قراءة في رواية “#حفيدة عشتار# ” للروائية #روناك مراد# – جوان ديركي
جوان ديركي
بدأت حركة الكتابة والتأليف في السنوات الأخيرة بقوة في كردستان بشكل عام وروج آفا بشكل خاص, باللغتين الكردية والعربية. وظهرت العديد من الروايات المؤلفة حديثاً, والتي تتطرق الى المجتمع الكردي والثورة الكردستانية.
إحدى هذه الروايات التي جذبتني بقوة هي رواية “حفيدة عشتار“، وهي الرواية الثانية من الروايات الثمانية المطبوعة لحد الآن للروائية الكردية روناك مراد.
تضم الرواية بين دفتيها سبعاً وعشرين /27/ فصلاً, في /510/ خمسمائة وعشر صفحات من القطع الوسط.
قد يقول البعض لم اختيار هذه الرواية؟ فهي لم تحصل على جوائز, ولم تترجم الى اللغات العالمية, وإلى ما هنالك من الأسئلة. أقول: نحن تعودنا أن نقدّر شخصيات من غير قومنا, ونستشهد بمؤلفات كُتاب غير كرد, ونقتبس من أفكار فلاسفة وعلماء أجانب. فلِم هذا التقرب الخاطئ ما دام عندنا من شخصيات نقتبس منهم ونستشهد بآرائهم؟ لماذا لا نتجاوز عقدة النقص هذه عندنا؟ ترى كم كاتباً أو مفكراً كتب عن قضيتنا بصدق؟ كم رواية كتبت عن مآسي شعبنا والمجازر التي تعرض لها من روائيين غير كرد؟ أليس أولى بنا أن نقرأ لكتابنا ومفكرينا؟ وهل يستطيع كاتب غير كردي التعبير عما يتعرض له شعب كردستان ويحس بآلامه وأهواله؟ حقيقة رواية حفيدة عشتار تستحق القراءة والدراسة, لأنها تعبير صادق وحقيقي عن مرحلة تاريخية لنضال شعبنا من أجل التحرر. وباعتقادي, لو كانت هذه الرواية لكاتب غير كردي, لفقدت نسخ الرواية خلال أيام, ولانتقلت الرواية من يد الى أخرى, ولعُدّت برامج أدبية وثقافية تلفزيونية عنها, لكن مع الأسف الشديد, كما يقول المثل الكردي: (عشب الحديقة مرّ=giyayê hewşê tehl e ).
بداية, عنوان الرواية ملفت للانتباه وجذاب. ف “عشتار” هي إلهة الحب والحرب والجمال في ميزوبوتاميا, ولها تاريخ طويل في صراعها مع الرجل السلطوي الذي استلب منها كل قيمها وثقافتها. وبطلة الرواية, حفيدة عشتار, تسير على درب جدتها في المقاومة والصمود, للحفاظ على ما تبقى لديها من قيم الأمومة النبيلة, ولاسترجاع ما سلب ونهب منها. فالعنوان ملائم لمحتوى الرواية وأحداثها التي تدور حول الصراع الذهني والجنسوي في مواجهة العقلية الذكورية.
الكاتبة والروائية روناك مراد, ذات الخلفية الثقافية العليا, طبع لها حتى اليوم ثمان روايات وعدة كتب أخرى أعدتها وطبعتها, ولا زالت تكتب دون كلل أو ملل. فقلمها سيال وناضح بكثير من العناوين والمواضيع التي تخص المجتمع الكردستاني والحياة الثورية وحياة الشهداء. وقد عاشت الكاتبة الحياة الثورية كمقاتلة ولسنوات في جبال كردستان, وواكبت المرحلة التي وقعت فيها أحداث الرواية. لذا نحس بصدق تعابيرها وجملها. وقد نذرت نفسها لخدمة شعبها, وإحياء ذكرى رفاقها ورفيقاتها الشهداء.
تدور أحداث الرواية في جبال كردستان, في أيالة غرزان. وبطلة الرواية (ريفان) القادمة من منطقة كوباني ذات الطابع العشائري والإقطاعي.. تستطيع تجاوز جميع الصعوبات التي تعترض تقدمها, بعد تعرفها على فكر وفلسفة حزب العمال الكردستاني وانضمامها الى الحركة الثورية. فهذا الحزب الذي نشط كثيراً في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي, وتمدد في جميع أجزاء كردستان والمهجر, انضم إليه الآلاف من شباب وشابات روج آفا, ومنهن بطلة الرواية ريفان. والرواية جزء من نضال فتاة كردية التحقت بالحرب الثورية في جبال كردستان, لتحرير شعبها من ظلم واستعباد آلاف السنين وتحقيق بناء الشخصية والهوية الكردية. تقول الروائية عن أحداث الرواية, في الصفحة الأولى: “هذه الرواية حقيقية ونموذج من صمود فتاة كردستانية. كل الأحداث حقيقية وواقعية ومنقولة عن بطلة الرواية”.
فمسيرة البطلة مليئة بالأحداث والمغامرات التي لا يصدقها العقل. لكن بحثها عن الحقيقة والتزامها بعشقها الصادق, جعلاها إنسانة خارقة. “قد تكون الحقيقة أغرب من الخيال في تاريخ ثورتنا الكردستانية, والأغرب عندما تكون المرأة هي البطلة في أغلب روايات وأحداث تاريخنا الحديث, خاصة عندما يكون عشق الحقيقة وأمل الحرية زاد وزوادة الكريلا في الصمود والمقاومة ضمن ظروف الحرب والحصار في جبال كردستان”. ص3
تأخذنا الرواية إلى عالم ومجتمع آخر غير الذي نعيشه. فحياة الثوار والأنصار تختلف كثيراً عن حياتنا. التدريب اليومي, والقتال والهجوم والمقاومة, والتنقل الدائم والانضباط العسكري والروح الرفاقية.. كلها من مسلمات حياة الكريلا. وأكبر الصعوبات التي يواجهونها هي قسوة الطبيعة التي تساعد العدو في متابعة مجموعات الأنصار, بالإضافة الى العملاء المتعاونين مع العدو. لقد جرحت البطلة في إحدى العمليات ضد المرتزقة والجيش التركي, ورغم ذلك استطاعت النفاذ من بين الحشود الكثيرة, فقد رمت نفسها نحو الوادي العميق رغم جراحها, مرتطمة بالصخور والأشواك، مما زاد من جروحها. انقطعت عن مجموعتها, واستشهد بعض رفاقها, والقرى المجاورة مليئة بالمرتزقة القروجيين, فماذا تفعل؟ بعد أن استفاقت من صدمتها, شاهدت نفسها وقد قطعت شلالاً صعوداً, وجالسة تحدق في موقع العملية من الطرف الآخر للنهر. شاهدت قوات العدو وهم يأخذون جنازة رفيقتها. “أحضروا عموداً, وربطوا به جنازة “كرين”, حملها اثنان من القروجيين.. بدا شعرها الأشقر الطويل مفروداً يسير مع يديها المتدليتين”. ص 17.
علمت ريفان أنها أصيبت من الخلف وليس من طلقات العدو الأمامية. “أحست ريفان بنفسها وقد أخذها الحقد على ذلك الشخص وأمثاله الغير مبالين بمبادئ الحزب وقدسية الثورة. قالت بصوت مسموع: اللعنة على الخيانة, الخيانة هي خيانة, إن كانت داخلية أو خارجية”. ص52. فقد استطاع العدو التركي تجنيد الآلاف من القرويين للارتزاق لصالحها, كما زرعت العديد من عملائها ضمن صفوف الثوار.
وصفت الكاتبة لنا تفاصيل الجغرافيا والطبيعة الجبلية والقروية بدقة متناهية, الجبال والوديان, الأشواك والصخور, الحيوانات والبشر, الرياح والأمطار والثلوج… بعبارات جميلة وسلسة: “الثلج الوحشي سد كل الطرقات, وأسر الجبال, والمياه أسرت الوديان, أين يجب أن أسير؟ رفعت رأسها ناظرة إلى الجبال, كلها بيضاء, كأنها إكليل عروس, والطرقات التي سار فيها القروجيون للتو, زنار يلف خصر الجبل”. ص 55
أعطت الكاتبة لشخصيات الرواية حقها. فقد بينت لنا حقيقة الارتزاق في شخص “سيد خان”, والوطنية الصادقة في شخص “عزالدين”, والخيانة الداخلية في شخصيات “شمو وفرمان وسيدار”, والبطولة في شخصيات “ريفان وساكنة ودجلة”…
فعالم الكريلا أيضاً فيه التناقضات والخلافات في المفاهيم والأفكار, كما فيه الحب والكره, البطولة والجبن, الخيانة والثورية, العطف والحنان.. فهم بشر أيضاً, ولكن الفرق بيننا, أن أحاسيسهم أرهف, وعاطفتهم أقوى, وإنسانيتهم أكمل, وعشقهم أعظم. وقد استطاعت الروائية إظهار كل هذه الحقائق من خلال شخصيات الرواية, بالتعابير الجميلة, والأفكار المترابطة, والجمل المسترسلة. فالرواية جزء من حياة الكريلا التي تحدث فيها الشهادة والأسر, والبطولة والخيانة, والجوع والتحمل, والبرد وقسوة الطبيعة… كما أنها تعبير حقيقي عن واقع المجتمع الكردستاني الذي نالت منه الخيانة والارتزاق وأصبح على شفا هاوية من الانصهار والإبادة. الرواية تجسيد للمقاومة التاريخية للشعب الكردي ضد الاحتلال والاستعمار والمجازر.
استطاعت الكاتبة إظهار صحة الحياة الندية التي هي من مبادئ الحزب والثورة, بمساواة المرأة مع الرجل, وقدرتها على الولوج في جميع مجالات الحياة العسكرية منها والمدنية, وعلى التحمل والصمود وتحقيق الانتصارات في الحرب والسلم. كما قارنت بدقة بين المفهوم الذكوري تجاه المرأة ضمن المجتمع وضمن حياة الأنصار, والتقرب المشابه في كثير من الحالات لمسألة المرأة كجنس ناقص ضمن المجتمع وبين الكريلا. وقد وفقت الكاتبة في ذلك, دون أن نحس بأنها قد عبرت عن رؤيتها بتكلف. فقد جاءت الأحداث في الرواية مترابطة ومنتظمة في فصول, وبأسلوب سهل وسلس وواقعي, وبلغة بسيطة بعيداً عن البلاغة اللغوية الصعبة, ولكن الغنية بالأفكار والمعاني والقيم. والمليئة بالأحاسيس الصادقة والعواطف الجياشة والمواقف النبيلة. وقد وفقت الكاتبة كثيراً بأسلوبها الاستطرادي والانتقال بنا من حدث إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى دون أن نشعر بالضياع أو الملل.
تختم الكاتبة أحداث الرواية بإصرار “ريفان” وصمودها وتحملها, وإيمانها بلقاء رفاقها بعد انقطاع دام ثمانية أشهر, وحلمها بلقاء القائد الذي طلب من قيادة الأنصار حمايتها والاستعجال في إرسالها إليه. لكن حلمها لم يتحقق, فقد أسر القائد, ولكن “ريفان” لازالت صامدة ومصرة على متابعة النضال حتى تحقيق حلمها بلقائه.
الرواية مليئة بالأحداث المشيقة ولا نرغب في ذكرها جميعاً حتى لا نفتر رغبة القارئ في اكتشاف تفاصيلها بنفسه. ولا يمكننا ذكر كل التفاصيل من خلال مقال معد لمجلة.
ملاحظة لا بد من ذكرها, وهي: كثرة الأخطاء الإملائية والمطبعية وبعض النحوية, في الطبعة الثالثة للرواية . بالإضافة إلى بعض الألفاظ اللغوية التي جاءت في غير محلها. كما أن هناك بعض الجمل جاءت مترجمة من لغة الكاتبة الكردية, ترجمة حرفية, فبدت ركيكة المعنى وضعيفة الصياغة, وفي هذا لا تلام الكاتبة عليها, بل المدقق اللغوي هو الملام وكذلك دار النشر.
في الختام أقول: الرواية جيدة ومشيقة وتستحق القراءة والدراسة. وهي من أدب ثورتنا التحررية وتليق أن تكون مادة حية وجاهزة لفيلم سينمائي عن مرحلة تاريخية من نضال شعبنا للتحرر من العبودية.
الرواية من منشورات مدرسة شيلان باقي الأدبية. وطبعت ثلاث طبعات:
الطبعة الأولى سنة 2008 – مطبعة روناهي
الطبعة الثانية سنة 2013 – مطبعة روج
الطبعة الثالثة سنة 2015 – مطبعة سيماف- قامشلو
[1]