معركة جالديران الفاصلة.. عندما وصلت الدولة العثمانية إلى تبريز وأذربيجان
تحلّ الذكرى ال507 لانتصار العثمانيين على الصفويين بمعركة جالديران، عندما قطع الجيش العثماني مسيرة خمسة أشهر، وهزم جيش الشاه إسماعيل بعقر داره بمدينة تبريز في 23 أغسطس/آب عام 1514، وذلك بعد محاولة الشاه فرض المذهب الشيعي وتهديد أمن الدولة العثمانية.
تحلّ الذكرى ال507 لانتصار العثمانيين على الصفويين بمعركة جالديران، عندما قطع الجيش العثماني مسيرة خمسة أشهر وهزم جيش الشاه إسماعيل بعقر داره بمدينة تبريز في 23 أغسطس/آب عام 1514، وذلك بعد محاولة الشاه فرض المذهب الشيعي، وارتكاب مجازر بحق السنة، وتهديد أمن الدولة العثمانية.
تحركات الشاه وتأجيجه الفتن
بدأت بوادر المعركة مع فرض الشاه إسماعيل الصفوي المذهب الشيعي على شعبه صاحب الغالبية السنية، وإعلانه إياه مذهباً رسميّاً للدولة في إيران.
وجاءت ردود الفعل على نحو عنيف، بالأخص من سكان المدن الكبرى مثل تبريز، التي تتسم بغالبية سنيّة، لكنّ الصفويين استمروا في فرضهم مذهبهم عنوةً، واحتلوا بغداد عام 1508م وهدّموا قبور أئمة السنة وذبحوا مجموعة من علمائهم.
وأثارت توجهات الشاه إسماعيل حفيظة السلطان سليم، حيث كان قلقاً بشأن العشائر الكردية والتركمانية السنّية، وتيقّن أن لدى الصفويين مشروعاً طائفياً لابتلاع المنطقة، وتشييع الأناضول وتفتيت الوحدة الإسلامية، وتهديد أمن الدولة العثمانية.
وعقب تحركات الشاه إسماعيل، سادت فترة من الفتور بين العثمانيين والصفويين، حيث رفض إسماعيل شاه تهنئة السلطان سليم عند تبوئه الحكم عام 1512م، بل أرسل الشاه وفداً ضخماً إلى قانصوه الغوري سلطان مصر، دعاه فيه إلى التحالف معه لمقاتلة العثمانيين، ما وضع السلطان سليم أمام خيار لا ثاني له، وهو إعداد العدة ومقاتلة إسماعيل الصفوي.
وبالفعل، جمع السلطان سليم الأول علماءه ووزراءه وقادة جيشه في مدينة أدرنة غرب إسطنبول، وذلك في 16 مارس/آذار 1514م، وتشاور معهم حول الخطورة المتصاعدة للصفويين في إيران، وأنهم لم يتورّعوا عن الاعتداء على حدود الدولة العثمانية.
وعلى الفور قرر العثمانيون محاربة الصفويين، وقبل الخروج إلى الحرب شرقاً تجاه تبريز عاصمة الصفويين، تأكد السلطان سليم من استقرار العلاقات مع الدول المجاورة له وبالأخص التي تقع على حدود دولته الغربية، وهي المجر والنمسا وهنغاريا وروسيا، ثم عيّن ابنه سليمان (السلطان سليمان القانوني لاحقاً) على رأس السلطة بإسطنبول، لينطلق بجيشه متفرغاً تماماً لقتال الصفويين.
=KTML_Bold=المعركة الفاصلة=KTML_End=
أعلن السلطان سليم الحرب، وخرج الجيش العثماني من مدينة أدرنة متجهاً شرقاً، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من الاجتماع الذي عُقِد بين كبار رجال الدولة في المدينة نفسها. وتحرّك السلطان سليم على رأس جيشه المكوَّن من 140 ألف جندي، متجهاً نحو تبريز عاصمة الصفويين.
وبعد مسيرة خمسة أشهر، مرّ الجيش العثماني خلالها بولايات قونيا، وقيصري، وأرزروم، وصل الجيش إلى مشارف تبريز، واحتل المواقع الهامة بها واعتلى الأماكن المرتفعة والهضبية فيها، ما مكّنه من إحكام سيطرته على مجريات المعركة.
وفي صبيحة الأربعاء 23 أغسطس/آب من عام 1514 التقى الجمعان في معركة عُرفِت باسم معركة جالديران بين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول، وقوات الصفويين المسماة القزلباش بقيادة الشاه إسماعيل.
وكان النصر فيها حليف العثمانيين، وذلك بفضل بسالة جنودهم الذين لم ترهقهم المسافة الشاسعة التي قطعوها من مدينة أدرنة إلى تبريز.
وكان للمقاتلين الأكراد دور بارز في المعركة، حيث انشقوا عن جيش القزلباش بعد الظلم والتمييز اللذين مورسا من قبل الصفويين ضدهم لاعتناقهم المذهب السني، فيما انحازوا للجيش العثماني ليكافئهم السلطان سليم لاحقاً بإعطائهم حكماً ذاتياً في المناطق التابعة لهم.
وساعد رماة البنادق العثمانيون على تقهقر جيوش الصفويين بعد معركة حامية الوطيس، وهرب الشاه إسماعيل بعدما وقع الكثير من قادته في الأسر، ومقتل محمد خان استاجلو أحد أبرز قادة الجيش الصفوي.
ودخل العثمانيون تبريز عاصمة الدولة الصفوية، ووضعوا حداً لتجاوزات الصفويين. وضموا إليهم غالبية مدن العراق وإيران، وأعلن رؤساء كردستان في ديار بكر، وماردين، والموصل، وسنجار، وحصن كيفا، والعمادية، وجزيرة ابن عمر، ولاءهم للسلطان سليم.
ومن نتائج معركة جالديران من الناحية الاستراتيجية، تعاظم نفوذ العثمانيين من خلال تحكمهم بطرق التجارة الرئيسية من الأناضول عبر القوقاز وسوريا وإيران، وخاصة طريق تجارة الحرير الفارسي من تبريز مروراً بحلب، ثم مدينة بورصة غرب الأناضول.
كما نتج عن المعركة بدء الفتوحات العثمانية شرقاً نحو الدول العربية بالشام وشمال إفريقيا، وذلك بعد أن كان محور اهتمامهم منصباً على أوروبا الشرقية.
وتبع معركة جالديران معارك أخرى هامة مثل معركة مرج دابق، التي جرت في 24 أغسطس/آب عام 1516 وانتصر فيها الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم على المماليك، لتنضم مصر والشام تحت لواء الدولة العثمانية.
[1]