الخيار الأول ثم استتلى قائلاً إنه لن يتخذ أي خطوة في أي من السبيلين إلا بعد أن يتلقى جواباً صريحاً من وزارات المستعمرات البريطانية كيلا يكون هناك سوء فهم.
كان برسي كوكس يريد أن يسمع من ونستن تشرشل رأياً واضحاً، فيما استدرجه إليه أي أن يصير (يؤيد) بالنتيجة إلى الحل الأول أو على الأقل أن يكتشف في رد فعله أي ضعف أو ميل إليه قد يطلق يده في سلوك سياسة الإندماج (المنطقة الكوردية بالعراق الجديد) التي يفضلها وهو عاقد العزم عليها.
بتوالي التقارير وتعدد المراسلات ارتأى تشرشل عقد اجتماع (لدائرة الشرق الأوسط) يضم ممثلين عن سائر الوزارات ذات العلاقة وأنضم إليهم كل من (ميجر سون) الذي لم يكن قد طرد من السليمانية بعد ومعاون الضابط السياسي (النقيب ستيفن لونكَريك) للواء (محافظة) كركوك، وكان إذ ذاك في لندن، في السادس والعشرين من حزيران 1921 وفيه رفُض معظم تقارير برسي كوكس ومقترحاته، باعتبارها مخالفة لما تم التوصل إليه في (مؤتمر القاهرة آذار 1921)، وأعطي التفضيل لثاني الخيارات، وأيد هذا المنحى كلّ من (ميجر سون والنقيب لونكّريك)، وكتبت الدائرة السياسية للشرق الأوسط ردها مشيرة إلى هذين بعبارة تشبه التوبيخ:
إن (الدائرة السياسية للشرق الأوسط) تظن أن ليس بين مشاوري برسي كوكس من يستطيع أن يتكلم عن ثقة أو خبرة بقدر ما يملكه ( ميجر سون والنقيب لونكَريك) من خبرة وكفاءات.
وانحصرت المكاتبات بين برسي كوكس وتشرشل لبقية العام 1921 وبداية العام 1922 في النقطة المركزية: هل يجب على بريطانيا مساندة قيام كوردستان أوتونوميّة (دولة كوردية لا مركزية أو مستقلة)، أو أن تضم المنطقة التي أطلقنا عليها مصطلح (جنوب كوردستان أي ولاية الموصل) إلى العراق العربي الجديد.
ولم ينجح برسي كوكس آخر المطاف في صرف وزارة المستعمرات عن قرار (مؤتمر القاهرة) وصرف نظرها عن تطبيقه نهائياً إلا بالضرب على وتر تشرشل الحساس وتر الضرورة الإستراتيجية للإمبراطورية البريطانية والتفكير في استحداث إدارة (أنكَلو كوردية) عن بُعد خشية جرح مشاعر القوميين الكورد المرهفة وبالصيرورة إلى أن أفضل السياسة هو اعتبار الكورد أقلية عراقية لكن بمنحهم فرصة إعادة النظر بعد ثلاث سنين في قرارهم بقي (ميجر سون) يعارض هذه السياسة، وأعلن رأيه في نهاية العام بكل صراحة بخصوص خضوع السليمانية لحكم عربي إلا أن يكون مؤقتاً وتمهيداً لخلق دولة كوردية قريباً، فأقيل فوراً من منصبه، كان مثل زملائه (النقيب ليز والميجر نوئيل) وربما أقدم على ما أقدم بدافع شبيه بدافع عاطفة الأبوة وبطنّه أن هذا هو خير ما يمكن تقديمه للشعب الكوردي.
لكن بقيت دار المندوب السامي البريطاني ووراءها حكومة بغداد مستعدة للاعتراف بالهوية الكوردية شريطة أن تكون ضمن الوحدة العراقية، ولكن برسي كوكس أراد أن يكسو ذلك التدبير صفة الديمقراطية، فقرر أن من الضرورة استشارة الكورد رسمياً في السادس من مايس/أيار 1922 للظفر بدليل على الرغبة الحقيقة للمجموعة الكوردية The Kurdish Communities هل راغبون في البقاء ضمن الحكومة العراقية؟( ).
لو شاء الكورد إبراز الهوية القومية المتمثلة في الحكم الذاتي، فتلك هي اللحظة الحاسمة فما وصفه برسي كوكس باستفتاء أو استشارة الجماعات الكوردية. لم يكن كما قلنا غير استشارات جماعية علنية لنخبة من الوجهاء والشخصيات الكوردية المنتقاة محلياً وأغوات ورؤساء عشائر معظمهم كانوا يعلمون (يعرفون) من أين تهبّ ريح السياسة البريطانية في ميسوبوتاميا (العراق الجديد) وقليل منهم من شعر بالاستعداد لتحديها والوقوف في وجهها، بل حتى لو افترضنا وجود الرغبة في هؤلاء الصدور والأعيان (الكورد) لإقامة جبهة موحدة فلن يجدوا فرصة لتوحيد قواهم ورصّها في جبهة، لذلك كانت أجوبتهم ذات طابع محليّ ضيق، ورفض السليمانيون (أهالي السليمانية) أي نوع من الضم إلى الحكومة العراقية العربية إلا أنهم كانوا وحيدين في وقفتهم. في ذلك الحين لم يصل التثقيف القومي الكوردي إلى الجذور.
تبين من خلال الوثائق التي ذكرها الأستاذ جرجيس فتح الله أن المندوب السامي البريطاني في العراق برسي كوكس ونائبه ويلسن هما المسؤولان عن إلحاق كوردستان الجنوبية بالعراق العربي الجديد وأن قسطاً أو القسط الأكبر من إثم الجرائم التي نتجت عن ذلك وارتكبت ضد الشعب الكوردي إلى الآن يقع على عاتق هذين السياسيين البريطانيين وعلى من ساندوهما كالخبيثين والمخادعين (مس بيل وادموندز) وقد كتب (دافيد كورن) البريطاني بحثاً مفصلاً بهذا الخصوص بعنوان رجلان أقحما الأكراد بالعراق العربي الجديد مناورات برسي كوكس ويلسن( ) بين فيه أن برسي كوكس وويلسن هما اللذان الحقا كوردستان الجنوبية بالعراق العربي الجديد. أخيراً كان يهمني جداً معرفة الذين كانوا سبب الإلحاق ولم أكن أعلم بذلك كغيري من معظم كتاب الكورد قبل أن أطلع على هذه الحقائق (جرجيس فتح الله).
* مناقشات مؤتمر القاهرة آذار 1921 لجدول الأعمال السياسي للعراق الجديد
توصلت المناقشات التمهيدية إلى أن تهيئة ظروف ملائمة لانسحاب القوات البريطانية من العراق الجديد لا يتم إلا بتشكيل مسبق لحكومة عراقية محلية ذات نفوذ وسلطة حقيقة. وإن الإطار الذي تأخذه هذه الحكومة العراقية يجب أن يراعي النقاط الأساسية الآتية:
1. هل سيكون الحاكم هنا عربياً أم لا؟
2. إذا كان هناك حاكم عربي، فهل يجب أن يكون من عائلة شريف مكة؟
3. هل هنا أحد من هذه العائلة (الشريفية) يفضل أكثر من غيره في نظر بريطانيا وشعب العراق ليكون حاكماً؟
4. هل ينتخب الحاكم العربي من حكومة صاحب الجلالة أو من قبل مجلس عربي؟
5. هل من الضروري عقد اجتماع لمجلس الوزراء العراقي قبل طرح اسم الحاكم؟
6. هل ترغب في تقديم (المرشح) نفسه (الأمير فيصل) كمرشح أو يستدعي من قبل الشعب العراقي لغرض قبول المنصب.
7. في أي تاريخ يجب أن يتوجه المرشح (الأمير فيصل) إلى بغداد لغرض إشغال موقعة كحاكم للبلاد؟
من جهة ثانية، فإن افتراض توصل مؤتمر القاهرة لاتفاق عام حول النقاط المتعلقة بتشكيل حكومة محلية للعراق، سيكون من الضروري مناقشة الالتزامات المتعلقة بالحكومة البريطانية التي لم يكن من المتوقع مشاركتها السنوية بأكثر من خمسة ملايين باون إسترليني للصرفيات العسكرية للسنوات (1922-1923) (1923-1924) (1924-1925) في العراق الجديد والتي ستتوفر من إيرادات الإمبراطورية، ولغرض تقديم معلومات إضافية ضرورية بشأن هذه المناقشة، ستأخذ بنظر الاعتبار المسائل السياسية أولاً:
1. تطرح وجهة نظر الحكومة البريطانية بشأن تعديل مصطلحات الانتداب (الانتداب البريطاني على العراق الجديد).
2. احتمال طلب حكومة العراق الجديدة أي تعديل من وجهة نظرهم الخاصة.
3. احتمال طلب الحاكم العربي (الأمير فيصل) تعديل نصوص الانتداب البريطاني كما لو كان هذا يقف أمام توليه مسؤولية منصبه (ملكاً على عرش العراق).
4. الأخذ بنظر الاعتبار المقترحات العملية بشأن إعادة تنسيق العلاقات بين الحكومة البريطانية وحكومة العراق الجديد.
5. إن إعادة التنسيق بين الطرفين (بريطانيا والعراق العربي الجديد) يجب أن تتضمن تعديل بنود الانتداب البريطاني التي من خلالها تسيطر بريطانيا على العلاقات الخارجية للعراق وقبول المسؤولية بشأن الدفاع عنه.
6. وإذا كان كذلك، فبأي اتجاه أن تتهيأ الحكومة البريطانية لغرض التخفيف من تحكمها في العلاقات الخارجية وتقليل مسؤوليتها عن الدفاع؟
7. إلى أي مدى يجب قبول حكومة العراق المسؤولية لتحمل نفقات النظام الداخلي؟( ).
وفي الاجتماع الأول للجنة السياسية في مؤتمر القاهرة، في الثاني عشر من آذار 1921، أوضح رئيس اللجنة السياسية (ونستن تشرشل) توصل المندوب السامي البريطاني في العراق السير برسي كوكس والجنرال هالدين قائد القوات البريطانية في العراق إلى اتفاق عام حول الانسحاب الابتدائي للقوات البريطانية من العراق. واستعرض المندوب السامي برسي كوكس الخطوات التي وجدها ضرورية للعمل، عندما وصل (برسي كوكس) إلى العراق، حيث كان من الضروري تشكيل حكومة عراقية انتقالية وتكليف السيد عبد الرحمن النقيب (الكيلاني من أشراف بغداد) بتشكيل هذه الحكومة المؤقتة.
ثم عرض السير برسي كوكس المرشحين لعرش العراق العربي الجديد وهم كل من:
1. السيد عبد الرحمن النقيب (رئيس الوزراء).
2. السيد طالب باشا النقيب (من البصرة) وزير الداخلية.
3. الشيخ خزعل (شيخ المحمرة).
4. الأمير عبد العزيز ابن سعود (حاكم نجد).
5. السيد آغا خان (والي بشت كوه الإيراني)
6. الأمير برهان الدين (أمير عثماني تركي)
نوقشت قائمة المرشحين من قبل اللجنة السياسية خلال مؤتمر القاهرة في آذار 1921، حيث أوضح السير برسي كوكس للجنة بأن الرأي العام المحلي في العراق العربي الجديد لن يوافق أبداً على مرشح محلي. وهذا يدل على أن السير برسي كوكس قد استبعد وصول السيد عبد الرحمن النقيب والسيد طالب النقيب إلى عرش العراق العربي الجديد.
أما فيما يخص شيخ المحمرة الشيخ خزعل فقد أوضح السير برسي كوكس إنه لم يتمتع بتأييد واسع في حين أن ترشيح الأمير عبد العزيز بن سعود لم يكن وارداً لأسباب دينية وكذلك بالنسبة إلى الآغا خان وبرهان الدين فأنهما غير مؤهلين للعرش كونهما غير عربيين.
وخلص إلى أن أحد أعضاء أسرة شريف مكة سيكون محل ترحيب أغلبية سكان العراق، شرط أن يتم ترشيحه من قبل حكومة العراق المؤقتة. وأوضح السير برسي كوكس الأسباب التي حملته على تفضيل الأمير فيصل بن الشريف حسين على سواه، من أبناء شريف مكة، مؤكداً إنه أخذ بعين الاعتبار التجربة السابقة للأمير فيصل مع الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى التي جعلته بمواصفات جيدة كحاكم بدلاً من أخوته.
ولقي هذا الترشيح للأمير فيصل تشجيعاً من قبل العقيد لورنس، ليس من خلال المعرفة الشخصية والصداقة الخاصة التي جمعته مع الأمير فيصل أثناء الثورة العربية الكبرى عام 1916، ولكن على أساس تشتيت مطالب المرشحين المنافسين.
في الوقت نفسه، أظهر رئيس اللجنة السياسية ونستن تشرشل تعاطفاً قوياً إلى جانب السياسة الشريفية، إذ أشار إلى أن الأمير فيصل يعلم مقدار المعونة التي تقدمها الحكومة البريطانية لوالده (شريف مكة) الملك حسين بن علي، وحماية الأماكن المقدسة من الهجوم الوهابي، كذلك فإن موقع أخيه الأمير عبد الله في شرق الأردن يعتمد على سلوكه الخاص وسيسهل التعامل معه ومن أجل تبرير هذه الحقيقة أمام الفرنسيين، فإن من المناسب أن يوضح لهم أن الحكومة البريطانية تساند الأمير فيصل في وصوله إلى عرش العراق العربي الجديد.
كما ناقشت اللجنة السياسية في مؤتمر القاهرة باختصار مسألة العفو العام عن المعتلقين السياسيين المتهمين بمشاركتهم بثورة 1920 (الثورة العراقية الكبرى) في العراق، وقررت أن يعلن العفو العام من قبل الحكومة البريطانية ثم يصدر إعلان يحمل الصيغة الآتية: إنه إذا قرر الأمير فيصل أن يقدم نفسه مرشحاً لعرش العراق العربي وإذا حظي بدعم السكان ومساندتهم فإن الحكومة البريطانية لن تضع عائقاً لانتخابه( ).
وخلال الاجتماع الثاني للجنة السياسية لمؤتمر القاهرة المنعقد في الثالث عشر من آذار 1921، تم تعديل البرقية السابقة، التي أقرها الاجتماع الأول للجنة السياسية، وفق الصيغة الآتية:
جواباً على استفسارات مؤيدي الأمير فيصل بشأن الحاكم المنتظر فإن حكومة صاحب الجلالة لن تضع عائقاً لانتخابه.
وأكد رئيس اللجنة السياسية، ونستن تشرشل، على العقيد لورنس ضرورة إقناع الأمير فيصل أن يعمل وفقاً لهذه المقترحات. بعد ذلك استفسر فيما إذا كان من الضروري تشكيل مجلس للوجهاء، وأجاب السير برسي كوكس، إنه في أريه يجب تنفيذ الإجراءات أو المقترحات المتبناة، واستنباط طريقة أكثر سرعة تعبيراً عن رغبات الشعب في العراق الجديد، ثم قدم السير برسي كوكس جدولاً زمنياً لغرض تنفيذ هذه الإجراءات.
في ختام هذه المناقشات في مؤتمر القاهرة في آذار 1921، وافق رئيس اللجنة السياسية ونستن تشرشل على السياق العام للخطة، وأضاف مؤكداً أن من المرغوب فيه أن يكون وصول الأمير فيصل في غضون شهر رمضان (من الثامن من أيار إلى الثامن من حزيران) وجرى الاتفاق بصورة عامة على ضرورة أن يسال مجلس الوجهاء لغرض أعطاء وجهات نظره حول تعيين الأمير فيصل وإن وجوده في العراق الجديد سيكون إلهاماً يؤثر في أغلب السكان. واقترح العقيد لورنس أن من غير المستحسن أن يصرح الأمير فيصل بخصوص تعديل بنود الانتداب وإن يقود بنفسه الحملة الانتخابية( ).
وبخصوص مسألة العلاقات الخارجية للعراق الجديد في ظل الانتداب البريطاني، كرست اللجنة السياسية في اجتماعها الثالث المنعقد في الرابع عشر من آذار لمناقشة هذا الموضوع. فقد أكد المؤتمرون ضرورة احتفاظ سلطات الانتداب البريطاني بتوجيه السياسة الخارجية للعراق الجديد، وتوفير الحماية من أي هجوم خارجي على العراق الجديد. وقبل ختام المناقشات عبرت اللجنة السياسية عن رغبتها في الاستماع إلى رأي (ساسون حسقيل أفندي اليهودي الأصل ووزير المالية) في الحكومة العراقية المؤقتة، و(جعفر باشا العسكري الكوردي الأصل ووزير الدفاع) في الحكومة العراقية المؤقتة، بخصوص رؤية السياسة البريطانية، وقد شاركا اللجنة رأيها بإصدار تصريح لاستمالة الرأي العام العراقي، واتفق على الصيغة الآتية: أن الحكومة البريطانية لن تضع عائقاً في طريق الأمير فيصل، وفي حالة اختياره من قبل الشعب العراقي فسيدعم بقوة( ). وفي الرابع عشر من آذار 1921، أبرق ونستن تشرشل وزير المستعمرات إلى (رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج) مؤكداً أن مؤتمر القاهرة توصل بالإجماع إلى أن الأمير فيصل يعطي الأمل لحل نافع. ومن أجل تبرير هذه الحقيقة أمام الحكومة الفرنسية، فإن من المناسب أن يوضح لها أن الحكومة البريطانية لن تضع عائقاً أمام ترشيح الأمير فيصل. وطلب تشرشل وزير المستعمرات البريطاني من رئيس الوزراء لويد جورج البريطاني أن يؤجل الاتصال بالفرنسيين إلى حين وصول الأمير فيصل إلى مكة والسير برسي كوكس إلى بغداد في منتصف نيسان/أبريل 1912.
ومن جانبه، فإن رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج أوضح في رسالة إلى وزير المستعمرات ونستن تشرشل بأنه سيوضح للفرنسيين أنه إذا كان ترشيح الأمير فيصل سيقبل من قبل الشعب العراقي، وأنه إذا حافظ على السلام في هذه المنطقة فلا يوجد أي موقف يبرر معارضة ترشيحه لعرش العراق العربي الجديد( ).
وبعد موافقة رئيس الوزراء لويد جورج على المقترحات المتبناة، كان على وزير المستعمرات البريطاني ونستن تشرشل أن يضع الطريقة لمساندة الأمير فيصل المرشح لعرش العراق الجديد، حيث تقرر أن يغادر المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس القاهرة متوجهاً إلى بغداد في الحادي والثلاثين من آذار 1921، ويصل البصرة يوم الثلاثاء في الثاني عشر من نيسان 1921، ثم بغداد يوم السبت في السادس عشر من نيسان، ويعلن لدى وصوله قرار الحكومة البريطانية بإعلان العفو العام عن الذين شاركوا بثورة 1920، على أن يصل مكة الأمير فيصل في التاريخ نفسه (الاثنين في الثامن عشر من نيسان) وبعد حوالي أسبوع، يبرق الأمير فيصل إلى نوري السعيد باشا وجعفر باشا العسكري (وهما من أصول كوردية) والأصدقاء الآخرين من أصحاب النفوذ لدعوته إلى العراق آملاً منهم تعاونهم معه، وأن تعلن الحكومة البريطانية في الوقت نفسه إنه جواباً على استفسارات سكان العراق فإنها لن تقف في طريق الأمير فيصل إذا انتخب من قبلهم، على أن يقبل الأمير فيصل بشروط الانتداب البريطاني على العراق الجديد، كما وضعت من قبل عصبة الأمم. كما توجب على الأمير فيصل أن يرسل برقيات إلى السيد عبد الرحمن النقيب (رئيس الحكومة المؤقتة)، والسيد طالب باشا النقيب (وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة)، يذكر فيها إنه يأمل أن يحصل على دعمهم ومشاركتهم الشخصية في حكم البلاد. وخلال الفترة من الثامن من مايس إلى الثامن من حزيران 1921 يتوجه الأمير فيصل إلى العراق أو يبعث ممثلين عنه، على أن يكون الوصول حوالي منتصف مايس 1921، بحيث يكون من غير الضروري دعوة مجلس الوزراء إلا لتأييده أو المصادقة على انتخابه.
نستشف مما ذكر أعلاه، أن بريطانيا وضعت جدولاً زمنياً وزعت فيه الأدوار الموحية بترشيح الأمير فيصل إلى عرش العراق العربي الجديد وهذا ما تتوخاه السياسة البريطانية في أن تعلق اختيارها للأمير فيصل بصورة مباشرة كما لو كان قد أعد اختياره مسبقاً وقبل انعقاد مؤتمر القاهرة في آذار/مايس 1921.[1]