#صباح كنجي#
الحقوق التي تدخل في باب حق الشعوب في تقرير مصيرها واعلان الانفصال وتشكيل الدولة المستقلة او اختيار نمط العلاقة الفدرالية او الكونفدرالية تعتبر اهداف ستراتيجية كبيرة بعيدة المدى تتحقق بالكفاح والتضحيات.. هي في ذات الوقت اهداف عليا سامية جوهرها حرية الانعتاق من الجور والظلم والاضطهاد.. والتمتع بالحرية كضرورة من ضرورات الحياة في هذا العصر.. لا تخضع للاجتهادات الشخصية والمزاج المتقلب.. تصنف في اطار العلوم الاجتماعية وفقاً لمحتواها المنسجم مع مصالح الجماهير خطوة في مسار التقدم الاجتماعي ..
وهي من السمو والرفعة ما يجعلها في مقدمة المهام.. التي تتطلب تحديد الخطوات المؤدية اليها بدقة.. من قبل المؤسسات السياسية والاقتصادية بمشاركة جماهيرية فاعلة ومدركة لأهمية خوضها الصراع والكفاح الذي يتطلب تحديد القوى والجهات المحركة لمسار تطورها المساندة لها.. وفقاً لمستجدات موازين القوى والمؤثرات الخارجية بما فيها الاوضاع الدولية والاقليمية المحيطة بجغرافية الحدث.. كما هو الحال مع الوضع في اقليم كردستان العراق ..
ولا يجوز بأي شكل من الاشكال خلط الاوراق والهبوط بهذه المطالب والاهداف المشروعة الى مستوى الشعارات اليومية التكتيكية للحصول على مكاسب حزبية ضيقة.. التي يلجأ اليها المتخاصمون على قضايا ومسائل اقل شأناً من قبيل المشاركة في السلطة التنفيذية او التشريعية وفق نسب او ارقام بما فيها ما يتعلق بالموازنة والحصص المقررة للمحافظات والاقليم.. او الهبوط الى جزئية اقل شأناً مما سبقها كما هو الحال مع رواتب المتقاعدين واعداد البيشمركة وغيرها من الحجج الواهية والسقيمة.. التي يجري النقاش حولها و تضخيمها كما هو الحال مع تسليح الوحدات العسكرية.. والكثير من جوانب الخلاف بين الاقليم والمركز ولا يستثني من هذا الوصف ما له علاقة بالمناطق المتنازع عليها.. بما فيها كركوك وسنجار وسهل نينوى وغيرها من المدن والبلدات المشمولة بهذا الوصف ..
المآل الذي وصلت اليه الامور من ممارسات وحوارات فاحشة وبذيئة بين بعض الاطراف الكردية ومن يتبوأ موقعاً في السلطة المركزية والمؤسسات الحزبية والعشائرية العربية وتباين مواقفها من الاستفتاء يعكس طبيعة الازمة البنيوية المستفحلة في المجتمع العراقي.. التي تطرح حلولاً لا تفضي لنتائج مقبولة وتتحول الى مشكلة ..
كما هو الحال مع الاستفتاء الذي يعتبره من يتبناه حلا .. فيما يعتبره الاخرون مشكلة وعندما يصبح الحل مشكلة.. يستعصي على المراقب تحديد وجهة تطور الاحداث وفقاً لسياقات علم السياسة..
لأنّ ما يجري من ممارسات من الجهتين لا يعكس مصلحة جماهيرية وهدفاً حقيقياً يمت بصلة لطموحات الكادحين.. و من هم دونهم في الوصف الاجتماعي والطبقي من المنكوبين المتواجدين في مخيمات النزوح.. الذين لا يجدون عملا ويعانون من اوضاعهم المزرية من ثلاث سنوات.. بعد ان اجتاحت داعش مدنهم وقراهم.. قتلت رجالهم ونهبت ممتلكاتهم وسبت نسائهم واستعبدت اطفالهم ولم يجدوا من يحميهم في تلك المحنة ساعة هجوم الدواعش عليهم..
وهو في الجوهر لا يتعدى طبيعة الصراع بين مافيات السلطة والفساد من لصوص وحرامية بغداد واربيل المتقاسمين للسلطة والمال.. الذين اختلفوا في هذه المرحلة التي تشهد سعياً وجهوداً متسارعة لطي صفحة داعش.. كما يبدو للعيان من خلال مسرحيات تحرير تلعفر وعانة والحويجة تحت اشراف دولي واقليمي تتضح معالمه وصفحاته وصفقاته في كل ساعة.. وتفرز معادلات جديدة في موازين القوى يجري التحسب اليها من جميع الاطراف ..
لهذا فإن ما يجري وما سيجري خلال الساعات المقبلة.. وفقاً للسيناريو المرافق للاستفتاء يتعدى حدود الانضباط والعقلنة.. قد يفضي لاحتمالات متناقضة يصعب استبعادها خاصة وان بعض المؤشرات تؤكد :
1 استمرار توجه القيادة المتحكمة في اربيل بنهج المغامرة والمقامرة واصرارها على اجراء الاستفتاء كأنه حل سحري لمشاكلها.. مستخفة بالتهديدات الاقليمية والمحلية ومتجاوزة النداءات الاممية ورسائل الضغط ومؤشرات الخطر..
ولا يتحمل المسؤولية التاريخية في هذا المجال مسعود البارزاني وحده كما اعلن في اكثر من مرة.. بل بقية الاطراف المساندة له .. في المقدمة منها جزء من الاتحاد الوطني الكردستاني المتصدع.. والحزب الشيوعي الكردستاني وكل من صفق لهذا الوهم.. وسوق موضوعة الاستفتاء كحل لابد منه لخداع الجماهير..
لان حق تقرير المصير لا يعتمد على الاستفتاء كما يجري تصويره وتضخيمه اولاً.. ولان الاستفتاء في جوهره ليس الا محاولة لمعرفة نسبة المؤيدين والمعارضين ثانياً.. ولا اعتقد ان عاقلا سيقف ليصوت ضد حق تقرير المصير.. والامر في جوهره لا يحتاج لهذه الممارسة الشكلية بقدر ما له علاقة بتهيئة البنية التحتية والجيوسياسية للتحول والانتقال الى مرحلة متقدمة في خوض الصراع من أجل هذا الهدف.. و بالإمكان اللجوء للبرلمان الكردي لتبني مشروع الاستقلال والتخطيط لمراحله اللاحقة بأساليب واشكال متعددة منها تبني صيغة الاتحاد الفدرالي او الكونفدرالي او التحول لجمهوريات اتحادية تشمل الاقليم وباقي محافظات العراق ولا يستبعد منها صيغة فدرالية المحافظات كما هو الحال في المانيا مثلاً ..
2 ان اللجوء للتهديد بالعنف واستخدام القوة وزج الجيش والقوات المسلحة بما فيها الميلشيات الحزبية وتشكيلات الحشد الشعبي في الصراع الراهن.. يعتبر ظاهرة مدانة لا تتفق مع الدستور ولا تنسجم مع طبيعة النظام السياسي الذي اختاره الجميع وفقاً للمحاصصة والتوافقات..
يعكس فيما يعكس.. عدم استفادة الجميع ممن يتبنون توجهات حربية لحسم الصراعات الاجتماعية الراهنة بالقوة والعنف.. من تجربة النظام الدكتاتوري المقبور.. و هي لا تتفق مع طبيعة طموحات ومطالب جماهير شعبنا التي عانت وما زالت تعاني من الخراب المستفحل والحروب المتواصلة.. بسبب دواعش الفساد السياسي.. و دواعش الدولة الاسلامية التي ما زالت تتمركز في العديد من الاقضية والنواحي والقصبات.. وتنسق مع بقايا حزب البعث وعناصر اجهزته القمعية وتنسج علاقاتها السياسية مع الاحزاب الدينية.. واطراف مهمة في كردستان وهو امر يبعث على التساؤل والحيرة ويخلق الشك والريبة ولا يساعد على خلق حالة ثقة بالإجراءات السياسية المعلنة واهدافها بما فيها الاستفتاء وملابساته..
الذي يترافق مع تراجع الخدمات الصحية وضعف وانعدام الكهرباء والماء الصالح للشرب في السليمانية ودهوك واربيل بالرغم من مرور اكثر من 25 عاماً على تحررها من سطوة الدكتاتورية .. الأسوء في الامر قطع الرواتب عن الموظفين وسرقة المال العام من قبل كوادر الحزبين وتحولهم الى طبقة اجتماعية فاسدة لا تعبر عن مصالح وطموحات الجماهير ..
3 افرزت وسائل الاعلام عبر المحطات والبرامج المعدة لمواكبة الاحداث .. ان المجتمع العربي عموماً.. والمجتمع العربي في العراق بشقيه تحديداً.. لا يستوعب ولو بدرجات متدنية قضية حقوق الآخرين.. ناهيك عنْ استيعاب حق تقرير المصير.. ولا يمتلك اي تصور سياسي ولم يبلور أية أفكار قد تفيد او تساعد في الوصول لحلول ممكنة على الاقل في هذه المرحلة ..
وقد انعكس هذا الامر في سلسلة شتائم بذيئة خلطت الاوراق.. وجعلت من الكورد خونة وصورت طموحهم وتوجههم للاستفتاء بانه اسرائيل ثانية.. وكانت احط واقذر الكلمات تنساب بسهولة من عدة برامج في محطات تعود للأحزاب تدير السلطة وتشترك في اللصوصية مع من وجهت لهم هذه البذاءات من الكورد ..
ولو خيرت شخصياً بين العيش مع هؤلاء المتخلفين الذين لا يقيمون اي اعتبار لحقوق غيرهم ويرفضون فكرة المواطنة.. لما توانيت لحظة في رفض العيش المشترك مع هذه الشلة المتخلفة من الذين لا يستطيعون التخلي عن ثقافة البدو ونزعة العدوان والميل للعنف.. واعلنت استقلال والانفصال والابتعاد عنهم..
فكيف بحالة شعب مضطهد .. اصبح ضحية صفقات دولية.. يجري التعامل مع من يدعي تمثيله بهذا القبح والسفالة وتخوينه وتعميم الموقف على شعبه ومن يسانده في هذا الهدف.. ولا يستثنى الا مجموعة من المثقفين والسياسيين ممن ترفعوا وكانوا في الطرف الثاني من المعادلة .. مجموعة المثقفين المستقلين العرب الذين رفضوا وادانوا المهاترات التي طفحت وجاهدوا لإيقاف تداعيات الاستفتاء بهذا الشكل المريع..
لمْ يبق الكثير من الوقت للبحث عن حل ممكن في هذا الوقت العصيب.. القيادة الكردية مطالبة بالتفكير قبل غيرها وسط هذه الفوضى.. في هذا الوضع الشاذ بالعدول عن تقديم الذريعة للآخرين ودراسة الموقف من كل جوانبه واستخلاص الدروس والعبر..
الشجاعة تتطلب الحفاظ على المكتسبات التي تحققت للكورد وعدم تعريضهم ومن يعيش معهم في كردستان للمزيد من المخاطر ..
تأجيل الاستفتاء او حتى الغاءه لا يغير من طبيعة الاهداف السامية للكورد وحقهم في تقرير المصير وانشاء الدولة المرتقبة .. والخروج من هذا المأزق يشكل انتصاراً تاريخياً لهم ولبقية شعوب المنطقة التواقة للحرية والانعتاق.. وينقلهم لمرحلة متقدمة من العمل والكفاح بعيداً عن جولات الحروب والاقتتال المحتملة.. حرب لن تؤدي الا لخسارة الجميع في هذا الوضع الدولي الملتبس الذي يتحول فيه الاصدقاء الى اعداء وبالعكس بلمح البصر .[1]