إحسان الفقيه/ الأناضول
- العثمانيون أنقذوا قبائل الأكراد والتركمان من خطر الدولة الصفوية التي سعت لتنفيذ مخططها الطائفي لتشييع الأناضول
- أقنع العالم إدريس البدليسي أمراء العشائر والقبائل بالانضواء تحت راية العثمانيين..
لنقم بتقديم قوتنا وشجاعتنا إلى أوليائنا الأتراك الأماجد الذين رفعوا راية التوحيد منذ 600 عام تجاه العالم كله، ...الأتراك هم عقولنا ونحن قوتهم، وبالاجتماع معا نكون إنسانا كاملا.
كلمات تعود إلى عام 1910م، خاطب بها المصلح الكردي المسلم بديع الزمان النورسي القبائل الكردية التي كانت تريد رفع راية العصيان ضد الدولة العثمانية.
ولذا شبهه الدكتور أحمد آق كوندز في كتابه الدولة العثمانية المجهولة، بالعالم الكردي إدريس البدليسي الذي قام بدور كبير في إقناع العشائر الكردية بالدخول تحت راية الدولة العثمانية التي حمتها من الخطر الصفوي.
البداية كانت قبل أن يتولى السلطان العثماني سليم الأول مقاليد الحكم، إذ قبلها تولى إمارة طرابزون في حكم أبيه السلطان بايزيد، وكان سليم يدرك تمامًا خطر الدولة الصفوية القريبة من حدود إمارته، ويعلم أن لديها مشروعًا طائفيًا لابتلاع المنطقة وتشييع الأناضول وتفتيت الوحدة الإسلامية، وتهديد أمن الدولة العثمانية.
ذلك الأمر كان يثير قلق وخوف العشائر الكردية والتركمانية السنّية، وقد نبّه سليم الأول والده إلى ذلك الخطر، لكنّ أباه لم يكن على نفس درجته من تقدير المخاوف من المخطط الصفوي ولم يتخذ التدابير اللازمة لمواجهته.
وما أن تولى سليم الأول مقاليد الحكم في الدولة العثمانية عام 1512م، حتى برزت مظاهر العداء بينه وبين الصفويين، والذين رفضوا إرسال تهنئة إليه، وهو إجراء في الأعراف الدبلوماسية يعتبر إظهارًا للعداء والخصومة.
بل زاد الصفويون على ذلك بأن أرسلوا إلى سلطان المماليك في مصر والشام قنصوه الغوري ليتحالف معهم ضد الدولة العثمانية، إلا أن الأخير قد التزم الحياد، الأمر الذي دعّم لدى السلطان سليم فكرة مواجهة الصفويين، وهو الأمر الذي شجعه عليه القاضي العلامة ابن كمال، وهو أحد رجال العلم البارزين من الأتراك المستعربين.
وفي عام 1514م، جرت معركة جالديران بين العثمانيين بقيادة سليم الأول، والصفويين بقيادة الشاه إسماعيل، كان النصر فيها حليف العثمانيين، الذين دخلوا تبريز عاصمة الدولة الصفوية، أما الشاه إسماعيل فقد ولى هاربًا.
وفي هذه المعركة ظهرت أمارات التحالف العثماني الكردي، حيث انضم إلى الجيش العثماني بعض العشائر الكردية والتركمانية.
وفي أعقاب المعركة أدرك أمراء العشائر ضرورة الانضواء تحت راية الدولة العثمانية، وهذا ما كان يدعو إليه العالم إدريس البدليسي، والذي كان يحض السلطان سليم على ضم هذه المناطق للدولة، إلا أن السلطان آثر أن يوكل إليه مهمة إقناع الأمراء بذلك.
وقد أرسل هؤلاء الأمراء عريضة إلى السلطان سليم يطلبون فيها الدعم ضد الصفويين الذين حاصروا ديار بكر، فتم حشد 10 آلاف متطوع، حتى تم كسر هذا الحصار ورد الصفويين.
في أعقاب ذلك استمر إدريس البدليسي في إقناع أمراء العشائر بالانضمام للدولة العثمانية، وفي وقت قصير تمكن من تأمين التحاق أمراء الأكراد والتركمان في شرقي الأناضول وجنوبها الشرقي بالدولة العثمانية.
على إثر هذه الأنباء أرسل السلطان سليم رسالة شكر إلى البدليسي الذي فتح تلك البقاع بالإقناع، وطلب منه كذلك المعلومات اللازمة حول الأمراء الذين انضموا للدولة بمحض إرادتهم وعدد السناجق التابعة لهم.
وأرسل السلطان سليم الأول إلى بقلي محمد باشا أمير أمراء ماردين بأوراق عليها الخاتم السلطاني، يدفعها لأي أمير يريد الدخول تحت الحكم العثماني بمحض إرادته لكي يكتب الطلب بنفسه، كما اتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الخلافات بين الأمراء.
ومن أمراء القبائل والعشائر الكردية التي دخلت بمحض إرادتها تحت حكم الدولة العثمانية: حاكم بتليس، وملك حيزان، وأمير حصن كيفا، وحاكم عمادية، وحاكم جزرة، وحاكم جميش كزك، وحاكم برتك، والتحقت تباعا عشائر: سوران، وأورميا، وآتاك، وكرزان، وبالو، وسعرت، وسنجار، وماردين وغيرها.
ولم يدخل فقط تحت راية الدولة العشائر الكردية والتركمان، بل سارعت إلى ذلك أيضا قبائل عربية كثيرة، مثل قبائل خرقوش، وابن سعيد، وبني إبراهيم، وبني عطا، وشيوخ صفد وغزة وأشراف حلب الذين أرسلوا إلى السلطان سليم رسالة محفوظة إلى الآن في متحف طوبي قابي.
وتقول الرسالة: من أجل حفظ وصيانة أرواحنا وأموالنا وعيالنا، ومن أجل حماية وأمن ديننا، نقدم لكم طاعتنا، ونرى ضرورة حكمكم من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية وتأسيس العدالة.
لقد ساعد على دخول هذه العشائر الكردية تحت الحكم العثماني، أن هناك العديد من القواسم المشتركة بينهما في الجوانب الدينية والثقافية والأخلاقية، كما أن طبيعة الفتوحات العثمانية كانت تشجع على ذلك، إذ كانت تشرف فقط على الولايات التابعة لها، بينما تترك إدارتها لأهلها، مما يعني الحفاظ على الصبغة السياسية والثقافية لتلك الولايات.
والعامل الأهم الذي سهّل الدخول السلمي للأكراد، هو نظرتهم إلى الدولة العثمانية باعتبارها دولة مسلمة وراعية للمسلمين، ولم تكن النزعات القومية لها وجود في ذلك الوقت، إضافة إلى أن كلا من العثمانيين والأكراد ينتمون إلى السنة.
تأسيسا على ذلك، لا مجال للقول بأن العثمانيين قد أخضعوا قبائل الكرد عنوة، بل تم ذلك بمحض إرادتهم بعد #معركة جالديران# التي بددت مخاوف العشائر من المد الصفوي إلى حد بعيد، وعن طريق المحاولات السلمية للإقناع التي قام بها العالم الكردي إدريس البدليسي، ليصبح الأكراد وإلى اليوم، جزءًا لا يتجز من جسد الأمة التركية.[1]