=KTML_Bold=الكُرد من السلوقيين إلى السيطرة الرومانية:=KTML_End=
بعد انتصار الإسكندر المكدوني على الملك الفارسي دارا الثالث في معركة گُوگَميلا Gugamela قرب أربيل، سنة 331 ق.م، أصبحت كردستان (ميديا وكوردوئين وغيرها من المقاطعات) تابعة لإمبراطورية الإسكندر، وكان حاكمَ ميديا الصغرى (أذربيجان الغربية التابعة لإيران حالياً) زعيمٌ ميدي يدعى أتروپات Atarapata، وكان دارا الثالث قد استعان بالقوات الميدية بقيادة أتروپات لردّ هجوم الإسكندر، بل إنّ أتروپات كان قائد فرقة الاستطلاع في معركة گُوگَميلا.
ومارس أتروپات سياسة حكيمة مع الإسكندر ومع خلفائه بعد وفاته في بابل سنة 323ق.م، واستطاع رويداً رويداً الاستقلال بحكم ميديا الصغرى التي سمّيت في عهده باسم “أتروپاتيا”، فيقول دياكونوف حول ذلك : “إنّ المملكة الجديدة، التي كانت تسمّى رسمياً دولة ميديا، يسمّيها المواطنون “ميديا الأتروپاتية” أو يسمّونها “أتروپاتيا”… إنّ الدولة الجديدة حافظت على النهج السياسي والحضارة الميدية لعهد أيام ديوك الماضية”.
بعد وفاة أتروپات صارت ميديا من جملة البلاد التي كانت من نصيب سلوقس الأول، أحد كبار قادة اليونان، ولم تهدأ الاضطرابات ضد الحكم السلوقي في ميديا وعموم المنطقة ،ففي أواسط القرن الثالث قبل الميلاد تمكنت القبائل الأرية في منطقة بارثوا في شمال شرق إيران من طرد السلوقيين من المنطقة ، وتمكنوا من تأسيس دولة جديدة عرفت بالدولة البرثية ، وتعرف ايضا وخاصة في المصادر الفارسية القديمة باسم الدولة الاشكانية ، نسبة إلى مؤسسها ارشاك الاول الذي يعرف أيضا باسم ( اشك ) . وبذلك دام الحكم السلوقي من حوالي سنة 311ق.م إلى حوالي سنة 247ق.م، .
وإذا كانت الدولة البرثية قد حلت محل الدولة الأخمينية بعد استرجاع ما خسرته امام الاسكندر المقدوني ، إلا أنها اختلفت عنها بطريقة الحكم باعتماد اللامركزية ، حيث تركت حكم الأقاليم التابعة لها بيد امراء وحكام محليين ، وسمحت لهم بإدارة ولاياتهم وفق قوانينهم وتقاليدهم ، مع الاعتراف بالتبعية الاسمية للملك ( البرثي ) في عاصمته طیسفون، وكان لبعض المناطق وخاصة تلك التي كانت تقع على حدود الإمبراطوريتين وضع خاص ، حيث تمتعت ارمينيا والمناطق الكردية باستقلالية اكثر نظرا لسعي الطرفين البرثي والروماني إلى استمالة الزعماء الكرد (المتمثلين بالميديين) والأرمن إلى جانبهم في الأزمات والحروب التي كانت تتجدد باستمرار،. وقد ساعدت تلك الظروف على ظهور قوة سياسية جديدة هي المملكة الأرمنية الثانية التي استطاعت وبمساعدة الملك البرثي مهرداد الأول Mehridad1 من الاستيلاء أولا على شمالي كردستان ، ومن ثم على القسم الجنوبي من كردستانوقام الملك دیكران الثاني ببناء عاصمة جديدة سماها ( دیكرانا كيرتا - Tigrana Kerta میافارقين حاليا على الضفة اليسرى لنهر دجلة ، قرب مدينة آمد) . وغزا هذا الملك البلدان المجاورة لأرمينيا، وأسس إمبراطورية تمتد من بحر قَزْوِين غرباً إلى كَبادُوكيا وكِيلِيكْيا والساحل السوري بما فيه فِينيقيا غرباً، ومن قَفقاسيا (القوقاز) والبحر الأسود شمالاً إلى أربيل وسوريا الداخلية جنوباً
وفي الربع الثاني من القرن الأول قبل الميلاد زحف القائد الروماني لُوكُولُّوس على ممتلكات أرمينيا، وهزم ملكها ديگران الثاني، واستولى على عاصمته الجديدة، لكنّ ديگران جدّد القتال ضد الرومان وألحق الهزيمة بلوكولُّوس بالقرب من نهر مُراد صُو، فتراجع الرومان إلى نِصِيبين، وكانوا قد اتخذوها قاعدةً لهم في حروبهم ضد الأشگان والأرمن، وهذا يعني أنّ كردستان أصبحت ميداناً رئيسياً للمعارك الطاحنة بين هذه القوى الإقليمية الثلاث حينذاك: الرومان، الأشگان، الأرمن.
وفي سنة 67ق.م كلّف مجلس الشيوخ الروماني بُومْبَى بالهجوم على أرمينيا، ولم يستطع ديگران الثاني الصمود طويلاً ﮪذه المرة، ففرّ إلى الجبال، ثم اتفق الطرفان على الصلح، لكن جُرّدت أرمينيا من ممتلكاتها في سوريا ولبنان وكبادويا وكيليكيا وكردستان، وتوفّي ديگران الثاني سنة 55/54 ق.م.
وبتدقيق النظر في التوازنات الإقليمية حينذاك يتضح أنّ الكرد – ممثَّلين بالميد– لم يكونوا على هامش الأحداث، فقد كانوا يحاولون الخلاص من النفوذ الأشگاني، فكانوا يلقون التأييد والدعم من الطرف الروماني، وانجلت الصراعات الإقليمية عن معسكرين متنافسين متصارعين: الأول يضم الأشگان والأرمن، والثاني يضم الرومان والميد.
وتوطد التحالف الارمني _ الاشگاني في عهد الملك الأرمني أردافست الثاني بن ديگران الثاني (حكم بين سنتي 54-34ق.م) بعلاقة مصاهرة بين الأسرتين الملكيتين؛ الأمر الذي جعل القائد الروماني أنطونيو-زوج كِلْيُوباترا في مصر- يُلقي القبض على الملك الأرمني ويقوده إلى مصر ويُعدمه هناك.
ويبدو أنّ الميد كانوا يقفون إلى جانب أنطونيو في الصراع، والدليل على ذلك أنّ الملك الأرمني أرداشيس الثاني (حكم بين سنتي 30-20ق.م)، وهو ابن أَرْداڤَسْت الثاني، اشترك مع الملك الأشگاني فَرْﮪاد الرابع في حملة شنّاها معاً ضد الميد في المنطقة الواقعة بين تِبْرِيز وهَمَذان، باعتبارهم حلفاء لأنطونيو، وتمكّن أَرْداشِيس من قتل الملك الميدي أَرْداڤَسْت، مما جعل له مكانة خاصة في البلاط الأشگاني.
وفي النهاية ظلت أرمينيا تتأرجح بين الميل مع الأشگان تارةً ومع الرومان تارةً، وظهر مركزان للقوة في القيادة الأرمنية: أحدهما أشگاني الهوى، والثاني روماني الهوى. ولم يكن الميد خارج الصراع، ويبدو أنهم ظلوا على تحالفهم مع الرومان ضد الأشگان الذين يحتلون بلادهم، ونجد في الفترة بين سنتي 1-2م أنّ الحزب الموالي للرومان يسيطر على الأوضاع في أرمينيا، فترسل روما إليها حاكماً من أصل ميدي يدعى أَرْيُوبارْزان، وعيّنت بعده حاكماً ميدياً آخر، بين =KTML_Bold=سنتي 2-11 م، يدعى أَرْداڤَسْت الخامس=KTML_End=
وفي السنة الأولى قبل الميلاد ايضا تنازلت الدولة البرثية بموجب معاهدة صلح مع الإمبراطورية الرومانية عن مقاطعتي ارمينيا و كردستان لحكومة روما . إلا أن البرث وفي عهد الملك ( كودرز Guhderz ) نقضوا هذه المعاهدة ، بإعادة السيطرة على هذه المنطقة ، فقاد القيصر الروماني نیون حملة كبيرة على ارمينيا وكردستان واستولى عليهما معا ، ثم وقع الطرفان على معاهدة رهانديا Rehandiya عام 16 م ، والتي اعترفت بموجبها الإمبراطوريتان بالسيادة القومية للأرمن ، على أن تقوم بارشیا بتعيين الملك على عرش ارمینیا ، مقابل مباركة روما لهذا التعيين . أي أن الدولتان وان اعترفتا باستقلال ارمينيا إلا أنهما مارسا عليها وصاية مشتركة . وفي هذه المرحلة اي في القرن الأول للميلاد تعرضت ارمينيا وكردستان لغارات متتالية من قبائل اللان والكرج ومنيتا بكثير من النهب والسلب والتدمير . ولم تقم الحكومة الاشكانية - البرثبة - بالدفاع عن البلاد ، فتولى الأهالي مقاومة المغيرين المدمرين اشد المقاومة ، ولحقت بهم خسائر كثيرة لم تخضع بموجبها المنطقة لهم ، ونتيجة المقاومة المشتركة والتنسيق بين الكرد والأرمن . وفي أواخر عهد الدولة البرثية عادت كل من كردستان وارمينيا مرة أخرى إلى واجهة الأحداث ، وإلى ساحة حرب بين البرث والرومان ، وقد خضعت معظم ارمينيا وكردستان عام 191 م للرومان ، وفشلت محاولات البرث والأرمن والكرد في استعادة السيطرة على المنطقة مرة اخرى.
المصادر :
_ كتاب الكرد والارمن ل فارس عثمان
_ دراسات في التاريخ الكردي القديم ( الحلقة 13 )الكُرد من السلوقيين إلى الپَرْث ل د. احمد الخليل[1]